المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • على هامش المشهد
  • 1066

 

 

باحثان من "معهد أبحاث الأمن القومي": مصلحة إسرائيل في بقاء علاقاتها مع السعودية سرية

 

 

 

*ويشددان: على إسرائيل الابتعاد عن مبادرة لبلورة جبهة مشتركة مع السعودية أو مصر ضد إدارة أوباما* "تقدم حقيقي في العملية السياسية مع الفلسطينيين سيمكن إسرائيل من مطالبة السعودية بدعم أكبر لبناء الدولة الفلسطينية حتى بدون التوصل إلى اتفاق دائم"*

 

 

 

نُشرت مؤخرا تقارير صحافية وتحليلات عديدة في وسائل الإعلام الإسرائيلية، تحدثت عن حدوث تقارب حقيقي بين إسرائيل والسعودية، اعتقادا بأنه يصلح في هذه الحالة المثل القائل إن "عدو عدوي صديقي". كذلك "طوّر" رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، خطابه ضد إيران، وراح يحذر من خطورتها على دول الخليج.

 

وفي هذا السياق، نشر الباحثان في "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، أودي ديكل ويوئيل غوجانسكي، مقالا في الموقع الالكتروني للمعهد الأسبوع الماضي، أشارا فيه إلى أنه "يوجد لدى إسرائيل والسعودية مصالح مشتركة لمنع إيران من الحصول على قدرة نووية عسكرية ولجم محاولات إيرانية لتحقيق هيمنة إقليمية. إضافة إلى ذلك، فإن كلا الجانبين قلقان من السياسة الأميركية، التي تمتنع عن استخدام القوة ضد إيران وسورية وتبث مؤشرات بأنها تبتعد تدريجيا عن مشاكل الشرق الأوسط".

 

إلا أن الباحثين لفتا إلى أنه "رغم التقاء المصالح بين الجانبين، لكن ’التطبيع’ الكامل ليس مطروحا الآن. وذلك طالما لا تطرأ انطلاقة هامة في القناة السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين". ورغم ذلك رأى الباحثان أنه "بين العلاقات الدبلوماسية الكاملة وبين القطيعة المطلقة يوجد حيز للعمل ليس صغيرا وبإمكان الجانبين استغلاله".

 

 

"السعودية تخلت عن رفض

حق إسرائيل في الوجود"

 

 

 

واستعرض ديكل وغوجانسكي تاريخ المبادرات السياسية السعودية المتعلقة بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وكتبا أنه "بعد نشر ’مبادرة فهد’ في العام 1982، تخلت السعودية، علنا على الأقل، عن سياستها التي رفضت حتى ذلك الحين حق إسرائيل في الوجود. وفي أعقاب مؤتمر مدريد، في العام 1991، طرأ تقارب معين بين الجانبين وتم تشكيل خمس مجموعات عمل بمشاركتهما، تناولت قضايا إقليمية، وهي المياه وجودة البيئة والاقتصاد واللاجئين ومراقبة السلاح. ومضت ’مبادرة عبد الله، في العام 2002، وكانت أساسا لـ’مبادرة السلام العربية’ـ خطوة أخرى إلى الأمام وتعهدت لإسرائيل بـ’علاقات طبيعية’ مع العالم العربي والإسلامي، وذلك إذا استجابت إسرائيل لعدد من الشروط".

 

وأضاف الباحثان أن "إسرائيل، من جهتها، لم تنجح في استغلال المبادرة كأساس للحوار مع العالم العربي، ورفضت المبادرة في البداية وبعد ذلك عبر عدد من القادة الإسرائيليين، وفي مقدمتهم الرئيس شمعون بيريس ورئيس الحكومة [السابق] ايهود أولمرت، عن دعمهم للجوانب الإيجابية للمبادرة من دون تجاهل المواضيع الإشكالية، وخاصة إقامة علاقات طبيعية مشروطة بإنهاء عملية السلام والانسحاب إلى خطوط الرابع من حزيران 1967 وحل قضية اللاجئين على أساس قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194".

 

واعتبر الباحثان أنه "باستثناء ’مبادرة عبد الله’، بقيت السعودية سلبية وفي هامش المحاولات من أجل دفع عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وكذلك بين إسرائيل وسورية. ومن الجائز أن هذا يدل على أن المبادرة منذ البداية كانت غايتها تغيير الصورة السلبية التي حظيت بها المملكة بعد هجمات 11 أيلول 2001. وفي المقابل فإن عُمان وقطر، اللتين تتواجدان غالبا خارج إجماع ’مجلس التعاون الخليجي’ أقامتا علاقات رسمية، وإن كانت جزئية، مع إسرائيل. وفتحت إسرائيل مكاتب تمثيل لدى الدولتين، لكن الانتفاضة الثانية وعملية ’الرصاص المصبوب’ العسكرية أديتا إلى إغلاقهما".

 

وأشار الباحثان إلى أن السعودية أعلنت في عدة مناسبات خلال السنوات الأخيرة، عن أنه "لا توجد لديها نية للقيام بخطوات إضافية، يمكن أن تفسر كبادرة نية حسنة تجاه إسرائيل. كما أن المملكة مارست ضغوطا على المملكات [دول الخليج] الصغيرة كي لا تفعل ذلك أيضا. وفعلا، رفضت دول الخليج في السنوات الأخيرة الاستجابة إلى طلب الإدارة الأميركية القيام ’بخطوات بناء الثقة’ تجاه إسرائيل، في إطار بناء أجواء إقليمية داعمة للعملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين".

 

وأضاف الباحثان أنه إلى جانب ذلك، كشفت وثائق "ويكيليكس" أنه جرى بين الجانبين "حوار سري ومتواصل" حول الموضوع الإيراني. وأشارا إلى تقارير تحدثت عن "شركات إسرائيلية تساعد في أمن دول الخليج بتقديم المشورة الأمنية، تدريب قوات عسكرية محلية، وبيع أسلحة ومنظومات تكنولوجية متطورة. وفي موازاة ذلك، تعقد لقاءات بمستوى رفيع من كلا الجانبين بصورة دائمة. كذلك تفيد التقارير بأن إسرائيل ليّنت سياسة تصدير السلاح إلى دول الخليج، كما لينت محاولاتها لتقييد صفقات أسلحة متطورة بين الولايات المتحدة ودول الخليج، ومن بين أسباب ذلك إرسال تلميحات إلى وجود إمكانية للشراكة أكثر من وجود تهديد محتمل. إضافة إلى ذلك، تتمتع إسرائيل بقدرة معينة على الدخول إلى أسواق الخليج طالما أن البضائع لا تحمل ملصقا إسرائيليا".

 

وتابع الباحثان أن "السعودية ودول الخليج تعترف بقوة إسرائيل العسكرية وبعلاقاتها الوطيدة مع الولايات المتحدة، وتأثيرها في الكونغرس، وترى أنه توجد قيمة في الحفاظ على مستوى كهذا أو ذاك في التنسيق معها. لكن ’علاقات طبيعية’ ليست ممكنة على حد ادعائها، طالما لا تطرأ انطلاقة هامة على العملية السياسية مع الفلسطينيين. وحتى في حال توصلت إسرائيل والفلسطينيين إلى تسوية سياسية، ولو جزئية، فإنه ليس واضحا ما إذا كانت ستقود بالضرورة إلى ’ربيع سياسي’ بين إسرائيل وبين السعودية وباقي دول الخليج. وعلى مدار السنين الماضية اشترطت السعودية مطالب الغرب بإجراء إصلاحات وإقامة علاقات مع إسرائيل والمساهمة بصورة إيجابية في الاستقرار الإقليمي، بالحاجة إلى أن يتحقق أولا حل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. ومن الجائز جدا أن استخدام الصراع هو ذريعة أكثر من كونه سببا جوهريا. ومن الجهة الأخرى، فإن طبيعة علاقات السلام [لإسرائيل] مع مصر والأردن والتقلبات في العالم العربي مست بقدر معين قدرة أية حكومة في إسرائيل أن تعرض ’التطبيع’ أمام الجمهور الإسرائيلي على أنه مقابل لائق لتنازلات إسرائيلية ’مؤلمة’ من خلال العملية السياسية".

 

 

"ثمن العلاقات العلنية

مع إسرائيل باهظ"

 

اعتبر الباحثان أنه "من وجهة النظر السعودية ودول الخليج، فإن وجود علاقات علنية مع إسرائيل قد يجبي ثمنا منها في الفترة الراهنة أكبر من فائدتها، على ضوء موقف الشارع العربي الرافض لعلاقات مع إسرائيل وللاعتراف بها".

 

وأضافا أن "المملكات العربية في الخليج تتمتع حاليا من وضع تجري فيه علاقات سرية وغير رسمية، تسمح لها بالاستفادة من حسنات العلاقات مع إسرائيل من دون حاجة إلى دفع ثمن لقاء ذلك في الرأي العام الذي بات ’صارخا’ أكثر منذ اندلاع ’الربيع العربي’. كذلك فإن المصالح المشتركة ليست قيما مشتركة. وبقدر معين مريح أكثر لإسرائيل إقامة علاقات سرية من دون الدخول في مواجهة مع الجوانب الأخلاقية الكامنة بعلاقات مع مملكات شمولية، وحتى طرح الموقف السعودي على أنه حاجز آخر أمام بناء الثقة الضروري لدفع عملية السلام وقطف ثمار السلام".

 

إلى جانب ذلك، أشار محللون وحتى سياسيون في إسرائيل إلى وجود "خيبة أمل مشتركة" لدى إسرائيل والسعودية من سياسة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، تجاه إيران وسورية، وأن هذا الأمر يشكل لقاء مصالح من أجل "بلورة شراكة ما بين الدولتين".

 

وكتب الباحثان "إننا ننصح بأن تبتعد إسرائيل بقدر الإمكان عن مبادرة لبلورة جبهة مشتركة مع السعودية أو مصر أو غيرهما ضد إدارة أوباما. إذ أن صورة جبهة موحدة ضد الولايات المتحدة قد يضر بالعلاقات مع الولايات المتحدة، الموجودة أصلا في فترة حساسة. وفي هذا السياق، ووفقا لفهمنا، فإنه كلما تصاعد التهديد من جانب إيران فإن هذا الأمر لن يؤدي بالضرورة بكل من السعودية وإسرائيل إلى أن تتعاونا. وإلى جانب لقاء المصالح بين الجانبين، فإنهما لا يريان بالضرورة البيئة الإستراتيجية بصورة متطابقة. وهكذا على سبيل المثال، فإن اتفاقا مع إيران [يمنعها من تطوير سلاح نووي] والتخوف منها قد يؤدي، بسبب عدم وجود خيار آخر، بالسعودية إلى التقرب بصورة مدروسة من إيران، وفي وقت لاحق أن يتم طرح موضوع النووي الإسرائيلي، بقوة أكبر، على الأجندة وأن يقال: ’إذا تم التعامل مع إيران هكذا فلماذا لا يتم التعامل مع إسرائيل أيضا بالشكل نفسه؟’. كذلك فإن السعودية تتمنى شن هجوم إسرائيلي ضد المنشآت النووية في إيران، لكنها تتحفظ من تصويرها كمن تتعاون عسكريا مع إسرائيل، تحسبا من أن تطالب بدفع ثمن الهجوم الإسرائيلي".

 

وأشار الباحثان إلى أنه "في العلاقات بين السعودية وإسرائيل حتى الآن يوجد حاجز نفسي ديني، لا يمكن من بناء الثقة وإقامة شبكة علاقات مستقرة، والمكسب المحتمل لا يزال محدودا".

 

واعتبر الباحثان أنه "على الرغم من أن السعودية تنظر إلى الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني على أنه عامل يقوض الاستقرار، فإنها تعتبر إيران المشكلة الأمنية والأيديولوجية المركزية بالنسبة لها. بل أكثر من ذلك، فقد اتسعت قاعدة التفاهمات بين إسرائيل والسعودية، على ضوء الاتفاق النووي الأولي الذي تم التوقيع عليه بين الدول العظمى وإيران والذي لم يقابل بصورة إيجابية في إسرائيل والسعودية، وكذلك اتفاق تفكيك السلاح الكيميائي في سورية الذي منح الشرعية ومهلة زمنية ثمينة لحكم الرئيس بشار الأسد".

 

وأضافا أن "هذه التفاهمات تنضم إلى حيز المصالح المشتركة، مثل الحاجة إلى كبح التأثير الإيراني في المنطقة، وانعدام شرعية نظام الأسد في سورية، ودعم حكم المجلس العسكري في مصر، وتوجه أساس يستند إلى الولايات المتحدة. وحيز المصالح المشتركة هذا، سوية مع تخوف مشترك من تبعات اتفاق الدول العظمى مع إيران ومن تقارب إيراني – أميركي، ليس بمقدوره أن يؤدي إلى تعاون مكشوف وعلاقات طبيعية بين السعودية وإسرائيل، وإنما لتعزيز التنسيق السري والتفاهمات بينهما".

 

وخلص ديكل وغوجانسكي إلى أنه "رغم ذلك، فإنه لا ينبغي التقليل من أهمية العلاقات، خاصة لدى الحديث عن علاقات بين دولتين لا تعترف الواحدة بالأخرى بصورة رسمية. والحوار بين الجانبين مفيد من أجل الحفاظ على الاستقرار الإقليمي وبالتأكيد لا يضر تقدم التسوية السياسية. لكن ثمة شك كبير ما إذا كانت السعودية، التي تتطلع إلى قيادة معسكر دول الخليج، ستمنح إسرائيل عناصر تطبيع قبل حدوث تقدم ملموس في العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين. إضافة إلى ذلك، فإن أية محاولة لإخراج هذه العلاقات من البعد السري وتحويلها مكشوفة من شأنه أن يضر بها. وتقدم حقيقي في العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين سيوسع قاعدة المصالح المشتركة وحتى أنه سيمكن إسرائيل من أن تطالب السعودية بدعم أكبر من أجل دفع مبادرات سياسية والمساعدة في بناء الدولة الفلسطينية، حتى بدون التوصل إلى اتفاق دائم أبدا".

 

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات