المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

افتتح الكنيست هذا الأسبوع دورته الشتوية، التي من المفترض أن تستمر حتى نهاية آذار المقبل، 2024، أو مطلع الشهر التالي، وكان من المتوقع أن تكون دورة ساخنة جدا، على مختلف الصعد، وحتى ظهور خلافات داخل الائتلاف المتماسك، إلا أن تشكيل حكومة طوارئ- حرب، في نهاية الأسبوع الماضي، برئاسة بنيامين نتنياهو، وبانضمام كتلة "المعسكر الرسمي"، بقيادة بيني غانتس، لغرض إدارة الحرب الدائرة، وتنتهي مع إعلان نهاية حالة الحرب، من شأنها أن تشل العمل البرلماني، وتوقف تشريعات حساسة، مختلف عليها مع الشريك الجديد. ورغم ما يظهر من حالة توافق، فإن الخطوط المركزية لهذه الحكومة، من شأنها أن تؤدي إلى خلافات لاحقة.

فقد سارع غانتس للانضمام إلى حكومة نتنياهو بادعاء أنها حكومة مؤقتة، ستحل فور الإعلان عن انتهاء حالة الحرب، التي أعلنتها إسرائيل بعد يومين من هجوم المقاومة الفلسطينية على محيط قطاع غزة، بما أوحى أن إسرائيل تعمل على شن حرب واسعة النطاق تتعدى قطاع غزة. إذ إن أول من عرض تشكيل هذه الحكومة كان رئيس حزب "يوجد مستقبل"، يائير لبيد، وكان شرطه استبعاد الكتلتين اللتين يتزعمها كل من وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، ولم تجر أي مفاوضات بين الليكود و"يوجد مستقبل"، في حين أن غانت وافق على حكومة كهذه، وكان شرطه الوحيد أن يكون له تأثير جوهري على إدارة الحرب. وبوشرت المفاوضات بسرعة، وانتهت في غضون ثلاثة أيام، وكان آخرها لقاء حاسم مع نتنياهو.

ومن أبرز نقاط الاتفاق بين نتنياهو وغانتس، هو نقل إدارة الحرب إلى طاقم وزاري مقلص جدا، يضم رئيس الحكومة نتنياهو، ووزير الدفاع (الأمن) يوآف غالانت، وبيني غانتس، وينضم اليهم بصفة مراقبين، الشخص الثاني في كتلة غانتس، رئيس أركان الجيش الأسبق، غادي أيزنكوت، والوزير رون ديرمر من حزب الليكود، وهو السفير السابق في الولايات المتحدة، ويُعد ذراعا سياسيا دوليا لنتنياهو، ما يعني أن هذا الطاقم الذي سيقود الحرب، يستثني شركاء الليكود، لكنه لا يلغي الطاقم الوزاري المقلص للشؤون العسكرية والسياسية (الكابينيت)، الذي سينضم اليه غانتس وأيزنكوت، والشخص الثالث في كتلة غانتس، غدعون ساعر، ونائبة أخرى من ذات الكتلة. وانضم إلى الحكومة عن كتلة "المعسكر الرسمي"، خمسة وزراء، كلهم من دون حقائب وزارية.

وتضمن الاتفاق بندا يفسح المجال أمام يائير لبيد للانضمام إلى الحكومة، ويكون عضوا في الطاقم المقلص لإدارة الحرب، لكن لبيد أعلن قبل التصويت على التركيبة الجديدة للحكومة، أنه لن ينضم إلى الحكومة، ولكنه لن يصوّت ضدها.

وحسب التقدير، فإن حسابات لبيد حزبية انتخابية، إذ إنه كان أول من أعلن دعمه للحكومة في مسار الحرب، لكن من جهة أخرى، فقد يكون رأى نفسه أنه سيكون "دولابا خامسا في مركبة حكومة كهذه"، في طاقم مقلص غالبيته من الجنرالات، وفي المقابل، فإنه سيخسر منصبه البرلماني، بصفته "رئيسا للمعارضة"، وهذا المنصب يمنحه مكانة رسمية، وفق القانون، وواجب رئيس الحكومة إطلاعه على قضايا حساسة مرّة واحدة شهريا، وأحيانا أكثر بحسب التطورات.

مسألة انضمام ليبرمان إلى الحكومة

مساء السبت الأخير، أعلن بنيامين نتنياهو عن انضمام حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان، إلى الحكومة، مقابل عضوية ليبرمان في الطاقم الوزاري للشؤون الحربية وتوليه مع نائب آخر من حزبه منصبي وزير من دون حقيبة. إلا أن ليبرمان نفى بعد ساعة من بيان نتنياهو انضمامه للحكومة، ويتضح مما نشر أن ليبرمان طلب أن يكون عضوا في الطاقم المقلص لإدارة شؤون الحرب، وكما يبدو فقد تم رفض طلبه.

وقال ليبرمان في بيانه إنه لا يريد أن يكون ورقة تين للحكومة... لكنه سيواصل دعمه للحكومة طالما أن هدفها القضاء على "حماس"، حسب نص منشور ليبرمان على شبكات التواصل.

واللافت في هذه النقطة العينية أمران: الأول هو كسر جليد سميك على المستوى الشخصي بين ليبرمان ونتنياهو، بعد أن اتهم ليبرمان نتنياهو ومقربيه بمحاولة حبك ملف فساد ضده، وخروج ليبرمان ضد نتنياهو ساهم في فقدان الأخير الأغلبية المطلقة في 4 جولات انتخابية برلمانية.

أما الأمر اللافت الثاني فهو أن أحد وسطاء ضم ليبرمان للحكومة، كان زعيم حزب شاس لليهود الحريديم، آرييه درعي، على الرغم من موقف ليبرمان من الحريديم، ومطالبته الدائمة بفرض الخدمة العسكرية الالزامية على شبانهم، وتقليص الميزانيات الضخمة التي يطالبون بها، فالحريديم يخوضون معركة مستمرة لمنع سن قانون يفرض على شبانهم هذه الخدمة وأيضا يسعون بشكل دائم لزيادة الميزانيات، وليس واضحا ما هو هدف درعي من هذا التقارب من ليبرمان، إلا إذا كانت أدخنة الحرب هي المبرر.

عمر الحكومة والخلافات المتوقعة

من الصعب معرفة مدى استمرار حكومة الطوارئ، التي بحسب الاتفاق ستنتهي مع انتهاء حالة الحرب، وخروج فوري لبيني غانتس من الحكومة، إلا إذا قرر الاستمرار بها بشكل آخر، فانتهاء حالة الحرب يكون في الوقت الذي ينهي فيه الجيش كافة عملياته، وانتهاء حالة الاستنفار، وانتهاء كافة التوقعات بتبعات الحرب، لذا فإن هذه الحالة قد تستمر لبضعة أشهر، ولربما أكثر بكثير وفق التطورات المتدحرجة. لكن كلما طال زمن هذه الحكومة، فإن شركاء فيها سيشعرون أنهم في الظل، وبشكل خاص زعيم كتلة "الصهيونية الدينية"، وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وزعيم كتلة "قوة يهودية" (عوتسما يهوديت)، وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير، وخاصة الأخير من بينهما، لأن أحد بنود الاتفاق مع غانتس، هو أن من صلاحيات الطاقم المصغر لإدارة شؤون الحرب، تحديد سياسات الأمن الداخلي، "خاصة في القدس والمدن المختلطة"، والقصد بالمدن المختلطة، هي مدن الساحل الفلسطينية التاريخية، التي باتت ذات أغلبية يهودية، عكا وحيفا ويافا واللد والرملة، وهذا عمليا سيؤخذ من بن غفير، أو أنه ستفرض عليه سياسات، على الأغلب سيتمرد عليها.

ويُعد بن غفير أنه المتمرد دوما، والساعي للاستفزازات داخل حكومة، وفي الأسبوع الماضي ألقى خطابا في مدينة سديروت فُهم منه ضمنا أنه يدعو لشن هجمات على فلسطينيي الداخل، وخاصة في ما تسمى "المدن المختلطة"، إلى درجة أن بن غفير تعرّض لانتقادات من وزراء وأعضاء كنيست من الليكود، لذا فإن أبرز نقطة احتكاك داخلية في تركيبة الحكومة الجديدة سيكون طرفها المركزي بن غفير.

أما سموتريتش، فلديه اعتقاد بأن الحرب الدائرة ستطبق جزءا من "خطة الحسم" التي أطلقها في شهر أيلول العام 2017، وفي صلبها تهجير الشعب الفلسطيني من وطنه، إلا إذا خضع وسكن في غيتوات محاصرة منزوعة الصلاحيات، وتحت حكم عسكري دائم، ولهذا فإنه سيعطي فرصة لهذه الحكومة ويراقب التطورات، التي إذا لم تتدحرج نحو ما يريده، فإنه قد يصبح هو أيضا نقطة احتكاك.

في هذه النقطة بالذات، فإن نتنياهو يرى بشريكيه بن غفير وسموتريتش الحصن المنيع لبقائه في الحكم، في وقت ظهر فيه استطلاع للرأي في صحيفة "معاريف" في نهاية الأسبوع الماضي، يقول إن الليكود سينهار من 32 مقعدا اليوم إلى 19 مقعدا، في ما لو جرت الانتخابات اليوم، في حين أن كتلة "المعسكر الرسمي" بزعامة بيني غانتس تقفز من 12 مقعدا اليوم، إلى 41 مقعدا، كما أن الخسارة ستكون من نصيب حزب "يوجد مستقبل" الذي سيتراجع من 24 مقعدا إلى 15 مقعدا، لكن فريق نتنياهو ككل، سيتراجع من 64 مقعدا اليوم إلى 42 مقعدا.

ونشير هنا إلى أن هذا الاستطلاع أيضا يُعدّ استمرارا لتوقعات ظهرت تقريبا في كل استطلاعات الرأي التي صدرت في الأشهر الأخيرة، فإن حزب العمل الذي يتمثل حاليا بـ 4 مقاعد، سيزول عن الساحة البرلمانية، ليحل معه عائد حزب ميرتس، الذي منحه الاستطلاع 6 مقاعد، وفي استطلاعات أخرى سابقة، 5 مقاعد، إذ إن ميرتس لم يجتز نسبة الحسم في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وكان بعيدا عنها ببضعة آلاف قليلة من الأصوات، ما يعني أن قوته كانت تعادل حافة 4 مقاعد برلمانية.

بالتأكيد فإن هذا استطلاع لا يمكن البناء عليه، ولكنه يُظهر أجواء نقمة في الشارع الإسرائيلي، رغم ما يظهر من وحدة حال في وسائل الإعلام. ومن الضروري الإشارة إلى أن بقاء الحكومة يحدد بتصويت حجب الثقة عن الحكومة في تركيبة الكنيست الحالية، وليس استطلاعات الرأي، لذا فإن نتنياهو سيكون معنيا بالحفاظ على شركائه، لضمان بقائهما معه في اليوم التالي للحرب، وهذه مصلحة مشتركة أيضا مع الشريكين المذكورين، لأنهما وفق استطلاعات الرأي فإن قوتهما البرلمانية ستتراجع، وقد يكون استمرار وجود أحدهما في الساحة البرلمانية على كف عفريت، وفق الاستطلاع المذكور.

حكومة مع معارضة حد أدنى

حصلت الحكومة الجديدة في جلسة التصويت في الهيئة العامة للكنيست على 64 صوتا، كلها من نواب الائتلاف الجديد، ومعارضة 4 نواب من كتلة الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير، التي تضم 5 نواب. أما باقي كتل المعارضة، "يوجد مستقبل" و"إسرائيل بيتنا" والعمل والقائمة العربية الموحدة، فلم تشارك في التصويت، وحتى أن نواب الكتلة الأخيرة لم يتواجدوا في الكنيست يومها.

 بحسب اتفاقية الحكومة الجديدة، طالما أن حالة الحرب قائمة، ومعها هذه الحكومة، فإن الحكومة والائتلاف لا يطرحان مشاريع قوانين، إلا تلك المتعلقة بإدارة الحرب، بما فيها الجانب الاقتصادي، وكل ما عدا ذلك يكون بالاتفاق. لكن هذا لا يعني عدم طرح مشاريع قوانين لتقييد الحريات وتشديد العقوبات، فكتلة "المعسكر الرسمي" مشاركة بشكل فاعل وكبير في طرح مشاريع القوانين التمييزية، وتلك الداعمة للاحتلال والاستيطان، وهذا برز في تلخيص العام البرلماني الأول للكنيست، في تقرير مشاريع القوانين التمييزية والداعمة للاحتلال والاستيطان، في العام البرلماني الأول للكنيست الـ 25، والصادر عن مركز مدار في شهر أيلول الماضي.

وأيا تكن مبادرات ومشاريع القوانين المقبلة، فإن الائتلاف الجديد لن يواجه معارضة برلمانية ذات وزن، تحت ستار الحرب، وستتركز المعارضة، كما رأينا في التصويت على الحكومة، في كتلة الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير، وأيضا القائمة العربية الموحدة، ولكل واحدة منهما 5 نواب.

ما يمكن استنتاجه بشكل أولي أنه على الرغم من ثبات الائتلاف الحاكم، الأصلي، من دون الإضافة الجديدة، فإن كل السيناريوهات التي كانت في ما سبق يوم السابع من تشرين الأول الجاري، باتت تحت علامة سؤال. فما هو مؤكد أن الحال لن تبقى على ما كانت. وهناك سلسلة أسئلة مطروحة حاليا، ولا يمكن تقديم الإجابة عليها، منها: ما هو رد فعل الشارع الإسرائيلي بعد انتهاء حالة الحرب؟ هل ستكون هناك محاسبة عامة؟ من سيتحمل مسؤولية "الفشل العسكري" يوم السابع من تشرين الأول؟ وهل سيتم تحميل الائتلاف الحاكم مسؤولية الانفجار؟ لربما في هذا السؤال عينيا، جاء جواب جزئي في الاستطلاع السابق ذكره، إذ إنه عكس أجواء عامة، حالية، غير أننا لا نعرف مدى ديمومتها.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات