المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1950
  • برهوم جرايسي

تشير سلسلة من التقارير والمعطيات الاقتصادية التي تظهر تباعا، إلى أن الأزمة الاقتصادية الإسرائيلية تتفاقم، وتضرب تقريبا كافة مناحي الحياة، فقد أشار تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، الذي صدر في الأسبوع الماضي، إلى أن إسرائيل حلّت في المرتبة الأولى في قائمة دول المنظمة، بشأن غلاء المعيشة في العام الماضي 2022؛ وحتى تراجعها في منتصف العام الجاري 2023، إلى المركز الرابع، لا يلغي استفحال الغلاء فيها، في حين أن قيمة الشيكل في تراجع ما يمهد لموجة غلاء جديدة، كما تشير تقارير أخرى إلى ارتفاع طفيف في البطالة، وخروج استثمارات مالية كبير إلى الخارج، وفي ظل كل هذا بدأت أحاديث عن اتساع دائرة هجرة الإسرائيليين، أو زاد التفكير بالهجرة.

ففي الأسابيع الثلاثة الأخيرة، على وجه الخصوص، تأرجح سعر صرف الدولار عند 3.8 شيكل للدولار، وهو الذي يعد مرتفعا جدا، مقارنة بالسنوات الأخيرة، ولكنه ليس سعر الذروة، فحتى الربع الأول من العام 2007، كان سعر الدولار 4.3 شيكل؛ وفي صيف العام 2004 سجّل ذروة غير مسبوقة، 4.8 شيكل للدولار؛ لكن الارتفاع الأخير لسعر الدولار جاء بعد فترة استقرار لسعر الدولار، تراوحت ما بين 3.45 شيكل، إلى 3.6 شيكل للدولار، لذا فإن ارتفاعه سيقود إلى ارتفاع العديد من الأسعار، ليس فقط المستوردة، وإنما تلك التي تعتمد على المواد الخام المستوردة، كما سنورد لاحقا هنا.

ونشر المكلّف الحكومي بشؤون العجز عن تسديد الالتزامات المالية، المحامي ومراقب الحسابات آشير أنغلمان، معطيات جديدة، تبين فيها أنه منذ شهر حزيران الماضي حتى شهر آب الماضي، ارتفع بنسبة 84% عدد الشركات التي توجهت إلى المحاكم بطلب تعيين مختص لفحص وضعيتها المالية، مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي.

كما أنه في الأشهر الثلاثة الأخيرة الماضية، ارتفع بنسبة 36% عدد الشركات التي أعلنت عدم قدرتها على تسديد التزاماتها المالية.

وعلى مستوى الأفراد، فإنه في الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، ارتفع عدد الذين طلبوا المصادقة على إفلاسهم بنسبة 6.7%، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي 2022.

وعلى صعيد البطالة، رغم أنها ما تزال متدنية، بحسب التقارير الرسمية، وتحوم حول 3.5%، فإنه في الأشهر الأخيرة لوحظ ارتفاع بنسبة 45% في عدد المتوجهين بطلبات عمل في المهن العصرية، خاصة في مجال التقنية العالية (الهايتيك) على أنواعها.

الأغلى بين دول OECD

حسب تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD الذي نشر في الأسبوع الماضي، صعدت إسرائيل في العام الماضي 2022، إلى المكان الأول في غلاء المعيشة، في قائمة دول منظمة OECD. وهذه السنة التي حكمت فيها حكومة بينيت- لبيد السابقة، لكن هذا الرقم يعكس منحى استمر لسنوات كثيرة، بحسب المحللين وخبراء الاقتصاد.

هذا التصنيف يحسب غلاء المعيشة وفقا لقوة الشراء في كل دولة. وبحسبه فإن مستوى الأسعار في إسرائيل أعلى بنسبة 38% من المتوسط في دول OECDوبالمقارنة مع الأماكن التي تحظى بالشعبية لدى السياح الإسرائيليين، مثل تركيا واليونان والبرتغال، فإن الفجوة أكبر وتصل إلى 60% فما فوق. هذه الفجوة في الأسعار تشرح لماذا بين كانون الثاني وتموز سافر 5.75 مليون إسرائيلي إلى الخارج، وفي المقابل جاء إلى إسرائيل 2.24 مليون سائح فقط.

إلا أنه حسب تقرير صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية التابعة لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإنه في المسح الشهري الأخير الذي أجرته منظمة OECD، في شهر حزيران الماضي، هبطت إسرائيل إلى المركز الرابع بغلاء المعيشة، بعد إيرلندا وآيسلندا وسويسرا. ويقول المحلل عديئيل موسطاكي في الصحيفة ذاتها، إن الأمر يبدو إيجابيا، إلا أن المحللين يرون أن هذا التراجع ناجم ليس بالضرورة عن عوامل إيجابية، وإنما بشكل خاص بسبب تراجع قيمة الشيكل أمام الدولار، والعملات العالمية، في أعقاب مخطط الحكومة لتقويض صلاحيات المحكمة العليا، وضرب جهاز القضاء، ولذا فإن هذا التراجع سيكون مؤقتا، بمعنى أن غلاء المعيشة في إسرائيل سيبقى من الأعلى عالميا.

ويقول المحلل سامي بيرتس، في مقال له في صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، التابعة لصحيفة "هآرتس"، إن القفزة في غلاء المعيشة في إسرائيل بدأت تقريبا في العام 2009، وفي حينه كان مستوى الأسعار في السوق الإسرائيلية يشبه المتوسط في دول الـ OECD. وفي تلك السنة انتخب بنيامين نتنياهو رئيسا للحكومة للولاية الثانية، بعد الولاية الأولى في التسعينيات من القرن الماضي. وشعر الجمهور بالقفزة في غلاء المعيشة في العام 2011، عندها اندلعت حملة الاحتجاجات الشعبية.

ويشار إلى أن مستوى غلاء المعيشة في إسرائيل كان في العام 2004 أقل بنسبة 22%، من معدل غلاء المعيشة في الدول الأعضاء في OECD.

وحسب بيرتس، فإن ارتفاع الأسعار يتعلق بعوامل كثيرة، منها المركزية المرتفعة في الاقتصاد، في فروع مثل الغذاء، والزراعة، والخدمات الحكومية، وفي سلسلة من الفروع المشتقة مثل الفنادق والمطاعم. أيضا البضائع المستوردة غالية في إسرائيل بسبب تأثير المستوردين الحصريين الكثيرين. عامل آخر هو تراجع قيمة الشيكل في السنوات الأخيرة، رغم أن هذا جاء نتيجة سبب جيد: تدفق الاستثمارات الأجنبية بمبالغ طائلة.

ويرى بيرتس أن الجمهور يواجه في العام ونصف العام الأخيرين، ليس فقط غلاء المعيشة العالي، بل أيضا ضربة أخرى على شكل قفزة حادة في تسديد أقساط قروض السكن في أعقاب رفع الفائدة من قبل بنك إسرائيل المركزي. والمتضررة الأساسية هي الطبقة الضعيفة، التي تنفق معظم دخلها على الاستهلاك الشخصي. في حين أن الشريحة الميسورة" العليا حسب التسمية الإسرائيلية، يمكنها تعويض نفسها عن غلاء المعيشة المرتفع من خلال الشراء في الخارج، وهذه إمكانية متاحة بدرجة أقل للشريحة الدنيا.

وحسب تقرير سابق لمركز الأبحاث والمعلومات في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست)، الصادر في كانون الأول من العام الماضي 2022، فإن الأسعار الإسرائيلية مرتفعة جدا، بشكل خاص في المنتجات الأكثر أساسية، مثل منتجات الألبان والأجبان والبيض مثلا، هي أغلى بنسبة 70% مقابل المتوسط في دول الـ OECD، والخبز والحبوب أغلى بنسبة 54%؛ والمشروبات الخفيفة أغلى بنسبة 49%؛ واللحوم أغلى بنسبة 43% وخدمات الصحة أغلى بنسبة 31%. الخدمة الوحيدة التي فيها إسرائيل رخيصة بالمقارنة الدولية هي خدمة الاتصالات. هذا الأمر غير مفاجئ، لأن هذا هو الفرع الوحيد الذي فيه تجرأت الحكومة على إجراء إصلاح تنافسي مهم.

وبعد أيام قليلة من صدور تقرير منظمة OECD، صدرت توقعات لمراكز اقتصادية إسرائيلية، تقول إن السوق الإسرائيلية على أبواب موجة غلاء جديدة في الأسابيع القليلة المقبلة، وبحسب تلك التوقعات، فقد تعددت أسباب الغلاء، ومن بينها استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار واليورو أمام الشيكل، الذي يقود إلى رفع أسعار العديد من المواد الغذائية، والوقود وغيره، وأيضا ارتفاع الفائدة البنكية التي يدحرج المستثمرون والمسيطرون على الاقتصاد، كلفتها على الجمهور، برفع الأسعار.

أما الأسباب الأخرى، فإنها تعود إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية، فعلى سبيل المثال، أدت الفيضانات الشديدة في الهند إلى ضرب محاصيل الأرز، وقد ترتفع أسعاره بحوالي 24%، بحسب التقديرات، خاصة وأن الحكومة الهندية فرضت قيودا على تصدير الأرز بفرض جمارك تصل إلى 20% إضافية.

كما أن الأجواء المناخية ضربت محاصيل الزيتون في إسبانيا، التي تزود حوالي 25% من زيت الزيتون في الأسواق العالمية، وحينما ترتفع أسعار الزيت المستورد، فإنها ترفع مباشرة أسعار الزيت المحلي، في الوقت الذي يتحدث فيه مزارعون عن تراجع محاصيل الزيتون في الموسم القريب.

ومن بين المواد الغذائية التي سترتفع أسعارها أيضا، السكر بحوالي 30% بحسب التقديرات، إضافة إلى أسعار الشكولاتة في المرطبان، بنسبة 10%، وأسعار الأسماك المعلبة مثل التونا وغيرها بنسبة تصل إلى 30%.

أما أسعار الوقود فقد ارتفعت في مطلع الشهر الجاري أيلول، بنسبة 1.2%، بعد أن قررت وزارة المالية زيادة قيمة الدعم على الليتر الواحد، إلى شيكل، من أصل الضريبة التي تحوم حول 60% من سعر ليتر البنزين للمستهلك، منعا لرفع أسعار مرتبطة بكلفة الوقود، ما يعني أنه من دون الدعم يقارب سعر ليتر البنزين، أوكتان 95، الأكثر استهلاكا، 8 شواكل، إلا أن مصطلح "دعم" هنا، تضليلي من الدرجة الأولى، لأنه عمليا خفض في حجم الضريبة المفرطة على الوقود.

هل زادت هجرة الإسرائيليين؟

في ظل هذه التقارير الاقتصادية، وبشكل غير مألوف في الصحافة الإسرائيلية، نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" تقريرا موسعا، عن مناعم حياة الذين غادروا إسرائيل، إما بهدف الهجرة الكلية، أو للبقاء في الخارج لسنوات عديدة، وتحدث الذين أجريت معهم مقابلات عن رخص كلفة المعيشة مقارنة بارتفاعها في إسرائيل، خاصة على صعيد الاستهلاك اليومي الأساسي، وأسعار البيوت وكلفتها الشهرية.

واستعرض تقرير الصحيفة استطلاعا جديدا لشركة الأبحاث الاقتصادية "دايفيدشيلد"، يظهر فيه أن واحدا من كل ستة إسرائيليين راودته فكرة الهجرة في الأشهر الستة الأخيرة الماضية، وبحسب القائمين على الاستطلاع فإن الحديث يجري عن أضعاف حالة التفكير في الهجرة، مقارنة بما كان قبل سنوات.

وبحسب الاستطلاع، فإن 78% قالوا إن فكرة الهجرة راودتهم بسبب غلاء المعيشة، وهم في الأساس من الأجيال الشابة، العنصر الأساس في سوق العمل، 36% من أبناء 25 إلى 34 عاما، و29% من أبناء 35 إلى 44 عاما.

وإحدى أبرز وجهات الهجرة هي البرتغال التي يعيش فيها حاليا حوالي 15 ألفا من حملة الجنسية الإسرائيلية. وحسب التقرير، فإن أسعار المواد الغذائية في السوق الإسرائيلية أعلى بنسبة 70% مما هي في البرتغال، بما في ذلك الطعام في المطاعم، كما أن كلفة المواصلات في إسرائيل أعلى بنسبة 65% مما هي عليه في البرتغال، إضافة إلى أسعار البيوت.

الناتج للفرد

من ناحية أخرى، وحسب تقرير لصندوق النقد الدولي، فإن معدل الناتج للفرد في إسرائيل ارتفع في العام الماضي 2022، إلى مستوى 54 ألف دولار، في حين أن سويسرا التي فيها كلفة المعيشة من الأعلى في دول منظمة OECD، سجل الناتج للفرد 92 ألف دولار، وكذا أيضا بالنسبة لآيسلندا، التي هي أيضا من الدول التي تواجه غلاء معيشة، فقد بلغ معدل الناتج للفرد فيها 72 ألف دولار. وفي أستراليا التي فيها، هي أيضا، غلاء المعيشة أعلى بنسبة 23% من معدله في دول OECD، فإن معدل الناتج للفرد 64.5 ألف دولار. وفي الولايات المتحدة الأمريكية قفز عن 76 ألف دولار.

يشار هنا، واستنادا إلى تقارير سابقة على مر السنين، إلى أن نسبة الإنتاج العسكري في إسرائيل، ويدخل في حسابات معدل الناتج للفرد، أعلى بنسبة كبيرة من الدول المذكورة هنا، وعمليا فإنه من دون الناتج العسكري فإن معدل الناتج للفرد في إسرائيل يتراجع أيضاً.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات