المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • على هامش المشهد
  • 1731

 


باحثان إسرائيليان يحذران: "الأحداث في القدس هي تصعيد تدريجي،

 


يبدو وكأنه تحت السيطرة، لكنه قابل للانفجار"

 


المفهوم الإسرائيلي الرسمي للتعامل مع الفلسطينيين هو مفهوم أمني، ولذلك فإن التعامل مع الهبة الحاصلة في القدس هو من منطلق أن "ما لا ينجح بالقوة، سينجح بقوة أكبر". وهذا يعني أن الإسرائيليين، بدءا من رئيس حكومتهم، بنيامين نتنياهو، ومرورا بقادة الأجهزة الأمنية وحتى آخر شرطي، يعتبرون أن الفلسطيني هو عدو، وهو ينتفض بسبب طبعه العنيف وحسب، ولذلك فإنه لا يفهم سوى لغة القوة.

 


والحقيقة هي أن هذا المفهوم سائد في إسرائيل منذ أن تأسست. منذ النكبة وحتى اليوم. وهو ما يوجه سياسة إسرائيل مع الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة وأراضي الـ48. وهذا المفهوم يوجه رسالة إسرائيلية واحدة وواضحة لجميع الفلسطينيين: إما أن تقبلوا بكل ما نفعله، أو ستُقمعون بالحديد والنار.

 


وترفض الجهات الإسرائيلية الرسمية، السياسية والأمنية، النظر إلى أسباب أي هبة فلسطينية، رغم وضوحها، ورغم تعالي أصوات تحذر من تبعات سياسة الحكومة وممارساتها.

 


وتجاهل المسؤولون الإسرائيليون الأسباب التي أدت إلى الهبة الحالية في القدس الشرقية المحتلة، وتصاعدها في أعقاب عملية الدهس، يوم الأربعاء الماضي. وأبرز أسباب هذه الهبة هي الاقتحامات اليومية للمتطرفين اليهود للحرم القدسي، الاستيطان في قلب الأحياء الفلسطينية، محاولات لسن قوانين تتعلق بالحرم القدسي وتسمح لليهود بالصلاة فيه، الإهمال الشديد لهذه الأحياء، وأجواء اليأس السائدة في القدس الشرقية. وتتجاهل السلطات الإسرائيلية كل هذا، لأنها تريد فرض سياستها وممارساتها بالقوة. كما أن هذه السلطات لم تفاجأ بالهبة الحالية، بل توقعتها كرد على ممارساتها.

 


"إعادة الهدوء وتطبيق السيادة"

 


وعقب نتنياهو على الأحداث المتصاعدة بالقول "سنعيد الهدوء والأمن إلى القدس". وأصدر تعليمات لأجهزة الأمن "بزج قوات كثيرة، وقوات خاصة، حتى يعود الهدوء إلى شوارع القدس ومنطقة جبل الهيكل (أي الحرم القدسي)، وتطبيق السيادة (الإسرائيلية) في جميع أنحاء المدينة".

 


واعتبر نتنياهو أن "الهجمة في القدس مدعومة من رئيس السلطة الفلسطينية، أبو مازن (الرئيس محمود عباس)، الذي يهلل للقتلة ويعانق حركة حماس التي ينتمي المخربون إليها"، في إشارة إلى تقارير إسرائيلية تحدثت عن أن منفذ عملية الدهس، عبد الرحمن الشلودي، ينتمي لحماس.

 


وقال الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، "إننا ملزمون بأن نكون حازمين من أجل ضمان سلامة القدس وسلامة سكانها".

 


واعتبر وزير الدفاع، موشيه يعلون، أن "جهاز التعليم الفلسطيني والخطاب الفلسطيني هو الذي يدفع أحداثا كالتي تجري في القدس".

 


وقال وزير الأمن الداخلي، يتسحاق أهرونوفيتش، "إننا موجودون في حرب سننتصر في نهايتها ونعيد الهدوء إلى القدس"، فيما أعلن المفتش العام للشرطة، يوحنان دانينو، عن أن "زيادة القوات في منطقة القدس ستستمر طالما يتطلب الأمر ذلك من أجل إعادة الشعور بالأمن إلى جميع سكان القدس". وطالب وزير الاقتصاد، نفتالي بينيت، بالرد على الهبة من خلال تكثيف الاستيطان.

 


من جانبها قالت وزير العدل، تسيبي ليفني، إنه "يجب وقف التصريحات المنفلتة، مشاريع القوانين التي لا تتحلى بالمسؤولية، استفزازات البناء أو الاحتفالات الليلة بمناسبة الاستيلاء على بيوت في مناطق إسلامية. هذه خطوة لا حاجة لها الآن ومن شأنها أن تدهور القدس وتدهورنا جميعا معها"، مشيرة بذلك إلى استيلاء المستوطنين على عشرات البيوت في سلوان في الأسابيع الماضية.

 


واعتبر الصحافي نداف شرغاي، في مقاله في صحيفة "يسرائيل هيوم" اليمينية المقربة من نتنياهو، يوم الجمعة الماضي، أن الأحداث في القدس تشكل "تطورا فعليا لانتفاضة ثالثة"، وأنها تأتي "كنتيجة واضحة لسياسة احتواء زائد، نابع من اعتبارات خاطئة بأن يؤدي ذلك إلى تهدئة أو سيطرة على ارتفاع ألسنة النيران. والنتيجة هي فقدان الردع وتدهور الوضع. ورغم أن شرطة القدس نفذت اعتقالات جماعية وقدمت مئات لوائح الاتهام، لكن هذا كان في إطار رد الفعل وليس رادعا".

 


والتزم شرغاي بالتوجه اليميني، معتبرا أن "ثمة تركيز ضعيف للغاية، حتى اليوم، على المجال الوقائي. إذ لم يتم رصد عدد كاف من القوات للمدينة، وتم تقييد نشاط الشرطة، عموما، في المنطقة الواقعة خارج الأحياء العربية، التي تحولت بغالبيتها إلى مناطق ’خارج الإقليم’. وفي معظم الأحيان، اعتقلت الشرطة المشاغبين بعد الأحداث وليس قبلها. كذلك فإن المعلومات الاستخبارية، الموثقة بكاميرات والبشرية، جاءت بالأساس من أجل فك رموز العنف بعد أن خرج إلى حيز التنفيذ".

 


ورغم الاستفزازات الإسرائيلية اليومية في الحرم القدسي، إلا أن شرغاي ادعى أنه "في جبل الهيكل تم تسجيل مستوى عال من الاحتواء. والمراعاة لمشاعر الأردنيين والعلاقات المميزة مع الملك كانت وما زالت مبالغا فيها، وشلّت (قدرة الأجهزة الأمنية) في كثير من الأحيان. كذلك فإن التمسك بقرار عدم اقتحام المسجد الأقصى بأي حال، والذي تحول إلى المشاغبين، كان جارفا أكثر مما ينبغي. وتقليل أعداد المسلمين المسموح لهم بالدخول (إلى الحرم) تبين أنه غير كاف. فأمام اضطرابات بهذا الحجم، كان ينبغي إغلاق جبل الهيكل بالكامل، بصورة مؤقتة، في وجه الجانب المشاغب المسلم، وليس فقط في وجه الجانب اليهودي الذي تعرض للأذى. وإحراق محطة الشرطة في جبل الهيكل، على سبيل المثال، كان يجب أن يكون خطا أحمر، يكسر الجانب الإسرائيلي في أعقابه أدوات اللعبة ويغير قواعد اللعبة".

 


وتابع شرغاي أن "ثمة تأثيرا بالغا للحريق في جبل الهيكل على أحداث الانتفاضة في القدس، أكثر مما يتخيل الرجل في الشارع. وإسهام نشطاء الجناح الشمالي للحركة الإسلامية الإسرائيلية في هذا الحريق كبير. وإذا كانوا قد عرفوا ’كاخ’ و’كهانا حي’ في الماضي أنهما منظمتان إرهابيتان، فإنه بالإمكان إيجاد أدوات قانونية لمعالجة أمر رائد صلاح ومشعلي النيران من مدرسته".

 


وبهدف شرعنة قرارات حكومة نتنياهو بقمع المقدسيين، كتب شرغاي أنه "أكثر شيء مطلوب الآن، هو صدور توجيهات وإصرار واضعي السياسة، وعلى رأسهم رئيس الحكومة ووزير الأمن الداخلي، على أن تعيد قوات الأمن الهدوء إلى القدس. فمراكز الشغب معروفة، وهي القطار البلدي، العيسوية، جبل الزيتون، مدينة داوود (أي سلوان)، باب العامود، نوف تسيون (أي جبل المكبر)، بسغات زئيف، التلة الفرنسية، شمعون هتسديق (أي الشيخ جراح) وبالطبع "جبل الهيكل". وما زالت الأمور متعلقة بنا وبإصرارنا على الحفاظ على قدسنا وتعاملنا معها كصاحب بيت حازم وسخي في الوقت نفسه".

 


"من أجل منع تفجر البركان"

 


في مقابل توجهات اليمين الإسرائيلي، هناك توجهات أكثر عقلانية في إسرائيل. ورأى الباحثان في "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، أودي ديكل وعومير عيناف، في مقال نشراه في الموقع الالكتروني للمعهد، يوم الجمعة الماضي، أن الأحداث في القدس هي "تصعيد تدريجي، يبدو وكأنه تحت السيطرة، لكن يكمن فيه احتمال حدوث انفجار بسبب تراكم الأحداث. ومن هنا تنبع أهمية فهمها واحتوائها فورا، من دون دفع ثمن سياسي وأمني غال".

 


وأشار الباحثان إلى أن تدهور الوضع في القدس بدأ بقتل الفتى المقدسي محمد أبو خضير، في 2 تموز الماضي، "على أيدي يهود وعلى خلفية قومية، من خلال اعتبار ذلك أنه عملية انتقامية" على اختطاف المستوطنين الثلاثة وقتلهم.

 


واعتبر الباحثان أن المواجهات الاحتجاجية التي وقعت في أعقاب مقتل أبو خضير، شملت "أعمالا إرهابية"، بينها اصطدام الجرافة، التي كان يقودها عربي بحافلة ومقتل رجل حريدي، في 4 آب الماضي. وأضافا أنه في اليوم نفسه أطلق سائق دراجة نارية النار على جندي بالقرب من نفق جبل المشارف. وبعد ذلك تم إطلاق النار على فتى فلسطيني وقتله في حي وادي الجوز، في 7 أيلول. وفي 22 تشرين الأول الحالي وقعت عملية الدهس في محطة القطار البلدي.

 


وأضاف الباحثان أنه في الوقت نفسه وقعت اعتداءات عنيفة من جانب يهود ضد عرب، وبينها الاعتداء على شابين عربيين في مستوطنة "نافيه يعقوب"، في شمال القدس الشرقية، في 25 تموز.

 


وأكد الباحثان على أن "هناك عوامل أخرى محرضة على العنف وتزيد من الاحتكاك والتوتر تتمثل بشراء البيوت والاستيطان اليهودي في الأحياء العربية، بمبادرة جمعيات يهودية أيديولوجية. وعلى خلفية ذلك حدثت المواجهات العنيفة. وشارك فيها سكان عرب من المدينة، الذين يرون بهذه الخطوات أنها تعبير عن سياسة حكومة إسرائيل، وهدفها السيطرة على مناطق أخرى في شرقي القدس، من خلال فرض حقائق على الأرض والمس بشكل سافر بالطابع العربي لأحيائهم".

 


وأشار الباحثان إلى أنه في موازاة ذلك، تزايد التوتر حول الحرم القدسي "الذي تشكل السيطرة فيه نقطة حساسة وذات تبعات كثيرة". وبعد أن فرضت السلطات الإسرائيلية قيودا على دخول المصلين إلى الحرم، أقام المصلون الصلاة خارج أسوار البلدة القديمة، ما أدى إلى زيادة التوتر.

 


وأضافا أنه "في موازاة ذلك، طرأ ارتفاع على حجم المجموعات اليهودية التي صعدت إلى "جبل الهيكل" وحاولت الصلاة فيه. وهذه الأعمال، إلى جانب مبادرات أعضاء كنيست لسن قوانين، تم تفسيرها على أنها محاولة إسرائيلية لتغيير الوضع القائم في المكان المقدس. وصعّد الأوضاع زيارات أعضاء كنيست ووزراء لـ"جبل الهيكل" وتصريحاتهم حول الموضوع. ومثلما حدث في الماضي، فإنه هذه المرة أيضا قوبلت هذه الخطوات والتصريحات بمعارضة فلسطينية شديدة. وعدا الصعوبة المبدئية المتعلقة بتوتر على خلفية دينية، فإن تواجد المصلين اليهود أدى إلى فرض قيود على أوقات صلاة المسلمين وعلى حيز مكوثهم في المكان. وهذه القيود، بادعائهم، تفسر قوة رد فعلهم الشديد".

 


ولفت الباحثان إلى أنه "أكثر من مرة شن الفلسطينيون - وكثيرون منهم هم فتية ينتمون إلى الحركة الإسلامية وحماس- هجمات على الشرطة التي تواجدت في "جبل الهيكل" وحتى أنهم أحرقوا مركز الشرطة. لكن خلافا للماضي، أصرت الشرطة على منح المصلين اليهود إمكانية الدخول إلى "جبل الهيكل" خلال الأعياد (اليهودية في شهري أيلول الماضي وتشرين أول الحالي) وامتنعت عن الحذر المطلوب من خطر اشتعال الوضع".

 


واتهم الباحثان السلطات الإسرائيلية بأن "هذه السياسة أثارت غضبا وغذّت المواجهات العنيفة والتحريض، وأدت إلى وقوع إصابات في كلا الجانبين وإلى اعتقالات". وأشارا إلى أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، تطرق إلى هذه القضية "ودعا إلى تعزيز التواجد في الحوض المقدس ومنع تواجد يهودي فيه".

 


وأشار الباحثان إلى عدة عواقب التوتر المتصاعد في القدس: تزايد العداء بين الإسرائيليين والفلسطينيين، في ظل توقف العملية السياسية وفقدان التأييد لتنازلات في المستقبل؛ التصعيد في القدس عموما وفي الحرم القدسي خصوصا من شأنه أن يمس بالعلاقات بين إسرائيل والأردن، وكذلك بين إسرائيل ودول صديقة لها وخاصة الولايات المتحدة؛ الأحداث والصراعات في الشرق الأوسط، وبضمن ذلك الحرب ضد "داعش" قد تجعل إسرائيل تشعر بأن الانتباه الإقليمي والعالمي ابتعد عما يحدث في القدس، لكن تطورات دراماتيكية في الحرم القدسي قد تشكل "تغيرا في قواعد اللعبة" واندلاع مظاهرات وأعمال عنف بدرجات متفاوتة في أنحاء العالم العربي والإسلامي.

 


وكتب الباحثان أن حكومة إسرائيل وبلدية القدس تؤمنان بأنه بالإمكان إعادة الهدوء والوضع القائم إلى القدس والحرم "من دون معالجة المشاكل الأساسية لشرقي القدس والأحياء العربية في المدينة. لكن هذه المشاكل ثقيلة ومعقدة، ومعالجتها ينبغي أن تستند إلى نظرة بعيدة الأمد، وأن تشمل تطرقا إلى الفجوة الآخذة بالاتساع بين أرجاء المدينة. إذ أن الوضع الاقتصادي لسكان شرقي القدس العرب متدن، وحوالي 85% من الأولاد هناك موجودون تحت خط الفقر، والبنية التحتية والخدمات الحكومية والبلدية في القسم الشرقي من المدينة تعاني من إهمال عميق ومتواصل، وهناك ضائقة سكن واكتظاظ وامتناع عن إصدار تصاريح بناء. كذلك يسود شعور بالحصار لدى السكان العرب بسبب الجدار الأمني، إضافة إلى التخوف من فقدان بطاقة هوية المقيم في القدس في حال غياب متواصل عن المدينة. كل هذه عوامل للإحباط، التطرف وتزايد قوة الجهات الإسلامية، وبذلك تشكل تربة خصبة لتفجر العنف".

 


وأوصى الباحثان بأن تنفذ الحكومة الإسرائيلية عددا من الخطوات التي اعتبرا أنها ستخفض منسوب التوتر في القدس: أولا: تصريح علني ولا لبس فيه من جانب رئيس الحكومة بأن الدولة ستحرص على الإبقاء على الوضع في الحرم القدسي الذي كان قائما منذ العام 1967؛ ثانيا: منع استفزازات من جانب جهات إسرائيلية متطرفة في الحرم. وفي موازاة ذلك ينبغي تسهيل دخول المصلين المسلمين إلى الحرم القدسي، من خلال التزام الوقف الإسلامي بعدم استغلال هذه التسهيلات لتنظيم مظاهرات واستخدام العنف؛ ثالثا: دعوة الأردن إلى إرسال مندوبين من أجل أن يطلعوا عن كثب على ما يحدث في الحرم؛ رابعا: معالجة صارمة وحازمة ضد الجهات المحرضة وأعمال العنف في كلا الجانبين؛ خامسا: أن تلجم الحكومة في الأمد القريب إسكان المستوطنين في البيوت التي يزعمون أنهم اشتروها في الأحياء العربية بواسطة الجمعيات الاستيطانية.

 


وفي موازاة ذلك، دعا الباحثان حكومة إسرائيل إلى التعاون مع بلدية القدس على حل المشاكل التي يعاني منها الفلسطينيون في القدس الشرقية.

 


وخلصا إلى أن "توجه المدينة الموحدة، الذي يستوجب تقليص الفجوات بين شطري المدينة، والتوجه الداعي إلى تقسيم المدينة في إطار الانفصال عن الفلسطينيين من خلال تسوية دائمة، يريان أنه كلما كانت الظروف في الجانب الفلسطيني أفضل، فإنه ستتعزز قوة الجهات الساعية إلى الاستقرار، وتمنع تغلغل جهات متطرفة ومثيرة للغليان والتوتر، ويتزايد التعاون".

 

 

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات