قالت تقارير صحافية اقتصادية في الأيام الأخيرة إن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو سيفرض على شركائه في الحكومة المقبلة التعهد بالموافقة على إقرار موازنة مزدوجة للعامين المقبلين 2020 و2021، بزعم أن هذا يقود إلى استقرار اقتصادي، لكن في خلفية هذا النمط من الموازنات العامة، الذي يندر وجوده في العالم، أن نتنياهو يريد استبعاد أزمات حزبية في ائتلافه المقبل.
وحسب صحيفة "كالكاليست" فإن نتنياهو سيسارع مع بدء عمل حكومته، إلى سن قانون أساس يسمح بإقرار ميزانيات مزدوجة، لأن المحكمة العليا الإسرائيلية كانت قد قررت قبل عامين، أنه لا يجوز إقرار موازنة عامة مزدوجة بناء على قانون طارئ، وأن الأمر يتطلب مستقبلا سن قانون أساس في الكنيست يسمح له بتمرير موازنة كهذه.
إلا أن نتنياهو يواجه على مدى السنوات التسع الماضية انتقادات على شكل تعامله مع موعد إقرار الميزانية العامة. فقد وضع في العام 2009 نهج الميزانية المزدوجة لعامين، وكان الأمر وكأنه لمرة واحدة، إلا أنه تحوّل إلى نهج ونظام دائم، باستثناء العام الذي من المفترض أن تجري فيه الانتخابات البرلمانية وفق الموعد القانوني، كما هو الحال في العام الجاري 2019. وهذا ما جعل الحكومة الحالية تعد وتقر ميزانية للعام 2019 وحده.
وقد بدأ هذا النهج في العام 2009، الذي جرت الانتخابات فيه في شهر آذار، دون أن تكون حكومة إيهود أولمرت قد نجحت في تمرير ميزانية لذلك العام حتى نهاية العام 2008. وعمليا حتى تمت إقامة الحكومة، في شهر أيار من ذلك العام، لم يتبق وقت كاف لإقرار ميزانية لعام واحد بعد أن اجتاز نصفه، ومن ثم التحضير لميزانية لعام آخر، وكل هذا في غضون سبعة أشهر. ولذا بادرت حكومة نتنياهو إلى تغيير القانون كي يجيز لها إقرار الميزانية لعامي 2009 و2010.
ولاحقا بادر نتنياهو لإقرار ميزانية العامين التاليين، وهذا ما جرى لاحقا، وسط انتقادات كثيرة من خبراء الاقتصاد لهذا النهج، لأن الميزانية في هذه الحالة تكون مبنية على فرضية وتوقعات اقتصادية، لا تستند إلى أرضية قوية، ولا تأخذ بعين الاعتبار تقلبات اقتصادية خارجية ومحلية. وهذا ما جعل الكثير من تقديرات وزارة المالية للنشاط الاقتصادي أن تتقلب باستمرار، من حيث انعكاسها على الموازنة العامة، مثل تقديرات العجز المالي، وتقديرات مدخولات خزينة الضرائب وغيرها.
إلا أن حسابات نتنياهو لم تكن في أي وقت الاعتبارات الاقتصادية، حسب ما يزعم طيلة الوقت، إذ يقول إن إقرار الميزانية المزدوجة يبث حالة استقرار اقتصادي أمام العالم. غير أن نتنياهو يسعى طيلة الوقت إلى ابعاد حكوماته عن الأزمات الداخلية، لأنه معروف على مر عشرات السنين أنه في موسم إعداد وإقرار الميزانية العامة، فإن كل أحزاب الائتلاف تبدأ بممارسة الضغوط لتحصيل انجازات خاصة بها، وعدد من الحكومات الإسرائيلية قد حُلت في موسم إقرار الميزانيات، وهذا ما لا يريده نتنياهو.
يضاف إلى هذا، أن نتنياهو يحتاج في الفترة المقبلة إلى حكومة بعيدة أكثر ما يمكن عن كل ما يمكنه أن يخلق أزمات داخلية، فهو يستعد لصدور قرار نهائي بشأن تقديم لوائح اتهام ضده في قضايا فساد، حتى نهاية العام الجاري، أو مطلع العام المقبل، وهذا ما يجعل نتنياهو يطالب بإقرار الموازنة المزدوجة نهائيا حتى نهاية شهر تشرين الثاني المقبل.
وحسب مصادر في حزب الليكود فإن المهمة الشائكة التي ستواجه عملية تشكيل الحكومة المقبلة، هي المطالبات المالية للكتل البرلمانية المرشحة للدخول إلى الحكومة، إذ بلغ حجم المطالبات، حتى الآن، ما يزيد عن 15 مليار شيكل، أي ما يزيد عن 4 مليارات دولار، في الوقت الذي سيكون على الحكومة إجراء تقليص شبه عام في ميزانية العام الجاري لسد العجز المتنامي في الموازنة العامة. ويطلب نتنياهو منذ الآن، تحييد وزارة الدفاع من تقليص الموازنة، وضمان زيادة هذه الميزانية في العامين المقبلين 2020 و2021.
وكل هذا يجري في الوقت الذي فيه هوية وزير المالية في الحكومة ليست مضمونة، فعلى الرغم من أن كل التقارير الصحافية، وحتى التلميحات الحزبية، تشر إلى أن وزير المالية الحالية موشيه كحلون هو المرشح الأقوى لتولي الحقيبة ثانية، إلا أن تقارير أخرى تحدثت عن أن نتنياهو قد يعرض على كحلون حقيبة الخارجية بدلا من المالية.
تقليص 10 مليارات شيكل
وتقول التقارير الاقتصادية الإسرائيلية إن وزارة المالية تطالب بأن تعمل الحكومة المقبلة على توفير 10 مليارات شيكل (76ر2 مليار دولار) في ميزانية العام الجاري بهدف سد العجز القائم والمتفاقم في الموازنة العامة، بغض النظر عن هوية وزير المالية المقبل.
ومن بين الحلول التي تطرحها الوزارة، رفع ضريبة القيمة المضافة على المشتريات بنسبة 1%، أي إعادتها إلى نسبة 18%، وهذه زيادة من شأنها ضمان 5 مليارات شيكل للموازنة العامة، إضافة إلى فرض ضريبة على أرباح شبكتي غوغل وفيسبوك في إسرائيل، بما قيمته مليار شيكل.
وكانت وزارة المالية قد أعلنت، الشهر الماضي، أن العجز في الموازنة العامة بلغ في نهاية آذار نسبة 4ر3% من حجم الناتج العام، في الأشهر الـ 12 الأخيرة. وعلى الرغم من أن هذا هو تحسن طفيف جدا عما كان في نهاية شهر شباط، 5ر3%، إلا أن توقعات خبراء، بمن فيهم خبراء في وزارة المالية، أن العجز سيواصل ارتفاعه، وقد يرسو في نهاية السنة الحالية عند مستوى 6ر3%، في حين أن نسبة العجز المحددة لهذا العام هي 9ر2%.
ويحذر الخبراء والمحللون من أن الحكومة الجديدة المقبلة، سيحمل فيها الشركاء مطالب تكلف الخزينة العامة، ما سيجعل العجز يتفاقم أكثر. ورغم هذا، هناك من يتوقع أن الحكومة الجديدة ستستغل كونها تتشكل للتو، وأن الانتخابات التالية ستكون بعيدة، لتتجرأ على القيام بتقليصات كبيرة في الموازنة العامة للجم العجز. وليس من المستبعد أن يكون الثمن رفع ضرائب وخفض مخصصات اجتماعية.
ويقول مسؤولون في وزارة المالية إنه من غير الممكن انتظار التقليص في الميزانية وضمان زيادة المداخيل لميزانية العام المقبل 2020، لأنه حينها سيكون العبء أكبر. ويستند المسؤولون في ثقتهم بأن الحكومة الجديدة ستعمل على هذه التقليصات، إلى موقف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي يدعو للتعامل بحذر شديد مع المطالب المالية للشركاء في الحكومة المقبلة، ويؤكد أنه يريد لجما لمصاريف الموازنة.
وحسب مصادر المالية، فإنه في حال ثبت استمرار وزير المالية موشيه كحلون الحالي في منصبه، فإنه سيتراجع عن اعتراضه على زيادة الضرائب، وبشكل خاص زيادة القيمة المضافة بنسبة 1%، إذ يرى المسؤولون أن الجماهير لن تندفع إلى الشوارع بسبب هذه الضريبة.
كذلك تستعد وزارة المالية لاتخاذ قرار حاسم بشأن فرض ضريبة على أرباح شبكتي غوغل وفيسبوك في إسرائيل، التي حتى الآن لا تدفع ضرائب على أرباحها. وهاتان الشركتان هما مثل شركات أخرى في شبكات الانترنت تستغل تنقلاتها بين العالم لتشويش تقاريرها المالية. لكن في السنوات الأخيرة بدأ يتزايد عدد الدول التي تفرض ضرائب على هذه الشركات، برغم قلة هذه الدول. فمثلا شركة فيسبوك تدفع ضرائب على أرباحها في إيرلندا، وغوغل تدفع ضرائب للولايات المتحدة. أما في إسرائيل فإن الضرائب التي تدفعها هاتان الشركتان هي ضرائب الموظفين لديها، وضريبة القيمة المضافة، لكن ليس على أرباح الشركتين.
وكما ذكر، فإن إجمالي ضريبة الأرباح المتوقعة من هاتين الشركتين في إسرائيل تصل إلى مليار دولار سنويا، بمعنى حوالي 276 مليون دولار، وفق سعر صرف الدولار القائم في هذه الأيام (6ر3 شيكل للدولار).