المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
ملصق يجمع المتسابقين على منصف رئيس الوزراء الإسرائيلي؛ السابق بنيامين نتنياهو والحالي يائير لابيد. (أ . ب)
ملصق يجمع المتسابقين على منصف رئيس الوزراء الإسرائيلي؛ السابق بنيامين نتنياهو والحالي يائير لابيد. (أ . ب)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1105
  • برهوم جرايسي

تسارع الأحزاب المرشحة للمشاركة في الانتخابات الإسرائيلية، في الأول من تشرين الثاني المقبل، لتنظيم أمورها الداخلية، إذ إنها جميعا تقريبا، ستنهي إعداد قوائمها المنافسة حتى نهاية شهر آب الحالي. ويبدو أن حزبي العمل وميرتس يشهدان تطورات داخلية قد تبقيهما على الخارطة السياسية البرلمانية؛ خاصة ميرتس، بعودة رئيسة الحزب السابقة زهافا غالئون إلى الواجهة. لكن هذا سيكون حضورا في القاع، في حين أن اليمين الاستيطاني يعزز حضوره، إذ أن استطلاعات الرأي بدأت تمنح الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو، مع حلفائه الفوريين، أغلبية ضيقة، في الوقت الذي يُسدل الستار نهائيا عن حزب "يمينا".

وحاليا، تمنح استطلاعات الرأي حزب العمل 6 مقاعد، بخسارة مقعد واحد عما هو له الآن، بينما بات حزب ميرتس يحصل على 5 مقاعد، مبتعدا عن نسبة الحسم، لكن هذا إذا سيكون برئاسة زهافا غالئون، ما يعني أن استطلاعات الرأي تمنح الحزبين معا، ما بين 11 إلى 12 مقعدا، هما اللذين حصلا قبل 30 عاما، في انتخابات 1992، على 56 مقعدا، هذا دلالة على التحولات في الشارع الإسرائيلي، الذي يضع هذين الحزبين في خانة ما يسمى "اليسار الصهيوني"، ولا يوجد حزب آخر معهما في هذه الخانة حاليا.

ففي حزب العمل، فازت رئيسة الحزب الحالية، ميراف ميخائيلي، مجددا برئاسة الحزب، في انتخابات داخلية، لم يشعر بها أحد، إن صح التعبير، لكون من نافس ميخائيلي هو ناشط حزبي ليس معروفا، وقد حصلت على أكثر من 82% من الأصوات.

تعود هذه الأغلبية التي حصلت عليها ميخائيلي، إلى كونها نجحت في الانتخابات السابقة، آذار 2021، في انتشال حزبها من الزوال الكلي عن الخارطة السياسية، حسب ما تنبأت به الاستطلاعات الأولية في حينه، وحصل على 7 مقاعد، اعتبرها الحزب "انتصارا"، نسبة لما كان متوقعا له. ما يعني أن ميخائيلي تحافظ حاليا على بقاء حزبها مع أنف فوق سطح الماء، كي يتجنّب الغرق، لكن منذ الانتخابات الأخيرة، لم ينجح الحزب في استرداد قوة حقيقية مما كانت له في ما مضى، وهو ما زال في القاع، وقد يكون ساهم في هذا أن الحزب لم يُظهر تميزا في ولاية الحكومة القصيرة، بل تساوق كليا مع حكومة اليمين الاستيطاني، والأهم من ناحية الشارع الإسرائيلي العلماني، أن الحزب لم يدفع للأمام بقضايا يدعو لها العلمانيون، لتخفيف سطوة الأحزاب الدينية المتزمتة، على الحياة العامة، على الرغم من أن الأحزاب الدينية كانت في المعارضة.

ويبدو منذ الآن، أن أجندة العمل في الانتخابات المقبلة، لن تتغير عن أجندته في السنوات الثلاث الأخيرة، وهي معارضة الشخص- بنيامين نتنياهو، دون طرح أجندة سياسية بديلة أمام الجمهور الإسرائيلي، بل بسكوت تام عن القضية العامة المركزية، وفي "أحسن الأحوال" يطرح صياغات ضبابية، في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

ميرتس ومسألة التحالف مع العمل

حالة الارتباك هي الطاغية على أجواء حزب ميرتس، الذي صارع في كل واحدة من الجولات الانتخابية الأربع السابقة مسألة اجتياز نسبة الحسم، وعمّقت هذه الحالة شكل مشاركته في الحكومة الحالية، التي تشكلت في حزيران 2021، فقد عاد الحزب إلى الحكومة لأول مرّة بعد أكثر من 20 عاما، وكانت آخر حكومة شارك فيها، هي حكومة إيهود باراك (1999- مطلع 2001)، التي لم تدم لأكثر من 20 شهرا.

عمليا ميرتس سكت على كل سياسات اليمين الاستيطاني، التي كان يعارضها وهو في صفوف المعارضة، من بينها قوانين عنصرية خطيرة، مثل قانون حرمان العائلات الفلسطينية من لم الشمل.

وخلال عمل هذه الحكومة ركّز رئيس الحزب، وزير الصحة نيتسان هوروفيتس، على ما أسماها "إنجازاته" في وزارة الصحة، وأيضا "إنجازات لجمهور مثليي الجنس"، إذ أن هذه الحكومة ضاعفت الميزانيات التي تعنى بشؤون مثليي الجنس ثلاث مرات.

في المقابل، طيلة 13 شهرا، تجاهل الحزب ما يجري في الضفة الغربية المحتلة، واستفحال الاستيطان، وغيرها من عربدة المستوطنين وانفلاتهم. وما أن بدأت استطلاعات الرأي تظهر بالتزامن مع عملية حل الكنيست، حتى أظهرت عودة الحزب إلى دائرة التهديد بعدم اجتياز نسبة الحسم، في الانتخابات المقبلة، بحصوله على 4 مقاعد، بدلا من 6 مقاعد.

مع إعلان حل الكنيست، أعلن النائب الأسبق لرئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، يائير غولان، عزمه المنافسة على رئاسة الحزب، وبعد مرور أيام صمت، أعلن رئيس الحزب الحالي نيتسان هوروفيتس عدم ترشحه لرئاسة الحزب، إلا أنه سينافس على موقع مضمون في قائمة الحزب للانتخابات المقبلة.

ونستطيع التقدير أنه في هذه الأجواء، التي بات الحزب مرشحا ليقوده جنرال احتياط في الجيش، بما لا يتماشى مع أجواء قاعدة الأعضاء التقليدية للحزب، بدأ تحرك نحو من كانت حتى العام 2018 رئيسة للحزب، زهافا غالئون، وهي من الفوج الأول في الحزب مع تأسيسه من ثلاثة أحزاب في العام 1992، وهي معروفة بمواقفها اليسارية الصهيونية، الأكثر وضوحا وتقدما، مقارنة مع باقي زملائها، وانتقدت في مقالات لها في صحيفة "هآرتس"، تأييد الحزب لقانون حرمان العائلات من لم الشمل، إضافة إلى انتقادات سياسية أخرى لحزبها.

وقد أعلنت غالئون موافقتها على المنافسة، وتُجمع التقديرات على أنها الأوفر حظا بالفوز برئاسة الحزب، وفقط مفاجأة غير منظورة حاليا، ستمنع هذا الفوز.

بعد انتخابات 2009، حينما حصل ميرتس على أدنى نتيجة منذ تأسيسه، 3 مقاعد، تم في العام 2012، انتخاب زهافا غالئون، رئيسة الحزب، بدلا من رئيس الحزب في حينه حاييم أورون الذي استقال من عضويته البرلمانية ورئاسة الحزب بسبب وضعية حزبه.
نجحت غالئون في الانتخابات التالية في مضاعفة عدد مقاعد الحزب إلى 6 مقاعد، وبقيت في رئاسة الحزب حتى الانتخابات الداخلية في العام 2018، إذ أطاحت بها زميلتها في الحزب، تمار زاندبرغ، التي هي أيضا أضعفت الحزب بقيادتها.

لم تصمد زاندبرغ لأكثر من عام في رئاسة الحزب، وخسرت المنافسة لصالح نيتسان هوروفيتس، الذي هو من ناحية خلفيته السياسية ليس من صلب هذا الحزب. لهذا من الممكن القول، إن العودة إلى غالئون والطلب منها للتنافس، نابع من رغبة في قواعد الحزب لإعادته إلى مواقفه السابقة، والسعي إلى تميزه عن باقي الأحزاب الصهيونية.

فوز غالئون المتوقّع حسب الاستطلاعات، بدأ يُحسّن قليلا من وضعية الحزب، ويرفعه إلى 5 مقاعد، لكن من الصعب معرفة مصير هذا الحزب قبل يوم الانتخابات، ولكن في حال بقي الحزب على الخارطة البرلمانية، وبرئاسة غالئون، فعلى الأغلب سيعود إلى صفوف المعارضة، ذات الصبغة اليسارية الصهيونية.

وبعد الإعلان عن حل الكنيست، بدأت تظهر دعوات لإقامة تحالف بين حزبي العمل وميرتس، لكن تحالفا كهذا كان في انتخابات الكنيست الـ 23، في شهر آذار 2020، وقد خسر التحالف كثيرا، فبدلا من 10 مقاعد للحزبين كانت في الانتخابات التي سبقت، حصل التحالف على 7 مقاعد، وحسب التقديرات، فإن جمهورا جديا من مصوتي ميرتس امتنع عن التصويت أو لجأ إلى قوائم أخرى، من بينها القائمة المشتركة، التي ارتفعت قوتها في الشارع اليهودي في تلك الانتخابات بنحو 10 آلاف صوت.

وتم فض هذا التحالف في الانتخابات التالية، التي جرت في آذار 2021، وحقق الحزبان كلاً على حدة قوة أكبر، 7 مقاعد لحزب العمل و6 مقاعد لحزب ميرتس.

ورفضت رئيسة حزب العمل ميراف ميخائيلي دعوات التحالف مع ميرتس، معلنة أنه تحالف غير مُجد، وكما يبدو أغلق هذا الملف، وعلى الأغلب فإن الحزبين سيخوضان الانتخابات منفردين.

فريق الليكود يتعزز بزوال "يمينا"

في الأيام الأخيرة، بات واضحا أن حزب "يمينا" الذي أنشأه نفتالي بينيت مع شريكته السياسية أييلت شاكيد في نهاية العام 2018، تحت تسمية "اليمين الجديد"، قد زال عن الخارطة السياسية. إذ أن بينيت قرر اعتزال السياسة مرحليا، وحلّت بدلا منه شاكيد، التي كما نرى تخلت عن الحزب بحلته القائمة، لتبرم اتفاقا مع النائبين يوعز هندل وتسفي هاوزر، وأقاموا حزبا جديدا تحت مسمى "روح صهيونية"، في سعي من الثلاثة للبقاء في الحلبة البرلمانية، لكن في الظروف القائمة يبدو أن الأمر صعب للغاية، قبل القول "مستحيل".

فشاكيد ترى أن لا أمل لاستمرار "يمينا"، الذي قام على أساس تحالف انتخابي بين المتدينين الصهاينة والعلمانيين من اليمين الاستيطاني. ورئاسة شاكيد للحزب بعد استقالة نفتالي بينيت، تبعد الجمهور الديني الصهيوني، الذي يبدو، حسب الاستطلاعات، يلجأ حتى الآن لتحالف "الصهيونية الدينية" الذي قفز في استطلاعات الرأي الأخيرة إلى 11 مقعدا، بدلا من 6 مقاعد في الانتخابات السابقة.

الثلاثة الذين شكلوا حزب "روح صهيونية"، أبعد من أن يكونوا نجوما سياسيين، قادرين على جرف أصوات، بل وصلوا إلى السياسة في إطار قوائم مختلفة، فيوعز هندل جاء من معهد الاستراتيجيات الصهيونية، وتسفي هاوزر كان سكرتيرا لواحدة من حكومات بنيامين نتنياهو، بمعنى أن أحدا منهم لم يأت من قواعد حزبية وشعبية، وأمثال هؤلاء من الصعب رؤيتهم يتفوقون، فحتى قادة العسكر لم يعودوا ورقة رابحة في أي انتخابات.

استطلاعات الرأي تمنح قائمة "روح صهيونية" نصف ما تحتاجه لتجتاز نسبة الحسم، وإذا كانت هذه النتيجة تصدر في الأيام الأولى للإعلان عن الحزب فإنه على الأغلب لن تكون قفزة تضمن اجتيازهم نسبة الحسم، لذا فإن أمام هذا الحزب خيارين:
الأول: أن يستمر في الانتخابات، حتى تحت تهديد عدم اجتياز نسبة الحسم، وبحسب استطلاعات الرأي فإن خسارته المفترضة، حتى الآن، ستحرق أصوات ما لا يقل عن مقعدين برلمانيين من معسكر اليمين الاستيطاني المتشدد.

الثاني: هو أن يواجه قادة الحزب الجديد ضغوطا من معسكرهم للانسحاب من الانتخابات، بهدف ضمان عدم حرق أصوات، وخلف ضغوط كهذه مفترضة، سيقع بالتأكيد على عاتق شخص بنيامين نتنياهو تقديم إغراءات، بوظائف هنا وهناك.
هناك احتمال من الصعب رؤيته جديا، وهو تحالف الحزب الجديد "روح صهيونية"، مع تحالف "الصهيونية الدينية"، ولكن وجود حزب "قوة يهودية" المنبثق عن حركة "كاخ" الإرهابية، سيشكل عائقا أمام تحالف كهذا.

زوال حزب "يمينا"، بالإمكان القول إنه أحد مصادر زيادة قوة حزب الليكود في استطلاعات الرأي التي تمنحه 35 مقعدا، بدلا من 30 مقعدا في الانتخابات السابقة. وبهذه النتيجة، فإن الليكود وفريقه الفوري بات يحصل على أكثر من 61 مقعدا، إذ أن تحالف "الصهيونية الدينية"، الذي قد ينشق على نفسه، بات يحصل على 11 مقعدا، فيما تمنح استطلاعات الرأي نفسها قائمتي المتدينين اليهود المتزمتين (الحريديم) شاس ويهدوت هتوراة بين 14 إلى 15 مقعدا، بدلا من 16 مقعدا في الانتخابات السابقة. إلا أن استطلاعات الرأي تُنقص غالبا من قوة الحريديم، وعلى الأغلب فإن هاتين القائمتين إما ستحافظان على ما لهما الآن، أو ستزيدان مقعدا إضافيا، وفي خلفية هذا التقدير نسبة التكاثر الطبيعي الهائلة لجمهور الحريديم، ففي حين أن عدد أصحاب حق التصويت بشكل عام سيزداد في الانتخابات المقبلة بنحو 2.8%، وفق تقديرات أولية، تشمل جمهور الحريديم، فإن نسبة زيادة الحريديم ستلامس 5%، وهذا وحده يعزز قوة القائمتين، اللتين تحصلان على 95% من أصوات الحريديم، الذين تتجاوز نسبة التصويت لديهم 92%، مقابل نسبة عامة تتراوح بين 68% إلى 72%.

وحصول فريق الليكود على أغلبية ضيقة بين 61 نائبا إلى 63 نائبا، لا يعني أن بنيامين نتنياهو سيقود حكومة ثابتة متماسكة، لكن من السابق لأوانه طرح فرضيات على نتائج مفترضة أصلاً.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات