إسرائيل تمارس سياسة عنصرية تجاه أجانب غير يهود متزوجين من إسرائيليين
*وزارة الداخلية الإسرائيلية تضع عراقيل كثيرة أمام منح الجنسية أو الإقامة للأجانب* استحالة الموافقة على لم شمل عائلات في إسرائيل يكون فيها أحد الزوجين من الضفة أو القطاع*
يواجه آلاف اليهود في إسرائيل سياسة عنصرية ضد أزواجهم في حال كانوا أجانب غير يهود، إذ تضع السلطات، ممثلة بوزارة الداخلية، عراقيل كبيرة أمامهم في الطريق نحو حصول أزواجهم على المواطنة أو الإقامة في إسرائيل، أو حتى في الحصول على تأشيرة عمل فيها. وتأمل السلطات بذلك في أن ييأس الزوجان إلى درجة تؤدي إلى فضّ علاقتهما، لكي تكون إسرائيل "ذات طابع يهودي". وتصبح هذه العراقيل أكثر شدة وصرامة في حال أراد المواطن العربي فيها الزواج من مواطنة من إحدى الدول العربية، لكن في حال الزواج من فلسطيني أو فلسطينية فإن لم الشمل داخل إسرائيل يصبح مستحيلا.
وذكر تقرير، نشرته صحيفة "هآرتس" في نهاية الأسبوع الماضي، أن الكثيرين من الإسرائيليين المتزوجين من أجانب غير يهود، منذ سنوات، وأنجبوا أطفالا، يتعرضون لتنكيل السلطات، التي تبالغ في الاشتباه في نوايا هؤلاء الأزواج وتتعامل معهم من خلال أنظمة تتميز باختلافها بين مكتب وآخر من مكاتب وزارة الداخلية.
وعموما، وفقا للصحيفة، فإن من يريد الحصول على الجنسية، وهو الأمر الأصعب، أو على الإقامة أو تأشيرة عمل، عليه أن يكون مستعدا "لإثبات صحة زواجه مرة تلو الأخرى، وأن تكون بحوزته المستندات والوثائق المطلوبة منه، وحتى لو كان بعض هذه الوثائق لا يمكن استصداره أبدا في موطن الزوج أو الزوجة، وعليه أن يكون مستعدا لإضاعة أيام عمل كثيرة لغرض الانتظار ساعات طويلة في أروقة مكاتب الداخلية، وبعد كل ذلك يتعين عليه أن يصلي بألا تقع أوراقه لدى موظف يبالغ في الحرص على تنفيذ الأنظمة [العنصرية]. ومن المفضل أن يكون مقدم الطلب مثقفا وميسور الحال، وأن يستعين بمحام، وأن يكون قد وقع في غرام مواطن أميركي أو من أوروبا الغربية، وذلك فقط من أجل الحصول على معاملة أفضل ليس أكثر".
ولفتت الصحيفة إلى أنه "باستثناء قانون العودة [الذي يسمح بهجرة اليهود من جميع أنحاء العالم إلى إسرائيل والحصول على امتيازات واسعة]، فإن مجال الهجرة في إسرائيل ليس منظما من خلال قوانين، وإنما بواسطة أنظمة، تتغير من حين لآخر. ورغم أن زوجين من دولة أخرى، أحدهما غير يهودي والآخر يهودي، ويقرران الهجرة إلى إسرائيل [بموجب "قانون العودة"] ومعهما أولادهما، فإن جميعهم سيحصل على الجنسية الإسرائيلية بصورة أوتوماتيكية، إلا أنه عندما يقرر مواطن إسرائيلي، ومولود في إسرائيل، الزواج من أجنبي أو أجنبية، فإن عليهما أن يمرا بعملية تسمى ’لم الشمل’".
وتساءل مواطن إسرائيلي أحضر زوجته الألمانية وابنته إلى إسرائيل، مؤخرا، وقدم طلبا لوزارة الداخلية من أجل أن تحصلا على الجنسية، حول ما إذا كان "يعقل أن تطلب وزارة الخارجية وثيقة لا وجود لها". وقال إنه اهتم بأن تكون بحوزته كافة الوثائق المطلوبة، لكن وزارة الداخلية طلبت منه "تصريح عزوبية" لزوجته قبل أن يقترن بها. لكن ألمانيا لا تصدر تصريحا كهذا، وإنما تصدر "وثيقة زواج" فقط. وأضاف الزوج أنه "بعد شهر تنتهي مدة تأشيرتي زوجتي وابنتي ولا أعرف ماذا أفعل" لأنه في حال عدم مغادرتهما طواعية فإن السلطات ستطردهما.
وقال مدير مجال الهجرة والمكانة الشخصية في جمعية حقوق المواطن في إسرائيل، المحامي عوديد فيلر، إنه "طوال سنين اعتبر منح إقامة دائمة لغير اليهود على أنه استثنائي ولاعتبارات إنسانية، وتعين علينا أن نخوض نضالا من أجل تغيير التوجه. وفي السنوات الأخيرة، وبعد تقديم التماسات كثيرة، أخذت وزارة الداخلية تصرح في ردها على الالتماسات بأن ’لا شك في أن الحق بحياة مشتركة هام’، ولكن ليس أكثر من ذلك. وفي بداية سنوات الـ 2000 أجروا تعديلا شاملا على قانون الدخول إلى إسرائيل، وأقروا فصولا بأكملها تتعلق بالاعتقال والطرد وأقاموا شرطة الهجرة. لكن لم يتغير شيء فيما يتعلق بطلب الحصول على مكانة شخصية. وكل ما ينص عليه القانون هو أن وزارة الداخلية مخولة، بواسطة ترجيح رأيها، بمنح تأشيرات دخول وتصاريح إقامة في إسرائيل، وتقييد ذلك بشروط".
"أقل ما يمكن
من غير اليهود"
ورأى يهودا كوش، وهو مواطن إسرائيلي يسعى منذ سبع سنوات للحصول على تصريح إقامة لزوجته الفلبينية، علما أن لديهما ابنا أصبح يتعلم في المدرسة، أن "وزارة الداخلية لا تحب غير اليهود. إنها عنصرية. ليس لديها رأفة ولا احترام للبشر. وليس الموظفين هم المذنبون، وإنما هذه روح القائد، وبالأساس وزير الداخلية السابق، إيلي يشاي".
وأشارت الصحيفة في هذا السياق إلى أن يشاي لم يخفِ أبدا آراءه، التي بموجبها "الحفاظ على الصبغة اليهودية للدولة فوق كل شيء". وقال المحامي فيلر إن "إسرائيل ليست الدولة الوحيدة التي تمنح قوانينها أفضلية للعودة ["عودة" اليهود من أنحاء العالم] إلى الدولة ومنح مكانة عليا لتجمع عرقي معين. لكن سياسة إسرائيل غير المألوفة هي أن هذا كل ما تقدمه. وهذا يقود إلى سؤال أوسع بكثير وهو هل قانون العودة هو قانون عنصري. وواضح أن وزارة الداخلية تضع الصعوبات، فهي لا تريدهم هنا. وهي ترى بنفسها أنها الحارس الذي يحرص على أن يكون هنا أقل ما يمكن من غير اليهود".
وقال المحامي يَدين عيلام، المتخصص في قضايا الهجرة: "سألت مرة أحدا ما يمثل وزارة الداخلية حول كيف يفسر حقيقة أن الوزارة تصر على ألا تتنازل حتى عندما يوضح القاضي لممثل النيابة العامة بأن القرار لن يكون لصالح الوزارة. وأجاب أن ما يهم الوزارة هو العامل الزمني. فإذا كان يتوقع أن تستمر الإجراءات سبع سنوات واستمرت عشر سنوات فإنه نكون بذلك قد ربحنا ثلاث سنوات [لا يحصل خلالها أجنبي على مكانة في إسرائيل]. ولعل الزوجين ييأسان وربما ينفصلان. وأنا أعرف أزواجا يئسوا بعد أن سئموا المماطلات".
وتطرق مسؤول سابق في مديرية السكان وما زال مقربا من وزارة الداخلية حتى اليوم، من دون أن يذكر اسمه، إلى ضلوع يشاي في سياسة الوزارة. وقال إنه "على ما يبدو أنه لم يكن بإمكان يشاي وضع السياسة التي أرادها، أي عدم قبول غير اليهود بتاتا، لأن وزارة العدل ما كانت ستسمح له بذلك، ولذلك فإنه وضع سياسة بواسطة عدم وضع سياسة. ومن السهل جدا القول لمكتب مديرية السكان ما الذي تريده من دون تحديد سياسة".
تدقيق أمني
مع العرب
وواضح أنه في ظل هذه السياسة العنصرية في حالة المواطنين اليهود الذين يتزوجون من مواطنين أجانب، فإن التعامل مع المواطنين العرب الذي يطلبون الحصول على جنسية أو إقامة لأزواجهم من دول عربية، مثل الأردن أو مصر أو المغرب، أكثر من عنصري. وفي حال كان فلسطينيا فإن الموافقة على الطلب مستحيل.
وقالت "هآرتس" إنه إضافة إلى المصاعب العادية التي تضعها وزارة الداخلية أمام الأزواج، مثل الإصرار على "شهادة استقامة" أو "تصريح عزوبية"، وهي وثائق غير موجودة في مواطن الأزواج الأجانب، والمصاعب المالية واستئجار خدمات محامين، فإنه في حال كان الزوج "الأجنبي" عربيا يتعين عليه عبور تدقيق أمني شامل.
وأكدت المحامية عادي لوستيغمان، التي تمثل منظمات حقوقية ومتخصصة في قضايا لم الشمل، أنه "في حالة العرب، حتى لو لم يكونوا من المناطق [المحتلة] فإن الأمور تستغرق وقتا أطول... وثمة مبرر للتدقيق الأمني، لكن المشكلة أن هذا التدقيق يشكل ذريعة لمماطلة متطرفة ومبالغ فيها، الأمر الذي يُتعس المرشحين" لطلب الإقامة.
ويتعين على المرشحين، كخطوة أولى للتدقيق الأمني، تعبئة نموذج طويل يطالبون فيه ليس فقط بإعطاء تفاصيل حول أماكن عملهم، تواجدهم في إسرائيل في فترات ماضية، تواجدهم في دول أخرى، زياراتهم لدول أخرى، وإنما يتعين على المرشحين أن يزودوا تفاصيل كاملة عن جميع أفراد عائلاتهم، وبضمن ذلك الأشقاء والأصهار، وبين هذه التفاصيل أسماؤهم الكاملة، اسم الأب والجد، عناوين، أرقام هويات وجوازات سفر وأرقام هواتف. وتحول الوزارة هذه النماذج إلى جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك). وتقول الصحيفة إن الشاباك يميل إلى المماطلة لعدة شهور حتى يستكمل التدقيق في النماذج، وفي بعض الأحيان يطول ذلك لأكثر من عام.
وقال المحامي هشام شبايطة، من العيادة القانونية لحقوق الإنسان في جامعة تل أبيب، إن المواطنين من دول عربية، ليست مصر أو الأردن، لا يوجد أدنى احتمال بالحصول على مكانة في إسرائيل. وأضاف أنه "بخصوص الأردنيين، وبما أن معظمهم من أصل فلسطيني، فإنه إذا كان هناك قريب للعائلة من بعيد اعتقلته إسرائيل فإنه يتم رفض الطلب. والحديث هناك عن حمائل كبيرة جدا".
ولفتت المحامية لوستيغمان إلى أنه في الوقت الذي يماطل فيه الشاباك فإن المرشح يتواجد في إسرائيل من دون تأمين صحي أو تصريح عمل، أو ينتظر في هذه الأثناء في دولته. وأضافت أنه "أحيانا يعيش الأزواج في حالة انفصال لفترة طويلة. وفي حال كان الزوج أو الزوجة من المناطق الفلسطينية فإن لم الشمل يكاد يكون مستحيلا".
وكانت إسرائيل قد أصدرت أمرا احترازيا، في العام 2003، يمنع منح جنسية أو إقامة في إسرائيل للفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة، رغم أنهم متزوجون من مواطنين عربي في إسرائيل. كذلك فإن وزارة الداخلية الإسرائيلية ترفض قبول أي طلب يقدمه رجال فلسطينيون دون سن 35 عاما أو نساء فلسطينيات دون سن 25 عاما، رغم استحالة الموافقة على طلبهم.