المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • ابحاث ودراسات
  • 1323

"المشهد الإسرائيلي": عن مركز "مدى الكرمل" للدراسات الاجتماعية التطبيقية صدر حديثًا للباحث امطانس شحادة بحث جديد بعنوان "بطالة وإقصاء: الأقلية العربية في أسواق العمل في إسرائيل".
ينطلق البحث من رؤية الصعوبات التشغيليّة، في إسرائيل عامّةً، وفي صفوف الأقلّيّة العربيّة خاصّة، بأنها ليست ظاهرة اقتصاديّة صِرفة، فهي تعكس تعامل الدولة مع سكّان الأقلّيّة، وكذلك طريقة توزيع مراكز القوّة والوظائف في الدولة

 

"المشهد الإسرائيلي": عن مركز "مدى الكرمل" للدراسات الاجتماعية التطبيقية صدر حديثًا للباحث امطانس شحادة بحث جديد بعنوان "بطالة وإقصاء: الأقلية العربية في أسواق العمل في إسرائيل".

ينطلق البحث من رؤية الصعوبات التشغيليّة، في إسرائيل عامّةً، وفي صفوف الأقلّيّة العربيّة خاصّة، بأنها ليست ظاهرة اقتصاديّة صِرفة، فهي تعكس تعامل الدولة مع سكّان الأقلّيّة، وكذلك طريقة توزيع مراكز القوّة والوظائف في الدولة. من هنا يرى ضرورةُ دمَج العوامل السالفة الذكر، مع الشروط الأساسيّة لسوق العمل في دولة إسرائيل، وفهم وإدراك الشروط التي حُدّدت مع إقامة الدولة، للإبقاء على دونيّة الأقلّيّة العربيّة. لذا، يقترح البحث تقسيم سوق العمل في إسرائيل بشكلين: الأول، بين سوق العمل المركزيّة وسوق العمل الهامشيّة؛ والثاني بين سوق العمل القطريّة وسوق العمل المحلّيّة- الإثنيّة، التي يعبَّر عنها من خلال وجود جيب اقتصاديّ وجيب تشغيليّ خاص بالجمهور العربيّ.

البحث مبني من ستة فصول. الفصل الأول يتطرق إلى الشق النظري للبطالة والإقصاء عن سوق العمل. الفصل الثاني، يصور بروفيل (تحديد ملامح) العاطل عن العمل في التسعينيّات. الفصل الثالث يرسم تضاريس سوق العمل المحلّيّة (العربية). الفصل الرابع يتطرق إلى صعوبات التشغيل في أوساط الأقلّيّة العربيّة- مميّزات أساسيّة. ويخصص الباحث الفصل الخامس لبحث وضع النساء العربيّات في سوق العمل، والفصل السادس لبحث وضع الرجال العرب في سوق العمل. وننشر هنا نص المقدمة والخلاصة التي يتوصل إليها هذا البحث:

 

 

يسود الاعتقاد بأن البطالة تشكل التعبير الوحيد عن الصعوبات في مجال التشغيل. التقسيم بين العاطلين عن العمل ومن يعملون لفت الانتباه نحو صعوبات تشغيليّة من نوع واحد، وهي البطالة، لكن هذا التقسيم يرسم صورة جزئيّة لظاهرة أوسع من ذلك بكثير. ولذا فإن أي بحث معمّق حول مجمل الصعوبات التشغيليّة اليومية التي يواجهها العرب في إسرائيل يجب أن يتم من خلال فحص مركّبين أساسيّين لصعوبات التشغيل: المركب الأول والمركزي هو البطالة. أما المركب الثاني، والذي يحظى بالقليل من الاهتمام العامّ والسياسيّ، فهو الإقصاء المستمر للمواطنين العرب عن سوق العمل.

 

حسب التعريف الرسميّ للبطالة في إسرائيل، فإن غير العاملين هم الذين لم يعملوا بتاتًا (ولو لساعة واحدة) في الأسبوع المحدد، وبحثوا عن عمل في الأسابيع الأربعة التي سبقت هذا الأسبوع، إما من خلال التسجيل في مكاتب العمل التابعة لدائرة التشغيل، أو عن طريق التوجّه المباشر أو الخطّيّ لأحد أصحاب العمل، أو بطريقة أخرى، وكان بمقدور هؤلاء مباشرة العمل في الأسبوع المحدد فيما لو تلقّوا عرضًا ملائمًا للعمل. الأفراد الذين لا يعملون، ولا يستوفون في الوقت ذاته هذا التعريف، لا يُعتبَرون عاطلين عن العمل، ويصنَّفون ضمن فئة غير المشاركين في سوق العمل.

 

هنالك ظواهر أخرى مرافقة لصعوبات التشغيل، نحو: التشغيل ما دون المستوى (وهو العمل الذي لا يليق بقدرات العامل وثقافته العلميّة)؛ وكذلك العمل الجزئيّ غير الاختياريّ. ولا يمكن التطرق إلى هاتين الفئتين المذكورتين، بسبب الصعوبة في الحصول على المعطيات المنقّحة.

 

تغلغلت مشكلة البطالة والخروج من سوق العمل في صفوف الأقلّيّة العربيّة في إسرائيل، إلى الوعي العام في العقد الأخير بشكل خاص (1990-2002). وتشير المعطيات والأبحاث إلى أنه حتى التسعينيّات كانت نسبة البطالة في صفوف هذه الأقلّيّة، خلال فترات النشاط الاقتصاديّ الاعتياديّة، أقل من نسبتها في صفوف الجمهور اليهوديّ. أما في فترات الركود، فقد فاقت نسبة العرب العاطلين عن العمل نسبة العاطلين اليهود. وفي كل الأحوال، لم تصل نسبتهم إلى الحجم والاستفحال اللذين نشهدهما منذ منتصف التسعينيّات.

ويرجع سبب كون التسعينيّات نقطة تحوّل من حيث تفاقم الضائقة وصعوبات التشغيل في صفوف العرب في إسرائيل، إلى حقيقة أن هذه الفترة شهدت تحوّلات جذريّة في الاقتصاد الإسرائيليّ عامّةً، وفي اقتصاد الأقلّيّة العربيّة خاصّة. وكان لهذه التحوّلات إسقاطات بعيدة المدى على سوق العمل والتشغيل في الدولة. إضافة إلى ذلك، تشمل الحقبة المذكورة فترات محدودة من الازدهار والنمو الاقتصاديّين، وفترات محدودة أخرى من الخُبُوّ والركود، وهذا ما يمكّننا من إجراء الفحص الديناميّ لصعوبات التشغيل على امتداد فترتين اقتصاديّتين، وفحص تأثير ذلك على المجموعات السكّانيّة المختلفة في الدولة.

 

شهدت مرحلة التسعينيّات تحوّلات على الساحتين الإسرائيليّة الداخليّة والدولية، وبدأت عوامل جديدة تلعب دورا في هذه الفترة.

أولا، بلغت موجة الهجرة الجماعيّة المتدفّقة من الاتّحاد السوفييتيّ السابق نهايتها، وانتهت كذلك عمليّة الاستيعاب لهؤلاء المهاجرين. وتمخّض عن تلك العمليّة دخول مئات آلاف العمال إلى سوق العمل، وتولّدت منها كذلك- فيما تولّد - عمليّة إعادة تصميم لاقتصاد الدولة.

