المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
معلمون إٍسرائيليون يتظاهرون للمطالبة برفع أجورهم في حزيران 2022. (فلاش 90)

نقلت الصحافة الاقتصادية أن الحكومة الإسرائيلية قررت القيام باقتطاع حاد بقيمة 525 مليون شيكل من الميزانية المخصصة لتنفيذ اتفاق الرواتب الجديد مع معلمي المدارس الثانوية، وذلك لغرض مواصلة تمويل إخلاء سكان الشمال والجنوب. وقالت صحيفة "ذي ماركر" إن خفض الميزانية سيسمح للحكومة بالامتناع عن تنفيذ اتفاقية زيادة الرواتب بالكامل خلال الفترة المقبلة، باعتباره مصدر التمويل الأساس لذلك. علماً بأن معلمي المدارس الثانوية يعملون منذ أكثر من عامين ونصف العام دون اتفاق على الراتب. ومن جهتها، أعلنت نقابة المعلمين أنه بدون اتفاق على الراتب، لن يتم فتح العام الدراسي القادم في المدارس الثانوية. وبالتالي، فإنه إذا لم يتم العثور على مصدر لتمويل الاتفاقية، فالاحتمال الأكبر هو تعطيل افتتاح العام الدراسي المقبل في مطلع أيلول.

آثار الحرب المكلفة اقتصادياً لا تطاول هذا القطاع فحسب، حيث أنه في ظل عدم العثور على مصادر إضافية لتمويل استمرار إخلاء سكان الجنوب والشمال، والقرار بمواصلة التمويل لنحو شهرين إضافيين بكلفة مليار شيكل تقريباً، تتجه الحكومة إلى اقتطاع في نفقات الوزارات الحكومية بنسبة تزيد قليلاً عن 1%، إلى جانب الاقتطاع على حساب تنفيذ اتفاقية الرواتب مع المعلمين.

وهذا الاقتطاع من ميزانيات الوزارات هو الثاني في غضون حوالي ثلاثة أشهر، حيث سبقه اقتطاع في نيسان الماضي طاول وزارات المواصلات والتعليم والرفاه الاجتماعي. وقال كبار موظفي وزارة المالية إن السيناريو الذي قدمته الحكومة لهم يوضح أن الإخلاء سيتواصل حتى نهاية تموز فقط، وبالتالي تمويله أيضاً.

 

صحيفة: قرار الحكومة زاد من الزيت المسكوب على النار

ونقل موقع "دفار" التابع للهستدروت أن القيادة القطرية لأهالي الطلاب الثانويين والحكم المحلي (البلديات والمجالس المحلية) هددوا الأسبوع الماضي باتخاذ إجراءات قانونية ضد وزارة التربية والتعليم ووزارة المالية، من أجل إجبارهما على إنهاء المفاوضات مع منظمة المعلمين بشأن اتفاقية الراتب. لكن من غير الواضح ما هي الإجراءات القانونية المتضمنة، فالحكم المحلي هو المشغّل أو بمثابة صاحب العمل للمعلمين الأعضاء في منظمة المعلمين فوق الثانويين، وبالتالي فهو طرف في المفاوضات. ويضيف الموقع أن التهديد الحالي ليس الخطوة القانونية الأولى التي تتخذها القيادة القطرية لأهالي الطلاب الثانويين خلال المفاوضات، حيث أنه في نيسان الماضي، تم تقديم التماس إلى المحكمة العليا نيابة عنها، يطالب الدولة بإنهاء المفاوضات مع نقابة المعلمين، أسوة بمطلبهم الحالي. وردّت المحكمة العليا الالتماس بدعوى أن "الإجراءات لم تستنفد".

أما صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية فرأت أن قرار الحكومة تمويل استمرار إخلاء سكان الجنوب والشمال بمبلغ 525 مليون شيكل من الأموال المحفوظة للاتفاقية الجماعية للمعلمين قد زاد من الزيت المسكوب على النار. واعتبرت أن المسألة هي استعراض للعضلات من قبل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، فوزارة المالية توافق على أن أي اتفاق يتم التوصل إليه مع المعلمين في 31 آب أو بعد ذلك سيتم تمويله، ولكن لا توجد فرصة للتوصل إلى اتفاق قبل ذلك الحين. وعموماً لا يتم التوصل إلى اتفاقيات مع نقابات المعلمين قبل نهاية العطلة الصيفية، شهري تموز وآب. علماً بأن كل عام دراسي يبدأ بأزمة لأسباب ومشاكل تنتقل من عام دراسي إلى آخر، ولا تجد لها حلولاً جذرية بل تسويات مؤقتة تتيح افتتاح العام الدراسي مع قطع تعهدات حكومية لا تُحترم في الغالب.

الاتفاقية قيد البحث هنا جاءت هي أيضاً قبيل افتتاح العام الدراسي الماضي، وذلك لمنع الإضراب في المدارس الثانوية. ونصّت على تنفيذ زيادة لرواتب المعلمين بألفي شيكل، تدفع تدريجياً خلال عدة سنوات: 800 شيكل خلال راتب شهر أيلول 2023، 600 شيكل في أيلول 2024،  600 شيكل يتم تقسيمها على 3 دفعات في أيلول من السنوات 2025 و2026 و2027.

اندلاع الحرب قوّض توقيع الاتفاقية في تشرين الثاني الماضي

وفقا لـ"كالكاليست" كان من المفترض أن يتم التوقيع على الاتفاقية المكتوبة بحلول نهاية تشرين الثاني الماضي وأن يحصل المعلمون على دفعة مقدمة لمرة واحدة بقيمة 2,400 شيكل على الحساب. ولكن في هذه الأثناء اندلعت الحرب. وتبادلت النقابة ووزارة المالية الاتهامات، وخصوصاً بشأن الادعاء أن نقابة المعلمين وافقت على تشغيل جزء من المعلمين الثانويين بعقود شخصية، لكنها تراجعت لاحقاً. وزعمت وزارة المالية أن رئيس نقابة المعلمين انسحب فعليا من كل بند مهم في الاتفاقية تقريبا لأنه توصل إلى استنتاج مفاده أنه إذا أجريت انتخابات، فيمكنه الحصول على صفقة أفضل بكثير. وبدأت بعد ذلك وزارة المالية بخصم 400 شيكل شهرياً من رواتب المعلمين. وأضافت الصحيفة أن المعلمين خسروا كثيراً وأن استمرار الحرب يخلق حالة من انعدام الشرعية للغاية للإضراب في أيلول.

بموجب تقريرها بدأت المفاوضات قبل أسبوع بشكل مكثف بين نقابة المعلمين ووزارة المالية لغرض التوصل إلى اتفاق موقع في الحادي والثلاثين من آب. أي قبل افتتاح العام الدراسي بيوم واحد.

ومن المهم التشديد على أن هذا ليس التحدي الأول الذي يواجهه المعلمون بسبب سياسة الحكومة، حيث أن الثقة تكاد تكون معدومة بين المعلمين ونقابتهم وبين الحكومة وبالتحديد وزارة ووزير المالية سموتريتش. فقد سعى قبل أشهر لخصم أجزاء من رواتب المعلمين إذا شاركوا في إضرابات النقابة. وردت نقابة المعلمين على هذا بإعلان إضراب جزئي في العديد من المدن والبلدات، متهمة الحكومة بتنفيذ مخطط لخصخصة نظام التعليم وتحويل المعلمين إلى موظفين متعاقدين بعقود فردية، وبالتالي ضرب الحق الأساس في تنظمهم النقابي الجماعي، مما يضعهم منفردين أمام كل محاولة حكومية قادمة للنيل من حقوق عمّالية إضافية لهم. وكما قالت ممثلة نقابة المعلمين في جلسة للجنة الرقابة في الكنيست قبل أشهر: "وزارة المالية تريد عقداً شخصياً لا يسمح بموجبه للمعلم بالإضراب، وبحيث يمكن فصله خلال عام".

أصل المشكلة محاولات الحكومة لفرض طريقة توظيف المعلمين

موقع "دفار" نقل أن العام الدراسي المنتهي في أواخر حزيران في التعليم الثانوي كان عاماً صعباً ومليئاً بالتحديات، واجه فيه النظام التعليمي هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر والحرب التي تلته، مع إجلاء مئات الآلاف من الطلاب، والأضرار الناجمة عن الحرب. ولكن في هذه الظروف أيضاً اضطر معلمو المدارس الثانوية أيضاً إلى النضال من أجل اتفاقية جديدة للرواتب، وصدّ محاولات التوظيف بالعقود الشخصية التي بدأتها وزارة المالية. وهذا النضال الذي دام عامين ونصف العام، جرى هذا العام في ظل الحرب. وتضمن إضرابات تحذيرية، وكذلك عقوبات اتخذها المعلمون، بما في ذلك عدم تحويل علامات امتحانات إنهاء التعليم الثانوي وإلغاء الرحلات والأنشطة الخارجية. من جهتها، حاولت وزارة المالية اقتطاع رواتب المعلمين واستعادت المنحة التي كانت قدمتها بداية العام. كل ذلك لم يدفع نحو التوصل إلى اتفاق بين الطرفين، وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاقات خلال الصيف فإن نقابة المعلمين تهدد بعدم افتتاح العام الدراسي المقبل.

ويقول الموقع إن هذه ليست معركة من أجل المال. فقد حددت نقابة المعلمين ووزارة المالية إطار زيادة رواتب المعلمين، وهي بمبلغ حوالي 2000 شيكل شهريا. لكن أصل المشكلة هو محاولات الحكومة فرض طريقة توظيف المعلمين والإداريين، والتي تشترط وزارة المالية على المعلمين الموافقة عليها مقابل تلك الزيادات في الرواتب، وهي التي تعارضها نقابة المعلمين بشدة. ومن هذه الخلافات ما يتعلق بمطالبة وزارة المالية بتطبيق العقود الشخصية على 10% من جميع مديري المدارس الثانوية و10% من المعلمين. ومعنى العقد الفردي هو انتهاك لحق التنظّم النقابي والضمانات الاجتماعية الناجمة عن اتفاقية العمل الجماعية.

 

ميزانيات التعليم ستتأثر بينما ميزانيات الحريديم والمستوطنات ستتدفق كالمعتاد

هذه السياسة اليمينية المتشددة الساعية إلى تقويض العمل المنظم في قطاع التعليم، تنعكس في مناحٍ ومستويات أخرى. وقد ناقشت لجنة التربية، الثقافة والرياضة في الكنيست مطلع شهر تموز الجاري مسألة الفجوات الكبيرة بين طلاب جهاز التربية التعليم من جميع الفئات العمرية وخاصة بين الطلاب من الشرائح الاجتماعية الاقتصادية القوية والطلاب من الشرائح الاجتماعية الاقتصادية الضعيفة، وبين الطلاب اليهود والعرب وأيضا بين الطلاب اليهود في تيارات جهاز التربية والتعليم الرسمي والرسمي الديني والطلاب الحريديم. واعتمد البحث على تقرير مراقب الدولة الصادر في أيار 2023 الذي خلص إلى أنه: يتميز جهاز التربية والتعليم في إسرائيل منذ سنوات، وأيضا بالمقارنة مع البلدان الأخرى الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، بالفجوات العميقة. وتشير نتائج الرقابة الواردة في تقرير مراقب الدولة إلى أنه منذ بدء برنامج تقليص الفجوات بين الطلاب في جهاز التربية والتعليم في العام 2014، لم تحقق وزارة التربية والتعليم أهدافها، على الرغم من التخصيص التفاضلي للميزانيات، ولم يتم سد الفجوات في الميزانيات.

ومما جاء في بيان عن اجتماع اللجنة أن عدم المساواة في التعليم بين الأطراف وبين بقية أجزاء البلاد كبير للغاية. الثروة البلدية للسلطات نابعة من ضريبة الأملاك التجارية، وكلما كانت السلطة المحلية أكثر ثراء، كلما زادت استثماراتها في التعليم المحلي. وإذا لم تكن هناك ميزانية تفاضلية للتعليم فلن تكون هناك فرص متساوية للطلاب في جهاز التربية والتعليم. عدم المساواة الاجتماعية والثروة البلدية هما القاتل الصامت لجهاز التربية والتعليم في إسرائيل. عدم تكافؤ الفرص في جهاز التربية التعليم هو جريمة اجتماعية.

 وأشار إلى أنه بعد التنفيذ الكامل لبرنامج تقليص الفجوات، وصلت الفجوة في التعليم الابتدائي في العام 2020 إلى 5320 شيكل لصالح الطالب في شريحة الخُمس الأكثر فقرا والذي يحتاج إلى الرعاية الأكبر، حيث كانت الميزانية لمثل هذا الطالب 19650 شيكل، وذلك مقارنة بطالب شريحة الخمس الأقوى والذي بحاجة إلى رعاية أقل، حيث بلغت الميزانية لمثل هذا الطالب 14330 شيكل. وجاء في تقرير مراقب الدولة أنه من المشكوك فيه ما إذا كانت زيادة الفجوة بهذا المعدل كافية لتحقيق تقليص كبير في الفجوات التعليمية بين طلاب الخمس الأكثر فقرا وطلاب شريحة الخمس الأقوى.

هذه القضية ترتبط بما أشيرَ إليه أعلاه، عن أن مواجهة المشاكل المتأصلة والمزمنة في جهاز التربية والتعليم لا تتم سوى بالأسلوب المعروف بـ "إطفاء الحرائق" وليس العلاج الجذري للمشاكل. فرواتب المعلمين التي تجري مماطلة حكومية في تحسينها وبالتالي عرقلة تعزيز التعليم لصالح الطلاب، وتكريس الفجوات بين الشرائح القوية وتلك الضعيفة اقتصادياً وعدم مقاربتها إلا من باب العلاجات السطحية وقصيرة الأمد، هي أمثلة على نتائج وآثار تعميق السياسات اليمينية الرجعية المعادية للحقوق الاجتماعية وتقويض الواجبات الملقاة على الدولة في هذا الشأن. وحين تجتمع معها سياسات عنيفة في الحرب والاحتلال والاستيطان، فإن آثارها الكارثية تصبح مُضاعفة. أو مثلما تقول صحيفة "ذي ماركر"، إنه سيتم إجراء التخفيض في الميزانية الأساسية للوزارات كما نص عليها قانون الميزانية، وسيضر بالأنشطة الاجتماعية للحكومة وخدمات الرعاية الاجتماعية، لكن التخفيض الحالي لن ينطبق على الأموال المحوّلة إلى الوزارات بموجب قرار الحكومة بشأن الأموال الائتلافية. وهذا يعني أنه في حين ستتأثر ميزانيات الرعاية الاجتماعية والتعليم، فإن ميزانيات الحريديم والمستوطنات التي تم تحويلها كجزء من الأموال الائتلافية ستتدفق كالمعتاد.

المصطلحات المستخدمة:

بتسلئيل, الكنيست, مراقب الدولة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات