قالت تقديرات جديدة صادرة عن مركز الأبحاث في بنك إسرائيل المركزي، في نهاية الأسبوع الماضي، إن الاقتصاد الإسرائيلي لن يدخل إلى مسار التعافي قبل نهايات العام المقبل 2021، وهذا على ضوء استفحال انتشار فيروس كورونا، إذ أن الوضعية الحالية في إسرائيل تعد من الأسوأ عالميا بعدد المصابين، من حيث عدد السكان. وبالرغم من ذلك فإن التقديرات ما تزال مختلفة بين ما يقوله البنك المركزي، الذي يقدّر بأن كلفة كل أسبوع إغلاق تصل إلى 9 مليارات شيكل (2.63 مليار دولار)، وبين تقديرات وزارة المالية التي تقول إن الخسائر هي 66% مما يطرحه البنك المركزي، ولكن كل المؤسسات المالية متفقة على أن البطالة ستقفز مع نهاية العام إلى 13.5%.
وتأتي تقديرات البنك المركزي، في الوقت الذي بلغ فيه عدد الحالات النشطة، في نهاية الأسبوع الماضي، ما يتجاوز 71 ألف مريض. ويعم القلق في المؤسسة الإسرائيلية من حالة تفشي المرض في هذه الأيام، التي تشهد عيد العُرش اليهودي، إذ يصر المتدينون المتزمتون، الحريديم، على إقامة شعائرهم الدينية والاجتماعية الجماهيرية، رغم أن نسبتهم من بين المرضى، وفق آخر الإحصائيات، 34% من إجمالي المرضى الحاليين، في حين أن نسبتهم من بين السكان حوالي 13.5%. ويليهم العرب الذين حسب التقديرات نسبتهم من بين المرضى في حدود 22%، في حين أن نسبتهم من بين السكان 18% من دون القدس الشرقية وهضبة الجولان.
تقديرات بنك إسرائيل المركزي
وحسب تقديرات مركز الأبحاث في بنك إسرائيل المركزي، كما ذكر سابقا، فإن كل أسبوع إغلاق سيكلف الاقتصاد ما يعادل 2.63 مليار دولار، وكلما استمر الإغلاق وطال، فإن الخسائر ستتعاظم، وفق ما قاله مدير مركز الأبحاث في البنك المركزي، البروفسور ميشيل سترافتشينسكي، في مقابلة مع صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية.
وحسب قسم الأبحاث فإن الإغلاق الحالي أدى إلى تعطيل 32% من القطاع الاقتصادي والمؤسساتي، مقابل 24% في فترة الإغلاق الأول في الربيع الماضي، من منتصف آذار وحتى منتصف أيار. ويقول سترافتشينسكي إن هناك قطاعات تعطلت بنسبة أكبر بكثير، مثل القطاع السياحي الذي تعطّل بنسبة 80%، وقطاع المواصلات على أشكالها، بما فيها الجوية، الذي تعطّل بنسبة 50%، وتبع ذلك تراجع كبير في الإنتاج، بما في ذلك القطاع الاستهلاكي الأساسي.
ويقول سترافتشينسكي إنه في الإغلاق الثاني كان من السهل على الحكومة والمؤسسات الرسمية التعامل معه، مقارنة مع الإغلاق الأول الذي كان بمثابة تجربة أولى من نوعها في تاريخ الاقتصاد الإسرائيلي. وطرحت الحكومة برامج دعم عديدة ومتنوعة، في حال قدم بنك إسرائيل دعما بالفائدة البنكية لتكون 0.1%، ليكون باستطاعة البنوك التجارية تقديم قروض بشروط فائدة أقل للمصالح الاقتصادية الصغيرة والصغيرة جدا، والأخيرة تعني مصالح مهنية لمستقلين، يعمل فيها صاحبها، وحتى عامليْن إلى خمسة عاملين. والهدف هو أن تساعد القروض المسهلة المصالح الاقتصادية على البقاء وعلى أن تواصل نشاطها بعد الإغلاق.
وقال سترافتشينسكي إنه لا توجد تقديرات جديدة لدى البنك المركزي حول عدد المصالح الاقتصادية التي ستغلق أبوابها كليا هذا العام. ويشار هنا إلى أن تقديرات مكتب الإحصاء الحكومي، التي صدرت في منتصف العام الجاري، تحدثت عن إغلاق أكثر من 70 ألف مصلحة اقتصادية كليا، مقابل فتح 40 ألف مصلحة جديدة، ما يعني تراجع أعداد المصالح الاقتصادية في إسرائيل هذا العام بنحو 30 ألف مصلحة، برغم أنها سنويا ترتفع بمعدل 10 آلاف مصلحة.
أما على مستوى الجمهور، فيقول سترافتشينسكي إن الشرائح الأكثر فقرا ستكون المتضرر الأكبر، وستعلق في شباك صعوبات مالية كبيرة في تسديد احتياجات العائلات الاستهلاكية الأساسية، وهذا يبرز لدى من هم في المراتب الأربعة الأولى الدنيا، الأكثر فقرا، من أصل 10 درجات في التدريج الاقتصادي الاجتماعي للسكان. وقال إن 20% من العائلات الفقيرة، التي فيها عامل واحد، قد تفقد كليا مصدر رزقها، وهذا يعني أنها ستتحول لتلقي المخصصات الاجتماعية. في حين أن 4% من العائلات التي فيها عاملان قد تفقد مصدر رزقها، بمعنى أن العاملين الاثنين قد يعلقان في شباك لبطالة.
ورأى بحث بنك إسرائيل المركزي أنه في التقديرات الأولى، في نهايات الإغلاق الأول، كان الحديث عن أن الاقتصاد الإسرائيلي سيشهد نموا اقتصاديا، يعيد الاقتصاد إلى ما قبل اندلاع أزمة كورونا. ولكن مع استفحال انتشار كورونا، وظروف الإغلاق الثاني الجاري، فإن تقديرات البنك تقول إن الاقتصاد لن يبدأ بالتعافي قبل نهاية العام المقبل 2021، بما في ذلك موضوع البطالة.
ارتفاع بنسبة 33% في الدين العام
وأشار سترافتشينسكي في المقابلة الصحافية ذاتها إلى أنه ليس ثمة تخوّف من هروب استثمارات إسرائيلية إلى الخارج. وكما يبدو فإن هذه التقديرات تعود إلى أن الأزمة الاقتصادية تعصف بكل دول العالم، وخاصة الأكثر تطورا منها. وأضاف أن هروب الاستثمارات هو ظاهرة في الدول النامية، وليس في الدول المتطورة، التي بضمنها إسرائيل.
كما يقدر مركز الأبحاث أنه لا خوف على استقرار البنوك الإسرائيلية، وقال سترافتشينسكي إن البنوك تعمل بوتيرة جيدة، وأكد أن البنوك تبدي استقرارا كبيرا وثابتا، وهي مدعومة من البنك المركزي.
أما الديْن العام فهو الذي سيحلق عاليا هذا العام، وهذا ما يؤكده تقرير مركز الأبحاث في البنك المركزي، ليصل إلى 80% من حجم الناتج العام، بدلا من 60% في نهاية العام الماضي. وكان تقرير لمنظمة التعاون والتنمية للدول المتطورة OECD قد توقع أن يقفز الديْن الإسرائيلي العام إلى 100% من حجم الناتج العام، وهذا ما رفضته المؤسسات المالية الإسرائيلية.
وبرأي سترافتشينسكي، فإن ما يساعد إسرائيل في أن لا تقفز عن نسبة 80% للديْن العام، هو أنها دخلت الأزمة بنسبة جيدة، تطلبها المؤسسات المالية العالمية. ويشار هنا إلى أن آخر مرّة شهدت فيها إسرائيل نسبة ديْن عام 80% كانت في منتصف العقد الأول من سنوات الألفين، ثم تم وضع مخطط اقتصادي لخفض الديْن إلى مستوى 60%، ولكن هذا استغرق 11 إلى 12 عاما، حتى هبط الديْن إلى محيط 60%، أي في نهاية العام 2017. ولكن تخللت تلك الفترة الأزمة المالية العالمية، 2008- 2009. ما يعني أن إسرائيل ستحتاج إلى سنوات ليست قليلة، حتى تخفض الديْن إلى نسبة 60%.
وما سيساهم في رفع الديْن العام، هو تراجع المداخيل بشكل حاد في خزينة الضرائب، مقابل الصرف الحكومي الزائد، لمواجهة الأزمة، وهي ميزانيات الدعم للجمهور والقطاع الاقتصادي، وحسب كل التوقعات فإن العجز في الموازنة العامة للعام الجاري سيتجاوز نسبة 13% من حجم الناتج العام، وقد انضم بنك إسرائيل المركزي لهذه التقديرات، التي وضعتها وزارة المالية قبل أقل من أسبوعين.
الخسائر والبطالة أعلى
ويقول المحلل الاقتصادي سامي بيرتس، في تحليل له في صحيفة "ذي ماركر"، إن الخسائر المالية للإغلاق التي يطرحها بنك إسرائيل وهي الأعلى، 9 مليارات شيكل أسبوعيا (2.63 مليار دولار)، أو التي تطرحها وزارة المالية ما بين 6 مليارات إلى 7 مليارات، لا تشمل الخسائر في القطاع الاقتصادي الخاص، وبشكل خاص في فترة الأعياد العبرية، التي ستنتهي في نهاية هذا الأسبوع. وحسب التقديرات، فإن الخسائر في أسبوعين لإغلاق مشدد قد تتراوح ما بين 23 مليار إلى 26 مليار شيكل، بما يشكل خسائر القطاعين العام والخاص.
وتشمل الخسائر الارتفاع في مخصصات البطالة أيضاً، والبطالة هي من بين الملفات الأكثر سخونة التي يواجهها الاقتصاد الإسرائيلي. فقد قالت إحصائيات سلطة التشغيل في الأسبوع الماضي، إنه منذ بدء الإغلاق الحالي، يوم 18 أيلول حتى اليوم الأخير منه، تم إخراج قرابة 163 ألف عامل وعاملة، إلى إجازات ليست مدفوعة الأجر، وهم في عداد المعطّلين عن العمل، من بينهم 133 ألف عامل وعاملة يخرجون لإجازات ليست مدفوعة الأجر للمرّة الثانية هذا العام. ما يعني أنه في الأسبوعين الأخيرين من الشهر الماضي، ارتفعت البطالة بنسبة 4%، وهي باتت تلامس نسبة 14% من إجمالي القوة العاملة، التي يقدر عددها حاليا بحوالي 4.1 مليون شخص. وهذا لا يشمل المحرومين من فرص العمل كليا، ولم ينخرطوا في حياتهم في سوق العمل، والجمهور الأكبر هم من النساء العربيات، كذلك قرابة 50% من رجال الحريديم الذين يتمنعون عن العمل إراديا، ليتلقوا مخصصات اجتماعية سخية وهم في معاهدهم الدينية.
وحسب التقديرات الجديدة، فإنه مع نهاية العام الجاري، وفي حال لم يمتد الإغلاق لأبعد من منتصف الشهر الجاري، تشرين الأول، أو أن تكون جولة إغلاق ثالثة، فإن البطالة سترسو عند نسبة 13.5%، وهي النسبة الأسوأ، التي وردت في التقديرات الأخيرة، ما يعني قرابة 555 ألف معطّل عن العمل.
ويقول بيرتس إنه على الرغم من ميزانيات الدعم التي قدمتها الحكومة بقيمة 135 مليار شيكل في العام الجاري (قرابة 40 مليار دولار)، و70 مليار شيكل (20.5 مليار دولار) في العام المقبل 2021، إلا أن أعداد العاطلين عن العمل ستواصل ارتفاعها. وكلما ارتفع عدد العاطلين عن العمل، تراجعت فورا قدرتهم الشرائية، وهذا ما ينعكس مباشرة على حركة السوق، وتراجع الإنتاج، ما يقود إلى موجات لاحقة أخرى للفصل من العمل.
جوع أطفال
وعلى ضوء تردي الأوضاع الاقتصادية في إسرائيل، يكثر الحديث عن استفحال الفقر، إلى حد الجوع، فقبل أسبوعين أكد تقرير جديد على تراجع التبرعات للجمعيات التي تقدم معونات غذائية للعائلات الأشد فقرا، بما فيها جمعيات تقديم وجبات ساخنة لعائلات فقيرة، وأيضا لمسنين فقراء. وهذه الجمعيات تتلقى معونات من الخزينة العامة، ولكن أيضا من تبرعات الجمهور والشركات، وهي التي تراجعت في الأشهر الأخيرة.
وفي نهاية الأسبوع، قال تقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت" إن مئات الآلاف من أطفال العائلات الفقيرة كانوا يتلقون وجبة ساخنة في المدرسة، وهذا كان يساعد عائلاتهم، التي يصل لديها الفقر إلى حافة الجوع. إلا أنه مع إغلاق المدارس منذ نهايات العام الدراسي الماضي، وفي العام الدراسي الجديد، فإن هؤلاء الأطفال فقدوا وجبة الغذاء، التي هي أساسية لهم في حياتهم اليومية. ويقول التقرير إن عشرات آلاف الأطفال باتوا ينامون جائعين.
ويقول البروفسور أهارون طروان، المحاضر في قسم علوم الأغذية في الجامعة العبرية في القدس، إن التقارير الأخيرة باتت تُظهر أن الكثير من الأطفال باتوا يعانون من الجوع، لأن عائلاتهم لا تقوى على تسديد احتياجاتها الشهرية، بما فيها الاحتياجات الغذائية الأساسية.
وحذرت المختصة ياعيل إكشتاين، في حديثها للصحيفة، من أن استمرار الإغلاق سيدهور العائلات الفقيرة والضعيفة إلى وضعية غير مسبوقة، وأكدت أنه منذ الآن نلمس ارتفاعا حادا جدا في أعداد العائلات التي لا تستطيع تأمين احتياجاتها المالية.