ثانيًا، شهدت هذه السنين تحوّلات سياسيّة أدّت هي الأخرى إلى تجديدٍ ما في طابع دولة إسرائيل على المستويات السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، وفي العلاقات بينها وبين الأقلّيّة العربيّة، بالإضافة إلى التحوّلات التي طرأت على مكانتها وعلاقاتها مع دول العالم، وعدد كبير من الدول العربيّة، حيث فتح قسم كبير منها أبوابه أمام المستثمرين الإسرائيليّين بُعَيْد التوقيع على اتفاقيات أوسلو. وبعد عقد اتفاقية السلام مع الأردن، بدأ المستثمرون الإسرائيليّون ينقلون مصانعهم إليها بحثًا عن الأيدي العاملة الرخيصة. وقد انهارت المقاطعة العربيّة الرسميّة، ممّا وفّر- فيما وفّر- لرؤوس الأموال الأجنبية إمكانيّة الاستثمار في إسرائيل بشكل حر ومكشوف، وبأحجام غير مسبوقة، وخصوصًا في مجالي الاقتصاد الحديث والتكنولوجيا المتطوّرة.

ثالثًا، في موازاة هذه التحوّلات، شهدت عمليّة انخراط الاقتصاد الإسرائيليّ في الاقتصاد العالميّ، في تلك السنين، تكثيفًا ملحوظًا على العديد من الصُّعُد، نحو: إزالة الحواجز والعقبات التجاريّة، وإلغاء القيود واعتماد سياسة فتح الأبواب (Liberalization)، وبداية عمليّة تبنّ لاقتصاد السوق الحر، وتبنّ لقواعد اللعبة التي تفرضها عمليّة العولمة. دفع هذا الواقع نحو عمليّة إعادة تصميم للبنية الاقتصاديّة ولمواقع القوّة في السوق، وبدأت الأموال تتدفّق بشدّة على الصناعات التكنولوجيّة والمعلوماتيّة، ونمت صناديق الاستثمار في شركات الانطلاق (Start Up)، وزادت حصة الصناعات المتطوّرة في الصادرات الإسرائيليّة وفي جذب الاستثمارات الأجنبية، مقابل تراجع حصّة الصناعات التقليديّة.

في المقابل، شهدت تلك السنوات بوادر عمليّة استيراد العمال الأجانب الذين أُحضروا بغية استبدال العمال الفلسطينيّين، في خطوة تعبّر عن العقاب الجماعي الذي فرضته إسرائيل على الفلسطينيّين في الأراضي المحتلة. وجاء هذا العامل الرابع نتيجة للضغوطات التي مارستها مجموعات مصلحيّة متنفّذة من أجل السماح لها باستيراد العمال الأجانب إلى إسرائيل، كما اعتبر مؤشّرا إضافيّا لانخراط إسرائيل في اقتصاد العولمة. وبدأ هؤلاء العمال يستبدلون العمال المحلّيّين بشكل تدريجيّ في الصناعة وفي فروع العمل التقليديّة، وفي الأعمال اليدويّة وفي أعمال "الياقات الزرق" والأعمال البدنية، مما أدى إلى تقليص مصاريف التشغيل في هذه المجالات.

ويضاف إلى تلك العوامل عامل خامس يتمثّل في دخول دولة إسرائيل في فترة ركود اقتصاديّ في العام 1997 وصلت إلى أوجها في أيامنا هذه، مع فترة انفراج قصيرة جدًّا في العام 2000.

 

الصعوبات التشغيليّة، في إسرائيل عامّةً، وفي صفوف الأقلّيّة العربيّة خاصّة، ليست ظاهرة اقتصاديّة صِرفة، فهي تعكس تعامل الدولة مع سكّان الأقلّيّة، وكذلك طريقة توزيع مراكز القوّة والوظائف في الدولة. من هنا، سيعاني وصف تأثير هذه التحوّلات نقصًا إذا لم تُدمَج مع الشروط الأساسيّة لسوق العمل في دولة إسرائيل، وبدون فهم وإدراك الشروط التي حُدّدت مع إقامة الدولة، للإبقاء على دونيّة الأقلّيّة العربيّة. وإذا أضفنا إلى ذلك طبيعة وتركيبة القوّة العاملة العربيّة، تصبح هذه القوّة العاملة معرّضة للتضرر، وبخاصّة نتيجة التغييرات التي حصلت في فترة التسعينيّات.

 

لذا، أقترح تقسيم سوق العمل في إسرائيل بشكلين: الأول بين سوق العمل المركزيّة وسوق العمل الهامشيّة؛ والثاني بين سوق العمل القطريّة وسوق العمل المحلّيّة- الإثنيّة، التي يعبَّر عنها من خلال وجود جيب اقتصاديّ وجيب تشغيليّ خاص بالجمهور العربيّ. هذا التقسيم المزدوج، وكذلك الحِراك الداخليّ في أسواق العمل، والتفاعلات الحاصلة بينهما، يحدّدان- إلى مدى بعيد - الصعوبات التشغيليّة التي يواجهها السكّان العرب في دولة إسرائيل، ويخلقان الدونية والغبن المتراكمَين، ويحدّدان المميّزات الشخصيّة للعاملين، ومميّزات التصنيع، وتركيبة القوّة العاملة والثروة البشريّة، وتركيبة الفروع التشغيليّة، والبطالة والمشاركة في القوّة العاملة، ومستوى الحراك الاجتماعيّ، إضافة إلى التفاضل بين المجموعات السكّانيّة.

 

يعتمد هذا الادّعاء على نظريّات نيوكلاسيكيّة تعتمد بدورها على العوامل البنيويّة في تفسير ظواهر صعوبات التشغيل، ولا يكتفي بالنظريّات الاقتصاديّة الكلاسيكيّة. وتوضح هذه النظريّات للقارئ سبب دفع السكّان العرب ثمنًا متواصلاً ومزدوجًا، من خلال تفشي البطالة وارتفاع مستويات الإقصاء عن سوق العمل، سواء في فترات الازدهار أم خلال الأزمات وفترات الركود الاقتصاديّ.

 

خلاصة

 

في العامين الأخيرين، أصيبت إسرائيل بالذهول من المعطيات الرسميّة للبطالة، وبدأت وسائل الإعلام تكرّس اهتمامًا خاصًّا بهذه الظاهرة، وشرع صنّاع القرار يضعون هذه المسألة في مقدّمة جدول الأعمال العامّة. كلّ ذلك لم يكن مفاجئًا؛ فالبطالة تغلغلت خلال العامين الفائتين إلى قلب السوق المركزيّة، حيث فروع التكنولوجيا المتطوّرة والصناعة المتقدّمة التي تشكّل العمود الفقريّ للاقتصاد الإسرائيليّ الجديد. وقبلاً، تمركزت البطالة في الضواحي وفي السوق المحلّيّة؛ ومسّت، بالدرجة الأولى، بالأقلّيّة العربيّة، واقتصر التعامل معها على معالجة قضيّة العاطلين عن العمل، وعلى الأخصّ إيجاد الطرق لتقليص عدد الذين يستحقّون الحصول على مخصّصات البطالة. أمّا عندما تُضرب السوق المركزيّة في الصميم، وينضمّ عمالها إلى دائرة الحاصلين على المخصّصات والباحثين عن عمل، فإنّ ناقوس الخطر يُقرَع، وتعلن الدولة حالة الطوارئ: يجب معالجة مسألة البطالة.

 

طرح البحث بعض العوامل التي أثّرت على تفاقم البطالة في صفوف الأقلّيّة العربيّة في إسرائيل في الأعوام 1990-2002، نحو: تأثير المهاجرين الجدد؛ استيراد العمال؛ انخراط إسرائيل في الاقتصاد العالميّ؛ التحوّلات البنيويّة الاقتصاديّة؛ الركود الاقتصاديّ الذي بدأ منذ العام 1997. قام البحث بفحص هذه التحوّلات انطلاقًا من التصوّر القائل بوجود سوق عمل مجزّأة إلى مركز وضواحٍ، والى سوق قطريّة وسوق محلّيّة- إثنيّة. ووفّرت الأدبيّات العلميّة ادّعاءات تدعم هذا التصور، وأكّدتها الحيثيات على أرض الواقع.

قمنا بفحص مميّزات الصناعات المختلفة والفوارق بين كلتا السوقين، وفحصنا توزيعة العاملين وفقًا للفروع الاقتصاديّة والمهن، إضافة إلى مستويات البطالة والمشاركة في قوّة العمل. حراكيّة كلّ سوق على حدة، والتفاعلات المتبادلة بينهما، وفّرت تفسيرات للتدهور في درجات البطالة والمشاركة في صفوف الأقلّيّة العربيّة. في فترات الازدهار والانتعاش الاقتصاديّ، عندما يجنّد الاقتصاد المركزي قوّة العمل في الضواحي، يرتفع مستوى المشاركة، وبالتالي تنخفض البطالة.

 

تتفاعل السوق المحلّيّة بدورها مع هذه التحوّلات بصورة إيجابية، وتُنتج أماكن عمل جديدة. لكن هذه التحوّلات الإيجابيّة تبقى بطيئة وتقتصر على فروع اقتصاديّة ومهن محدّدة، ولا تُحْدِث تحوّلاً حقيقيًّا في توزيع تركيبة قوى العمل. لا يمكن تجاهل الأبعاد الإيجابية التي حصلت في فترة الانتعاش الاقتصاديّ، لكنّها لم تكن كافية؛ ولم تُحْدِث تغييرًا كبيرًا ولم تصمد فترة طويلة. لم تتغير مميّزات السوق الهامشيّة بصورة جوهريّة، ولم تمرّ السوق المحلّيّة في عمليّة تصنيع جدّيّة.

عاد وضع السوق إلى سابق عهده، بل ساء في كثير من الجوانب، عندما انتهت حاجة السوق المركزيّة إليها. بعد العام 1995، وُجد بديل لقوّة العمل العربيّة التقليديّة، من جهة، ومن جهة أخرى، وَجد العمال العرب أنفسهم عاجزين عن الانخراط في فروع الاقتصاد الجديدة، إذ تحتلّ الأقلّيّة العربيّة مكانة متدنّية جدًّا ولا تملك القدرة على تغييرها. تضخّمت مستويات البطالة، وهبط، في المقابل، مستوى المشاركة في قوّة العمل. ولم تتخطَّ الضربة أيًّا من شرائح المجتمع- نساءً ورجالاً؛ كبارًا وصغارًا؛ متعلّمين وغير متعلّمين.

 

بالرغم عن غياب اختبارات الإحصاء القاطعة، توصلنا في هذا البحث إلى الكثير من الاستنتاجات، واعتمدنا اعتمادًا أساسيًّا على فحص المعطيات الصادرة عن دائرة الإحصاء المركزيّة، التي تشير إلى الاتّجاهات الداعمة لادّعاءاتنا. وابتغاءَ تأكيد أو دحض الادّعاءات الواردة في هذا البحث، سنكون في حاجة، مستقبَلاً، إلى إجراء أبحاث متمحورة أكثر، تستند إلى الاختبارات المتعارَف عليها.

 

يمكن الافتراض أنّ نتائج هذا البحث لن تفاجئ الجميع. وبالرغم عن ذلك، تُسلّط هذه النتائج الضوءَ على بعض الجوانب المعتمة، والتي لا يمكن حصرها بمقولة "التمييز" المنهجيّ المتواصل الذي يمارَس ضد الأقلّيّة العربيّة في إسرائيل؛ إذ لا يفسِّر التمييز كلَّ نتائج البحث، فهو ليس إلاّ جزءًا ضئيلاً من السياسة العامّة. ولا ندّعي هنا أنّه ليس ثمّة سياسة حكوميّة مجحفة (بصرف النظر عن هويّة الحكومة) أو ليس ثمة تخاذل من السلطات. غياب السياسات وسياسةُ الأيدي المكتوفة هما جزء لا يتجزّأ من النهج الحكوميّ.

يدعم هذا البحث الافتراضَ الذي مفاده أن مؤشّر البطالة عبارة عن رمز، فهي (البطالة) نتيجة واضحة للعيان، وبواسطتها يمكن قياس عدد كبير من الإسقاطات والعوامل الخفيّة التي يصعب قياسها، أو التي يمكن قياسها لكنّها لا تجد طريقها للنشر. يمكن اعتبار نتائج البحث شاهدًا على وقوع كارثة اجتماعيّة اقتصاديّة متوقَّعة.

لا يستطيع المواطن المطّلع على مجريات الأمور في صفوف الأقلّيّة العربيّة أن يتهرّب من هذا الواقع. فجميعنا عرضة لواقع المجتمع العربيّ الأليم. تقارير الفقر، ذات الصياغة الملطَّّفة نسبيّا، ومثلها تقارير الجوع، تُمَوْضِع هذا المجتمعَ على رأس السلّم. تجاوزَ عدد الأطفال العرب الذين يعيشون تحت خطّ الفقر جميعَ الخطوط الحمراء منذ فترة طويلة، فظواهر سوء التغذية ووفاة الأطفال والإجرام وتعاطي المخدرات والتسرّب من المدارس ليست إلاّ بعضًا من إسقاطات الضائقة الاقتصاديّة. كثيرًا ما نصادف تقارير تصوّر، كتابةً وبصورة علميّة، ما يعيشه ويلمسه الكثيرون منّا يوميًّا، لكن هناك قلة ممن يستطيعون الادّعاء أنهم شاهدوا الصورة بأكملها وبكامل أبعادها.

يشكّل هذا البحث توصيفًا لإنتاجيّة أسواق عمل واقتصاد مجزَّأين وتابعين، في دولة إسرائيل التي تتفاخر بكونها ذات اقتصاد ليبراليّ ومنفتح وخالٍ من العراقيل. يشير البحث إلى تخلّف متواصل، وإلى تدهور في مؤشّرات البطالة ومستويات المشاركة في قوّة العمل في صفوف السكّان العرب. لرصد الصورة بأكملها، من المهمّ أن نقوم بإجراء أبحاث لسبر أغوار المسبّبات والمركّبات الأساسيّة لهذا الناتج. على هذه الأبحاث إبراز وتجلية الجذور الأيديولوجيّة للفكر الصهيونيّ في ما يتعلّق بمسألة سوق العمل، وكيفيّة ترجمتها إلى سياسات تنتهجها الحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة، إضافةً إلى فحص كيفيّة تبلور طابع الاقتصاد الإسرائيليّ، وفحص ماهيّة القرارات والبرامج الحكوميّة التي وُضِعت ابتغاءَ التعامل مع قضايا البطالة والتشغيل والصعوبات في سوق العمل، وفحص كيفيّة تعاملها مع ضائقة المجتمع العربيّ، وفحص وجهة السياسة الاقتصاديّة في إسرائيل، وفحص مدى إمكانيّة استغلال الأقلّيّة العربيّة للثغرات والهوامش (الضيّقة أصلاً)، كي تحسّن وضعها في عهد السياسة الاقتصاديّة الليبراليّة الراهنة. وإذا لم تكن الدولة هي العنوان لتحسين الوضع (كما لم تكن سابقًا بالنسبة للأقلية العربية، لكنّها اليوم أقلّ فاعليّة في اللعبة الاقتصاديّة والعالم أكثر انفتاحًا)، فإنّنا ملزمون بالانتظام للعمل الجماعيّ الذي يرافقه رؤيا مستقبليّة وإدراك للواقع وطموح وبرامج للتغيير.

 

نحن ملزمون كذلك بفحص الذات في هذه المعادلة، كأقلّيّة قوميّة في دولة إسرائيل، وعلينا أن نسأل: ماذا فعلنا؟ كيف أردنا التعامل مع هذه القضايا من النواحي السياسيّة والتشريعيّة، ومن ناحية أداء قياداتنا السياسيّة؟ ماذا كان دور قطاع الأعمال الخاصّ؟ أين أخطأنا؟ والأهمّ: ما الذي لم نفعله؟.

 

 

المصطلحات المستخدمة:

دورا

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات