على الرغم من الأبحاث والتقارير، بل حتى القرارات الحكومية بشأن وجوب البدء باستعداد عملي حقيقي لمواجهة مخاطر الزلازل والهزات الأرضية، ما زالت الحكومة الإسرائيلية ترجئ التنفيذ والتطبيق، وبالذات حين يصل الأمر مرحلة رصد وتحديد الميزانيات لمعالجة مسائل ذات صلة بالقضية المقلقة، وأولها ترميم وتعزيز عشرات ألوف المباني الخطرة، والتي تنتشر في مناطق مختلفة أبرزها ما يسمى بـ "البلدات الطرفيّة".
خطر وقوع كارثة طبيعية كهذه ليس مسألة تخمين بعيد الاحتمال، وإنما ما يشبه "فرضية العمل"، رسمياً. فمثلاً، يُفتتح موقع "بوابة الطوارئ الوطنية" بالإعلان التالي: "إن موقع دولة إسرائيل على الشق السوري- الأفريقي، إلى جانب كون حدوث الكثير من الهزات الأرضية القوية على مدار التاريخ فيها، يثبت لنا أن من الممكن وفي كل لحظة، حدوث هزة أرضية قوية أخرى. من المتوقع أن تحدث في إسرائيل هزة أرضية قوية، من الممكن أن تتسبب في كارثة جماعية مع آلاف القتلى والمصابين وفي دمار كبير لمبانٍ وللبنية التحتية".
توقّف أمير ياهف هو رئيس اللجنة الوزارية للتأهب للزلازل، في جلسة أخيرة للجنة الداخلية في الكنيست (يوم 10 تموز الجاري) عند عدد الأبنية الخطرة، وقدّر تكلفة معالجة الأبنية التي يجب تقويتها في وجه الهزات والزلازل بـ 10.5 مليار شيكل، وأكد أنه يتوجب على الدولة تخصيصها منذ اليوم وعلى مدى عشر سنوات. لكن ممثلي وزارة المالية رفضوا الاقتراح بشكل تام وجارف، وقالوا: إلى أن تكون هناك خطة واضحة جاهزة، فلا يوجد سبب حتى لمناقشة الميزانية، ونصحوا الوزارات بتشكيل طاقم أو لجنة أخرى.
وتعليقاً على هذا، كتب دفيد تبرسكي في موقع صحيفة "دفار": في أثناء استعراض مواد الأرشيف والوثائق والتحليلات والقرارات، فإن أعضاء لجنة التحقيق الحكومية التي ستجتمع في غضون بضعة عقود بعد الزلزال العظيم، الذي يعتقد معظم الخبراء أنه سيحدث، سيصادفون بروتوكول البحث الذي جرى في لجنة الداخلية. من خلال الصياغات المعقدة والجدالات، سيحاولون، في لجنة التحقيق المستقبلية، فهم السبب الذي أخّر حماية 80 ألف مبنى، والتي من الواضح أنها لم تكن مهيأة لوقوع زلزال. الفجوة بين تفاهة حجج المسؤولين وعمق الفشل ستكون صعبة بشكل لا يصعب تحمّله.
أكثر من 10 بلدات في دائرة الخطر من بينها حيفا والقدس
للتذكير: المسؤول المذكور نفسه، ياهف، كان قال في جلسة رسمية سابقة حول موضوع الهزات والزلازل، في شباط هذا العام: "إن المسح الذي قمنا به هذا الأسبوع يظهر أن القدس في دائرة الخطر وأيضا مناطق في حيفا والكريوت وجنوب البلاد. إذا وقعت هزة أرضية عندنا كما حدث في تركيا سنرى مشاهد مشابهة. إسرائيل تستعد للهزات الأرضية ونحن في مرتبة غير سيئة عن دول العالم، ولكن التقدّم لدينا بطيء للغاية. كلي أمل أن تصحو الدولة وتستثمر أكثر في هذا الموضوع. تم إجراء دراسة العام 2015 من قبل لجنة توجيه وزارية وتم وضع مسح يشير إلى بلدات تعاني من مخاطر الهزات الأرضية وهي 10 بلدات. لقد قمنا بعملية مسح جديدة ووجدنا أن هناك أكثر من 10 بلدات في دائرة الخطر من بينها حيفا والقدس".
وبناء عليه، يعلّق الكاتب في "دفار": المشكلة في كلام ممثلي المالية، كما سيرى أعضاء لجنة التحقيق المستقبلية بالتأكيد، هي أن هذا الطاقم قد تم تشكيله بالفعل. وعلاوة على ذلك، أعد الطاقم وثيقة مفصلة للعمل وحتى مصادر لميزانية موحدة للخطة. كل هذا حدث في عهد زئيف إلكين كوزير للإسكان. إذ صاغ طاقم مشترك بين الوزارات خطة لحماية ما يقرب من 36 ألف مبنى في بلدات طرفيّة معرّفة كخطرة، بعضها من خلال تعزيز المباني القائمة وبعضها الآخر من خلال تعزيز برامج التجديد الحضري بتكلفة 6.5 مليار شيكل تتم جدولتها في الميزانية بشكل أساس من خلال المزايا والأفضليات الضريبية.
وفقاً لوثيقة الخطة، التي تم تقديمها إلى الحكومة في أيلول 2022، من الممكن تقليل عدد المباني الخطرة في إسرائيل بمقدار النصف خلال عقد من الزمن - معظمها في الأماكن الأكثر خطورة. تمت الموافقة على الخطة من قبل وزارات الإسكان والدفاع والنقب والجليل وحصلت على الضوء الأخضر من مجلس الوزراء برئاسة رئيس الحكومة. لكن وزارة المالية رفضت ذلك، بحجة أنها ليست مستعدة لدعم مزايا ضريبية بهذا الحجم لما تعتبره "طريقة غير فعالة".
ممثلو الحكومة يعارضون تنفيذ قرارات وخطط أقرتها الحكومة!
اتهم الوزير السابق إلكين في اجتماع لجنة الداخلية هذا الشهر، وزارة المالية بإفساد الخطة الحكومية المصادَق عليها، وقال: "لا داعي لتشكيل المزيد من اللجان، فكل التخطيط قد تم بالفعل". وأشار إلى أنه بحلول نهاية عام 2023، سيكتمل تنفيذ مخططين تجريبيين للتجديد الحضري، تم في إطارهما بناء آلاف الوحدات السكنية الجديدة في مدن خطرة بدلاً من الشقق المعرضة للخطر، وحظيت خطة التجديد بدعم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. ووفقاً لأقوال إلكين، كان هذا البرنامج بمثابة حافز لجميع السلطات المحلية، حتى تلك التي لم تحظ بالمشاركة في المخطط التجريبي، لبدء عمليات التجديد الحضري. لو أن الدولة تقوم بدفع هذه الميزانية قدماً، فإنها ستغير الواقع.
يتواصل هذا الجدل الذي في مركزه معارضة ممثلي وزارة المالية، أي الحكومة نفسها، تنفيذ قرارات وخطط ومبادرات أقرتها الحكومة نفسها في فترات سابقة، علماً بأن الهيئة العامة للكنيست صادقت، في حزيران 2020، بالقراءتين الثانية والثالثة على تعديل لقانون التخطيط والبناء يقضي بإرساء التسويات اللازمة للمضي قدماً بتقوية المباني لتتمكن من مقاومة الهزات الأرضية والزلازل. بحسبه سيتم توسيع صلاحيات اللجان المحلية في المصادقة، في نطاق المخططات الواقعة ضمن صلاحيات كل منها، على مخططات في عدة مسارات: مخطط لإنشاء مبان مقاومة للهزات والزلازل الأرضية ضمن مسار هدم وبناء من جديد، هدم وإضافة مساحات بناء في قطعة أرض أخرى، تعزيز وإضافة مساحات بناء في قطعة أرض أخرى. ارتباطاً بالعوائق المتواصلة بل المنهجية في تسهيل وتسريع رصد الميزانيات، نص القانون صراحةً على "اتباع مسار سريع يسمح بتنجيع وتسريع تحقيق هذه المخططات".
استخفاف متواصل من قبل الجهات التي يُفترض أن تُجري الاستعدادات
هذا الاستخفاف – وهو وصف ورد في أبحاث جلسات رسمية – ليس جديداً، بل هو منهجي كما أسلفنا. ففي آب 2020 اجتمعت لجنة شؤون رقابة الدولة برئاسة عضو الكنيست حينذاك عوفر شيلح، حيث بحثت "استعدادات الدولة لحالة طوارئ وخاصة الزلازل الأرضية وذلك على خلفية تقرير خاص أصدره مراقب الدولة حول الموضوع ويشير إلى عيوب خطيرة في صلاحيات الجهة الرقابية بما يخص الموضوع وتنفيذ أعمال تقوية المباني". وتوقّف رئيس اللجنة عند: "الاستخفاف المتواصل من قبل الجهات التي يتوقع أن تجري الاستعدادات للزلازل الأرضية، مما يتسبب بفشل على الصعيد الوطني. في حقيقة الأمر فإنه باستثناء منظومة للإنذار المبكر وتطورات في مجال الأمان، لم يتم القيام بأي شيء منذ بضع سنوات إنما عكس ذلك: في جزء من الخطوات المصيرية تقهقرنا إلى الوراء كما قالت الجهات المهنية اليوم أمام اللجنة".
نوّه مدير شعبة الرقابة في مكتب مراقب الدولة، المحامي تساحي ساعَد، إلى القصورات في تعامل السلطات مع الاستعدادات لمواجهة الزلازل الأرضية قائلا: "إن العام 1980 هو النقطة المفصلية في الزلازل الأرضية لأن المباني الذي تم بناؤها ابتداءً من هذا العام تعتبر قادرة على الصمود أمام الزلازل، ولكن ما قبل هذا العام لا تعتبر كذلك. وهناك مبان تعود لمؤسسات عامة كبيرة لم يتم تقويتها وتم بناؤها قبل العام 1980". بين تلك العيوب: لدى سلطة المياه معلومات جزئية فقط حول قدرة البنية التحتية للمياه على الصمود أمام الزلازل ضمن مناطق نفوذ السلطات المحلية. كذلك ليست هناك مواصفات لتقوية البنية التحتية القائمة للمياه ولم تصدر سلطة المياه تعليمات موحَّدة لجميع مزودي المياه في هذا المجال. زد على ذلك أن الزلازل قد تسبب الحرائق، من بين أمور أخرى، نتيجة مخاطر تسرب غاز الطبخ من البيوت. وليس لدى وزارة الطاقة معلومات كاملة حول مكان تواجد منشآت غاز الطبخ (غاز الهيدروكربون المكثف) وصمامات إغلاق هذه المنشآت. وحتى المعلومات الموجودة لدى وزارة الطاقة لا تمرَّر لسلطة الإطفاء.
بموجب التقرير، لم تتخذ هيئات الحكم المركزي، لا سيما وزارة الداخلية ووزارة الإسكان، أية إجراءات للمضي قدماً بمعالجة مشكلة المباني الخطيرة من قبل السلطات المحلية ومعالجة العواقب الاقتصادية والاجتماعية التي ينطوي عليها هذا الأمر. ولم تتخذ هذه الجهات والسلطات المحلية إجراءات استباقية لتحديد مواقع المباني الخطيرة، الأمر الذي قد يحول دون معالجة مشكلة المباني المهددة للحياة. وأكد أن الخوف المستمر من وقوع هزة أرضية في دولة إسرائيل، إلى جانب الخوف من انهيار مبانٍ قديمة لم تتم صيانتها، على غرار الأحداث التي وقعت خلال العام 2021، وإمكانية الحاق أضرار ملموسة تنجم عنها، تزيد من الحاجة إلى تنظيم المباني الخطيرة وتقليص الفجوات بين السلطات في هذا المجال.
خبير في الزلازل: "هذا التهديد أكبر بكثير من التهديد الإيراني"!
هناك تقارير رسمية أخرى تؤكد هذا الصورة الإشكالية حد الخطر. مثلا، أصدر معهد الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست، بطلب من لجنة الاقتصاد البرلمانية، الصيف الماضي، تقريراً مفصلاً عن مشكلة المباني والبيوت التي تعرّف كـ"خطرة" أو "في خطر انهيار" على قاطنيها أو مستخدميها. وفيما يخص القصور في عمل السلطات المركزية، أشار إلى انعدام صورة واضحة سواء للعدد الدقيق لهذه المباني ومواقعها وكذلك لوجود أنظمة موحدة وسياسة واضحة للتعاطي مع المشكلة.
أكد الدكتور أريئيل هايمان، وهو خبير في الزلازل والهزات الأرضية، في سياق موقف مهني قدّمه في الكنيست: "إن حقيقة إحداث تغيير على المباني في العام 1990 لا يعني أن كل المباني منذ ذلك الحين قادرة على الصمود أمام زلازل. في هذا العام تم تغيير المواصفات ومعظم المباني ستصمد، ولكن ليس جميعها. يمكن إجراء الاستعدادات للأضرار المتوقعة وتنفيذ أعمال البناء بشكل أصح وتوعية الجمهور. الزلازل هي تهديد وجودي لدولة إسرائيل وضربة قاسية ستلحق بجميع الأماكن. هذا التهديد أكبر بكثير من التهديد الإيراني وأخطر من تفشي جائحة كورونا. ليس السؤال هل يقع زلزال إنما متى سيقع". وأضاف "ليست لدينا أي إمكانية للتنبؤ مسبقاً متى سوف يحدث زلزال. لدينا منظومة إنذار يمكنها منح الإنذار المسبق قبل 30 ثانية وبالتالي وقف المولدات الكهربائية، وإغلاق الجسور، لكن ما زالت هذه المنظومة قيد الإنشاء ولن تمنع وقوع الزلزال إنما ستقلص الأضرار إلى درجة معينة فقط". والمقصود نظام الإنذار المبكر، الذي أطلق عليه اسم "تروعا" ويستند على نظام طورته جامعة بيركلي في كاليفورنيا وبدأ العمل به في العام 2019، وتم وضع إسرائيل فيه ضمن مجموعة صغيرة من دول أخرى مثل الولايات المتحدة وتايوان واليابان. وأشار عدة خبراء إلى أن هذه التكنولوجيا لا يمكنها أن تتنبأ بعد بموقع الزلزال أو توقيته أو شدته.
المصطلحات المستخدمة:
مراقب الدولة, لجنة الاقتصاد, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, زئيف إلكين, عوفر شيلح