المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1249
  • عبد القادر بدوي

ليس من المبالغة القول إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وضعت كل الأطراف الإقليمية الفاعلة أمام خيارات صعبة، كما أن استمرار تمسّك إسرائيل بشعار "القضاء على حركة حماس" في ظل استمرار حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني تزيد من تعقيد المواقف أمام الدول العربية والإسلامية على وجه التحديد. وبالتزامن مع ازدياد حدّة التصعيد على الجبهة الشمالية (المواجهة مع حزب الله)، وعلى جبهة المواجهة مع الحوثيين في اليمن، تتخذ الأطراف والفواعل الإقليمية خطوات ومواقف استناداً إلى مصلحة كل منها، رغم أن هناك اتفاقاً عاماً على ضرورة تجنّب اتساع رقعة التصعيد واندلاع حرب إقليمية. في هذا السياق، تناولت العديد من التحليلات والمقالات الصادرة عن مراكز ومعاهد البحث والتفكير الإسرائيلية مواقف الدول على المستويين الدولي والإقليمي من الحرب، واستعرضت أبرز الفرص والمخاطر. في هذه المساهمة نستعرض أبرز ما ورد في تقرير صادر عن "معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي" التابع لجامعة تل أبيب بعنوان "دول الخليج وحرب إسرائيل ضد حماس" أعدّه كل من إيلان زلايت ويوئيل غوجانسكي.

في البداية، يُشير التقرير إلى أن دول الخليج (باستثناء قطر) تشترك في الرغبة في إنهاء سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، وإضعاف المحور الذي تقوده إيران وإلحاق هزيمة أيديولوجية بجماعة الإخوان المسلمين. في المقابل، تتمثل الأولوية القصوى بالنسبة لهذه الدول بالحفاظ على الانفراج الإقليمي الذي تحقّق خلال الفترة الماضية وتحديداً تجاه إيران، إلى جانب أن خشيتها من توسّع رقعة الحرب والانزلاق نحو حرب إقليمية والمخاطر الكامنة في ذلك، قد يدفعها إلى تفضيل نهاية سريعة للمعركة على المنفعة التي قد تتحقق من وراء استهداف حماس.

يؤكّد التقرير على أن الحرب الإسرائيلية الدائرة على قطاع غزة تضع دول الخليج في موقف معقّد، إذ إن بعض هذه الدول لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل (دول التطبيع)، والبعض الآخر (وخاصة السعودية) أجرت محادثات معها من أجل التوصل إلى تطبيع كامل للعلاقة عشية اندلاع الحرب، وهذا يأتي في إطار محاولة هذه الدول التركيز على شؤونها الداخلية. بالنسبة للرياض وأبو ظبي، يؤكد التقرير أن لكليهما سياسة خارجية مستقلة، لكن من ناحية أخرى، فإن الأنظمة الملكية مهدّدة بالمكاسب الفكرية والعسكرية لهجوم حماس المفاجئ التي يُمكن أن يحصل عليها أعداؤها- إيران والإخوان المسلمون- ولذلك هي تدعم إنهاء حكم حماس وتوجيه ضربة لحزب الله، خوفاً من أن تمنح إنجازات حماس وحزب الله دفعة قوية لترتيب الأوضاع الإقليمية بالنسبة لإيران ولأيديولوجية الإخوان المسلمين، إذ إن الهجوم المفاجئ صبيحة السابع من أكتوبر قد يؤكّد ادّعاء جماعة الإخوان المسلمين القائل إن الإسلام السياسي قادر على تحقيق ما فشلت فيه الأنظمة العربية.

اختبار لاتفاقيات التطبيع  

يُشير التقرير إلى أن دولتي الإمارات والبحرين تسعيان للحفاظ على علاقات قوية مع إسرائيل، لكن مشهد الدمار في قطاع غزة وما يُثيره من استياء شعبي في الدول العربية يضعهما في موقف مُحرج وكذلك بالنسبة للاتفاقيات الموقعة بينهما وبين إسرائيل، وقد ظهرت هذه الحساسية في ردهما على قصف المستشفى الأهلي- المعمداني في 17 تشرين الأول الماضي، حيث انضمت دول الخليج إلى الإدانات القاسية ضد إسرائيل متجاهلةً الرواية الإسرائيلية حول الحادثة. وقد ورد على لسان أنور قرقاش، كبير مستشاري الرئيس الإماراتي، بأن الرد الإسرائيلي على هجوم حماس "غير متناسب"، وأن الهجوم يعبّر عن فشل سياسة تجاهل القضية الفلسطينية، وهو الأمر الذي لا يجب العودة إليه بعد الحرب. وعلى الرغم من ذلك فإن الإمارات بشكلٍ خاص تخشى من أي إنجاز يرتبط بالتماهي الأيديولوجي بين حركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين، ولهذا هي الدولة العربية الوحيدة التي أدانت هجوم حماس ووصفته بـ "البربري والهمجي القاسي"، كما حمّلت وزارة خارجيتها حركة حماس المسؤولية الكاملة عن التصعيد وأعربت عن "صدمتها" من عمليات الخطف، بالتزامن مع ذلك أكّدت أن "اتفاقيات أبراهام وجدت لتبقى"، وأنها ستحافظ على علاقاتها بإسرائيل بعد مرور أكثر من شهر على الحرب والارتفاع الكبير في عدد القتلى، كما أن الرئيس الإماراتي كان أول رئيس عربي قام بالتواصل مع القيادة الإسرائيلية، وأجرى اتصالات مع عدّة دول عربية فور اندلاع الهجوم، كان من بينها تحذير الرئيس السوري بشار الأسد من استغلال الحرب في غزة لمهاجمة إسرائيل من الأراضي السورية.

بعد مرور أكثر من شهر على الحرب الإسرائيلية على القطاع، استضافت الرياض اجتماعاً طارئاً مشتركاً لجامعة الدول العربية ومجلس تعاون الدول الإسلامية في الحادي عشر من تشرين الثاني الحالي لبحث الحرب على غزة، وقد كان من بين المشاركين الرئيس الإيراني على رئيسي (وهو أول رئيس إيراني يزور السعودية منذ سنوات طويلة) بالإضافة إلى الرئيس السوري بشار الأسد، وفي ظل غياب الرئيس الإماراتي (حضر نائبه) على خلفية التوتر مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. التقرير يؤكّد أن الهدف من ذلك كان محاولة الرياض إظهار نفسها في الأزمة الحالية وعدم ترك الساحة الإقليمية لإيران، في ظل موقفها الداعم لحماس والمناهض لإسرائيل والولايات المتحدة. من ناحية أخرى، مثّل اللقاء فرصة لكل من إيران والأسد لتعزيز تطبيع العلاقات مع الدول العربية في المنطقة. ويؤكّد التقرير أن اللقاء لم تخرج عنه أية قرارات عملية كما كان متوقعاً؛ حيث تضمّن البيان الختامي دعوة إلى وقف إطلاق النار وتقديم المساعدات الإنسانية للقطاع، إنهاء الحصار المفروض على القطاع، ومطالبة مجلس الأمن باتخاذ قرار مُلزم بهذا الشأن، في الوقت الذي أفشلت فيه الإمارات والبحرين- ويبدو السعودية أيضاً- اقتراحاً يُلزم دول الجامعة العربية التي تقيم علاقات مع إسرائيل بقطعها، وكذلك تعطيل إمدادات النفط لحلفاء إسرائيل في خطوة مشابهة لخطوة "حظر النفط" التي أعقبت حرب "يوم الغفران" في العام 1973.

التطبيع السعودي- الإسرائيلي

يؤكّد التقرير أن توقيت هجوم حماس يُعزّز فرضية أن حركة حماس وإيران سعتا- من بين أهداف أخرى- إلى نسف الاتصالات بشأن تطبيع العلاقات السعودية- الإسرائيلية. وقد ورد هذا الادّعاء أيضاً على لسان الرئيس الأميركي، وعلى لسان بعض قادة حماس أيضاً، بأن الهجوم أرسل رسالة واضحة لكل الدول التي تسعى لتطبيع علاقاتها بإسرائيل. وفقاً للتقرير، فإن التخوّف لدى حماس كان يتمثّل في أن يؤدّي تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية (التي تنظر إليها إسرائيل باعتبارها زعيمة الدول السنية وراعية للأماكن الإسلامية المقدّسة) إلى إضعاف موقف الحركة الساعي لنزع الشرعية عن إسرائيل وتدميرها، وكذلك خشيتها من أن تتضمّن هذه المحادثات خطوات من شأنها تقوية السلطة الفلسطينية. هذا إلى جانب أن اتفاق التطبيع الذي كان مقدّماً في السابق كان يتضمن إقامة حلف دفاعي بين واشنطن والرياض وتعاوناً مشتركاً في مجال النووي لأغراض مدنية، وهو ما يترتب عليه تغيير في الميزان الاستراتيجي على حساب إيران. وبالفعل، تسبّب الهجوم في تعليق محادثات التطبيع بين السعودية والولايات المتحدة في هذا المجال، وإسرائيل، بحسب التقرير، كانت تتوقع هذه الصيغة التي تسمح للسعودية بإعادة استئناف المحادثات (لم تُغلق الباب بشكل نهائي) وفي الوقت نفسه، تُخرجها من حرج التقرّب من إسرائيل في مثل هذا الوقت. يقول التقرير بأن ما يُؤكّد هذا الادّعاء هو تصريح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأن الرياض مهتمة باستئناف محادثات التطبيع بعد انتهاء الحرب وأنها ليست في عجلة من أمرها للتخلّي عن التعهدات الأميركية التي حصلت عليها في محادثات التطبيع، وهذا جاء بحسب التقرير بعد الاتصال الهاتفي الأول بينه وبين الرئيس الإيراني رئيسي منذ تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية في آذار 2023.

ويُشير التقرير إلى أن المعضلة التي تواجهها دول الخليج والمتمثلة في الرغبة بعدم السماح لإيران ولحركة حماس في السيطرة على القضية الفلسطينية، وفي الوقت نفسه الحفاظ على علاقة مع كل منها، تدفعها إلى إدانة إسرائيل بشكلٍ عام، ودعوة عامة لعدم تصعيد التوتر والتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق للنار، كما أن الانتقادات السعودية لإسرائيل رافقتها انتقادات أيضاً لحركة حماس على لسان الرئيس السابق للاستخبارات السعودية تركي الفيصل الذي هاجم حماس واعتبر أن ما قامت به ليس بطولة ولا يمثّل الإسلام، مروراً باستمرار الوسائل الإعلامية التابعة للسعودية والمحسوبة عليها بتوجيه أصابع الاتهام لإيران في ما يتعلق بهجوم 7 أكتوبر والتأكيد على أن الفلسطينيين هم ضحية ذلك، في مقابل مساعي الرياض لتحسين حياة الفلسطينيين من خلال محادثات التطبيع، والترويج لادّعاءات مثل أن حماس تضحي بسكّان قطاع غزة من أجل "مغامرة ميؤوس منها"، وصولاً إلى تشبيه حماس بـ "داعش" عبر قناة التلفزة "العربية"، وصولاً إلى تصريحات بعض الصحافيين السعوديين لقناة "كان" الإسرائيلية بأنه إذا لم تنتهِ الحرب بالقضاء على حركة حماس فهذا يعني خسارة لإسرائيل وللعالم الحرّ كلّه. بحسب التقرير، فإن هذه المواقف تُعبّر في الحقيقة عن الموقف السعودي الرسمي، والتخوّف هو ألا تستطيع إسرائيل تحقيق ذلك. في المقابل، يُشير التقرير إلى أن دول الخليج تخشى امتداد التصعيد إلى ساحات أخرى قريبة منها، وفي مقدّمتها اليمن، حيث أنها قلقة من استخدام إيران للحوثيين كجبهة جديدة لمهاجمة إسرائيل ما قد يتسبب بانهيار وقف إطلاق النار وبالتالي تعريضها لنيران الحوثيين. من ناحية أخرى، يؤكّد التقرير على أن تواجد القواعد الأميركية في بعض دول الخليج قد يضعها في مرمى إيران ووكلائها.

من ناحية أخرى، يؤكّد التقرير على أن الفجوة بين الموقف الشعبي لدول الخليج، وبين موقف الأنظمة (الرسمي)، عادت إلى السطح مرة أخرى، وهذا إذا ما أُضيف إلى الخشية المتزايدة من خطر اندلاع حرب إقليمية قد يدفع دول الخليج إلى تفضيل نهاية سريعة للحرب على المنفعة التي قد يتم تحقيقها من مهاجمة حركة حماس.

يختم التقرير بالقول إنه خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ظلّ دور كل من السعودية والإمارات- اللتين تسعيان لموضعة نفسيهما كلاعبين رئيسيين في العالم العربي وتتمتعان بقدرة تفاوضية مستقلة مع القوى المختلفة- سلبياً بشكل نسبي. وبصرف النظر عن المواقف العامة والإعلانات الرسمية والتركيز على المساعدات الإنسانية، فإنهما تتركان الساحة الدبلوماسية لدولة قطر، والاعتماد على حماية الولايات المتحدة الأميركية في ظل مخاوف من ضربة إيرانية محتملة في حال توسّع التصعيد إلا أن ذلك لا يعني عدم الاعتماد عليهما في تصميم مرحلة "اليوم التالي لحماس"، بعد أن تكون الأخيرة قد تعرّضت لضربة قاتلة، والبدء بعملية سياسية تشمل السلطة الفلسطينية في ظل التدخل الأميركي في المنطقة. ورغم صعوبة تصور تقدم في التطبيع بين إسرائيل والسعودية في المستقبل القريب، إلا أن التقرير يؤكّد أن السعودية تركت الباب مفتوحاً، وأنه من المرجّح أن يكون للفلسطينيين حضور في أي ترتيب أكبر مما كان عليه قبل هجوم السابع من أكتوبر. إن كلاً من السعودية والإمارات ترى، بحسب التقرير، كيف تُفعّل إيران وكلاءها من ناحية، وكيف تتجنّد الولايات المتحدة لصالح إسرائيل، وهو ما يدفع الإمارات والسعودية إلى الاقتراب أكثر من إسرائيل وأميركا، كما يظهر من التصدّي المشترك لكل من السعودية والولايات المتحدة وإسرائيل للصواريخ التي يُطلقها الحوثيون أن هناك تعاوناً ناجحاً وقابلاً بالفعل للتطور.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات