16% فقط من الجمهور الإسرائيلي يعبرون عن ثقتهم بجلسات الحوار التي تُجرى في مقر رئيس دولة إسرائيل في القدس وبوساطته من أجل التوصل إلى صيغة "حل وسط" متفق عليها بشأن التعديلات الدستورية والقانونية التي يجدر، أو ينبغي، إجراؤها بدلاً من حزمة التغييرات الجوهرية والبعيدة المدى والأثر التي بادر الائتلاف الحكومي الجديد إلى إجرائها في إطار ما يسميه هذا الائتلاف "برنامج الإصلاح القضائي"، بينما يسميه معارضوه "خطة الانقلاب القضائي"، بكل ما ولّده هذا المشروع من حالة توتر وتقطّب غير مسبوقة في المجتمع الإسرائيلي منذ قيام الدولة حتى اليوم. في مقابل هؤلاء، عبر نحو 70% من الجمهور الإسرائيلي عن عدم ثقته بهذه الحوارات وبفرص نجاحها في تجسير هوة الخلاف بين المعسكرين.
وربما يكمن التفسير لهذه النتيجة في نتيجة أخرى مفادها أن 60% من مصوتي أحزاب الائتلاف الحكومي مقابل 75% من مصوتي أحزاب المعارضة مقتنعون بأن ممثلي الطرف الآخر هم الذين يتحملون المسؤولية الأولى والأكبر عن عدم إحداث اختراق، بل عدم تحقيق أي تقدم جوهري جدي، في هذه الجلسات الحوارية حتى الآن.
كلتا هاتين النتيجتين هما من بين أبرز النتائج التي تمخض عنها استطلاع مؤشر الصوت الإسرائيلي لشهر نيسان الأخير، والذي تركزت أسئلته في محاولة تقصي مواقف الجمهور الإسرائيلي في عدد من القضايا المركزية، وفي مقدمتها بالطبع ما شهدته إسرائيل خلال الأشهر الأخيرة في أعقاب إطلاق "برنامج الإصلاح القضائي" وعلى خلفيته. وقد نشر "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" نتائج هذا الاستطلاع يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي، التاسع من أيار الجاري. و"مؤشر الصوت الإسرائيلي" هذا هو استطلاع شهريّ للرأي العام والسياسات في إسرائيل يجريه "مركز فيطربي" ("مركز غوطمان" سابقاً، الذي يعمل في إطار "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" منذ العام 1998. وهو مركز أبحاث مستقل متخصص في جمع، تحليل وحفظ معطيات عن المجتمع والسياسة الإسرائيليين). و"مؤشر الصوت الإسرائيلي" هو استطلاع شهريّ للآراء يُجرى، مرة كل شهر، ابتداء من نيسان 2019. وقد أجري استطلاع "مؤشر الصوت الإسرائيلي" الأخير، لشهر نيسان 2023، في الفترة بين 1 نيسان الأخير و4 أيار الجاري، وشمل عينة مستطلَعين من 750 شخصاً من الذكور والإناث (603 منهم من اليهود و147 من العرب، في سن 18 سنة وما فوق).
نحو الثلثين (58%) من المصوتين لأحزاب الائتلاف الحكومي المختلفة الذين شاركوا في الاستطلاع قالوا إنهم يؤمنون بأنه حتى لو تم التوصل إلى تسوية بشأن "برنامج الإصلاح القضائي" الحكومي وبشأن التغييرات في الجهاز القضائي، إلا أن "حملة الاحتجاج لن تتوقف". وهو الاعتقاد الذي عبر عنه أيضاً 39% من المصوتين لأحزاب المعارضة، بينما قال أكثر من نصف المصوتين لأحزاب المعارضة إنه إذا تحققت مثل هذه التسوية فإن "حملة الاحتجاج سوف تتوقف".
تراجع حاد في تقييم وضع إسرائيل عامة
وعلى صعيد آخر متصل بالسابق، أظهرت نتائج استطلاع نيسان الأخير استمرار التراجع في شعور الجمهور الإسرائيلي بالاطمئنان على مصير ما يسمى "الديمقراطية الإسرائيلية" وبالاطمئنان على "مستقبل الأمن القومي الإسرائيلي" والشعور بالتفاؤل حيالهما، إضافة إلى التراجع الحاد في تقييم الجمهور العام لوضع إسرائيل عموماً. فقد قال أقل من رُبع مجمل المشاركين في الاستطلاع إنهم يعتبرون "الوضع العام في إسرائيل جيد أو جيد جداً"، وهي النسبة الأدنى منذ العام 2007 عقب "حرب لبنان الثانية" ـ العدوان الإسرائيلي على لبنان في العام 2006، وتوزع هؤلاء على النحو التالي: 40% من المصوتين للأحزاب الائتلافية يعتبرون أن "وضع إسرائيل اليوم جيد أو جيد جداً"، مقابل 6% فقط من مصوتي أحزاب المعارضة يعبرون عن هذا الرأي، وهي نسبة متدنية جداً وغير مسبوقة. وفي الرد على هذا السؤال (ما هو وضع إسرائيل اليوم عموماً، حسب رأيك؟)، جاءت النتائج على النحو التالي: 21.7% فقط من مجمل المشاركين في الاستطلاع وصفوه بأنه "جيد أو جيد جداً" ـ 24.4% من المشاركين اليهود و8% من المشاركين العرب، بينما وصفه 43.5% من مجمل المشاركين بأنه "سيء أو سيء جداً" ـ 39.8% من المشاركين اليهود و62.2% من المشاركين العرب، فيما وصف 33.1% من مجمل المشاركين وضع إسرائيل العام اليوم بأنه "متوسط الحال" – 34.3% من اليهود و27.3% من العرب.
وفي الرد على سؤال "كيف تشعر حيال وضع النظام الديمقراطي في إسرائيل في المستقبل المنظور؟"، قال 58.1% من مجمل المشاركين في الاستطلاع إنهم "متشائمون أو متشائمون جداً" – 54.6% من المشاركين اليهود و76% من المشاركين العرب؛ مقابل 33.7% من مجمل المشاركين قالوا إنهم "متفائلون أو متفائلون جداً" ـ 37.6% من المشاركين اليهود و41.1% من المشاركين العرب. أما في الرد على سؤال "كيف تشعر حيال الوضع الأمني في إسرائيل في المستقبل المنظور؟"، فقد قال 62.3% من مجمل المشاركين في الاستطلاع إنهم "متشائمون أو متشائمون جداً" – 66% من المشاركين اليهود و76.6% من المشاركين العرب.
معنى هذه النتائج أن أقل من ثُلث الجمهور الإسرائيلي عامة يشعر بالتفاؤل حيال مستقبل "النظام الديمقراطي" في إسرائيل وحيال مستقبل "الأمن القومي" الإسرائيلي ـ أغلبية المصوتين للأحزاب الائتلافية هم من المتفائلين بينما يشكل المتفائلون أقلية من بين المصوتين لأحزاب المعارضة.
تعكس هذه النتائج بصورة واضحة، أيضاً، فوارق كبيرة وهامة بين اليهود والعرب فيما يتعلق بمستقبل "الديمقراطية الإسرائيلية" (38% مقابل 14%، على التوالي) ومستقبل "الأمن القومي الإسرائيلي" (39% مقابل 9% على التوالي)؛ كما تعكس أيضاً فوارق كبيرة بين مصوتي أحزاب الائتلاف الحكومي ومصوتي أحزاب المعارضة ـ 63% مقابل 11% بالنسبة لمستقبل الديمقراطية و54% مقابل 22% بالنسبة لمستقبل الوضع الأمني.
واستمراراً للوجهة التي أظهرتها نتائج استطلاعات "مؤشر الصوت الإسرائيلي" خلال الشهرين السابقين، كذلك الحال في نتائج استطلاع شهر نيسان الأخير، فإن الرد الأكثر شيوعاً بالنسبة لوضع إسرائيل العام هو "سيء أو سيء جداً" (حوالي 50%) مقابل أقل من الرُّبع (22%) قالوا إن الوضع العام هو "جيد أو جيد جداً" ـ وهي النسبة الأدنى منذ العام 2007، كما أشرنا أعلاه.
وكما هو متوقع، واستمراراً للمنحى ذاته في نتائج استطلاعات سابقة، كانت نسبة المشاركين العرب الذين يعتقدون بأن الوضع العام هو "جيد أو جيد جداً" منخفضة جداً وبصورة بارزة عن نسبة المشاركين اليهود الذين يعتقدون ذلك (8% مقابل 24%، على التوالي). كذلك هي الحال، أيضاً، في الفارق بين مصوتي أحزاب الائتلاف الحاكم ومصوتي أحزاب المعارضة الذين يعتقدون بأن الوضع العام هو "جيد أو جيد جداً" ـ 41% مقابل 6%، على التوالي؛ وهو الفارق نفسه أيضاً بين مصوتي أحزاب الائتلاف الحاكم ومصوتي أحزاب المعارضة الذين يعتقدون بأن الوضع العام هو "سيء أو سيء جداً" ـ 19% مقابل 61% على التوالي.
ثمة فوارق أخرى مثيرة للانتباه أظهرتها نتائج استطلاع "مؤشر الصوت الإسرائيلي" الأخير، لشهر نيسان، هي تلك بين الرجال والنساء في الرد على السؤال حول وضع إسرائيل العام اليوم: 31% من الرجال اليهود يعتقدون بأن الوضع العام هو "جيد أو جيد جداً" مقابل 18% فقط من النساء اليهوديات. أما بين العرب فإن 14% من الرجال يعتقدون بأن الوضع العام هو "جيد أو جيد جداً" مقابل 2% فقط من النساء العربيات!!
تعقيباً على هذه النتائج، قال معدّا الاستطلاع، البروفيسور تمار هيرمان ود. أور عينافي، إن "هذا التشاؤم حيال مستقبل النظام الديمقراطي والأمن القومي والتقييم السائد بأن وضع إسرائيل الحالي هو سيء/ سيء جدا، إلى جانب التشاؤم حيال فرص التوصل إلى حل وسط بشأن التعديلات الدستورية ـ هذه كلها مؤشرات على شعور بأننا في طريق مسدود وبدون مخرج".
من بين النتائج الأخرى البارزة في هذا الاستطلاع: أغلبية كبيرة من مصوتي أحزاب الائتلاف الحكومي يؤيدون اقتراح حزب "عوتسما يهوديت" ("قوة يهودية") بشأن اعتماد "قيم الصهيونية" مرجعية مُلزمة ومقررة في التشريعات والإجراءات الحكومية المختلفة ـ 77% من مصوتي "الصهيونية الدينية" (بزعامة بتسلئيل سموتريتش) و71.5% من مصوتي شاس (بزعامة أرييه درعي) و68% من مصوتي الليكود (بزعامة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو). أما بين مصوتي بقية الأحزاب الأخرى فليست هنالك أغلبية لهذا الاقتراح.
الخوف من الجريمة ـ ارتفاع حادّ بين العرب
أظهرت نتائج هذا الاستطلاع ارتفاعاً حاداً، مقارنة بنتائج استطلاعات سابقة، في نسبة المواطنين العرب الذين يعبرون عن خوف جدي وحقيقي من احتمال تعرضهم للأذى من جراء أحداث العنف والجريمة المتفشية في أماكن سكناهم: 80% من العرب عبروا عن هذا الخوف بدرجات متفاوتة (مقابل 51% في استطلاع سابق) بينما عبر عن خوف مماثل نحو 24% فقط من اليهود، وهي نسبة لم تتغير منذ سنتين!
77.5% من الرجال العرب عبروا عن هذا الخوف مقابل 52% من النساء العربيات؛ 52% من الشبان العرب (في سن 18 حتى 34 عاماً) مقابل 67% من البالغين (في سن 35 سنة وما فوق).
أما حسب المعسكرات السياسية والدينية في الوسط اليهودي، فقد جاءت النتائج على النحو التالي: 23% من مصوتي اليسار، 27% من مصوتي الوسط و30% من مصوتي اليمين، 39% من المحافظين غير المتدينين، 43% من المحافظين المتدينين، 25% من المتدينين و23% من العلمانيين. أما نسبة الخوف الأدنى فقد سجلت بين الحريديم ـ 18%.
وأما حول السؤال بشأن أداء الشرطة ومدى فاعليتها في محاربة الجريمة وما إذا كانت تعالج هذه الأزمة بشكل متساوٍ بين العرب واليهود، فقد قال 71% من المشاركين العرب (مقابل 55% من المشاركين اليهود) إن الشرطة ألإسرائيلية تعالج الجريمة وعصابات الإجرام في الوسط اليهودي بصورة جذرية وأساسية أكثر بكثير مما تفعله في الوسط العربي.
وحسب الانتماء للمعسكرات السياسية، جاءت النتائج على النحو التالي: 73% من مصوتي أحزاب اليسار يتفقون مع رأي العرب في هذا الشأن، مقابل 56% من مصوتي أحزاب الوسط و52% من مصوتي أحزاب اليمين.
المصطلحات المستخدمة:
الصهيونية, رئيس دولة إسرائيل, بتسلئيل, الليكود, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو