قالت منظمة "بتسيلم" (مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة) إنه في ظلّ الانتهاكات اللاحقة بحقوق الإنسان الخاصة بالفلسطينيين والناتجة عن إقامة الجدار الفاصل وفق مساره الحاليّ، يجب على الحكومة الإسرائيلية تفكيك جميع المقاطع التي أنشئت حتى الآن في داخل مناطق الضفة الغربية، وعدم الاستمرار في بنائها هناك. وإلى حين تفكيك الجدار، على إسرائيل أن تعيد إلى الفلسطينيين جميع الأراضي التي صودرت لغرض إنشاء الجدار في الأماكن التي لم يُبنَ عليها بعد، وإلغاء نظام التصاريح في مناطق التماسّ والسماح بحرية الوصول إلى هذه المناطق لجميع الفلسطينيين.
وأضافت أنه إذا كانت إسرائيل راغبة في إقامة مُعوّق ماديّ على الأرض بينها وبين مناطق الضفة، يجب عليها أن تشيّده على الخط الأخضر أو في داخل مناطقها السيادية. وفي هذه الحالة أيضًا، يتوجّب عليها الامتناع عن إقامة الجدار بالشكل الذي يقطع أوصال المجموعات السكانية ويفصلها عن بعضها البعض.
جاء ذلك في تقرير جديد أصدرته المنظمة هذا الأسبوع تحت العنوان "الحياة في ظل المضايقات- تأثير الجدار الفاصل على المدى البعيد".
ومما جاء في ملخصه التنفيذي:
بدأ الجهاز الأمنيّ الإسرائيليّ ببناء الجدار الفاصل قبل عشر سنوات، وهو مشروع البنى التحتية الأكبر والأبهظ تكلفة من بين المشاريع التي أنجزتها دولة إسرائيل منذ بناء مشروع المياه القطري في سنوات الخمسين والستين. وقد جرى التشديد في جميع القرارات والمستندات ذات الصلة على أنّ هذا الجدار لا يُرسّم حدودًا سياسية مستقبلية، إلا أنّ الجدار الفاصل شُيّد على هيئة جدار حدوديّ، كما أنّ مساره تقرّر، من ضمن سائر الاعتبارات، وفق مواقع المستوطنات والسعي إلى توسيعها.
ويقع 85% من مسار الجدار في داخل مناطق الضفة الغربية. وقد أعلن الجهاز الأمنيّ عن 74% من المناطق التي ظلت في الجانب "الإسرائيلي" من الجدار، والتي يسكنها قرابة 7500 فلسطينيّ، على أنها "مناطق تماسّ"، وأخضعتها لمنظومة تصاريح قاسية تشترط على الفلسطينيين الراغبين في المكوث في هذه المناطق أو المرور عبرها، الحصول على تصاريح من الإدارة المدنية. ويحقّ للمواطنين الإسرائيليين أو اليهود الذين ليسوا مواطنين (لكن "تحقّ لهم الهجرة إلى إسرائيل وفق قانون العودة")، الدخول إلى منطقة التماسّ بشكل حرّ.
كما أنّ التصاريح التي تصدرها الإدارة المدنية للفلسطينيين تكون سارية لفترات تتراوح بين يوم واحد وسنتين، بحسب نوع التصريح. ويجري الانتقال إلى مناطق التماس عبر معابر "نسيج الحياة" أو عبر البوابات الزراعية التي شُيّدت في داخل الجدار وبما يخضع للفحص الأمنيّ. كما أنّ الإدارة المدنية لا تُمكّن من الدخول إلى حيّز منطقة التماس إلا وفق قائمة من الاحتياجات التي تقرّرها سلفًا. ويؤدّي هذا الأمر إلى تقليص إمكانيات سكان الضفة الغربية بالمُكوث في مناطق التماس ويلزمهم بملاءَمة برامجهم وفق الظروف العينية التي تعترف بها الإدارة كسبب شرعيّ لدخول هذه المناطق.
ومنذ تشييد الجدار فقد الفلسطينيون إمكانية استخدام أراضيهم واستغلالها بشكل مربح، وهي المورد الأساسيّ الذي تبقى لهم. والآن، وبعد استكمال بناء قرابة ثلثي مسار الجدار، تقلص النشاط الزراعيّ- الاقتصاديّ الفلسطينيّ في المناطق التي اُعتبرت في السابق مستقرّة، كما أنّ قدرة السكان الفلسطينيين على تحصيل قوتهم بشكل مستقلّ قد تآكلت. أضف إلى ذلك أنّ الفصل الحيّزيّ الذي خلقه الجدار بين المجموعات السكانية المتجاورة وبين أراضيها، يُضعف من قدرة هذه المجموعات في حربها على البقاء ويشلّ أيّ إمكانية لإحداث تنمية مستدامة. وفي قسم من الأماكن أدّى هذا الفصل إلى التقليل من الوجود الفلسطيني في المناطق التي ظلت عبر الجانب "الإسرائيلي" للجدار وفي المناطق المُسوَّرة بالجدار. كما أنّ إقامة الجدار تقيّد العلاقات التجارية التي نشأت خلال السنوات بين البلدات الفلسطينية المجاورة للخط الأخضر وبين مواطنين إسرائيليين.
وتمسّ إقامة الجدار في داخل مناطق الضفة وفرض نظام التصاريح الصارم بسلسلة طويلة من حقوق الإنسان الخاصة بالفلسطينيين. ومن ضمن ذلك، انتهاك حقهم في حرية الحركة، ونتيجة لهذا انتهاك حقهم في العمل والتربية والعناية الطبية والحياة الأسرية وكسب الرزق ومستوى الحياة اللائق. كما يُنتهك حق الفلسطينيين الجماعي في تقرير المصير، كون المسار الذي صدّقته الحكومة يقطّع أوصال الضفة: فإذا بُني الجدار حول "أصبع" المستوطنات في منطقة معاليه أدوميم كما هو مخطط له، فإنّ هذا الأمر سيقطع التواصل الجغرافي القائم بين شمال الضفة وجنوبها وسيعزل القدس عن سائر أرجاء الضفة.
وفي ظلّ الانتهاكات اللاحقة بحقوق الإنسان الخاصة بالفلسطينيين والناتجة عن إقامة الجدار الفاصل وفق مساره الحاليّ، يجب على الحكومة الإسرائيلية تفكيك جميع المقاطع التي سبق وشُيّدت حتى الآن في داخل مناطق الضفة وعدم الاستمرار في بنائها هناك. وإلى حين تفكيك الجدار، على إسرائيل أن تعيد إلى الفلسطينيين جميع الأراضي التي صودرت لغرض تشييد الجدار في الأماكن التي لم يُبنَ عليها بعد، وإلغاء نظام التصاريح في مناطق التماسّ والسماح بحرية الوصول إلى هذه المناطق لجميع الفلسطينيين.
وقدّم التقرير نماذج وحالات تتعلق بالوضع الذي يعرضه، ومنها ما يلي:
حالة برطعة الشرقية
يحصر مسار الجدار الفاصل في منطقة برطعة الشرقية في داخله قرابة 32000 دونم، تقع في داخلها قرية برطعة الشرقية وسبع قرى صغيرة أخرى، يعيش فيها 5348 فلسطينيًا، 4575 شخصًا منهم من برطعة الشرقية. ويقوم الجدار بفصل سكان هذا "الجيب" عن مدينة اللواء جنين وعن بلدات يعبد الواقعة في الشرق وقفين الواقعة في الجنوب. وقد وفرت هذه البلدات للسكان المذكورين الموادَّ الغذائية والبضائع الأخرى إلى جانب الخدمات التربوية والصحية، والتي يستصعب السكان تلقيها اليوم. وفي تشرين الأول 2003 أخضع الجيش الإسرائيلي هذه المنطقة لنظام التصاريح.
المعبر المركزي الذي يسمح بتنقل وحركة الناس والبضائع إلى داخل هذا "الجيب" وخارجه هو معبر "ريحان"، الذي جرت خصخصته في أيار 2007. وتستمر عملية فحص الناس والسيارات المارة في معبر ريحان زمنا طويلا، وقد يصل في ساعات الضغط - في الصباح وبعد الظهر- إلى قرابة الساعة. كل من يرغب في الدخول إلى منطقة "الجيب" - ومن بينهم المرضى المزمنون والمرضى المتعافون بعد العمليات الجراحية والنساء الحوامل والمعوقون والأطفال- يضطر إلى الخضوع لفحوص أمنية متشدّدة تشتمل على عدة مراحل فحص وتمتد على مسار يصل طوله إلى قرابة 200 متر. وقد فرضت الإدارة المدنية قيودًا على كميات البضائع التي تسمح بإدخالها إلى القرية، أيضًا، بما يخضع أيضًا للفحوصات المتشدّدة. وتزيد القيود المفروضة على نقل البضائع إلى القرية من تكلفة نقلها وتؤدي إلى ارتفاع أسعار البضائع في القرية، بما فيها المواد الغذائية الأساسية، حيث ترتفع أسعارها بمئات النسب المئوية عن أسعارها في جنين.
حالة قلقيلية
أدّى عزل مدينة قلقيلية بواسطة الجدار الفاصل، وهي رابع أكبر مدن الضفة الغربية، إلى سدّ أيّ إمكانية لتطوير المدينة بشكل حقيقيّ. ومنذ منتصف العقد الماضي جرى استنفاد غالبية المساحة المخصصة للبناء في المدينة: 4200 دونم فقط. وبلغت مساحة المنطقة التي صدقتها بلدية قلقيلية للبناء الجديد بين تشرين الثاني 2010 وتشرين الثاني 2011 الأكثر انخفاضًا من بين مدن الضفة: 5ر1% من مجمل البناء المصدّق في سائر مدن الضفة. كما أنّ استنفاد إمكانيات البناء يمنع البلدية أيضًا من تطوير مؤسسات ومنشآت بلدية، كالمدارس والمؤسسات التربوية وإستاد.
وقد أدّى عزل المدينة في أعقاب القيود الصعبة المفروضة على حرية التنقل إبان الانتفاضة الثانية وفصلها عن سائر مناطق الضفة بواسطة الجدار الفاصل، إلى أن تتأخر نسبة الزيادة السكانية في المدينة عن نسب الزيادة السكانية في سائر مدن الضفة، رغم أنها المدينة الرابعة في الضفة الغربية من ناحية كبرها (لا تشمل القدس الشرقية). وهكذا، قام قرابة 10000 شخص قدموا من مدن أخرى في الضفة، وسكنوا قلقيلية بسبب قربها من أماكن العمل في إسرائيل، بترك المدينة نتيجة لهذا الواقع. كما أنّ تشييد الجدار وعزل المدينة بواسطة الحاجز الواقع غربها أدّيا إلى إغلاق أكثر من 600 متجر ومشغل ومحطة وقود ومصالح تجارية أخرى في المدينة، وغالبيتها في المناطق التجارية الواقعة غربيّ المدينة، والملاصقة للخط الأخضر.
حالة بير نبالا
خلق الجدار الفاصل في منطقة رام الله مُسوّرة ريفية مغلقة ومحاطة بالجدار من جميع أنحائها. ويبلغ طول الجدار المحيط بالمُسوّرة 3ر18 كيلومتر. وقد سُجنت في داخل المسوّرة أربع قرًى، بير نبالا أكبرها. وقبل الانتهاء من تشييد الجدار بلغ عدد سكان القرية 6090 شخصًا كانوا مسجّلين كسكّان، إضافة إلى قرابة 4000 شخص من سكان القدس الشرقية، بحسب تقديرات المجلس المحلي، كانوا يسكنون في شقق مستأجرة أو شقق بملكيتهم لكنهم حافظوا على عناوين سكنهم في القدس. ومنذ سنوات السبعين شكلت القرية ضاحية مدينية للقدس الشرقية. وفي سنوات التسعين تمتعت القرية بازدهار اقتصاديّ نتيجة لموقعها المركزيّ ولحقيقة أنه كان بالإمكان الوصول عبرها إلى رام الله وأحياء القدس الشرقية بسهولة، ومن هناك إلى مدن المركز في إسرائيل. وقد حوّل هذا الموقع المركزيّ القرية إلى نقطة التقاء بين تجار فلسطينيين من الضفة وبين تجار إسرائيليين وساهم في ازدهار عمل المصالح التجارية في القرية.
وقد فرض الجدار الفاصل على القرية انفصالاً عن القدس الشرقية، وبعد تشييده جرى ربط القرية وبشكل حصريّ بمدينة رام الله عبر شارع "نسيج حياة" جديد. كما أنّ الجدار قام وبشكل شبه تامّ بقطع جميع العلاقات التجارية التي كانت قائمة بين سكان القرية وبين سائر مدن الضفة ومع جهات تجارية في إسرائيل، إلى جانب قطع العلاقات المتشعبة بين سكان القدس الشرقية والقرية. وفي أعقاب عزل القرية قام قرابة نصف سكانها بتركها: في العام 2011، وبعد مرور خمس سنوات على تشييد الجّدار، بلغ عدد سكان القرية 5140 شخصًا، جميعهم من سكان الضفة. كما أنّ حيّ المواحل الذي يقع شرقي القرية، والذي سكنته قرابة 250 عائلة من القدس الشرقية ونشط فيه قرابة 30 مشغلا، فرغ بالكامل تقريبًا من سكانه، وهو اليوم حيّ مهجور. وعلى امتداد الشارع الرئيسيّ في القرية، اللطرون، والذي شكل في الماضي مركز مواصلات رئيسًا، تجد اليوم عشرات المصالح التجارية المغلقة والمباني العالية التي تحوي طوابق كاملة فارغة والمباني التي لم يُستكمل بناؤها. كما أنّ الهجرة الكبيرة لسكان القدس الشرقية أدّت إلى هبوط كبير وساحق في حجم البناء في القرية وإلى هبوط كبير أيضًا على أسعار الشقق، بيعًا واستئجارًا.