المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

لو أن الأرقام تتكلم..

الطفلة إيمان الهمص إبنة الـ 13 عاما تتعرض لجريمة حتى بعد قتلها. ليس فقط تلك الجريمة التي سبق وتعرّضت لها بعد قتلها وتمثّلت بـ "التأكّد من قتلها" بصلية أوتوماتيكية من الرصاص بعد أن قضت (سبقتها رصاصتان أخريان، إضافة للرصاصات التي قتلتها..). ولا جريمة التلفيق التي برّأ أنفسهم من خلالها الجنود وضابطهم المباشر والمسؤولون عنهم، وتلقفها رئيس أركان جيش الاحتلال موشيه يعلون ليصدر صك براءة جماعي للجنود/ شهادة هدر دم لإيمان.


الجريمة التي تتواصل هي التي تعكسها الوقاحة العسكرية الهادفة لتحقيق مكاسب حتى من الكشوفات التي تؤكد تورّط جنود وضابط بالقتل، رغم المعرفة المسبوقة أن هدف الرصاص هو طفلة "في العاشرة من عمرها، ميتة من الخوف"، كما قال جندي نقطة المراقبة عبر شبكة اللاسلكي حين كانت إيمان لا تزال على قيد الحياة. تلك الوقاحة تتمثّل بمحاولة تصوير ما جرى بـ "الأمر الشاذ"، وكأنه حادث يتيم. وهذه جريمة مستمرة بحق ايمان، وليس وحدها.

يعلون يعقّب

يوم الأربعاء 24/11 اضطر يعلون للتعقيب وقال: "لقد نجمت عن هذه الأحداث مسائل تتعلق بالقيم، ويتحتم علينا علاجها، وأنا مصرّ على القيام بذلك. إن المصداقية وقول الحقيقة يعتبران من الأمور الأساسية التي نعتمد عليها". وكان يشير هنا الى تلفيق التحقيق العسكري الميداني الذي يتألف من "كل شيء سوى الحقائق"، كما قالت د. ايلانه ديان التي كشفت الوقائع الخطيرة في برنامجها التلفزيوني "عوفداه"، مطلع الأسبوع.

يعلون أضاف أنه "يعمل على معالجة عدة قضايا تتعلق بالقيم في الجيش".
فهو يصرح بشكل يسعى من خلاله لجعلنا نعتقد أنه قاضٍ في المحكمة العليا أو في "لاهاي" أو مبعوث حيادي للأمم المتحدة، وليس المسؤول رقم واحد عن هذه الموبقات. بعدها يقول إنه "أحيانا يحدث فشل ما"، ويتابع "لا أعتقد أنه يجب المبالغة في هذه القضية، إنها قائمة، لكننا نعرف كيف نعالجها".
القضية الخطيرة (المستندة إلى أسلوب معيّن جدًا من فن الكذب المنظّم!) هي هذا الاختزال الديماغوغي اللئيم للجرائم العسكرية المتواصلة وتقزيمها في حدود "فشل ما" و "خطأ ما" و"حادث شاذ" و "خلل مؤسف" والى آخره.

الأمثلة تكذّب

حتّى تتدعّم نظرية الجيش، فيما يلي عدد من "الأخطاء" و"الحوادث الشاذة" التي اختيرت عشوائيًا:
الطفل محمد سليمان حمايدة، كان عمره 11 عامًا، حين قتله جنود الاحتلال بالرصاص في بلده دير البلح يوم 24/10/2003. (لم يجرِ التحقيق في قتله).
الطفل تامر نزار عرار، 11 عامًا، من قرية قراوة بني زيد - رام الله قتله جنود الاحتلال بعيار ناري في الرأس اثناء اقتحام قوات الاحتلال لمدرسة القرية يوم 26/05/2003. (لم يجرِ التحقيق في قتله).
الطفل أحمد عباد عباهرة عمره 14 عامًا، من جنين أطلقت عليه قوات الاحتلال النار عندما كان مع أقرانه خلال اقتحامها لمدينة جنين ومخيمها عصر يوم 24/03/2003. (لم يجرِ التحقيق في قتله).
الطفلة صابرين علي العاطل، كانت في الـ 13 عمرها عندما قصفت قوات الاحتلال منزل المواطن محمد سلامة في حي عباد الرحمن مما أدى إلى تدمير المنزل وعدد من المنازل المجاورة وكذلك إصابة العديد من المواطنين 28/01/2003. صابرين قُتلت. (لم يجرِ التحقيق في قتلها).
الطفل لؤي محمد التميمي، 11 عاما، من قرية دير نظام - رام الله قضى متأثراً بجراحه بعد أسبوع على اطلاق جنود الاحتلال الرصاص واصابته بجروح خطيرة في الرأس في 01/04/2001. (لم يجرِ التحقيق في قتله).
الطفل بشير أبو عرمانة، 14 عاما، قتله جنود الاحتلال يوم 12/02/2004 في رفح، بعيار ناري في الرأس. (لم يجرِ التحقيق في قتله).
الفتى سامي بدوي، 15 عاما من حي الزيتون – غزة، قتله الاحتلال خلال اقتحام قواته حي الزيتون جنوب مدينة غزة حيث قامت مروحياته ودباباته بإطلاق القذائف في المنطقة السكنية المأهولة. (لم يجرِ التحقيق في قتله).
الطفل محسن الداعور، 11 عاما، قتله جيش الاحتلال بالرصاص حين كان مع رفاق له يصطادون العصافير قرب المقبرة الشرقية في 22/01/2004. (لم يجرِ التحقيق في قتله).
أمجد بلال المصري، 15 عاما من نابلس، قتله جنود الاحتلال بالرصاص خلال اجتياح للبلدة القديمة في 3/1/2004. (لم يجرِ التحقيق في قتله).
وهذه أمثلة فقط من بين مئات (مئات!).

الأرقام لا تكذب

والآن الى الارقام الفظيعة بحد ذاتها، والتي تزيد بنفسها من فظاعة الأمر كونها تبقى أرقامًا تختفي خلفها وجوه وعيون وأمهات وقبور لأطفال.
قبل ذلك، إشارة:
تنص "اتفاقية حقوق الطفل"، التي اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 44/25 المؤرخ في 20 تشرين الثاني 1989 في "المادة الأولى" من "الجزء الأول"، أنه "لأغراض هذه الاتفاقية، يعني الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه".

حسب معطيات نشرتها وزارة الصحة الفلسطينية قبل نحو شهرين بمرور أربعة اعوام على الانتفاضة الثانية فإن عدد المغدورين الاطفال برصاص أو قصف قوات الاحتلال خلال سنوات الانتفاضة الاربع وصل الى 772 طفلا، بينهم 178 طفلا خلال العام الرابع. أما عدد الجرحى - وهو الأمر الذي بالكاد يجري التعامل معه - فقد تجاوز 52 الف وخمسمائة انسان بينهم آلاف الأطفال، خلال السنوات الاربع الاخيرة.
أما المركز الفلسطيني لحقوق الانسان (وهو تنظيم عضو في لجنة الحقوقيين الدوليين في جنيف) فيؤكد في تقرير أصدره بنفس الفترة أن عدد المدنيين من بين القتلى وصل الى 2477 مغدورة ومغدورا، بينهم مئات الأطفال.
بالاضافة، فيما يلي الارقام التي يوردها مركز حقوق الانسان الاسرائيلي "بتسيلم"، وهي تجمل عدد القتلى برصاص وقذائف جنود الاحتلال ممن يقلّ عمرهم عن 18 عاما:
ايلول 2000 : قتل الاحتلال (خلال يومين) 14 طفلا. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
تشرين الاول 2000 : قتل الاحتلال 29 طفلا. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
تشرين الثاني 2000 : قتل الاحتلال 40 طفلا. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
كانون الاول 2000 : قتل الاحتلال 10 اطفال. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
كانون الثاني 2001 : قتل الاحتلال طفلين. (لم يجر التحقيق في قتلهما).
شباط 2001 : قتل الاحتلال 4 اطفال. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
اذار 2001 : قتل الاحتلال5 اطفال. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
نيسان 2001 : قتل الاحتلال 8 اطفال. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
ايار 2001 : قتل الاحتلال 7 اطفال. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
حزيران 2001 : قتل الاحتلال 4 اطفال. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
تموز 2001 : قتل الاحتلال 6 اطفال. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
اب 2001 : قتل الاحتلال 4 اطفال. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
ايلول 2001 : قتل الاحتلال 12 طفلا. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
تشرين الاول 2001 : قتل الاحتلال 7 اطفال. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
تشرين الثاني 2001 : قتل الاحتلال 9 اطفال. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
كانون الاول 2001 : قتل الاحتلال 14 طفلا. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
كانون الثاني 2002 : قتل الاحتلال طفلين. (لم يجر التحقيق في قتلهما).
شباط 2002 : قتل الاحتلال 7 اطفال. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
اذار 2002 : قتل الاحتلال 21 طفلا. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
نيسان 2002 : قتل الاحتلال 26 طفلا. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
ايار 2002 : قتل الاحتلال 11 طفلا. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
حزيران 2002 : قتل الاحتلال 11 طفلا. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
تموز 2002 : قتل الاحتلال 12 طفلا. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
آب 2002 : قتل الاحتلال 11 طفلا. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
أيلول 2002 : قتل الاحتلال 9 اطفال. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
تشرين الاول 2002 : قتل الاحتلال 21 طفلا. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
تشرين الثاني 2002 : قتل الاحتلال 12 طفلا. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
كانون الاول 2002 : قتل الاحتلال 12 طفلا. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
كانون الثاني 2003 : قتل الاحتلال 12 طفلا. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
شباط 2003: قتل الاحتلال 11 طفلا. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
اذار 2003 : قتل الاحتلال 15 طفلا. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
نيسان 2003 : قتل الاحتلال 12 طفلا. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
ايار 2003 : قتل الاحتلال 18 طفلا. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
حزيران 2003 : قتل الاحتلال 5 اطفال. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
تموز 2003 : قتل الاحتلال طفلا واحدا. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
آب 2003 : قتل الاحتلال 3 اطفال. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
أيلول 2003 : قتل الاحتلال 7 اطفال. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
تشرين الاول 2003 : قتل الاحتلال 14 طفلا. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
تشرين الثاني 2003 : قتل الاحتلال 11 طفلا. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
كانون الاول 2003 : قتل الاحتلال 10 اطفال. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
كانون الثاني 2004 : قتل الاحتلال 8 اطفال. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
شباط 2004 : قتل الاحتلال 3 اطفال. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
آذار 2004 : قتل الاحتلال 18 طفلا. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
نيسان 2004 : قتل الاحتلال 16 طفلا. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
أيار 2004 : قتل الاحتلال 35 طفلا. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
حزيران 2004 : قتل الاحتلال 6 اطفال. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
تموز 2004 : قتل الاحتلال 17 طفلا. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
آب 2004 : قتل الاحتلال 9 اطفال. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
أيلول 2004 : قتل الاحتلال 25 طفلا. (لم يجر التحقيق في قتلهم).
تشرين الاول 2004 : قتل الاحتلال 16 طفلا. (لم يجر التحقيق في قتلهم).

بالمجمل: عدد الاطفال الذين قتلهم جيش الاحتلال حتى 15 تشرين الاول وصل إلى 592 طفلا، حسب معطيات "بتسيلم".
(سبب التفاوت في عدد المغدورين الاطفال بين المصدر الفلسطيني الرسمي والمصدر الحقوقي الاسرائيلي غير واضح. أحد الاحتمالات هو أن هناك أطفالا سقطوا متأثرين بجراحهم بعد فترات مختلفة على إصابتهم. وفي أية حال، لا يزال العدد بالمئات خلال 4 سنوات).

الجيش يتهرّب

لماذا لم يجرِ التحقيق مع المسؤولين عن قتل حوالي 600 حتى 700 طفل فلسطيني، في السنوات الأربع الأخيرة؟.
الجيش نفسه يعترف أنه منذ ايلول 2000 وحتى نهاية العام 2003 قُتل 2353 انسانا فلسطينيا بمن في ذلك الأطفال. لن نتناقش هنا في الأرقام. ولكن الحقيقة الرسمية، التي كُشفت في لجنة الخارجية والأمن البرلمانية اعتمادا على تقارير ومعطيات الجيش نفسه، هي أن الجيش لم يفتح تحقيقا ضمن اجراءات قضائية واضحة (وليس مجرد اجراء ما يسمى "تحقيق ميداني")
سوى في 72 حالة قتل فقط، منذ ايلول 2000 وحتى كانون الاول 2003 (ليس في قتل الاطفال او القتل عامة فقط، بل منها حوادث سرقة ونهب واعتداءات عنيفة ايضًا).
أما ما انتهى بلوائح اتهام منها فقد وصل إلى 13 حالة فقط، وكان عدد الإدانات يعدّ على أصابع اليد الواحدة.
هذه هي "القيم" التي يتحدث عنها الجنرال يعلون.
هذا هو "الجيش الأكثر أخلاقية في العالم".
هذه هي الصورة التقريبية لرواية الجيش: "فشل ما" و"خطأ ما" و"حادث شاذ" و"خلل مؤسف" والى آخره.
هذا هو النظام الذي يقتل مئات الأطفال الفلسطينيين، ويحوّل مئات الشبان الاسرائيليين الى قتلة. أولئك ضحاياه، وهؤلاء أيضًا.
وتحية حارة لرافضي خدمة الاحتلال..

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات