إنتاجية العمل في إسرائيل هي من الأدنى في العالم المتطور
أصدر "مركز طاوب لدراسة السياسة الاجتماعية في إسرائيل" ثلاثة "بيانات صحافية" يوجز فيها النتائج التي توصل إليها باحثوه في ثلاثة أبحاث جديدة أجروها مؤخرا حول: 1. أوضاع التعليم العالي في إسرائيل؛ 2. الفقر بين المسنين في إسرائيل؛ 3. أسباب تدني إنتاجية العمل في إسرائيل. وهي أبحاث تم نشرها في إطار "تقرير أحوال الدولة- إسرائيل- في العام 2013" الذي أصدره المركز مؤخراً.
هنا البيان عن تدني إنتاجية العمل وأسبابها:
بيّن البحث الذي أجراه "مركز طاوب" حول أسباب تدني إنتاجية العمل في إسرائيل أن الإسرائيليين يعملون عددا من الساعات يزيد بكثير عما هي الحال في الدول المتطورة، ومع ذلك فإن حجم الاستثمارات في الرساميل متدنٍّ جدا، فضلا عن أن البيروقراطية المعقدة تعود بالضرر الكبير على معدلات الإنتاجية.
ويوضح البحث، بداية، أن الأجر منوط، بصورة كبيرة، بالكمية التي يتم إنتاجها خلال ساعة عمل واحدة، أي بـ "إنتاجية العمل". ويبين البحث أن إنتاجية العمل في إسرائيل هي من بين الأدنى في العالم المتطور. وزيادة على هذا، فقد نشأت فجوة كبيرة بين إنتاجية العمل في الدول الرائدة في الغرب وبينها في إسرائيل، علما بأن هذه الفجوة تزداد اتساعا منذ سبعينيات القرن الماضي.
وقد فحص البحث، الذي أعده البروفسور دان بن دافيد، عددا من العوامل المركزية التي تؤثر على مستوى الإنتاجية الإشكالية في إسرائيل. ومن هذه، مثلا، ساعات العمل الكثيرة التي يعملها الإسرائيليون بالمقارنة مع ما هو قائم في الدول المتطورة. ويقول بن دافيد: "بينما عدد الإسرائيليين العاملين هو أقل من عددهم في كل واحدة من الدول الصناعية السبع (G7)، إلا أن هؤلاء العاملين يعملون عددا أكبر من الساعات في السنة. وهذه هي الحال، فعليا، منذ سبعينيات القرن الماضي، بينما تزداد الفجوة اتساعا باستمرار: فعدد ساعات العمل في دول G7 يتناقص باستمرار خلال العقود الأربعة الأخيرة، بينما يعادل عدد ساعات العمل المتوسط في إسرائيل اليوم ما كان عليه قبل ثلاثة عقود، إذ عاد إلى الارتفاع بصورة حادة بعد أن كان شهد هبوطا منذ تسعينيات القرن الماضي". ولكن، وعلى الرغم من بذل الإسرائيليين عددا أكبر من ساعات العمل عن نظرائهم في الدول المتطورة الرائدة، إلا أن إنتاجيتهم في ساعة العمل الواحدة هي أقل بكثير منها لدى نظرائهم المذكورين، بل تشهد تراجعا متواصلا بالمقارنة مع ما هي عليه في دول G7.
وينوه البحث إلى أن ثمة عوامل خاصة مميزة لبعض القطاعات التشغيلية المختلفة تؤثر في هذا، غير أن هناك بضعة عوامل أخرى تخص الاقتصاد برمته لها علاقة بتدني إنتاجية العمل. فلرأس المال، مثلا، دور مركزي في تحسين مستوى الإنتاجية ورفعه، عادة، بينما ثمة مشكلة جدية جدا في إسرائيل في هذا المجال. وفضلا عن المستوى المتدني في بنية الرأسمال البشري، وعن الإهمال المتواصل لسنوات طويلة جدا في مجال بنى المواصلات التحتية، فإن احتياطي رأس المال لساعة العمل الواحدة في إسرائيل يقبع في أسفل التدريج الذي تعتمده منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD). ومن المعروف أن العمل ورأس المال يعتبران من بين عوامل الإنتاج البديلة. زيادة رأس المال تؤدي إلى تحسين مستوى الإنتاجية ورفعه، ولذا ـ يقول بن دافيد ـ ليس صدفة أن تكون ثمة علاقة واضحة ومتينة جدا بين احتياطي رأس المال وبين إنتاجية العمل. وليس من المفاجئ أن يكون مستوى النمو في الإنتاجية القومية متدنيا في دولة ذات مستويات متدنية من رأس المال البشري والمادي. وزيادة على جميع هذه العوامل المعيقة للإنتاجية في إسرائيل، ينبغي الأخذ في الحسبان، أيضا، البيروقراطية الحكومية المعقدة جدا التي تؤدي إلى إهدار موارد إضافية أخرى، على حساب إنتاج البضائع والخدمات. ومن المعطيات الأكثر تعبيرا عن عمق البيروقراطية المعقدة هذه، مثلا، أن عدد الأيام اللازمة لإنشاء مشروع تجاري في إسرائيل (34 يوما) هو الثاني بين دول OECD ـ ما يعادل أكثر من 5ر2 ضعف من المتوسط العام في دول هذه المنظمة، والذي يبلغ 13 يوما. ومن هنا، فإن للبيروقراطية تكاليف باهظة تقع على الشركات الإسرائيلية والأجنبية المعنية بإنشاء وتطوير مشاريع تجارية في إسرائيل، مما يمسّ بالمنافسة الضرورية جدا في السعي إلى إنتاج منتجات وخدمات أفضل بكلفة أقل.
ويخلص بن دافيد من هذا إلى القول إن السوق المحلية الصغيرة في إسرائيل تتركز في أيدي مجموعة صغيرة من الأشخاص، ولذا فهي تعاني من نقص المنافسة الكافية، التي تشكل عاملا حاسما في تحفيز الاستثمارات، سواء في رأس المال البشري أو المادي الضروريين لتحسين الإنتاجية ورفع مستواها، كما تعاني من فائض الإدارة المركزية (البيروقراطية). وهذه مجتمعة تؤدي إلى ارتفاع الأسعار المحلية، ما يؤدي بالتالي إلى ضرب جاذبية البيئة الاقتصادية الإسرائيلية للاستثمارات، المحلية والأجنبية.
ويضيف: "إن المشاكل المتصلة بتدني معدلات العمالة، وبكثرة ساعات العمل وبتدني إنتاجية العمل تجتمع، معا، فتشكل عبئا قوميا متزايدا على أكتاف الذين يتحملونه. إنها مسألة جدية جدا آخذة في التفاقم، ولذا فهي تستوجب معالجة متعددة المنظومات وطويلة المدى من جانب واضعي السياسة في إسرائيل".