بتاريخ 10 أيار 2023، استخدمت إسرائيل بنجاح، وللمرة الأولى، منظومة الدفاع الجوي "مقلاع داود"، لإسقاط صاروخ متوسط المدى تم إطلاقه من قطاع غزة. دخلت منظومة "مقلاع داود" إلى الخدمة في شباط 2016، وتهدف إلى سد فجوة في منظومة الدفاع الجوي متعددة الطبقات التي تستخدمها إسرائيل للتعامل مع هجمات صاروخية. هذه المقالة تستعرض منظومة الدفاع الجوي في إسرائيل، والتي تشمل "درع الضوء"، "القبة الحديدية"، و"مقلاع داود"، وتشرح مزايا كل طبقة ودور رأس المال الذي ينشط في الصناعات الحربية الإسرائيلية فيها. وعلى ما يبدو، ثمة استثمارات ومصالح اقتصادية لا يمكن الاستهانة بها، تشكل جزءا لا يمكن إغفاله من حروب إسرائيل مع قطاع غزة. فمن هي الأطراف الإسرائيلية المؤثرة التي لا ترغب بوضع حد للتهديدات الصاروخية من قطاع غزة.
منظومة الدفاع الجوي متعددة الطبقات في إسرائيل
منظومة الدفاع الجوي متعددة الطبقات هي قيادة عسكرية إسرائيلية يترأسها عميد من سلاح الجو، يتبع مباشرة إلى قائد سلاح الجو الإسرائيلي. هذه القيادة مسؤولة عن إدارة وتفعيل أنواع عدة من الدفاعات الأرضية- الجوية لاعتراض الأجسام الطائرة المعادية، خصوصا الصواريخ. بشكل عام، سلاح الجو الإسرائيلي مسؤول عن الدفاع عن المجال الجوي من خلال أسراب الطائرات المتوفرة لديه. تنص عقيدة الدفاع الجوي الإسرائيلي على أن سلاح الجو يعتمد بشكل أساس على الطائرات الحربية بهدف اعتراض الطائرات المعادية التي تدخل الأجواء الإسرائيلية أو التي تهدد المجال الإسرائيلي.
في ما يخص منظومة الدفاع الجوي متعددة الطبقات، فإن لها هدفين أساسيين: 1) إضافة إلى دور الطيران الحربي الإسرائيلي في صد هجمات الطائرات المعادية، فإن منظومة الدفاع الجوي متعددة الطبقات تعتبر خط الدفاع الأخير، بعد استنفاد محاولات الطيران، وتهدف إلى منع طائرات العدو من الوصول إلى أهدافها داخل المناطق الإسرائيلية. 2) لكن في حال كان الهجوم عبارة عن صواريخ (وليس طائرة حربية معادية)، فإن منظومة الدفاع الجوي تعتبر هنا خط الدفاع الأول- ولهذا يتم تفعيل هذه المنظومات عادة في أثناء الحروب مع غزة.
تتكون منظومة الدفاع الجوي متعددة الطبقات من أربع وحدات هي: 1) وحدة صواريخ أرض – جو، 2) وحدة صواريخ مضادة للصواريخ، 3) وحدة اختبار الصواريخ وتطويرها، 4) وحدات تكتيكية. في السابق، كانت هذه الوحدات متفرقة، ومنضوية تحت سلاح المدفعية. لكن ابتداء من العام 2016، تم إلحاق كافة الوحدات بسلاح الجو. وتقع المدرسة التي تخرج عناصر قادرين على العمل في منظومة الدفاع الجوي شمال غربي النقب بالقرب من كيبوتس مشآفيه ساديه، وللمنظومة عَلم يجمع بين الأزرق الداكن والأسود، وتتكون عقيدتها من ثلاثة شعارات: "تكنولوجيا القتال"، "السماء هي حدودنا" و"عناصر ذوو أهداف".
طبقات منظومة الدفاع الجوي في إسرائيل
تتكون منظومة الدفاع الجوي في إسرائيل من ست طبقات، كل طبقة تغطي مدى معيناً يبدأ من صواريخ مداها أقل من 7 كيلومترات، وصولا إلى صواريخ بالستية تخترق الغلاف الجوي، وهي:
الوحدة/المنظومة |
الحالة |
بداية الخدمة/المشروع |
المدى |
تكلفة الصاروخ |
الشركة المطورة |
"درع الضوء" |
مرحلة التطوير |
نحو العام 2014 |
0-7 كم |
صفر |
شركة رفائيل وشركة آلبيت |
"القبة الحديدية" |
مستخدمة/ تحت التطوير |
دخلت الخدمة العام 2011 |
حتى 70 كم |
50 ألف دولار |
شركة رفائيل وشركة آلتا وشركة mPrest |
"مقلاع داود" |
مستخدم/ تحت التطوير |
دخل الخدمة العام 2016 |
40- 300 كم |
1 مليون دولار |
شركة رفائيل وشركة رايثون الأميركية |
"سهم 2" |
مستخدم/ تحت التطوير |
دخلت الخدمة العام 1998 |
حتى 1500 كم |
3 ملايين دولار |
الصناعات الجوية الإسرائيلية وشركة بوينغ للطائرات |
"سهم 3" |
مستخدم/ تحت التطوير |
دخلت الخدمة العام 2017 |
عابر للقارات |
2.2 مليون دولار |
الصناعات الجوية الإسرائيلية |
"سهم 4" |
مرحلة التطوير |
تم الإعلان عنه العام 2017 |
عابر للقارات |
غير معروف |
الصناعات الجوية الإسرائيلية |
في ما يخص منظومة إسقاط الصواريخ من طراز "سهم 2" (مستخدمة)، "سهم 3" (مستخدمة)، وسهم 4" (قيد التطوير)، فإنها تقوم بصد صواريخ بعيدة المدى، أو بالستية وحاملة رؤوسا كيميائية، أو بيولوجية، أو نووية. وعليه، تقوم منظومة "السهم" بتدمير الصاروخ المعادي خارج الغلاف الجوي، على أن تسقط شظاياه بعيدا جدا عن إطار دولة إسرائيل. وبالتالي، قد لا تكون عمليات تطوير هذه المنظومة وتسويقها وبيعها مرتبطة بحروب إسرائيل مع محيطها (غزة ولبنان وسورية) على اعتبار أن هذه الحروب تشكل حيزا لدراسة الاقتصاد السياسي لتطوير الأسلحة الإسرائيلية. أدناه، سيقتصر الاستعراض على ثلاث منظومات تتعلق بحروب إسرائيل مع محيطها، خصوصا قطاع غزة.
1. منظومة "درع الضوء"
تم الإعلان عنها في العام 2014، خلال معرض "الصالون الجوي في سنغافورة" وتحولت إلى مشروع قيد التطوير. وتستهدف هذه المنظومة صواريخ قصيرة المدى، مثل قذائف الهاون. ما يميز هذه المنظومة هو أن تكلفة اسقاط الصاروخ هي صفر، لأنها تقوم على تقنية الليزر لتفجير صاروخ معاد، وهذا يعني أن تكلفة إسقاط صاروخ هي فقط ثمن الكهرباء التي شغلت المنظومة. كما أن سرعة اعتراض الصاروخ قصير المدى هي فائقة مما يسمح بزيادة قدرة الاعتراض إلى أقصى حد لأنه، حتى لو لم تنجح المحاولة الأولى، فمن الممكن محاولة الاعتراض مرة أخرى. هذه السرعة تعني أن شظايا الصاروخ المدمر ستقع في منطقة الإطلاق بكل تأكيد. هذا أيضا يعني أنه لن يتم إطلاق صفارات انذار في البلدات الإسرائيلية (وتعطيل الحياة اليومية) ببساطة لأن الصاروخ الذي تم اعتراضه بسرعة لن يدخل المجال الجوي الذي يستدعي إطلاق صفارات انذار. والميزة الأهم، أن المنظومة لا تحتاج إلى قوى عاملة إذ إنها تعمل تلقائياً.الشركات المطورة تقول إن 90% من التجارب مرت بنجاح، بيد أن الدراسات المتعلقة بالاقتصاد السياسي للحروب تذكرنا على الدوام بأن هذا النوع من تطوير الأسلحة كمشروع استثماري يحتاج بشكل عام، إلى ساحات حرب يستخدم فيها هذا النوع من الصواريخ قصيرة المدى ليتم تقليل التكلفة في ما يخص عجلة: تطوير- تجريب- تطوير... إلخ.
في 8 كانون الثاني 2020، كشف الجيش الإسرائيلي عن اختراع مهم جدا يتعلق بتطوير ليزر قوي خلال عمل مشترك بين شركة رفائيل للصناعات الحربية المتقدمة وشركة آلبيت وشركة مابات. وفي حزيران 2021، تم اختبار المنظومة في الجو. في 17 آذار 2022، أعلن وزير الدفاع حينها بيني غانتس عن وصول عمليات تطوير المنظومة إلى مراحلها الأخيرة، وخلال أعوام قليلة سيتم وضع المنظومة في المستوطنات المحيطة بغزة. وفي 14 نيسان 2022، أعلنت وزارة الدفاع وشركة رافائيل عن الانتهاء من الاختبارات الناجحة لصد الصواريخ قصيرة المدى وقذائف الهاون والطائرات بدون طيار، وأنه لأول مرة في العالم، سيتم اعتراض الصواريخ قصيرة المدى باستخدام نظام ليزر قوي يجري تطويره فقط في إسرائيل، والذي سيكون مكملاً للقبة الحديدية. وبعد أن تم تقديم المنظومة لرئيس الولايات المتحدة جو بايدن في أثناء زيارته لإسرائيل في حزيران 2022، قامت شركة رفائيل الإسرائيلية بتوقيع اتفاقية مع شركة "لوكهيد مارتن" الأميركية لتطوير وإنتاج النظام بشكل يتناسب مع "الأسواق العالمية"، ويلائم استخدامات الجيوش المختلفة مثل جيش الولايات المتحدة. وفي بداية شهر أيار 2023، تم تقديم نسخة بحرية من النظام مخصصة للتركيب على السفن. ومع ذلك، لم تنته حتى الآن مرحلة التطوير التي تسمح بإدخال المنظومة إلى الخدمة العسكرية في إسرائيل.
2. منظومة "القبة الحديدية"
وهي منظومة دفاع ضد الصواريخ تغطي مدى أبعد من المنظومة السابقة، وتستهدف الصواريخ المعادية التي يصل مداها إلى نحو 70 كم. فهي تقوم بتدمير الصواريخ الشبيهة بصواريخ غزة على مسافة 10 كم بعيدة عن سطح الأرض. إن بطارية واحدة (تكلفتها 100 مليون دولار) من بطاريات القبة الحديدية قادرة على الدفاع عن مساحة يصل قطرها إلى نحو 150 كم مربع. بدأ التفكير بالمشروع خلال العام 2005، وتطورت الفكرة خلال حرب إسرائيل- غزة العام 2008. وبعد الإنتاج، تم استخدام واسع للمنظومة في حرب 2012، ثم حرب 2014، ثم حرب 2021، ثم العمليات ضد الجهاد الإسلامي في 2022 ثم في 2023.
وقد عانى نظام "القبة الحديدية" من تمويل ملائم لتطويره، بعد أن رفض الجيش الإسرائيلي تخصيص ميزانيات لتطويره من خلال شركة رفائيل. في العام 2011، حصلت انفراجة بعد أن خصص الكونغرس الأميركي، وبدعم وموافقة من باراك أوباما، مبلغ 250 مليون دولار لتمويل المشروع وتطويره. وبعد ذلك نشرت هآرتس بأن سنغافورة قد تكون طرفا مباشرا في التمويل والتطوير، هي الأخرى. تم تطوير المنظومة بشكل متواز مع نشوب معارك بين إسرائيل وغزة، وهي معارك شكلت حيزاً ملائماً للاستثمار في تطوير المنظومة. فقد بلغت نسبة نجاح عملها خلال حرب 2014 نحو 89.6%، وفي حرب العام 2021 ظلت نسبة النجاح نحو 90%. ويلاحظ من جولات القتال التي لم تشارك فيها حماس (مثل جولة قتال 2022، أو جولة القتال في 2023 والتي اقتصرت على الجهاد الإسلامي)، أن نسبة نجاح المنظومة وصلت إلى نحو 96%.
في آب 2011، وقعت شركة "رايثون" الأميركية عقداً مع شركة "رافائيل" ستقوم بموجبه بتسويق "القبة الحديدية" في الولايات المتحدة. بيد أن حرب إسرائيل- غزة العام 2014 كان لها تأثير سلبي على مستقبل "القبة الحديدية" في الأسواق العالمية، إذ إن نسبة نجاح "القبة الحديدية" في الحرب وصل حينها إلى نحو 90% ما سمح لصواريخ غزة أن تقتل 6 أشخاص في إسرائيل بالإضافة إلى 80 جريحا. بعد أن أعلن الجيش الإسرائيلي في حزيران 2016 أن لا دولة تريد شراء المنظومة، أعلنت أذربيجان أنها ستكون الأولى، ثم تبعتها بريطانيا التي اشترت نظام التحكم التابع للمنظومة مقابل 350 مليون شيكل ونصبته في جزر فوكلاند. لكن استمرار الحروب مع قطاع غزة سمح لشركة رفائيل بتسويق "القبة الحديدية" بنجاح على الرغم من عدم تطوير نسبة نجاحها إلى ما هو أعلى من 90%. وفي 2022 قرر الجيش الأميركي تخصيص مبلغ لشراء "القبة الحديدية" في ميزانيته للعام 2023. اليوم، وبعيدا عن حسابات الحروب بين غزة وإسرائيل، فإن اعتراض نحو 90% من الصواريخ متوسطة المدى (0-70 كم) تعتبر نسبة عالية بدرجة كافية لتحويل "القبة الحديدية" إلى منتج مرغوب، وبشدة، في مناطق النزاعات الحدودية. وتشير التقارير إلى أنه حتى العام 2020، هناك نحو 100 بطارية "قبة حديدية" تم بيعها في الأسواق العالمية: أميركا، أذربيجان، رومانيا وقبرص اشتروا المنظومة كاملة، بينما أن بريطانيا اشترت نظام التحكم والمراقبة التابع للمنظومة. أما جنوب افريقيا، وكندا، والهند، فنلندا، التشيك، هنغاريا، وسلوفاكيا فاشتروا بطاريات الرادار التابعة للقبة الحديدية.
3. منظومة "مقلاع داود"
وهي منظومة دخلت إلى الخدمة في العام 2016، وتم استخدامها لأول مرة بنجاح في أيار 2023 لإسقاط صاروخ تم إطلاقه من قطاع غزة. وجدت إسرائيل في الصدامات المتكررة على حدودها (مع لبنان وغزة) ميدانا ملائما لتطوير المنظومة لصد صواريخ حزب الله بالدرجة الأولى، ثم صواريخ متوسطة المدى (40-300 كم) والتي قد تتمكن حماس والجهاد الإسلامي من تطويرها. وللمنظومة صاروخ يحمل رأسين، الأول لتحديد اتجاه وحركة وسرعة الصاروخ المعادي، والثاني لإعادة توجيه الصاروخ صوب الهدف المعادي.
على ما يبدو فإن تفعيل هذه المنظومة في 10 أيار 2023، وصد صاروخ قادم من غزة، لم يأت لاعتبارات عسكرية صرفة، كأن نفترض إن مدى الصاروخ المعادي كان أبعد من نطاق "القبة الحديدية"، بل إن السياق يشير إلى أن الشركات المطورة للمنظومة أرادت أن تستفيد من فرصة اندلاع جولة قتال لتقوم بتجربة المنظومة في "أوضاع حربية حقيقية"، خصوصا وأن أول استخدام لمنظومة "مقلاع داود" كان استخداما فاشلا، وحصل العام 2018 عندما انطلق صاروخان من سورية و"تخيلت" المنظومة أنهما متجهان صوب إسرائيل. الفشل كان مزدوجا: أولا، فشلت المنظومة في تحديد ما إذا كان الصاروخان المعاديان متجهين بالفعل صوب إسرائيل، وأنهما سيقعان بالفعل داخل حدودها (في النهاية سقط الأول في سورية والثاني في الأردن). والفشل الثاني كان في أن منظومة "مقلاع داود" فشلت في اعتراض الصاروخين، بل إن أحد صواريخ "مقلاع داود" سقط في الأراضي السورية دون أن ينفجر، فحصل عليه الجيش السوري وسلمه إلى روسيا الأمر الذي هدد بالكشف عن أسرار التقينات الإسرائيلية. في 12 أيار 2023، تم تفعيل المنظومة مجددا لصد صاروخ أطلق من غزة في اتجاه القدس، وتم إسقاطه بنجاح. فمع أن تكلفة الصاروخ الواحد من منظومة "مقلاع داود" يصل إلى نحو مليون دولار، إلا أن هذه الجولة القتالية تشكل فرصة سانحة أمام الشركات المطورة لتسويق المنظومة عالميا من خلال تجربتها ليس في ظروف محاكاة، وإنما في مواجهات حقيقية جارية.
وعلى الرغم من عمرها التجريبي الصغير، فإن تسويقها عالميا تتداخل فيها الأسلاك السياسية- الدبلوماسية مع دوافع رأس المال الربحية. ففي تشرين الأول 2015، تم الإعلان أن جميع الدول الست في مجلس التعاون الخليجي مهتمة بشراء نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي "مقلاع داود" كرد فعل على تهديد الصواريخ الإيرانية، بعد أن حثت الولايات المتحدة أعضاء مجلس التعاون الخليجي على التعاون بشكل أوثق في الدفاع الصاروخي، وهي إشارة إلى تداخل رأس المال مع المستويات السياسية- الدبلوماسية. في أيلول 2018، أعلنت وكالة شراء الأسلحة السويسرية Armasuisse عن رغبتها في تلقي مقترحات بشأن نظام "مقلاع داود" لتجديد قدرات الدفاع الجوي السويسرية. وفي 5 نيسان 2023، أعلنت قوات الدفاع الفنلندية أن هناك اتفاقية لشراء "مقلاع داود".
الاقتصاد السياسي لحروب إسرائيل- غزة
عادة ما يتم النظر إلى الصدامات بين إسرائيل وغزة على أنها نتيجة صراع سياسي- قومي بين إسرائيل والفلسطينيين. وعلى الرغم من صحة هذه النظرة، فإنها تغفل حقيقة أن هذه الحروب تنطوي أيضا على شبكة معقدة من المصالح الاقتصادية والسياسية التي تلعب دوراً حيوياً في استمرار الصراع. أحد اللاعبين الرئيسيين في هذه الديناميكية المعقدة هو شركة رفائيل، وهي شركة مملوكة للحكومة الإسرائيلية متخصصة في تطوير تكنولوجيا الدفاع، مثل المنظومات التي تم استعراضها أعلاه. نمت شركة رفائيل منذ إنشائها في العام 1948 لتصبح حجر الزاوية في صناعة الدفاع الإسرائيلية، وقد حظي منتجها الأبرز- "منظومة القبة الحديدية للدفاع الصاروخي"- بالثناء في جميع أنحاء العالم لفعاليته في اعتراض الصواريخ التي يتم إطلاقها من غزة. في العام 2021، وصلت مبيعات الشركة إلى نحو 3.3 مليار دولار، بينما أن ربحها الخالص في العام نفسه وصل إلى نحو 133 مليون دولار أميركي.
في العام 1993، تم إعادة تأسيس الشركة وهيكلتها لتبدو أكثر ملاءمة لتسويق منتجاتها، من خلال الانتقال على ما يبدو من شركة تسد حاجة أمنية إسرائيلية إلى مشروع ربحي يسعى إلى الهيمنة على، أو احتلال مكانة مرموقة في، سوق الصناعات الدفاعية في العالم. منذ تلك اللحظة، نجحت الشركة في إنشاء وتطوير العديد من الشركات. ونظرة مسحية للشركات الاستثمارية التي تملكها رفائيل وتشرف عليها، من شأنها أن توسع فهمنا لدور الشركة المؤثر عالميا وإسرائيليا. فالشركة تملك بداخلها شركة R-jet لتطوير وصناعة محركات طائرات صغيرة، وشركة Vision map الإسرائيلية لتطوير أنظمة خرائط، وشركة أفوغال لتطوير صناعات طبية، وشركة RUSA للتسويق والعناية بالممتلكات الحربية في الولايات المتحدة. كما أن رفائيل تستحوذ على شركة Rafa Latino البرازيلية للصناعات الحربية، وشركة Dynamit Nobel Defence الألمانية لصناعة دفاع لصد الصواريخ المضادة للدبابات، وشركة ERCAS المسؤولة عن عمليات رفائيل التسويقية في أوروبا، وشركة بيروسون البريطانية المختصة في إنتاج هندسيات حربية، وشركة Pine Telecom الكورية الجنوبية للاتصالات، بالإضافة إلى شرائها عشرات الشركات التكنولوجية الإسرائيلية والعالمية. كما أن رفائيل تقوم بتطوير وتصنيع وتجربة العديد من منتجاتها بالشراكة مع إحدى شركات الصناعات الجوية الإسرائيلية والتي تدعى آلتا- Elta Systems Ltd. والتي يصل دخلها السنوي إلى مليار دولار وتقيم مصانع واستثمارات كبرى في قارة أميركا الشمالية (الولايات المتحدة، كندا، والمكسيك).
في هذا السياق، فإن إنتاج وتطوير منظومتي "القبة الحديدية" و"مقلاع داود"، تحديدا، من بين تقنيات دفاعية أخرى، يضمن تدفقاً ثابتاً لإيرادات الشركة، كما أن التهديد المستمر من صواريخ غزة يساعد في الحفاظ على ارتفاع الطلب على منتجات رفائيل عالميا.
يثير هذا الوضع سؤالاً نقديا حول مصلحة شركات مثل رفائيل في استمرار الصراع بين إسرائيل وغزة. وبالنظر إلى الصورة الأوسع، تعتبر الصناعة العسكرية الإسرائيلية عنصرا أساسيا في الاقتصاد الإسرائيلي. وفقاً لمعهد SIPRI، كانت إسرائيل ثامن أكبر مصدر للأسلحة في جميع أنحاء العالم في العام 2020. لذلك، لا تساهم شركات مثل رفائيل في الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي فحسب، بل توفر أيضاً الآلاف من الوظائف ذات الأجور المرتفعة في أنحاء العالم (عدد موظفيها نحو 8000 موظف)، إذ يرتبط نمو صناعتها وازدهارها، بطريقة ما، بحالة الصراع الدائمة مع غزة. العلاقة بين رفائيل والحكومة الإسرائيلية تتطلب أيضا التدقيق، خصوصا وأن الشركة هي مشروع مملوك من قبل الدولة؛ بمعنى أن أرباح رفائيل تتدفق في نهاية المطاف إلى خزائن الحكومة الإسرائيلية. أما الحكومة، بدورها، فتخصص جزءاً كبيراً من ميزانيتها للإنفاق الدفاعي، وبالتالي إنشاء حلقة مفيدة للطرفين (السوق والدولة). هذه العلاقة تحفز، بشكل أو بآخر، استمرار حالة من الصراع الدائم، حيث ستستفيد الشركة والحكومة اقتصادياً، بالطبع في حال حيدنا هذه الجزئية (صناعة الدفاعات ضد الصواريخ) عن باقي أجزاء اللوحة الأوسع للحرب. ويبقى أن نشير إلى أن قدرات إسرائيل التكنولوجية- العسكرية، المتمثلة في أنظمة الدفاع المتطورة لرفائيل، هي عنصر مهم في سياسة إسرائيل الخارجية حيث تحصل على الدعم من حلفائها الأقوياء مثل الولايات المتحدة.
تترك هذه المقالة أسئلة حساسة، ليس من السهل الإجابة عليها. مثلا، كيف يؤثر الاقتصاد السياسي لتطوير منظومات الدفاع ضد الصواريخ (وتحديدا لاعبين أساسيين في رأس المال الإسرائيلي والأميركي والمنشغل في الصناعات الحربية) على قرارات الجيش الإسرائيلي في وضع نهاية حاسمة للتهديد الصاروخي القادم من غزة، في حال كان لدى الجيش الإسرائيلي هكذا خطط؟ كيف ساهمت شركات كبرى في الصناعات العسكرية بإعادة صياغة وعي الجمهور الإسرائيلي حول مفاهيم أساسية مثل "التهديد الصاروخي"؟ وهل ساهمت هذه الشركات في تحويل الوعي الإسرائيلي تجاه صواريخ غزة إلى "حالة روتينية"، وإلى جزء أساس من الحياة الإسرائيلية، دون أن يعني الأمر قبولها؟ هل يشارك فنيو ومهندسو هذه الشركات في ميدان الحرب، وهل يساهمون في إطالة أيام المواجهة لإجراء تجارب لا غنى عنها؟