المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

منذ صباح اليوم الثالث لعملية "طوفان الأقصى"، تكاثفت الدعوات داخل إسرائيل، على نحو واسع النطاق، لتوسيع حكومة الائتلاف اليمينية وتشكيل حكومة وحدة وطنية، تضطلع بأعباء حالة الحرب الطارئة التي أعلنت الحكومة عنها.  

ولا بُدّ من القول إن حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية الحالية، التي تسببت بانقسام سياسي عميق، وساهمت في إعادة اصطفاف سياسي، اجتماعي، وأيديولوجي، بدت حتى تاريخ 7 تشرين الأول وكأنها قادرة على الاستمرار في الحكم لوحدها، إذ إنها تستند إلى 64 عضو كنيست (هم مندوبو أحزاب الليكود، وتحالف أحزاب الصهيونية الدينية، وقوة يهودية، ونوعام، وأحزاب اليهود الحريديم). غير أن شدة الهجمة التي نفذتها حركة حماس، والفصائل الفلسطينية الأخرى، والتي تسببت حتى كتابة هذه الورقة بسقوط حوالي 800 قتيل إسرائيلي، وحوالي 130 مفقوداً وأسيراً، بالإضافة إلى آلاف الجرحى ودمار كبير، كانت سبباً مباشراً لقيام طيفي الانقسام الإسرائيلي (الإئتلاف والمعارضة)، بالدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية عريضة تستطيع أن تتحمل عبء الحرب وتكون قادرة على الاستناد إلى كافة أطياف المجتمع الإسرائيلي لصياغة رد حربي غير تقليدي، أو على حد تعبير نتنياهو "ردّ سيغير وجه الشرق الأوسط"!

 

ما هي حكومة الوحدة الوطنية في إسرائيل؟

 

هي حكومة تجمع داخلها ائتلافاً واسعاً يضم الكتل المتنافسة والتي ما كان لها أن تجتمع في حكومة واحدة بسبب البون الشاسع في مواقفها السياسية، أو برامجها الاجتماعية أو مواقفها الأيديولوجية. وعادة يتمتشكيل حكومة وحدة وطنية بسبب حالة الطوارئ مثل الحرب أو الكوارث الطبيعية أو الأزمة الاقتصاديةوالتي تتطلب تعبئة واسعة النطاق للقوى السياسية للتعامل مع الوضع.

والتعبئة الواسعة، أو الخطة الوطنية الشاملة الجامعة، تشمل كذلك استدعاء احتياطي كبير من الجيش، أو تنفيذ خطة اقتصادية شاملة ومنقذة، وإعادة صياغة برنامج الحكومة بشكل يقلص قدر الإمكان تلك السياسات الحزبية الفئوية التي تعبر عن جانب واحد من المجتمع الإسرائيلي (مثل السياسات التي نفذتها حكومة نتنياهو، باعتبارها تمثل اليمين الديني والمتطرف الملتف حول نتنياهو). في المقابل، تصوغ حكومة الوحدة برنامجها استجابة إلى حاجة "وطنية" فوق حزبية تستجيب إلى السبب الذي دعا إلى تشكيلها: في هذه الحالة الإعلان عن حرب، أو بكلمات وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت "حرب وجودية". 

أي حكومة وحدة من المتوقع تشكيلها؟

 

ثمة سيناريوهان لتشكيل حكومة وحدة وطنية: 

(*) الأول، حكومة وحدة وطنية تنتهي أعمالها بانتهاء الحرب وتبعاتها، وليس بالضرورة أن تستمر حتى الدورة الانتخابية القادمة. 

(*) الثاني، حكومة وحدة وطنية تستمر حتى بعد انتهاء الحرب. 

في كل الأحوال، فإن تاريخ إسرائيل يترك هامشاً عريضاً للادعاء بأن انتهاء الحرب سيعقبه تشكيل لجان تحقيق ومساءلة والتي قد تدفع إلى تعجيل الانتخابات القادمة وإنهاء عمر الحكومة الحالية. 

وحكومة الوحدة الوطنية قد تتسع لتشمل كل الأحزاب الإسرائيلية (باستثناء الأحزاب العربية بالطبع)، وقد يتم استثناء بعض الأحزاب الصغيرة التي تقع خارج الائتلاف الحالي (مثلاً حزب العمل). ولكن ليست هناك مؤشرات لخروج أحزاب حالية من الائتلاف، حتى لو كان دورها هامشياً في إدارة الحرب (مثل أحزاب اليهود الحريديم).

من يطالب بحكومة وحدة وطنية؟

وقع العشرات من المثقفين والقادة السابقين من سياسيين وضباط، وعدد كبير من الحاخامات والأكاديميين وكبار مسؤولي القطاع العام (مثل الهستدروت)، على عريضة خاصة تدعو قادة الأحزاب إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية موسعة. 

وجاء في العريضة: "إننا ندعو قادة الأحزاب إلى العودة إلى رشدهم، وتنحية الخلافات المريرة في الآونة الأخيرة جانباً، وتشكيل حكومة طوارئ وطنية واسعة النطاق على الفور، لفترة محدودة. في هذا الوقت، يحتاج مواطنو إسرائيل إلى حكومة طوارئ يمكنها تمثيل غالبية الجمهور، حكومة يتمتع أعضاؤها في المجلس الوزاري السياسي الأمني المصغر ("الكابينيت") بخبرة عالية ويكسبون ثقة".

انضم إلى هذه الأصوات، وربما هذا هو الأهم، أعضاء من الائتلاف الحاكم (الذي يسعى أيضا إلى تبييض صورته أمام العالم وداخل إسرائيل بعد أن تم اتهامه بالتطرف والالتزام بأجندة يمينية ضيقة) وأعضاء من المعارضة (والذي يحاولون تحقيق مصالح سياسية حتى في الوقت الذي تتم فيه الدعوة إلى حكومة وحدة وطنية بسبب الإعلان عن حرب).

الاعتبارات السياسية لفرقاء الأمس، والذين تقاسموا الشارع في مظاهرات عارمة منذ بداية العام، قد تكون مهمة في هذه المرحلة، وهذا ما ستبينه نتائج تشكيل الائتلاف الذي من المتوقع أن يتم الإعلان عن صيغته النهائية في الساعات القادمة. 

لماذا حكومة وحدة وطنية؟

أحد أهم الأسباب الواقفة من وراء تشكيل حكومة وحدة وطنية هو حاجة إسرائيل إلى مجلس وزاري سياسي- أمني مصغّر فيه أعضاء هم أصحاب خبرة عسكرية وقتالية واسعة. 

فعلى الرغم من المكانة المركزية التي يحظى بها أشخاص مثل بتسلئيل سموتريتش (الصهيونية الدينية) وإيتمار بن غفير (قوة يهودية) في الإئتلاف الحاكم، إلا أن هناك أصواتاً واسعة تنادي باستبدالهم بأشخاص ذوي خبرات قتالية مثل بيني غانتس أو غادي أيزنكوت ("المعسكر الدولاني") أو يستندون إلى قاعدة جماهيرية واسعة مثل يائير لبيد ("يوجد مستقبل"). 

ماذا على جدول أعمال حكومة الوحدة الوطنية؟

الحرب الدائرة وضعت إسرائيل أمام ثلاث مهمات أساسية، قد لا يمكن مواجهتها سوى بتشكيل حكومة وحدة وطنية:

1) رد الاعتبار للجيش الإسرائيلي، وصورة دولة إسرائيل، بعد أن تضعضعت صورتها بشكل كبير بسبب الهجوم المفاجئ الذي شنته المقاومة من قطاع غزة والذي ترك مئات القتلى والمصابين والمخطوفين. ثمة أصوات تلقى آذاناً صاغية لدى أعضاء حكومة الوحدة الوطنية المرتقبة، تنادي ليس فقط بالرد القاسي، وإنما بالانتقام، أو كما صرح وزير الدفاع غالانت: "القيام بعمل لن تنساه غزة حتى خمسين عاما قادمة". مثل هذا الرد، والذي ستكون له تكلفة سياسية، اجتماعية، ودولية، لا يمكن أن يتم بدون الاستناد إلى حكومة وحدة وطنية. 

2) السيطرة على مجريات الحرب الحالية، والتي قد تتسع إلى حرب متعددة الساحات (حزب الله، سورية، إيران، الضفة الغربية، مدن الداخل). هذا يتطلب تجنيد أكبر عدد ممكن من قوات الاحتياط، بما يعنيه الأمر من حشد اجتماعي داخلي، وتجنيد للإعلام والمؤسسات والاقتصاد وصياغة خطط اقتصادية إنقاذية والحصول على دعم دولي. وكل هذه الأمور تحتاج إلى الاستناد إلى حكومة وحدة وطنية. 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات