المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • على هامش المشهد
  • 1504

ينصّ البند الخامس من قانون السلطة الإسرائيلية الثانية للتلفزيون والراديو، 1990، على أنّ وظيفة السلطة الثانية هي تسيير البثّ ومراقبته. كما أنّ السلطة ملزمة أثناء قيامها بوظيفتها، وفق القانون ومن ضمن ما هي مُلزمة به، بالعمل على دفع قيم اجتماعيّة وتطوير وتحسين المواطنة الحسنة وتقوية القيم الديمقراطيّة والإنسانيّة، وعكس ثقافة الشعوب والإبداع الإنساني وقيم الحضارة، إلى جانب ضمان التعبير الملائم للتشكيلة الثقافيّة في المجتمع في إسرائيل وللمنظومات الحياتيّة المختلفة في مناطق البلاد المختلفة. وإضافةً إلى ذلك، فإنّ السلطة ملزمة بضمان التّعبير عن السكّان العرب عن طريق تسيير بثّ باللغة العربية يلائم احتياجات تلك المجموعة السكانية. ويرد تعبير عينيّ واضح آخر في القاعدة رقم 6 (ب)(4) من قواعد السلطة الثانية، 2002، الذي يُلزم صاحب الامتياز، أيضًا، بضمان تعبير ملائم في بثّه لليهود والعرب، من ضمن سائر الأمور.

 

قام مجلس السلطة الثانية بتفسير معنى ضمان تعبير ملائم في البث للسكان العرب ولغتهم، بالأرقام. وقد تغيّرت هذه الأرقام وتبدّلت مع تبدّل وتغيّر فترات الامتياز. فمثلاً، قرّر المجلس في العام 1992 ضمن قواعده (البند 10(ج)- قواعد السلطة الثانية للتلفزيون والراديو (بث برامج تلفزيون عن طريق صاحب الامتياز، 1992)) أن تصل نسبة البرامج المخصّصة للعرب إلى 8% على الأقلّ. ولاحقًا، في تعديل العام 1999، رُفعت نسبة التخصيص المذكورة إلى 18% على الأقلّ. وبعد عام على ذلك، وفي تعديل العام 2000، الساري المفعول حتى اليوم، قرّر المجلس خفض نسبة التخصيص المذكورة آنفًا وجعلها 5 % على الأقلّ. وهذا يعني أنّ في وسع المتقدّم للعطاء أن يُعفي نفسه من واجباته في هذا الشأن، عن طريق عرض برامج باللغة العربيّة و/أو برامج مُدبلجة للغة العربية و/أو مترجمة للغة العربية تبلغ نسبتها 5 % من مجمل وقت البثّ الأسبوعي الخاص به.

ولكون المواطنين العرب أقلية كبيرة في إسرائيل (حوالي خُمس السكّان)، فإنها تتميّز عن الأغلبية اللغوية المركزية بثقافتها وبديانتها وبتاريخها وبثقافتها السياسيّة، فإنّ المُتوقع هو أن تحظى هذه الأقلية بالظهور على الشاشة بوتيرة عالية، توازي، على الأقل، نسبتها من السكان. وهناك مسار آخر يمكن أن يوفر التعبير عن المواطنين العرب وهو نسبة التخصيص في البث المُعدّ لمناطق الضواحي. وكوْن السكان العرب بعيدين عن مراكز التأثير الجماهيرية والاجتماعية والاقتصادية فإنّه من الجليّ أنهم يندرجون، أيضًا، في فئة مناطق الضواحي، وهذا ما كان من المفترض أن يزيد من احتمالات ظهورهم، ولكن عبثًا.

معطيات السلطة الثانية والتقارير التي طلبت إنجازها لا تترك أيّ مكان للشكّ في شأن مسألة التمييز ضد المواطنين العرب ونبذهم من الحيّز الإعلامي. كما أنّ المُحصّلات التي توردها السلطة الثانية تكشف عن الوضع السيء وعن الحقيقة الساطعة، بأنّ السلطة تخرق القانون بفظاظةٍ.

يتّضح من خلال بحث نوعيّ وكمّي نشرته مؤخّرًا السلطة الثانية، وتناول بالفحص شيوع ظهور الشخصيات من مجموعات الأقليّة أو الهامش المجتمعي، أنّ حوالي 95 % من الشخصيات التي ظهرت على الشاشة خلال السنتين 2004-2005 كانت يهودية، وأن 2 % فقط منها كانت عربيّة، كما أنّ 3 % فقط من الشخصيات التي ظهرت في الأخبار كانت عربية؛ وفي برامج شؤون الساعة كانت نسبتها 3 % وفي البرامج الترفيهيّة 2 %. كما أنّ البحث وجد أنّ ظهور العرب في المواضيع التي تخللت البرامج كان متعلقًا، في الأساس، بالمواضيع المرتبطة بالنزاع العربي - الإسرائيلي، وبالإجرام. كما أنّ 45 % من المواضيع التي تخلّلت البرامج والتي تناولت العرب كانت حول شؤون أمنيّة؛ 35 % منها في مواضيع تتعلّق بالنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني؛ 25% بالنزاع العربي -الإسرائيلي و30 % بمسائل الإجرام. كما وُجد أنّ العرب لا يظهرون البتّة في مواضيع تتعلّق بالاقتصاد والأعمال والتجارة والصناعة وعلاقات العمل أو علاقات التنظيمات المهنيّة. وزاد عدد الحوادث الناشئة عن الإخلال بالنظام والمتعلّقة بشخصيّات عربية بضعفين عن تلك المتعلقة باليهود.

 

كما برزت معطيات مشابهة في تقرير السلطة الثانية للتلفزيون والراديو عن سنة 2004. ويستند التقرير المذكور في مُستخلصاته إلى نتائج بحث بادرت إليه السلطة وعالج تمثيل مجموعات الأقليّة في القنوات التلفزيونية الخاضعة لرقابة السلطة الثانية. وتمّ تفحّص تمثيل مجموعات الأقليّة بواسطة تحليل كميّ للبرامج التي بُثّت في ساعات المشاهدة القصوى، وفق فئات القوميّة (يهود - عرب)، الطائفة (شرقيون - أشكناز)، الجندر (نساء - رجال)، الأقدمية في البلاد (مهاجرون - قدامى) ومدى التديّن (علمانيون، متدينون قوميون وحريديم)، في أنواع مختلفة من البرامج. وقد اختيرت أنواع البرامج التالية: الأخبار، برامج شؤون الساعة، برامج استضافة، برامج دراميّة، تسالٍ وبرامج السخرية والتهكّم، في القناتين التجاريّتين (2 و10) في سنة 2003.

 

وفيما يلي قسم من مُستخلصات البحث المتعلّقة بالأقلية العربية:

ظهرت في نشرات الأخبار 2729 شخصية يهودية، في مقابل 77 شخصية عربية (97 % في مقابل 3 %)؛

اليهود يحظون بمركزية في برامج شؤون الساعة والتحقيقات (96 %) والعرب يحظون بتمثيل ضئيل جدًا (2 %). عدد الشخصيات اليهودية في هذه البرامج كان 660 شخصية في مقابل 23 شخصية عربية؛

كانت الأغلبية المطلقة من الضيوف في البرامج المختلفة من اليهود. في ثلاث حالات فقط (1 %) كانت الأغلبية للعرب في البرامج، وفي أقلّ من واحد بالمائة يمكن أن نجد عددًا متساويًا من اليهود والعرب؛

لم يشارك في برامج الدراما أيّ عربيّ بالمرّة. 99 % من المشاركين كانوا من اليهود؛

في الوقت الذي تصل فيه نسبة المواطنين العرب إلى 19 % فأنّ نسبة المواضيع في نشرات الأخبار التي كان العرب فيها مركزيين ومهيمنين لم تتعدّ 2 %؛

في 403 تقارير كانت المركزية للسكان اليهود، في مقابل 5 تقارير كانت المركزية فيها للسكان العرب؛

199 موضوعًا تطرقت إلى جودة الحياة عند اليهود، في مقابل 3 مواضيع تطرّقت إلى جودة الحياة لدى العرب؛

العرب ليسوا مركزيين في المواضيع الإخبارية التي تطرّقت إلى مواضيع الاقتصاد والتجارة والقصص الإنسانية والفقر والضائقة الاقتصادية والبطالة والكوارث والمواضيع الأخرى التي لا تتعلّق بالبعد الأمني- الجنائي؛

99 % من المُقدّمين في النشرات الإخبارية هم من اليهود؛

15 شخصية عربية فقط ظهروا كمحللين أو مُختصّين في مواضيع مختلفة، في مقابل 884 مُحللاً يهوديًا؛

23 % من الشخصيّات العربية تُعرض على أنّها خاملة وعلى أنّها لا تسيطر على مصيرها، في مقابل عرض 7 % من الشخصيّات اليهودية على هذه الشّاكلة.

 

وأكثر من هذا. تشير القراءة في تقرير السلطة الثانية لسنة 2003 إلى أنّه لم يرِد أيّ تقرير عن أفلام وثائقيّة أو دراميّة أو تحقيقات أو أفلام تلفزيونية أو برامج لشؤون الساعة باللغة العربيّة، من طرف أيّ صاحب امتياز مُشغِّل للقناتين التجاريّتين المركزيّتين. كما يتّضح أنّ صاحبي امتياز لم يستوفيا حتى المطلب الأدنى لبث نصف ساعة أسبوعية لـ "برنامج أصل" مُنتَج باللغة العربيّة. ووصل إجمالي الإنتاجات المحلية باللغة العربية التي بُثت في العام 2003 إلى ثلاثة برامج، وبثّت كلها بين الساعات 10:45 – 13:30، وهذه الساعات لا تُعدّ من ضمن ساعات بثّ المشاهدة القصوى. ولم يكن أيّ ذكر لبرامج دينيّة بالعربية في فئة برامج الدين والموروث. وكذا الأمر بالنسبة لبرامج الضواحي. ومن بين 30 برنامجًا (97 ساعة بثّ) تطرّقت إلى مناطق الضواحي، كان هناك برنامج واحد فقط تطرّق إلى منطقة عربية (1:10 ساعة). ومع أنّ التقرير يذكر برنامجين آخرين بالعربية ("كوكتيل" و"عرفزيون") إلا أنّ هذين البرنامجين هما من بين ثلاثة برامج ورد ذكرها آنفًا في فئة "برامج الأصل"، وهما إنتاجان محليّان، ويدخلان في هذه الفئة.

تُقوّي مُستخلصات الأبحاث أعلاه نظريات وآراء كتبها في السابق باحثون مختلفون قاموا بالبحث في مسألة ظهور مجموعات الأقليّات، ومن ضمنها الأقلية العربية، في الإعلام العالمي عمومًا، والإسرائيلي خصوصًا. الباحث د. أيلي أبرهام يصل إلى الاستنتاج بأنّ تحليل مجموعات الأقليّة يُفضي إلى أنّ تجاهل الإعلام لهذه المجموعات هو الذي يؤدّي إلى احتياجها لوسائل احتجاج، تكون عنيفة أحيانًا، كي تحظى بالتغطية.

______________________________________________

 

* عبير بكر- محامية في "عدالة" - المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات