ينتخب الكنيست الإسرائيلي، اليوم الأربعاء 13/6/2007، رئيسا للدولة، ليكون الرئيس التاسع لها منذ العام 1948. وهو منصب رسمي تمثيلي ليست لديه صلاحيات فعلية جدية، خاصة سياسية. ولربما من أبرز صلاحيات رئيس الدولة، عدا تكليف شخص لتشكيل الحكومة وفق رأي الأغلبية البرلمانية، هي صلاحية منح العفو الرئاسي للسجناء، أو تغيير فترات محكومياتهم.
وتحولت انتخابات رئيس الدولة في السنوات الأخيرة إلى امتحان قوة للائتلاف الحكومي، ولمدى تماسكه، وبشكل خاص لمدى تأثير الحزب الحاكم. فمثلا خسارة شمعون بيريس أمام موشيه قصاب، الرئيس الحالي، في ربيع العام 2000، خلال فترة حكومة إيهود باراك، كانت مؤشرا إلى اقتراب سقوط هذه الحكومة وفقدانها الأغلبية.
وتجري هذه الانتخابات في وضع تطرح فيه علامة سؤال على مصير حكومة إيهود أولمرت، وعلى مصير أولمرت شخصيا. كذلك فإنه إلى جانب مرشح الحزب الحاكم "كديما"، شمعون بيريس، فإن الشريك الأكبر لهذا الحزب، حزب "العمل"، لديه مرشحة خاصة، هي عضو الكنيست كوليت أفيطال، وفي المقابل فإن للمعارضة اليمينية مرشحا واحدا، هو رئيس الكنيست السابق رؤوفين ريفلين.
قبل الولوج في مسألة موازين القوى وفرص الفوز، نشير إلى أن هذه هي المرة الثانية التي تجري فيها الانتخابات في ظل أزمة تعصف بمؤسسة الرئاسة الإسرائيلية. ففي العام 2000 اختار الرئيس السابق عيزر فايتسمان الاستقالة من منصبه في أعقاب شبهات بحصوله على "هدايا" مالية من أحد أصدقائه الأثرياء.
ولكن لا قيمة لقضية فايتسمان، مقارنة بالفضائح الجنسية المتورط فيها الرئيس الحالي موشيه قصاب، والتي تفجرت لأول مرة قبل نحو عام، وخضع قصاب بعد ذلك إلى جولات تحقيق، وتوصل المدعي العام الإسرائيلي إلى استنتاج بضرورة تقديم لائحة اتهام ضده بتهم الاغتصاب والتحرش والاعتداء الجنسي على موظفات عملن لديه في فترات مختلفة حين تولى مناصب وزارية، وأيضا خلال توليه منصب رئيس الدولة.
وعلى ما يبدو فإن القرار النهائي بشأن تقديم لوائح الاتهام سيكون في الأيام القادمة، بعد انتخاب رئيس جديد للدولة، خاصة وأن قصاب استفاد من الحصانة الاستثنائية لرئيس الدولة، التي تحظر تقديم لائحة اتهام ضده خلال توليه منصبه. ويظهر أنّ المشرّع الإسرائيلي لم يخطر بباله أن يصل المنصب الرئاسي لهذا المستوى، مما حدا بالعديد من النواب للمبادرة لسن قوانين تخفف من الحصانة المطلقة لرئيس الدولة في حالة اصطدامه بقضايا قضائية وحقوقية.
وينص قانون رئيس الدولة المعدل في العام 2000 على أن تكون ولاية رئيس الدولة ولاية وحيدة من سبع سنوات لا ثانية لها، وقد تمّ تطبيق القانون لأول مرة على ولاية قصاب.
ويتم انتخاب رئيس الدولة في الكنيست من قبل الأعضاء الـ 120، في انتخابات سرية. وينص نظام الانتخاب على أنه إذا لم يتم حسم الانتخابات منذ الجولة الأولى وحصول المرشح على الأغلبية المطلقة، فتجري جولة ثانية بنفس عدد المرشحين، وإذا لم يتم حسمها في الجولة الثانية أيضا تجري عندها جولة ثالثة بين المرشحين اللذين حصلا على أكبر عدد من الأصوات.
وتدور المنافسة الحالية بين الوزير شمعون بيريس، مرشح حزب "كديما"، ومرشح حزب الليكود" رؤوفين ريفلين، ومرشحة حزب "العمل" كوليت أفيطال.
المنافسة شديدة والاحتمالات مفتوحة
حتى إعداد هذا التقرير لا تزال فرص الفوز مجهولة، كون أن الكثير من أعضاء الكنيست وبعض الكتل لم تعلن جهارًا دعمها لأحد المرشحين، أو أنها منحت حرية الاختيار لنوابها.
كذلك فإن أيا من المحللين لا ينوي المخاطرة في التكهن بفرص الفوز، وهذا راجع إلى كثرة الهزائم التي مني بها عجوز السياسة الإسرائيلية، شمعون بيريس، وخاصة بشكل مفاجئ وخلافا لجميع التوقعات، كما جرى حين نافس على رئاسة الحكومة، في العام 1996، وخسر المنافسة ببضعة آلاف من الأصوات لصالح بنيامين نتنياهو، وخسارته في المنافسة على رئاسة الدولة في العام 2000، أمام موشيه قصاب، أيضا بأصوات قليلة، وخسارته لرئاسة حزب "العمل" في خريف العام 2005، أيضا بشكل مفاجئ، أمام عمير بيرتس.
كما أن بيريس نفسه يفقد الثقة بالمحيطين به، فقبل عدة اشهر اشترط على المقربين منه أن يتم سن قانون يجعل الانتخابات لرئاسة الدولة علنية وليست سرية لكي يقبل بالمنافسة، وقد بدأت تحضيرات لسن هذا القانون، إلى أن تم سحبه بسرعة من جدول أعمال الكنيست نظرا لتعارض هذا القانون مع أسس الديمقراطية.
إلا أن بيريس يحظى حاليا بدعم علني غير مسبوق من حزب "شاس" الديني الأصولي لليهود الشرقيين، إذ استفاد بيريس من علاقته المميزة بالزعيم الروحي لهذا الحزب، عوفاديا يوسيف.
وفي المقابل وحسب تقرير آخر فإن بيريس قد لا يحصل على جميع أصوات حزب "كديما" التسعة والعشرين، نظرا لكون بعضهم يحن لأصوله اليمينية ويسعى لدعم مرشح الليكود رؤوفين ريفلين. ولكن قد يحصل بيريس تعويضا عن ذلك على أصوات من حزب "العمل" غير الراضية عن ترشيح كوليت أفيطال، وتعتبره ترشيحا ينتقص من فرص انتخاب بيريس.
ويحظى بيريس بدعم كبير من وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي تنشر تباعا استطلاعات رأي تشير إلى رغبة الجمهور في انتخاب بيريس، وهو ابن الرابعة والثمانين من عمره، لهذا المنصب الذي سيتركه بعد أن يتجاوز التسعين من عمره.
كذلك فإن الكثير من الأوساط السياسية، والمؤسسات التابعة للوكالة الصهيونية، تبدي رغبتها في انتخاب بيريس، وهي ترى أن مؤسسة الرئاسة بحاجة إلى عملية تحسين وتجميل لصورتها في أعقاب فضيحة الرئيس الحالي موشيه قصاب. ولكن ما هو أهم يكمن في تحسين صورة إسرائيل أمام العالم ويعتبرونه أنه أفضل من بإمكانه تسويق إسرائيل، نظرا لمكانته في العالم. وكما قال أحدهم، "إن بيريس يحظى بمكانة رفيعة في الحلبة الدولية ويحظى باحترامها، ولهذا هو قادر على رفع مكانة إسرائيل في الأسرة الدولية".
وبعث أحد المعاهد الإسرائيلية برسالة إلى أعضاء الكنيست يعدد فيها ما وصف بأنه إنجازات بيريس على مدى عشرات السنوات، وعلى رأس ذلك المفاعل النووي في ديمونة، الذي اختار معد الرسالة تسميته بـ "المغسلة في ديمونة".
أما ريفلين فهو لم يفقد الأمل بعد من تحقيق فوز في هذه الانتخابات، وهو يراهن على اختراق كتل اليسار الصهيوني، والحصول على أصوات من الكتل الثلاث الناشطة بين الفلسطينيين في إسرائيل، رغم مواقفه اليمينية المحافظة، وهذا نظرا للنهج الذي اتبعه خلال توليه لمهمة رئيس الكنيست في الولاية السابقة، وإفساحه المجال أمام هذه الكتل والكتل الصغيرة الأخرى في الكنيست للعمل بصورة حرة وغير خاضعة لانتهازية الكتل الكبرى والائتلاف الحكومي.
رغم ذلك فقد يكون بيريس حقق إنجازا واحدا حتى الآن، هو دخوله إلى كتاب غينيس للأرقام القياسية، كأول شخصية سياسية تنافس على رئاسة دولة في هذا العمر، في "نظام ديمقراطي". ولكن عجوز السياسة الإسرائيلية قد يسجل الإنجاز الأساسي الذي يسعى له، وقد يفوز بالرئاسة.
ويتندر المحللون في إسرائيل بسؤال: هل سيكتفي بيريس إذا ما فاز بهذا المنصب عندما يغادره وهو ابن 91 عاما؟
من يعرف بيريس لا يستطيع تقديم جواب جازم على سؤال كهذا.
المصطلحات المستخدمة:
الصهيونية, باراك, كديما, الليكود, الكنيست, بنيامين نتنياهو, عمير بيرتس