المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
من حلقة عرفات في سلسلة "أعداء".
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 174
  • سماح بصول

في العام 2021، بدأت قناة التلفزة الإسرائيليّة الرسميّة "كان 11" الناطقة بالعبريّة بث سلسلة وثائقيّة تحت اسم "أعداء"، وتبحث السلسلة في الحياة السياسيّة لشخصيّات قياديّة بارزة في العالم العربيّ وعلى وجه الخصوص مواقفها تجاه الصراع العربيّ – الإسرائيليّ وتأثيرها عليه، وتسلّط الضوء على مدى الخطورة التي شكلتها أو تشكلها كل واحدة من الشخصيات على كيان الدولة الإسرائيلية، إذ تعرّف الصفحة الرسميّة للسلسلة المحتوى على أنه يعكس صورة القادة العرب من خلال عيون المخابرات الإسرائيليّة، ويبحث في الدوافع والنوايا الحقيقيّة للأعداء الذين يعلنون عن رغبتهم ونيّتهم "تدمير الكيان الصهيونيّ وإلحاق الأذى به ومحوه".

خلال مواسمها الثلاثة السابقة، قدّمت السلسلة عدداً من الشخصيات الفلسطينيّة البارزة ضمن مجموعة الأعداء – وستكون هذه محور محتوى هذا النص من دون غيرها وسنوجز أهم ما قيل عنها - وكان أولهم الرئيس الفلسطينيّ الراحل ياسر عرفات، وجاء من بعده في الموسم الثاني كل من المفتي أمين الحسيني، ومؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين، وفي الموسم الثالث كل من مؤسّس حركة الجهاد الإسلاميّ فتحي الشقاقي، وأحد مؤسّسي الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين جورج حبش، والأسير مروان البرغوثي، أما الموسم الرابع الحالي الذي انطلق في مطلع شهر شباط 2025 فافتتحه يحيى السنوار.

كتب الفكرة وأخرجها كل من يارون نيسكي وداني ليبر، الأول حاصل على درجة البكالوريوس في التاريخ، وهو مخرج أفلام وثائقية. أما الثاني فيحمل درجة البكالوريوس في التاريخ والفلسفة، ويعمل محاضراً في كلية الإعلام في جامعة أريئيل المقامة على أراضي مستوطنة تحمل الاسم ذاته.

في إعلان النيات وشرح كيفية اختيار الشخصيات لتكون محور هذا العمل التلفزيونيّ ضخم الإنتاج، يوضّح صنّاعه أن الزعيم في الدول العربيّة والإسلاميّة يكون صاحب القرار الوحيد في معظم الحالات، لذا فإن التعرّف على شخصيته بتعمّق وكذلك أفكاره وأفعاله "يعتبر أمراً ضرورياً لإحباط نواياه الهجومية ضد الدولة اليهوديّة".

في مقابلة مطولة بعد شهرين من اندلاع الحرب على قطاع غزة، أجرتها صحيفة "كلكاليست" الاقتصاديّة الاسرائيليّة[1] مع صانعيْ السلسلة حول محتواها والبحث والتحقيق والتواصل مع الشخصيات الظاهرة فيها، أعرب كلاهما عن أن العمل البحثي كان طويلاً ومتشعباً، وأنهما أصرّا على مقابلة أشخاص عايشوا القياديين حقاً لا شخصيات وسيطة، وقد يفاجئنا هذا خلال المشاهدة فنرى ونسمع متحدثين قد لا نتوقع ظهورهم فيها بغض النظر عما يدلون به من تصريحات أو حكايات حول الشخصية، مثل بسام أبو الشريف وسهى عرفات وقسّام البرغوثي وآخرين من قياديين أو أقارب. في المقابلة ذاتها، وجهت الصحافية روتا كوببر بعض الأسئلة المتعلقة بالوضع الراهن، وأجاب صانعا السلسلة في بعض الأحيان بطريقة النصيحة والمشورة لما يجب على القيادات الإسرائيليّة الاهتمام به أو فعله، كالسؤال حول المفاجأة من أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حيث رد ليبر بالقول: "ربما فوجئت إسرائيل بتوقيتها، ولكن المعلومات كانت موجودة أمام أعيننا، وأمام أعين القادة الذين اختاروا عدم تفسيرها بالشكل الصحيح. وعندما تشاهدون الحلقات عن خامنئي أو نصر الله، تدركون أن ما يقولانه هو ما ينويان تنفيذه. لم تركز الحكومة الإسرائيليّة على الشيء الصحيح، لقد فضلت عدم رؤية الواقع {…} وتورطت في أشياء خاطئة".

وفي سؤال محدد أكثر حول حركة حماس وقيادتها كما بدت من خلال البحث، يقول ليبر: "إن حماس منظمة جهادية. ولكن ما حدث لنا في السابع من أكتوبر أننا أدركنا نتائج تخلينا عن القيادة الفلسطينية المعتدلة. المنطقة (الدول العربية/ الشرق الأوسط) تكنّ لنا الكراهية، ولكن هناك أيضاً عناصر معتدلة، لست متأكداً من أننا نستطيع التوصل إلى اتفاق معهم غداً صباحاً، ولكن من المهم أن نلتفت لهم حتى نتمكن من السيطرة على مجريات الأمور".

من هو العدو؟

تحمل السلسة اسم "أعداء" وهذا الاسم له دلالاته الواضحة في خلق شعور بالخطر والقلق، ومحاولة خلق حالة من وحدة الإسرائيليين جميعاً في مقابل أعدائهم الكُثر، ودق ناقوس يذكر بأن هناك من يتربّص بدولة اليهود، خاصة أن منهم من لا يزال حياً وفاعلاً، وإن غاب قيادي جراء ميتة طبيعيّة أو عملية اغتيال فهذا يعني أن ورثته موجودون.

كذلك، فإن اختيار شخصيات عايشها معظم الإسرائيليين تجعل من المادة التلفزيونيّة أكثر إغراءً، فالتجارب والذكريات والخوف الذي لم يتبدد بعد، يجعل التفاعل أكبر ويعيد إنتاج الغضب والانتقام.

اختار صانعا السلسلة من فترة سبقت قيام دولتهما بسنوات عديدة المفتي الحاج أمين الحسيني[2]، وتبدأ الحلقة بتعريفه بأنه العدو الأخطر، والأكثر تأثيراً وأهمية، والأول لليهود وليس لدولتهم فقط، ولقائه زعيم النازية هتلر وحملهما الأفكار ذاتها وعلمه بوجود معسكرات تركيز اليهود في ألمانيا ودوره في "الحل النهائي" – كما يقول فولفجينج شفينتس، باحث في علاقة ألمانيا والشرق الأوسط. ولإعادة إحياء ما قد يكون غائباً من دينيّة الصراع إلى جانب قوميته يكرر الأكاديميون الإسرائيليون مقولات وتحليلات لقرارات المفتي المعتمدة على دوره الديني، ثم يلحقونها بالجانب القوميّ، وبذا يقتنع المشاهد بأن كراهية اليهود الوليدة تتعاظم لكونهم يهوداً ديناً وقومية ولأن حربهم مع الإسلام والمسلمين مستمرة وتتعدى حدود فلسطين التاريخيّة، لذا فإن رُهاب الإسلام في العالم مبرر. يلخص الأكاديميون الإسرائيليون شخصية وأفعال الحاج أمين الحسيني كالتالي: "كان شريراً عبقرياً"، "هدم الأقصى وبناء الهيكل هذا اختراع المفتي، قبل ذلك لم يتحدث أحد عن هذا الأمر ولم يفكر أحد به"، "ظهرت لاساميّته في وقت مبكر عندما كان طالباً في الأزهر"، "أوجد المفتي اللاساميّة الاسلاميّة المتطرّفة التي نعرفها اليوم، ولقد ألف كتاباً جمع فيه كل ما كتب عن الكفار وهكذا أوجد مصادر دينية لواجب قتل اليهود"، "علاقته مع هملر وهتلر مثيرة للاهتمام، ثلاثتهم رؤوا في الدين الإسلامي ديناً رجولياً بطولياً جذاباً للمقاتلين"، "كان المفتي ضالعاً في التطهير العرقي"، "هذا يثبت أنه كان شريكاً سرياً تاماً لمخطط الإبادة النازية".

وذكر اثنان من الباحثين والأكاديميين الإسرائيليين زيارتهما لألمانيا ومقابلة عددٍ من الضباط النازيين القدامى خلال عملهما البحثي، وقد ذكرا الاعتماد على شهادة ضابط ألماني فارق الحياة، في وصف شخص زار معسكرات الإبادة النازية تتطابق مواصفات ملابسه مع ملابس الحاج الحسيني، هكذا وبموت الشاهد المذكور تبقى الكلمة الأخيرة لهما ولتحليلاتهما وتكهناتهما بأن المقصود كان المفتي فلا يتركون منفذاً لدحض ما أدلوا به. وقبيل الإعلان عن قيام إسرائيل حاولت منظمة "الإيتسل" اغتيال الحسيني في أحد مساجد يافا لكن السلطات المصريّة سبقتهم لاعتقاله ونقله إلى القاهرة.

الحيّ والباقي

اختارت السلسلة أعداءها من الشخصيات الفلسطينيّة القياديّة المعاصرة، 6 شخصيات غابت 5 منها الآن عن الدنيا ويبقى الأسير مروان البرغوثي الحيّ الوحيد.

كان ياسر عرفات[3] أول من يطل على الجمهور الإسرائيليّ من خلال السلسلة وهو المحفور في ذاكرة معظمهم. لقد طاردوه أينما حلّ، بيروت وتونس ورام الله، وحاصروه حتى تمكنوا منه. فلماذا يعتبر عرفات عدواً رغم توقيعه اتفاقية سلام؟ يبدو أن التوقيع على اتفاقيات سلام ليس "صكوك غفران للعدو"!

"لقد اعتبر عرفات، خصوصاً من قبل أريك (أريئيل شارون) بأنه تهديد للكيان الصهيوني"، "إن كراهية هذا الرجل عميقة. لقد أراد بناء دولة فلسطينية مكان إسرائيل، آمن عرفات بأن الإرهاب سيساعده على تحقيق الهدف"، "كلما تقدم الوقت ازدادت القناعة بضرورة قتل عرفات"، "بكلمة واحد إرهابي، وبكلمتين إرهابي خطير" – هكذا يُعرف الجانب الإسرائيلي شخصية عرفات في البداية، فلا يشفع له في مقابل هذا كل ما تقوله فيما بعد زوجته سهى عن طفولته ونشأته وكونه زوجاً أو أباً، أو ما يقوله د. صبري جريس عن هذا القائد الذي كان غارقاً في القضية القوميّة الفلسطينيّة. يصبح التركيز الآن على شخصية "رجل مهووس بالقضية الفلسطينيّة بمفهومها السلبي العدائيّ".

وحاولت إسرائيل بقرار من رئيس حكومتها أريئيل شارون اغتيال الشيخ أحمد ياسين[4] في العام 2003، لكن ياسين نجا وتوجه بعد الحادثة بحوالي عشرين دقيقة إلى المسجد وخطب في الجماهير التي تستشيط غضباً "ستدفع إسرائيل ثمناً باهظاً، سنمحو الكيان الصهيوني من على وجه الأرض". واعتبرت القيادات الإسرائيلية ياسين بأنه "وحش بشري يتمتع بذكاء خارق"، "وأكثر أعدائنا وحشية"، "تصرف كنازي، كره اليهود، وامتدح المحرقة"، "بالنسبة له إسرائيل هي كيان كافر، مؤقت، ونهايتها الانقراض". بعد هذه التصريحات مباشرة تأتي استعادة السيطرة على قطاع غزة بعد العام 1948: حصار وجوع وفقر، لكن هذه – كما هي الحال اليوم تماماً- لا تُفسر بأنها تدفع المُحاصر للمقاومة. تحذر المقابلات بشكل واضح من استغلال الفلسطينيين للتهاون والمعونة والمساعدات التي توفرها إسرائيل لبناء قاعدة للإرهاب، وتحذر من فهم الأمر وكأنه إنشاء لحماس، التي ولدت في ظل انشغال الاحتلال بمنظمة التحرير وحركات أخرى – كما يصفون. توصم الحركة باللاسامية وبأنها منظمة إرهابيّة، جهاديّة ووحشيّة.

ويقولون إن فتحي الشقاقي[5] "المتعصب الأكثر تطرفاً" الذي أقام حركة تسعى لفرض الخلافة في فلسطين، "فكره كان واضحاً، لا حق لإسرائيل في الوجود"، "جمع الفكر القوميّ والجهاديّ والإسلاميّ، فكر يعتمد على القتل والوحشية والتدمير"، "نحن بنظرهم أبناء القردة والخنازير". ثم يصف محققو الشاباك أحداث السابع من أكتوبر التي نفذتها حماس بأنها في الواقع تحقيق لرؤية منافسهم الشقاقي "لا فرق لديه بين قتل طفل يهودي إسرائيلي وقتل جندي". يشدد هذا التحقيق حول محاولات التنافس بين حماس والجهاد الاسلاميّ وخاصة في ما يخص تجنيد النساء، ليتحولن في عيني المشاهد إلى شريكات في الخطر والتهديد الفلسطيني.

"مهما طال الزمن سنحتفل بتحرير كل أرض فلسطين"- يقول جورج حبش[6]، لذا يفتتحون الحديث عن عداوته بالقول: "كان أول من ادّعى أن النضال العنيف هو الحل الوحيد للصراع، هو القائل سنقوم بالعمليات ولا يهمنا من يقتل، مسنون أو نساء أو أطفال"، "لقد كانت الجبهة الشعبيّة صاحبة أفكار قاتلة وهي من بدأت خطف الطائرات"، "بعيني حبش إسرائيل كلها شر ويجب محوها". يشدد هذا التحقيق على الجانب المتناقض- حسب الجانب الإسرائيلي- لدى حبش بين كونه طبيب أطفال وصاحب فكر الكفاح المسلح متأثراً من محاضرهِ قسطنطين زريق. يسرد التحقيق بعضاً من العلاقة بين حبش ووديع حداد ليشدد على وجه الخصوص على نشأة "كتائب الفداء العربيّ" وما تلاه بعد ذلك من استهداف لليهود في الدول العربيّة، بما فيها مشاركة حبش نفسه في العمليات وعدم الاكتفاء بالتنظيم، وتجنيد المقاتلين، ووضع الخطط، والأفكار.

بعد بضعة أشهر على قتله في اشتباك في رفح يبدو هذا التحقيق في حياة ونشأة ونشاط يحيى السنوار[7] عجولاً. نسمع في الافتتاحية بعض كلماته "انها معركة عقيدة ووجود" فينذر ذلك بأن الحديث ليس عن الشخص، بل عن العقيدة، وهنا يثار السؤال: كيف تُحارب العقيدة؟
"وعد الله سبحانه وتعالى بزوال دولة إسرائيل"- يُقال في اجتماع "الآخرة" الذي يستشرف الوضع بعد التحرير، هذه وحدها كفيلة بإثارة الرعب في نفس المشاهد الإسرائيلي الذي لا تزال أحداث 7 أكتوبر ترافقه يوماً بيوم. توصف مخططات السنوار والنشاطات الفلسطينية المتتالية بأنها تصاعدية مما يستوجب اهتماماً بكل تفصيل جديد يحدث على الأرض مهما كان صغيراً، هكذا تستمد حرب الإبادة شرعيتها.

"المتطرف، القاتل، النرجسي، الساديّ، القصاب من خان يونس، الذي رأى بنفسه رأس حربة لتحرير فلسطين من الكفار"- يصفه ضباط المخابرات ويحذرون من هذه العائلة التي تضم فرداً آخر يتصدر الحديث الآن: محمد السنوار، ويصممون بروفايل لشخص يوصم بالبيدوفيليا والتحرش بالأطفال.

من المثير في هذه الحلقة الحديث المستفيض عن التنظيم داخل السجون، وكيفية التأثير على الفصائل في الميدان. تحظى هذه النقطة باهتمام بالغ هنا، لتوصل رسالة مفادها أن الأسرى هم خطر على الكيان، وبالتالي فإن معاملتهم بقسوة وحتى تعذيبهم هو جزء من الحرب لاجتثاث "الإرهاب".

"فرض السنوار على الأسرى المحررين عدم التوقيع على بند عدم العودة إلى النشاط الإرهابي، وإسرائيل خضعت"- في هذا التصريح وتصريحات كثيرة أخرى نلمس النقد للمنظومة المخابراتية والسياسية الإسرائيلية مما يعزز ضمناً الأفكار الأكثر تطرفاً في معاملة الأسرى وفي رسم صورة للفلسطيني الذي لا يتوانى عن دعم الإرهاب، فالحلقة تختتم بالقول: "لا نعرف من سيكون السنوار القادم، فالفكرة التي جاء بها السنوار لن تموت بموته".

الوحيد الحيّ الشاهد على ما فات وما يحدث هو الأسير مروان البرغوثي[8] الذي يصفه هذا العمل دوناً عن غيره "بالوسطيّ والمعتدل"، ورغم ذلك، فهو عدو. يدور الحديث عن انقلاب في مواقف البرغوثي نتج عن الانتفاضة الثانية، وقيادته التنظيم – الذراع العسكري لحركة فتح، الذي نفذ عمليات ضد الجمهور الإسرائيلي مما دفع إسرائيل لاعتقاله والحكم عليه بخمس مؤبدات و40 عاماً بعد فشل محاولات اغتياله؛ "لقد تحوّل في لحظة إلى متطرف جداً".

ان الخطورة الآنية التي يعرضها التحقيق تتركز في منافسة البرغوثي لحماس في استطلاعات الرأي حول الرئاسة الفلسطينية، والتأييد الذي يحظى به في أوساط الجيل الشاب. ويختلف المتحدثون حول موقف إسرائيل، فمنهم من يخيرّها بين البرغوثي وحماس، ومنهم من يعارض تحريره ومنحه الشرعية، كقاتل، للمشاركة في انتخابات الرئاسة.

لماذا تحقق السلسلة شعبية قياسية في أوساط الإسرائيليين؟

يؤمن معظم الإسرائيليين بأنهم يعيشون وسط بحر من الوحوش، ويغذي الإعلام هذه الأفكار وأخرى أكثر رعباً حول الفلسطينيين والعرب. في هذا السياق تأتي سلسلة كهذه لإشباع الفضول الجماهيريّ وللتذكير بأن معاهدات السلام ليست كتاباً مقدساً، وأن "معرفة العدو ضرورية لنأمن شره ولكن قتله أكثر أمناً". بين تصريح وآخر، وتحليل وآخر، يتسرب بعض من النقد الداخليّ، خاصّة وأن معظم المتحدثين كانوا في الشاباك أو الموساد أو الجيش، أو باحثين متفرغين لفهم تركيبة العدو والتعاطي معه، لكن هذا النقد لا يأتي لتراشق الاتهامات وإحداث شرخ، بل على العكس يقدّم النقد على هيئة فرصة لاستخلاص العبر، ويبدو أن الحديث المتكرر عن الأخطاء يحصر الإمكانيات في حل المشكلة بقتل الشخوص الفاعلة.

تكررت في كل الحلقات مصطلحات اللاسامية، والوحشية، والإرهاب. إلى جانب تكرار فكرة "وضع القضية الفلسطينية في حلق الدول الغربية"، كما يتم التشديد على رغبة الأعداء بإقامة دولة فلسطين على كل المساحة بين النهر والبحر وكراهية اليهود والرغبة بمحو دولتهم وقتلهم. هذا كفيل بمنح الشرعية للانهاية من الحروب والقصف، والاغتيالات والاعتقالات والتعذيب.

بعد أن بدأ الموسم الرابع، وهناك إشارة لموسم خامس، جدير أن نتساءل حول كم الأعداء المتبقين وهوياتهم، والمثير أكثر هو الاستثمار في استحضار الأعداء وإعادتهم إلى الوعي الإسرائيلي بكثافة خلال بضع سنوات، ودور هذا التكثيف والتخويف في خلق صف داعم ومؤيد لنشاط الحكومة ضد العربيّ والفلسطينيّ، خاصّة وأن كل حلقة تستعيد صور العمليات والخسائر الاسرائيليّة، وتعلي صوت أهالي مختطفين أو قتلى لا يتسامحون مع الصفقات المبرمة.

في أكثر من حلقة وفي أكثر من موقف يرد ذكر إيران ودورها كدولة داعمة للإرهاب، وكيف حوّلت الحركات الفلسطينيّة المقاومة إلى ذراع إيرانية لمحاربة إسرائيل، وهنا تذكر الأموال التي قدمتها إيران للفلسطينيين والتي لا يعرف كثيرون كيف تم صرفها، وفي هذه الادعاءات محاولة لرسم صورة القياديين الفلسطينيين كاستغلاليين وجامعي مال على حساب دم الشعب، ويبتسم رجل المخابرات حين يقول "لا أحد يعلم بالمبلغ الذي احتفظ به لنفسه"!

وإن الحلقة الأحدث في السلسلة تلخص أهم أهدافها، وهو زرع الفكرة لدى الإسرائيلي بأن قتل العدو لن ينهي القضية وهو ليس الحل لأن لكل قائد وريث، ومن يوقع اتفاق سلام بيمينه يحمل رشاشاً بيساره!

 

 [1] المقابلة مع صحيفة "كلكاليست" المنشورة بتاريخ 13.12.2023:  https://www.calcalist.co.il/style/article/s1jokeil6

[2] الحلقة الكاملة عن الحسيني https://youtu.be/WbIGNiByYRY?si=_JfD_MB_wUPjI4d9

[3] الحلقة الكاملة عن عرفات https://youtu.be/nmS4IaLgLjc?si=Jfvgwy56dhtSSkuq

[4] الحلقة الكاملة عن ياسين   https://youtu.be/I6cZ_AJ5rx0?si=nTL3-ierTOsLYv4s

[5]  الحلقة الكاملة عن الشقاقي   https://www.youtube.com/watch?v=VF5BUUA6yHY

[6] الحلقة الكاملة عن حبش    https://youtu.be/RfbusHdFrZ0?si=VHEyqHgnzQNliYBQ

[7] الحلقة الكاملة عن السنوار    https://youtu.be/dxVqbrn8cZo?si=DWHhwICXMbrTUVZc

[8] الحلقة الكاملة عن البرغوثي   https://youtu.be/PlidgsX0BCg?si=eWAK0vELjFj6g85N

المصطلحات المستخدمة:

الموساد, انقلاب, أمنا, اللاسامية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات