المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • المشهد الاقتصادي
  • 1323
  • برهوم جرايسي

أكد عدد من المحللين الاقتصاديين الإسرائيليين أن تخفيض الجمارك والضرائب على سلسلة من السلع، بقرار من وزارة المالية، ووزيرها موشيه كحلون، لن يصل مباشرة للمستهلك، الذي قد يستفيد لاحقا بتخفيض هامشي. ويعتقد هؤلاء أن المستوردين سيستفيدون أكثر، ومن ثم المسوقين. ويرى المحللون أن على وزارة المالية أن تبحث عن مسارات أخرى لتخفيض كلفة المعيشة، ومن أبرزها تحويل موارد لمحركات النمو الاقتصادي.

 

وكان وزير المالية موشيه كحلون قد أعلن في الأسبوع الماضي عن تخفيض الجمارك والضرائب على العديد من البضائع المستوردة، بكلفة اجمالية تصل إلى 800 مليون شيكل، وهو ما يعادل 227 مليون دولار، كجزء من صرف الوزارة للفائض الضخم في خزينة الضرائب، الذي من المتوقع أن يصل مع نهاية هذا العام إلى 20 مليار شيكل، ما يعادل 7ر5 مليار دولار. وهذا فائض يعد زيادة بنسبة 7% عما كان متوقعا لمداخيل الضرائب، إذ كان مخططا لميزانية العام الجاري 2017، جباية 286 مليار شيكل، وكما يبدو سيقفز اجمالي الجباية إلى 306 مليارات شيكل.

ويجري الحديث عن تخفيض الجمارك على بعض الأدوات الكهربائية المنزلية، والجمارك على عدد من الأغذية المستوردة، ومن بينها ما تسمى "نقارش الصباح"، اضافة إلى سلع أخرى. كما أن الموازنة العامة للعام المقبل، كانت اصلا تشمل بنودا للتخفيض الضريبي، من بينها تخفيض ضريبة الشركات بنسبة 1%، لتصبح 24%، كما سيتم تعديل درجات ضريبة الدخل بالذات لمن يتقاضون من 10 آلاف إلى 20 ألف شيكل، غير صاف، ما يعادل 2820 إلى 5640 دولار.

ويدور جدل في الحلبتين السياسية والاقتصادية الإسرائيلية منذ بضعة اشهر، حول شكل صرف الفائض في الموازنة العامة بما يعادل مليار دولار، الذي يلتقي مع الفائض الضخم في خزينة الضرائب. وكانت منظمة التعاون الاقتصادي بين الدول المتطورة OECD، دعت إسرائيل إلى استغلال الفائض في الموازنة العامة، على الميزانيات الاجتماعية، وخاصة التعليم والصحة والرفاه، وليس على تسديد الدين العام، لما في ذلك من دفع للنمو الاقتصادي، الذي توقعت المنظمة أن يسجل هذا العام ارتفاعا بنسبة 1ر3%، وفي العام التالي 5ر3%.

ويقول المحلل سامي بيرتس إن وزير المالية موشيه كحلون هو سياسي ذكي وصاحب تجربة، ولكن في كل ما يتعلق بالسياسة الاقتصادية، فإنه يتمسك بالمبدأ الأبسط للفهم: كم من المال بقي لنا في الجيب. وهو اكتشف سحرية تخفيض كلفة المعيشة، حينما تولى منصب وزارة الاتصالات بين العامين 2009 و2013، فحينها عمل على تخفيض أسعار وكلفة الاتصالات الخليوية. ومنذ ذلك الحين يحاول تكرار ذلك النجاح في وزارة المالية، من خلال حملات تخفيض أسعار.

ويتابع بيرتس كاتبا أن كحلون عمل على تخفيض الجمارك على سلع الأطفال الرضّع، وأيضا على الأحذية وأجهزة الهواتف الخليوية، وعمل على تقديم دعم اضافي للحضانات، وللعائلات التي يعمل الوالدان فيها. وسعى إلى تخفيض أسعار البيوت، وكلفة أراضي البناء. والآن قرر تخفيض جمارك وضرائب على السلع بكلفة اجمالية تصل إلى 800 مليون شيكل. ومن الصعب قول كلمات سيئة عن وزير المالية، في الوقت الذي يقرر فيه تخفيض الجمارك وضرائب المشتريات على بضائع الكترونية ترفيهية، وأدوات ومعدات كهربائية، وعلى الألبسة والأحذية. إلا أن بيرتس يرى أن هذا قد يهدئ المستهلكين، ولكن المستهلكين قد لا يشعرون بهذه التخفيضات، لأنها قد تبقى لدى المستوردين. وحقا أن وزارة المالية قررت أن يكون التخفيض لعام واحد، كي يتم فحص ما إذا استفاد المستهلكون من هذه التخفيضات، وفي حال لم يشعر المستهلكون بالتخفيض فإن الجمارك ستعود إلى مستواها السابق، وهذا من شأنه أن يكون سوطا ناجعا على المستوردين.

ويقول بيرتس إن كحلون يعمل في الأشهر الأخيرة على تحسين صورته السياسية، من خلال تخفيض كلفة الحياة، إلا أن لتخفيض كلفة الحياة وسائل ومسارات أخرى، وليس بالطريق الأسهل، وهي تخفيض الضرائب، مثل اجراء اصلاحات لتخفيف البيروقراطية المفروضة على فتح المصالح والمنشآت الاقتصادية، وتنجيع الخدمات الحكومية وتطويرها، وزيادة الانتاجية.

ويتابع بيرتس قائلاً إن تخفيض الضرائب والجمارك قد يؤثر على النمو من جانبين: زيادة الاستهلاك الفردي، وثانيا زيادة البضائع المستوردة. إلا أن الخبراء الاقتصاديين لا يفضلون هذا المسار، بل يفضلون أن يكون النمو من خلال تعزيز الاستثمارات وزيادة الصادرات، فالاقتصاد الإسرائيلي لا يواجه أزمة استهلاك، فالاستهلاك يتزايد في السنوات الأخيرة بفضل انخفاض الفائدة البنكية، وأيضا نسبة البطالة المنخفضة، وما من شك أن تخفيض الجمارك قد يساهم نوعا ما في زيادة الاستهلاك.

ويرى بيرتس أن لا حدود لكلام المديح لكحلون، على هذا الفائض الضريبي غير المسبوق بحجمه، إلا أن السؤال هو: كيف وأين سيصرف هذا الفائض. والتوجه القائم في وزارة المالية هو أن القسم الأكبر سيتم تحويله لتسديد قسم من الدين العام، الذي هبط في العام الماضي إلى ما بين 60% وحتى 62% من اجمالي الناتج العام، علما أن هدف الحكومة الذي تم وضعه قبل سنوات، هو أن لا يتجاوز حجم الدين ما نسبته 60% من الناتج العام، في حين يقول خبراء عالميون إن النسبة الأفضل باتت في حدود 50%،على ضوء سلسلة من التغيرات البنيوية في الاقتصاد العالمي وأوضاع الاقتصاد في الدول المتطورة.

ويشير بيرتس إلى احتمال أن تبادر وزارة المالية والحكومة إلى تخفيض اضافي لضريبة الشركات، بعد دخول تخفيض ضريبة الشركات في الولايات المتحدة الأميركية إلى حيز التنفيذ، وتظهر انعكاساتها على الاستثمارات العالمية، بما فيها استثمارات الشركات الأميركية في الاقتصاد الإسرائيلي. ويقول بيرتس إنه في حال أثر هذا على الاقتصاد الإسرائيلي، فسيكون من الملزم اتخاذ اجراءات لاجمة لمنع الانعكاسات السلبية، لأن الكلفة قد تكون أكثر من 800 مليون شيكل. ويشار هنا إلى أن المحللين والخبراء الاقتصاديين في الصحافة الاقتصادية يحذرون من انجراف الحكومة الإسرائيلية وراء خطوة الرئيس دونالد ترامب، وأن تبادر إلى تخفيض آخر لضريبة الشركات.

وترى المحللة أورا كورين أيضا، أن التخفيض الجمركي وضريبة المشتريات على عدد من السلع الحياتية سيكون تأثيره بعيدا ببعد سنة ضوئية عن المستهلكين، لأن التخفيض الجمركي والضريبي سيمر بعدة محطات، وفي كل محطة سيتم قضم جزء من ثماره، وأولى المراحل هم المستوردون، والثانية تجارة الجملة، بمعنى المسوقين الكبار.

وتقول كورين إنه ليس صدفة أن رئيس اتحاد الغرف التجارية، أوريئيل لين، سارع للترحيب بقرار كحلون. وحسب مصادر في وزارة المالية، فإن لين ذاته كان مشاركا في بلورة قرار الوزير. وأوردت كورين أمثلة من الماضي القريب حول كيف أن تخفيض الجمارك وضرائب المشتريات على سلع مستوردة، بقيت ثماره في جيوب المستوردين، ومن أبرز هذه النماذج معلبات التونا، التي لم ينخفض سعرها للمستهلك في السوق.

وقالت كورين، كما بيرتس، إن تجار الجملة والمسوقين سيتبعون كل مسار ممكن للاستفادة من التخفيض الجمركي، أكثر من تخفيض أسعار السلع للمستهلكين.

العجز في الموازنة أقل من السقف المحدد

هذا، وقال تقرير أخير لوزارة المالية الإسرائيلية إن العجز في الموازنة العامة في الأشهر الـ 12 الأخيرة، بمعنى منذ الشهر الأخير من 2016، وحتى تشرين الثاني 2017، بلغ 7ر1% من اجمالي الناتج العام، بينما الهدف السنوي للعام الجاري 2017، الذي وضعته الحكومة، هو 9ر2% من اجمالي الناتج.

بموازاة ذلك، فإن مداخيل خزينة الضرائب استمرت بالارتفاع، إذ تم في الأشهر الـ 11 الأولى جباية 3ر288 مليار شيكل، ما يعادل 8ر81 مليار دولار، مقابل قرابة 262 مليار شيكل، في نفس الفترة من العام الماضي، ما يعادل 4ر74 مليار دولار. ومن المتوقع أن ينتهي العام الجاري بعد أيام، ليرتفع اجمالي المداخيل إلى ما يزيد عن 305 مليارات شيكل، وهو أعلى بنحو 20 مليار عن السقف الأول الذي تم تحديده للعام الجاري. وهذا أيضا أعلى بثمانية مليارات شيكل، من السقف المعدّل الذي وضعته وزارة المالية في شهر نيسان الماضي.

وأضاف التقرير أن مداخيل شهر تشرين الثاني وحده، كانت نسبة الفائض فيها 6%، مقارنة مع ذات الشهر من العام الماضي.

وكما يتبين من تقرير وزارة المالية، فإن وتيرة مداخيل الضريبة كانت ضعيفة في الربع الأول من العام الجاري، إذ بلغ الفائض في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام 6ر1 مليار شيكل. وبدأت وتيرة المداخيل تحقق قفزات ابتداء من الربع الثاني من العام، بينما استمرار تحقيق الفائض الكبير، أيضا في الربع الأخير الجاري، قد يكون مؤشرا أيضا على الاقل للفترة الأولى من العام الجديد المقبل- 2018.

ويقول التقرير إن صرف الحكومة العام من خلال وزاراتها كان هو أيضا اقل من الصرف المخصص حتى نهاية تشرين الثاني، إلا أن صرف وزارة الدفاع كان الأعلى، وتجاوز الميزانية المخصصة له بنحو 6%. وحسب تقارير عدة، وتصريحات رسمية، فإن في نية وزير المالية كحلون، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أن تتجه حصة الأسد من توزيع الفائض في الموازنة وخزينة الضرائب إلى وزارة الدفاع، التي تطالب بما لا يقل عن 5 مليارات شيكل، ما يعادل 42ر1 مليار دولار، وحتى أن نتنياهو يطالب بميزانيات أكبر للوزارة ذاتها وجيشها.

وأيضا فيما يتعلق بصرف الحكومة، قال تقرير وزارة المالية إن الوزارات الاجتماعية أيضا حققت صرفا زائدا، بنسبة تتراوح ما بين 2% إلى 4%، عما كان مخصصا لها.

 

 

المصطلحات المستخدمة:

ألف, بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات