المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • على هامش المشهد
  • 1190

 

 

*هذا الإعلام تابع حملة الاحتجاج الاجتماعية من خلال نمط يشبه النمط المتكرر الذي يتبعه في تغطية الحروب والعمليات العسكرية وأدى دورا كبيرًا في إطفاء شعلة هذه الحملة*

 

كتبت هبة زعبي:

 

أظهر بحث جديد لـ "مركز كيشف"- مركز حماية الديمقراطية في إسرائيل- قام خلاله برصد تغطية الإعلام الإسرائيلي لاحتجاجات صيف 2011 وصيف 2012 وجود تباين واضح في الأسلوب الذي اتبعته الصحف الإسرائيلية، وخصوصا في تغطيتها للمظاهرة الكبيرة في تاريخ 23 أيار 2012، وأظهر أن في جميعها خرجت رسالة قامت بعرض الاحتجاجات بشكل سطحي وأحيانا أخرى ظهرت حتى في صورة مهينة وسلبية، ولعبت وسائل الإعلام دورا أساسيا في إطفاء شعلتها.

 

وفحص البحث التغطية في أربع صحف مكتوبة وهي "يسرائيل هيوم"، "معاريف"، "يديعوت أحرونوت" و"هآرتس".

وقد قامت صحيفة "يسرائيل هيوم" بتحديد انتماء الاحتجاجات على أنها يسارية، وإبراز ادعاءات أن الاحتجاجات جاءت لإسقاط رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، والتقليل من أهميتها، وعرض المتظاهرين كأشخاص عنيفين، وهي الطريقة ذاتها التي اتبعتها العام 2011.

وقامت صحيفة "يديعوت أحرونوت" بدور مشابه وربطت بين المحتجين والمعارضة لحكومة نتنياهو، لكنها عرضتها في صورة إيجابية.

أما صحيفة "معاريف" فارتكزت على الجانب الشخصي فيما يتعلق بالقيل والقال واهتمت في شكل أساس بمتابعة انضمام قادة الاحتجاج إلى الأحزاب القائمة.

ونقلت التغطية في صحيفة "هآرتس" رسالة دعم للاحتجاج، لكنها انتقدت الاحتجاج جراء اختفاء التنوع السياسي الكافي.

ونشرت نتائج هذا البحث بعد العملية العسكرية التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة وقام "كيشف" بمتابعة ورصد كيفية تناول الإعلام الإسرائيلي لها من خلال مجموعة من التقارير المختلفة.

وتطرقنا إلى هذا الموضوع بتوسع من خلال هذا اللقاء الذي أجريناه مع يزهار بئير، المدير العام لـ "مركز كيشف".

كما تطرقنا إلى مواضيع هامة أخرى.

(*) س: ما رأيك في تغطية الاعلام الإسرائيلي للعملية الإسرائيلية العسكرية الأخيرة "عمود السحاب"؟

بئير: على مدار سنوات بحثنا الإعلام الإسرائيلي وتغطيته الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، الأزمات، الحروب والفترات التي تحدث فيها عمليات إرهابية، نجد أولا نمطا متكررا خلال تغطية الحروب والأزمات والعمليات العسكرية الكبيرة، ففي بداية الحدث يقوم الإعلام الإسرائيلي بدعم وتأييد العملية بصورة جارفة بدون أي نقد وحتى أنه يدعمه بلهفة، ويمكن القول إن جميعهم "يتحدون حول العلم" ويتخذون موقفا وطنيا، وكأنهم يقولون: قوموا وأكملوا خطواتكم العسكرية، ولا تقوم وسائل الإعلام بعرض بدائل لحلول ليست عسكرية كإجراء مفاوضات، أو طرق أخرى. رأينا هذا الأمر بصورة واضحة خلال حربي لبنان الأولى والثانية، وخلال عملية "الرصاص المصبوب" في غزة، وهذا النمط تكرر في العملية الأخيرة. هذه الظاهرة ليست محصورة فقط في الإعلام الإسرائيلي، وإنما تحدث في كل مكان في العالم عند وقوع أي أزمة سياسية أو أمنية. وهي بذلك تسير مع رغبة الشعب الذي يصبح مشبعا بالمشاعر الوطنية ومؤيدا للتحركات العسكرية.

(*) س: لماذا يحدث هذا؟

بئير: هناك عدة أسباب: أولا، الصحافيون والمحررون هم مواطنو الدولة وتشتعل في نفوسهم المشاعر الوطنية و يصبحون مؤيدين للعمليات العسكرية كباقي أبناء الشعب. الأمر الهام الثاني يتعلق بالشأن الاقتصادي، والتأييد الجارف للجمهور اليهودي للعمليات العسكرية، فمثلا 97% من الجمهور كان مؤيدا لعملية "الرصاص المصبوب"، وفي هذه الحالة فإن وسائل الاعلام تتصرف من وجهة نظر اقتصادية، فأي وسائل إعلام تقوم بانتقاد العملية العسكرية أكثر من اللازم وتتخذ موقفا ضد إرادة الجميع من الممكن أن تتضرر اقتصاديا حيث سيؤدي الأمر في أن تفقد جزءا من متابعيها أو قارئيها أو جزءا من جمهورها، فهذا النقد سيغضب هذا الجمهور والذي سيعزف عن متابعة هذه الوسيلة الإعلامية ويتركها. هذا النمط من التغطية يتكرر في كل الحروب والعمليات العسكرية، وتضاف إليه ظواهر أخرى يمكن ملاحظتها، كالنقد الذاتي الذي تتبعه وسائل الاعلام لكل ما ينشر بحيث يصبح الجميع يفكر بنفس الطريقة، ويصبح الجميع حذرا أكثر من اللازم.

(*) س: سمعنا بعض الانتقاد في وسائل الاعلام عند نهاية العملية العسكرية الأخيرة، ما رأيك به؟

بئير: هذا بالضبط هو تكملة للموديل الذي تحدثنا عنه في البداية، فكل حرب تبدأ دائما بتأييد وتشجيع، وبعد ذلك تبدأ الصورة تتضح، وتنتهي هذه الحرب مع خيبة أمل وانتقاد يكون أحيانا قاسيا جدا. ففي نهاية الحرب وحين يشعر المواطن بعدم الخوف يبدأ بالكلام والتفكير، ولهفته التي كانت بسبب خوفه والتي أججت في نفسه الشعور الوطني والتأييد العسكري منعته من التفكير، لكن حين يخيب أمله يصبح ناقدا أكثر، ما يجعل الصحافة تشعر بحرية أكبر في أن تنتقد. إن الجمهور والإعلام يسيران معًا وفق الجو العام السائد.

(*) س: ما رأيك في النقد المنتهج في وسائل الإعلام للحروب، وفي نوعية مصادر المعلومات التي تعتمدها إبان الحرب، وفي طريقة عرضها للأحداث والتطورات؟

بئير: عندما ننظر إلى وسائل الإعلام علينا التفريق بين جزئيها، الجزء الأول هو الأخبار، والجزء الثاني هو باقي الأمور المنشورة والتي تتضمن مقالات رأي مختلفة، وتقارير في الملاحق، وحتى تحليلات سياسية. الفصل بينها يأتي لأن الناس يستوعبون الأخبار في أنها حقيقية تروي لنا حقيقة ما يحدث ويتقبلونها بدون أي نقد، لكنهم حين يقرأون مقالا افتتاحيا أو أي مقال رأي أو أي تحليل فإنهم يستوعبون أنه يخص كاتبه أو صاحبه ويقومون باتخاذ موقف منه حسب اتجاهات كاتبه السياسية ويقرأونه في صورة مختلفة، وهم يقرأون الأخبار بدون أي نقد وهذا أمر خطير. انحصر النقد فقط في مقالات الرأي وعبر عن مواقف شخصية لكتابها، وإحدى المشاكل للتغطيات خلال الحروب والعمليات العسكرية هي عدم وجود تحقيقات مستقلة، وعدم وجود فحص شخصي أو بحث عن مصادر معلومات أخرى، ووسائل الإعلام تميل إلى الاعتماد على مصدر رئيس واحد وهو الناطق باسم الجيش، وهذا بحد ذاته مشكلة كبيرة نقوم بالتطرق لها على مدار سنوات ومن خلال أبحاثنا وتقاريرنا، فنحن أحيانا نجد الناطق باسم الجيش يصدر بيانات غير صحيحة وأحيانا تكون المعلومات التي يقدمها جزئية والصحافة خلال فترة الحروب والأزمات لا تقوم ببذل أي جهد كبير من أجل البحث عن مصادر معلومات أخرى.

هناك مشكلة أخرى استعرضناها في تقاريرنا تتعلق باللغة التي تقوم وسائل الإعلام باستخدامها بما في ذلك اللغة المرئية كالمشاهد والصور. وكما لاحظنا خلال العمليات العسكرية في غزة فإننا نجد في الصحف الإسرائيلية أنها تستخدم صور long shot تلتقط المشهد من بعيد، وبالمقابل فإن الإعلام الفلسطيني يستعرض صور close up تظهر خلالها صور ضحايا عن قرب، هذه الحالة تعني أننا تقريبا لا نجد في الصحف الإسرائيلية أي معاناة إنسانية فلا نرى أي مصابين أو قتلى للطرف الثاني من الأطفال والنساء والمسنين ونرى من بعيد إلقاء القنابل والدخان، دبابات، سقوط البيوت. وهذا أطلق عليه "صورة تجميلية للحرب"، أي خالية من الثمن الإنساني. وفي المقابل فإن الفلسطيني يرى صور الضحايا فقط. أقصد من كل هذا أن هذه الصور تخلق لدى المتابعين من كلا الجانبين انطباعات عكسية، فالإسرائيلي يرى حربا بدون ثمن إنساني، والفلسطيني يرى القتلى والأطفال والجرحى. توجد هنا لغتان عكسيتان للصورة. تحدثت فقط عن جزئية واحدة للغة الإعلام، وهناك أمور أخرى يمكن التطرق لها، وكل هذا يدل على القوة الكبيرة الموجودة التي يمكن أن تكون بين يدي المحرر والتي يمكنها أن تؤثر على انطباعات القراء، وهذه هي قوة الإعلام التي تتلاعب بشكل عرض الأحداث وتمنح مستهلكيها انطباعات مختلفة وأحيانا تكون عكسية.

(*) س: تميز الإعلام الإسرائيلي خلال العدوان على غزة بأنه كان خاليا من وجود نساء على الشاشة الصغيرة، فما هو تعليقك؟

بئير: نحن في كيشف بحثنا هذا الأمر في حرب لبنان الأخيرة، وهذه الحالة تتكرر. في التلفزيون يقولون إن المرأة ليست جنرالا فكيف سيمكنها التحدث عن الحرب، ولا توجد مناصب كثيرة في الجيش تتقلدها النساء. في الحرب يتحدثون مع الشخصيات العسكرية ويتيحون بصورة قليلة الحديث للصوت المدني. هذه الحالة متكررة في كل حرب، وفي كل عملية عسكرية لا يوجد تقريبا نساء، فهن يعدن إلى الوظيفة التقليدية التي وضعها لهن المجتمع، وهي تهيئة الجنود، وإرسالهم للحرب.

(*) س: تطرقتم في أحد تقاريركم عن دور وسائل الإعلام إلى إخفاء عملية ضرب إسرائيل لأهداف عسكرية في السودان، ماذا تعلق على هذا؟

بئير: نحن ندعي دائما أنه في الأزمات الهامة لا يوفر الإعلام الإسرائيلي المركزي لجمهوره السياق الحقيقي للأحداث، فلا يكفي عرض الأمور فقط، وإنما يجب تحليلها وتفسيرها، ولا يكفي أن نقول إن إسرائيل قامت بتفجير في السودان لكن يجب تفسير معنى هذه العملية والتي من الممكن أن تكون إعلانا عن حرب ويمكن أن تؤدي الى عمليات إرهابية، وكان على وسائل الإعلام أن تقوم بتفسير حقيقة ما جرى وتحليله أمام جمهورها وأن تقدم له معلومات شاملة ومفصلة ومتوازنة وصحيحة كي يرى من خلالها الواقع.

(*) س: كيف ترى تغطية العرب الفلسطينيين في إسرائيل في الإعلام الإسرائيلي؟

بئير: نحن نعمل على هذا الموضوع ونهتم به ونقيم العديد من الورشات مع طلاب ومعلمين عرب ويهود في منطقة الجليل، حيث يعملون هناك على موضوع كيفية عرض الإعلام الإسرائيلي للعرب. نحن نرى في أن العرب الفلسطينيين في إسرائيل يعانون من ظاهرة كونهم "الآخر بصورة مزدوجة"؛ أولا لكونهم أقلية، وثانيًا لكونهم جزءا من شعب نحن معه في حالة حرب، أي لكونهم أقلية مشكوكا في أمرها. والنتيجة نراها على عدة أصعدة، فهناك قلة من الصحافيين العرب الذين يعملون في الصحافة العبرية، الأمر الثاني هناك قلة من المواد داخل الصحافة العبرية عن العرب الفلسطينيين سكان إسرائيل، وهذه المواد القليلة تشدد على جوانب سلبية كحوادث المخالفات الجنائية مثل الجريمة، القتل في داخل العائلة، أحداث فوضى وعنف، قضايا أمنية، وهي تغطي بصورة قليلة الجانب المدني والإنجازات التي يقوم بها العرب في المجالات المختلفة. إن ما يتلقاه الجمهور الإسرائيلي في وسائل الإعلام الإسرائيلية هو صورة مغرضة تعرض الفلسطيني على نحو متشكك ولا تهتم بإنجازاته.

(*) س: وهل توافق على أنها في بعض الأحيان تلعب دورا محرضا؟

بئير: نعم بكل تأكيد، أحيانا توجد مثل هذه الحالة، يمكنني أن أعطي مثالا من تغطية حرب لبنان الأخيرة، حيث قرأت خبرا في إحدى الصحف عن أنه في القرى العربية لا توجد ملاجئ كافية ووسائل إنذار، مضمون الخبر هو عن التمييز في المجتمع العربي، لكن في عنوان الخبر والذي وضعه المحرر كتب: "نصر الله: الأطفال من الناصرة شهداء"، وأي يهودي سيقرأ الخبر بهذه الطريقة ستكون ردة فعله سلبية، فخبر تناول موضوع التمييز أحيط بعنوان يدل على نوع من التحريض تجاه العرب.

 

تغطية الاحتجاجات الاجتماعية

 

(*) س: كيف غطيت الاحتجاجات في الإعلام الإسرائيلي؟ وإلى أي مدى لعب هذا الإعلام دورا فعالا في إطفائها؟

بئير: عكفنا على إجراء بحث شامل عن القضية وأعلنا عن نتائجه خلال مؤتمر أقيم قبل أسبوعين، واستنتجنا من خلاله أن تغطية الاحتجاجات تشبه بصورة معينة تغطية الحرب. في البداية شهدنا حماسا وتأييدا، لكن في النهاية شهدنا انتقادات وخيبة أمل، وشارك الإعلام ولعب دورا في قتلها أو تنويمها. وإن قارنا بين تغطية صيف 2011 وصيف 2012، نجد أنه في الاحتجاجات الأولى وجدنا في شهر واحد نشرا لـ 1600 مادة في الصحف الأربع، أما في العام 2012 فقد نشر فقط 5 حتى 10 بالمئة من مجموع ما نشر في العام السابق في نفس الفترة، واحتلت الاحتجاجات 1% فقط من العناوين الرئيسة. هناك دوافع اقتصادية وأيديولوجية لهذه التغطية، وبدون شك أنه في لحظة معينة تلقى الصحافيون تعليمات بالتوقف عن تغطية الاحتجاجات، ربما تحت وطأة ضغوط سياسية واقتصادية.

لم يثبت البحث تأثير المصالح الخارجية لأصحاب الصحف على طريقة التغطية، لكن النتائج تشير إلى الاهتمام السلبي لصحيفة "يسرائيل هيوم" بالاحتجاج والى الاهتمام الإيجابي نسبيا لصحيفة "هآرتس" حيالها، ما يؤكد الفرضية في أن المواقف الأيديولوجية للصحيفتين وأصحابهما أثرت على شكل التغطية المختلف في ما بينهما. من الممكن الادعاء أيضًا أن "معاريف" و"يديعوت أحرونوت"، اللتين يملك أصحابهما استثمارات كثيرة في إسرائيل، لديهما مصلحة في وجود استقرار اقتصادي، وفي الحفاظ على مركزية النظام الاقتصادي، وهما حاولتا "تدجين" الاحتجاج من خلال تقليصه وحتى عرضه كنشاط معارضة حزبي، بل وشخصي. وبذلك قامتا بتأطيره كعامل غير مقوض للنظام القديم وإنما كمندمج معه.

(*) س: ما هي قصة الشكوى التي قدمتموها ضد صحيفة "يسرائيل هيوم" إلى مجلس الصحافة؟

بئير: إنها متعلقة بالرسالة التي كتبها المواطن موشيه سيلمان والذي أحرق نفسه احتجاجا على وضعه الاقتصادي تاركا وراءه رسالة. ومعروف أن جميع وسائل الإعلام والصحف نشرت الرسالة كاملة، وفقط صحيفة "يسرائيل هيوم" نشرتها مع جزء محذوف تضمن اسم وزير المالية يوفال شتاينيتس واسم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وبدون أن تعلن هذا الأمر، وقمنا بتقديم الشكوى ضدها إلى مجلس الصحافة .

(*) س: كيف تنظرون إلى أزمة صحيفة "معاريف" في السياقين السياسي والاقتصادي العامين؟

بئير: الوضع الاقتصادي هو عامل مؤثر على الواقع الإعلامي، وجميع وسائل الإعلام في إسرائيل موجودة تحت نير أزمات اقتصادية، وهذا الوضع يشكل تهديدا حقيقيا على الديمقراطية في إسرائيل. جاء هذا الأمر لسببين، الأول بسبب الضغوط الاقتصادية التي تعاني منها أغلبية وسائل الإعلام المكتوبة في العالم وذلك بعد الثورة المعلوماتية، وثانيا بسبب الضغوط السياسية، فرئيس الحكومة الحالي يملك تقريبا صحيفة شخصية وهي "يسرائيل هيوم" التي تؤيده وتناصره، ومكتب رئيس الحكومة سيطر على سلطة البث الأولى، وفي نفس الوقت يهدد القناة العاشرة بالإغلاق بسبب المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها لأنها نقدية جدا تجاه نتنياهو. هذه الأمور خلقت وضعا جعل من ضعف الصحافة بسبب ما لحق بها من أزمات اقتصادية وسياسية يشكل تهديدا كبيرا على الديمقراطية في إسرائيل. وهذا الوضع جعل الصحف غير قادرة على الاحتفاظ بصحافيين مهنيين من الدرجة الأولى وذوي أقدمية وتجربة بسبب معاشاتهم الكبيرة حيث قامت بفصلهم أو إخراجهم للتقاعد، وباتت تعتمد على صحافيين جدد تكلفتهم أرخص لكن معرفتهم وموهبتهم ومقدرتهم هي أقل بكثير، وإحدى نتائج هذا الوضع والتي صرنا نلاحظها أننا بتنا لا نجد تحقيقات صحافية في الإعلام الإسرائيلي في السنوات الأخيرة .

(*) س: ما هو الحل حسب رأيك؟

بئير: في كل العملية الجارية المتعلقة بالصحافة، هناك بشائر جيدة وأخرى سيئة. الجيدة هي أنه بسبب وجود العديد من مصادر المعلومات ووسائل الإعلام البديلة ومواقع الانترنت لا يمكن إخفاء حالات فساد أو أي عمليات عسكرية كبيرة أو إخفاء أشخاص بدون معرفة معلومات عن مصيرهم كما كان يحدث قبل 20 عاما، فاليوم العالم مرتبط ببعضه البعض. لكن الأمر السيء هو أن هناك ضجة وكثافة من المعلومات، وهذا الأمر يشوش الناس ويربكهم، حيث يستصعبون فهم الأمر الحقيقي من المزيف، والكذب من الصدق. الإعلام الاجتماعي يوفر سبلا سهلة لنشر المعلومات ولكن يمكن أيضا أن يستخدم لنشر معلومات كاذبة ومضللة ومخادعة وتستغل كمؤامرة .

لكن لا يكفي إيجاد الموديل بل يجب أيضًا تهيئة الجو العام الذي بموجبه يمنع رجال السياسة من التدخل في مضامين وسائل الاعلام الحكومية. للإعلام توجد قوة ومقدرة على أن يحدد الأجندة اليومية التي يهتم بها الجمهور، لكن من جهة أخرى يمكنه جعل جمهور متابعيه الثابتين غير قادرين على تطوير معرفتهم في اتجاهات بعيدة عن ما يعرضه في مضامينه. ويمكن أن نجد الحل في عدة نماذج، ففي فرنسا يوجد موقع انترنت شعبي جدا بملكية الصحافيين والعاملين فيه، ويمول نفسه عن طريق رسوم اشتراك وهو ربحي جدا، وفي كل فترة ينشر سبقا صحافيا هاما، وكافة الطبقة الراقية في فرنسا مشتركة في هذا الموقع، وكل شخص يرغب في أن يعرف حقيقة كل ما يجري يقوم بالاشتراك في الموقع، وهذا نموذج لصحافة مستقلة اقتصاديا وغير مرتبطة بأية جهة سياسية أو تجارية. هذا حل جزئي يمكننا القيام به لكن ليس من السهل تطبيقه هنا. ونحن نريد نموذجا يشبه الـ "بي بي سي" أو الموقع الذي تحدثت عنه.

(*) س: ما رأيك حول الاصلاحات في سلطة البث الأولى؟

بئير: لا أجد أن هناك عملية جدية وإصلاحات تجري في سلطة البث الأولى. الاصلاح الجديد الوحيد الذي يجب القيام به هنا هو إغلاقها وإطلاقها مجددا بصورة جديدة، فالفساد السياسي والمؤسساتي متجذر هناك، ولا يمكن إصلاحه من خلال خطط، يجب إغلاقها وإطلاقها ضمن موديل جديد ومستقل غير مرتبط بالسلطة، وتحويلها إلى إعلام جماهيري مثل نموذج الـ "بي بي سي".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات