المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
صورة تعبيرية.

انتهت آخر جلسات المفاوضات قبل موعد افتتاح السنة الدراسية في إسرائيل بين نقابة المعلمين وبين وزارتي التعليم والمالية بالفشل، إذ أعلن رئيس النقابة ران إيرز الإضراب يوم الأحد في المدارس الثانوية. وزير التعليم يوآف كيش حاول الوقوف في موقع "الوسيط" حين حمّل المسؤولية عن فشل المفاوضات إلى وزارة المالية والنقابة. الجدير بالذكر أن هذا أول إضراب في بداية العام الدراسي منذ العام 2007.

وكان وزير المالية بتسلئيل سموتريتش قد هدد المعلمين بعدم دفع أجورهم عن أيام الإضراب لو تم فعلًا. وقال في فيديو أرسله إليهم: "ران إيرز لا يقاتل من أجل مصلحتكم أو من أجل مصلحة جهاز التعليم، إنه يقاتل من أجل غروره وسلطته وسيطرته". وموقف سموتريتش هو خروج فظّ عن معايير حقوق العمل التي تحترم الحق في الاضراب، حيث تنص الاتفاقيات على دفع بدل الإضراب  كلياً أو جزئياً.

إيرز رد على هذا الوزير الذي يجاهر برؤيته اليمينية المتطرفة اقتصادياً أيضاً، واتهمه بالسعي إلى دب الانقسام بين المعلمين من أجل إضعافهم. وكتب: "لقد حاول سموتريتش تحريضنا ضد بعضنا البعض، المعلمين ضد النقابة التي تمثلهم وتحميهم، وأيضاً ضدي شخصياً - كل ذلك بهدف إخافتنا وإجبارنا على الصمت كيلا نتجرأ على محاربة نيته في تقويض جهاز التعليم العام والمساس بالمعلمين".

وزير التعليم كيش كان اتخذ خطوة تهديدية مشابهة يوم الأربعاء، تنفي عنه صفة "الوساطة" التي يحاول الظهور بها، حين بعث برسالة لوّح فيها بشطب زيادة الرواتب البالغة ألفي شيكل التي تم الاتفاق عليها معهم اعتبارا من أيلول 2023. وكذلك شطب زيادة الرواتب بأثر رجعي للعام الدراسي المنتهي. كيش تذرّع "بالوضع الأمني"، وأنه ليس من المؤكد توفّر ميزانية في المستقبل لمنح المعلمين هذه الزيادات.

وهنا أشار موقع "واينت" إلى أن كيش لم يذكر أن الحكومة خفضت بالفعل نصف مليار شيكل من ميزانية زيادة رواتب المعلمين، وليس هناك حاليا أي مصدر في الميزانية العامة لذلك. كما أنه لم يشر إلى أن الحكومة تبقي على نحو 600 مليون شيكل لزيادة رواتب المعلمين الحريديم، والتي من المفترض أن يحصلوا عليها دفعة واحدة ودون شروط خاصة (تفاصيل أوسع وردت في مقال سابق قبل أسبوع).

جهاز التعليم العربي: هموم الحرب والجريمة والعنف

مع افتتاح العام الدراسي الجديد حدّدت اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية قضية الجريمة المتفشية وتداعياتها على المجتمع عموما والمدارس بطلبتها ومعلماتها ومعلميها وإداراتها خصوصاً. ولم يفتها التوقف قبل هذا عند الحرب الوحشية المتواصلة، وارتباطها بالواقع التعليمي، بالقول: "مع اقتراب افتتاح العام الدراسي 2024-2025، نرسل إليكم تمنياتنا بعام دراسي آمن وناجح. نأمل ذلك رغم أهوال الحرب الكارثية على قطاع غزة وفي الشمال، والتي يجب أن تتوقف فوراً. كما نتمنى النجاح رغم حالة القمع وارتفاع منسوب العنصرية ضد مجتمعنا، وتفشّي الجريمة المنظمة والعنف المستشري، واتساع دائرة الضحايا، خاصّة بين الأجيال الشابة".

لكن محور الاهتمام ومصدر القلق الأساسي ظلّ موضوع الجريمة: "نحن في حالة طوارئ تستدعي منا إجراءات خاصّة لبناء برامج تلبّي احتياجات مجتمعنا، وتسلط الضوء على آفة الجريمة والعنف وكيفية الحد من انتشارها أكثر، هذا الواقع المرير الذي نعيشه يتطلب منا جميعاً الخروج من حالة العجز والصدمة والخوف والتراخي، وأخذ المسؤولية على أنفسنا واستنهاض كافة القدرات والطاقات لإنقاذ مجتمعنا وأبنائنا وبناتنا، ومنع وقوع المزيد منهم في شبكات عالم الإجرام".

ومن هنا دعت اللجنة رؤساء السلطات المحلية العربية ومديري ومديرات المدارس والمؤسسات التربوية العربية وأعضاء البلديات العرب في المدن المختلطة والساحلية وقرى المجالس الإقليمية لاعتماد موضوع "التّصدّي للعنف والجريمة وبناء الإنسان والمجتمع" موضوعاً مركزياً في مدارسنا وكافّة أطرنا التّربويّة والشّبابيّة للعام الدّراسي 2024-2025 وفق الإطار العام الذي بادرت له لجنة متابعة قضايا التعليم العربي، على أن يكون بداية لسيرورة عمل عميقة تحمل بشائر الخروج من الأزمة التي نعيشها جميعاً. جاء هذا الإعلان بعد سيرورة عمل ومشاورات مع مختصين/ات وتربويين/ات وأطر تمثيلية وحراكات شعبية لناشطين/ات ولعائلات ولأمهات ضحايا الإجرام. كما دعت للتعاون مع غرفة الطوارئ لمكافحة الجريمة والعنف في المجتمع العربي المنبثقة عن اللجنة القطرية، وبناء أوسع الشراكات مع منظمات المجتمع المدني وكافة المبادرات المجتمعية ولجان إفشاء السلام ولجان أولياء الأمور وكل القوى الخيّرة في مجتمعنا لإنجاح هذا البرنامج.

"نواجه معركتين: المؤسسة والحكومة، وعصابات الإجرام

وأعلنت لجنة متابعة قضايا التعليم العربي أنها بلورت برنامجا تربويا تحت عنوان "التصدي للعنف والجريمة وبناء الإنسان"، وتقول إنه يطرح مفهوما تربويا واسعا يمكّن المدارس والتربويين من أخذ دور تربوي فعال للتصدي للعنف والجريمة يستند على 10 أهداف تربوية بضمنها الاستثمار بالطلبة المهمشين والتربية للهوية واتباع أساليب تربوية حديثة والاهتمام باحتياجات الطلبة النفسية والاجتماعية وبناء سيرورات تربوية عميقة وعدم الاكتفاء بنشاطات لمرة واحدة.

ونُظم مؤتمر صحافي الأسبوع الفائت حول الموضوع، عُرضت فيه المصاعب والإشكاليات الماثلة أمام التعليم العربي. وقال فيه رئيس اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، مازن غنايم: "نحن كمجتمع عربي نواجه تحديات كبيرة، حتى أن كبار الساسة في الدولة أقروا بوجود إجحاف بحق مجتمعنا. لقد فُرض علينا التحدي في حلبتين: حلبة المؤسسة والحكومة، وحلبة عصابات الإجرام. يبدو أنهم وضعونا كمنتخبي جمهور في اختبار حقيقي، وكأنهم يسعون لتحطيم رقم قياسي في الجرائم، ويتعاملون معنا وكأننا مجرد رقم في الحاسوب، متجاهلين أن لكل فرد منا تاريخاً وجذوراً وكياناً فريداً، فكل شخص منا هو عالم بحد ذاته".

ويشير إلى أنه جرى عقد اجتماعات، بما في ذلك لقاء مع وزير الداخلية، "وبعد معاناة طويلة، طرحنا على طاولته قضايا هامة أبرزها العنف، والجريمة، وقلنا إن قيادة الشرطة تقول إنه لا توجد قوة كافية لمواجهة هذه التحديات، ولكن عندما يتعلق الأمر بهدم منزل في أم الفحم أو الطيرة أو النقب، نجد أعداداً كبيرة من القوات جاهزة للعمل". وأردف قائلا: "الأهمية الكبرى لنا كمجتمع عربي تكمن في الحصول على الشهادة الجامعية وسلك التربية والتعليم، الذي كان وسيظل على رأس سلم الأولويات رغم شح الميزانيات. لا ننسى أن هناك آلاف المعلمين الذين يجلسون في بيوتهم بسبب انعدام الفرص وعدم توفر الأماكن التي يمكنهم التدريس فيها. مئات من أبنائنا يضطرون للعمل في منطقة النقب، حيث يغادرون منازلهم في الرابعة صباحاً ويعودون في التاسعة مساءً، ووزارة التربية والتعليم تبدو عاجزة عن إيجاد حلول لهذه المشكلة، رغم أن الحل بسيط: يمكن تقليل عدد الطلاب في الصف الواحد من 30 إلى 27 أو 28 طالباً. لكن لا حياة لمن تنادي. علينا أن نواصل النضال لجعل هذه القضية على رأس سلم أولوياتهم".

المتابعة: مشروع استراتيجي لمكافحة العنف والجريمة

رئيس لجنة المتابعة العليا محمد بركة قال إنه: "فيما يتعلق بجهاز التعليم، نحن بحاجة ماسة إلى تعاون وثيق مع اللجنة القطرية لأولياء أمور الطلاب، نظراً لقدرتها على تحريك المشاريع داخل المدارس بفضل الصلاحيات المتاحة لها. لهذا السبب، نعوّل كثيراً على عملهم ودورهم المحوري. في العام 2019، أعلنا عن المشروع الاستراتيجي لمكافحة العنف والجريمة، وهو مشروع شارك في إعداده نحو 150 مختصاً، حيث تناولوا قضايا العنف والجريمة في 14 مجالاً مختلفاً وقدموا توصيات دقيقة. تبنّت اللجنة القطرية المشروع حينها، وجرت محاولات لتطبيقه في العديد من السلطات المحلية. أعتقد أن هذا المشروع لا يزال صالحاً ويمكن أن يشكل ركيزة لعمل هيئاتنا المختلفة، بما في ذلك جهاز التعليم".

وقال رئيس لجنة أولياء أمور الطلاب القطرية نديم مصري: "مجتمعنا يمر بأزمة كبيرة، ولا شك في أن مجتمعنا متعطش لمعالجة العنف والجريمة. اليوم، معالجة هذه الظاهرة أصبحت مطلب الساعة. لقد تخطينا جميع الخطوط الحمراء، حيث انتهكت حرمة الأماكن التي كانت سابقاً محصنة وبعيدة عن العنف والجريمة، بما في ذلك المساجد والمدارس، وأعتقد أن الأهالي متعطشون لأي مشروع أو برنامج يعالج هذه الظاهرة. صحيح أن المسؤولية كبيرة، وهناك تقاعس من قبل المؤسسات الحكومية والشرطة، ولكننا نمتلك القدرات والطواقم المهنية القادرة على تنفيذ مشاريع تخدم مجتمعنا وتسهم في إفشاء السلام والأمان، وكلجنة قطرية لأولياء أمور الطلاب، نحن دائماً نسعى لإدخال مشاريع لمكافحة العنف والجريمة في المدارس، ولكن للأسف لم يتم تنفيذها بالشكل المطلوب".

برنامج للمدارس: "التصدي للعنف والجريمة وبناء الإنسان"

أعلنت الهيئات العربية أنه تقرر في حصيلة الاجتماعات والتحضيرات إقرار مقترح لجنة متابعة قضايا التعليم العربي، وجاء في نهاية المؤتمر الصحافي، الذي عقد يوم الخميس، أن: هذا جزء من الاقتراحات التي نعمل على تنفيذها وهذا اليوم هو باكورة عملنا وسنستمر بالعمل لأجل مجتمعنا وأبنائنا. وجاءت كالتالي:

1- إعلان العام الدراسي 2024/2025 عام مكافحة العنف والجريمة.

2- عقد مؤتمر طارئ لأصحاب المصالح والنقابات في المجتمع الإسرائيلي يوم 29/9/2024 في باقة الغربية.

3- العمل على تعبئة وتحشيد جماهيري واسع من خلال مظاهرات أسبوعية، مسيرات، إضرابات حين يلزم الأمر.

4- القيام بحملة إعلامية تشمل إصدار ملصقات، أفلام قصيرة، تجنيد شركات اقتصادية لوضع ملصقات على منتوجاتها، النشر في كافة وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي والمواقع القطرية والمحلية.

5- تدويل القضية بمساعدة المنتدى القانوني في المتابعة، جمعية عدالة، جمعية ميزان، مركز مساواة وكل من يستطيع المساعدة في ذلك.

6-  إيجاد حماية قانونية لأبناء شعبنا ضد الملاحقات السياسية والمطالبة بلجنة تحقيق حيادية.

7- يوم دراسي مهني وسياسي حول قضية العنف والجريمة في المجتمع العربي.

المصاعب الناجمة مباشرة عن سياسة التمييز الرسمية تكاد لا تتغيّر

إلى جانب القضية التي باتت الأخطر بين ما تعاني منه المدارس العربية، قضية الجريمة اليومية، يجب التذكير بأن الفجوات التي يعاني منها جهاز التعليم العربي بسبب سياسة التمييز الرسمية تكاد لا تتغيّر، وأحياناً تتعمّق أكثر. يرتبط هذا بشتى أشكال النواقص: في تخصيص الموارد والبُنى الماديّة والتنظيميّة، نقص آلاف غرف التدريس ومؤسّسات التعليم المختلفة، التجهيزات في المدارس بما في ذلك تجهيزات تكنولوجيّة، مضامين رقميّة ومختبرات، عشرات آلاف الحصص التدريسيّة، قُصور في الخدمات المساندة بما في ذلك في المجال النفسيّ الاجتماعيّ والتعليم اللامنهجي. الفجوة المالية مقدّرة بنحو 2.5 مليار شيكل سنوياً علاوة على مشاكل في البُنى التحتيّة والحاجة إلى سدّ فجوات قائمة.

هذه المعطيات التي وردت في "رؤيا استراتيجيّة وخطّة لتنمية وتطوير التعليم العربي" وضعتها لجنة متابعة قضايا التعليم العربي، تُضاف إليها مضامين التعليم ومعظمها "غير ذات معنى بالنسبة إلى التلاميذ والمجتمع العربيّ ولا تعدّ التلميذ للقرن الحالي. مناهج التعليم وخطط تعليميّة كثيرة أخرى غير مناسبة لأنها لا تنبع من احتياجات المجتمع العربيّ، ولم تتمّ ملاءمتها للشروط التي تميّزها، ولا تعدّ التلاميذ للعيش في واقع مركّب، ولا تكسبهم مهارات الحياة في القرن الحادي والعشرين".

المصطلحات المستخدمة:

يوآف كيش, بتسلئيل

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات