بدأت في الأيام الأخيرة موجة جديدة من المعركة على شهادات "الحلال" وفق الشريعة اليهودية، بعدما أبدت الحكومة في موقف للمحكمة العليا ما يمكن وصفه بأنه "تراجع"، يكسر احتكار المؤسسة الدينية اليهودية لإصدار هذه "الشهادة"، التي تشكل عبئا ماليا كبيرا على المصالح الاقتصادية. إلا أن المؤسسة الدينية ومعها المتدينين المتزمتين "الحريديم" يصرون على احتكار اصدار الشهادة، ويطالبون بتثبيت هذا قانونيا وبنص واضح.
فقد قدم المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية في الأسبوع الماضي، رد الحكومة على التماس عدد من أصحاب مطاعم في القدس الغربية تلقوا انذارات بدفع غرامات باهظة، كونهم أعلنوا لزبائنهم ما يوحي وكأن بحوزتهم شهادة "حلال" حسب الشريعة اليهودية، بينما هم تلقوا شهادات خاصة من جمعية دينية تصدر شهادات بديلة، أقل تكلفة ومتطلبات. وكان رد الحكومة بإلغاء الغرامات، ولكن مقابل أن يسحب أصحاب المطاعم التماساتهم.
وتعود القضية إلى استغناء عدد من المطاعم اليهودية في القدس الغربية عن شهادة "الحلال" التي تصدرها الحاخامية الكبرى، المؤسسة الدينية الرسمية، وأعلنوا للزبائن أن مطاعمهم تتقيد بأصول الشرائع اليهودية، وأن جمعية خاصة تشرف على هذه المطاعم. وتلقى أصحاب المطاعم مخالفات وانذارات بدفع غرامات باهظة، بزعم أنهم استخدموا ما يوحي بكلمة "حلال" (كاشير)، وهي حكر على المؤسسة الدينية، فاعترضوا وقدموا التماساتهم للمحكمة العليا.
واعتبرت أوساط حقوقية موقف الحكومة الجديد هذا خسارة للمؤسسة الدينية، لأنه عمليا يخلق وضعا جديدا، يجيز لمن يريد الاستغناء عن "شهادة الحلال"، ويستخدم كل ما هو بديل، الأمر الذي أثار غضب المؤسسة الدينية، ومعها المتدينين المتزمتين "الحريديم". وحسب تقارير صحافية فإن الحاخامية الكبرى عقدت في الأسبوع الماضي جلسة طارئة لبحث موقف الحكومة الجديد، الذي اعتبرته مساً بصلاحياتها، وأوحى بعض المسؤولين بضرورة سن قانون حازم في هذه المسألة.
كذلك فإن كتلتي "الحريديم" في الكنيست "شاس" و"يهدوت هتوراة" تأخذان بالحسبان اندلاع هذه القضية، لذا طلبتا موقفا واضحا من حزب "الليكود" ضمن اتفاقيات الائتلاف بعدم المس بالوضع القائم منذ عشرات السنين، وعدم التساهل بأي من قوانين السبت والأعياد اليهودية، وشروط "الحلال" حسب الشرائع اليهودية.
وتعد قضية "الحلال" اليهودي واحدة من أكثر القضايا الشائكة في الشارع الإسرائيلي، وخاصة في قطاع الغذاء، إذ أن الكثير من الأبحاث الاقتصادية أثبتت أن أنظمة الحلال في إسرائيل تساهم في رفع أسعار المواد الغذائية المستوردة حتى 35% وأسعار المنتوجات الغذائية المحلية بما بين 15% إلى 20%. كذلك فإن هذه الأنظمة هي أيضا مصدر صرف زائد لدى تجهيز المطاعم على أنواعها وشبكات تسوق المواد الغذائية، وكل ما هو مرتبط بمسألة "الحلال".
كذلك فإن من هذه الأنظمة المشددة ما يتسبب بإتلاف آلاف أطنان كثيرة من المواد الغذائية سنويا، ما يساهم أكثر في رفع الكلفة وبالتالي الأسعار.
وقال أحد الأبحاث إن أحد الحواجز الأساسية التي تقف أمام خفض الأسعار في سوق الغذاء الإسرائيلية، وما زال يعرقل إحداث انجازات في هذا المجال، هو احتكار أنظمة الحلال بيد الحاخامية الكبرى في إسرائيل، وهذا نابع من أن الحاخامية الكبرى تريد الاهتمام أولا بتشغيل أعضائها، وتكدّس تكاليف مالية كبيرة، مقابل "خدمات الحلال" هذه، ما يؤدي في كثير من الحالات إلى أن الكثير من المنتجين في العالم يرفضون العمل مع السوق الإسرائيلية.
وطالبت الكثير من المؤسسات المالية ومنها وزارة المالية بتقليص كلفة "الحلال".
ويقول مستوردون للحوم إن استيراد اللحوم من أميركا اللاتينية يستوجب إرسال ما بين 10 إلى 14 رجل دين يهوديا إلى كل مسلخ سيتم الاستيراد منه، وكلفة كل رجل دين كهذا تتراوح ما بين 6 آلاف إلى 7 آلاف دولار شهريا إضافة إلى تكاليف أخرى، ما يعني كلفة شهرية تصل إلى 100 ألف دولار، من أجل استيراد 500 طن من اللحوم المجمّدة.