المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات وأراء عربية
  • 917

لا يختلف اثنان على ان ظاهرة العملاء في صفوف الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة باتت خطيرة للغاية، لا بل يمكن اعتبارها من اخطرالامراض المتفشية في المجتمع الفلسطيني، والتصفيات التي يقوم بها الاحتلال الاسرائيلي لرموز المقاومة تؤكد ان الخونة والعملاء استطاعوا اقتحام الدوائر المغلقة وتزويد المخابرات الاسرائيلية بمعلومات تمكنها من تنفيذ جرائمها. اكتب هذه الكلمات بعد ان انتهيت في هذه الايام من مطالعة كتاب جديد صدر مؤخرا باللغة العبرية لمؤلفه د. هيلل كوهين، وهو مستشرق يدرس موضوعي الاسلام والشرق الاوسط في الجامعة العبرية في القدس. الكتاب الذي يحمل عنوان "جيش الظل: عملاء فلسطينيون في خدمة الصهيونية" هو كتاب مثير للغاية ليس من ناحية السرد، انما بسبب الجرأة التي يعالج فيهاالكاتب، وهو بالمناسبة محسوب على ما يسمى اليسار الاسرائيلي الصهيوني، موضوع العملاء، حيث يتطرق الى الفترة الواقعة بين العام 1917 وحتى النكبة المشؤومة عام 1948. وللتنويه فقط نشدد في هذا السياق على ان المؤلف هو صهيوني، وبالتالي فان كتابه قد يكون جاء ليعزز الرواية الاسرائيلية حول ما حدث.

 

مع ذلك يجب التوقف عند هذا الكتاب والمعلومات التي وردت فيه وعدم الاكتفاء بدحض ما جاء فيه بصورة عاطفية. ونعتقد انه من منطلق المسؤولية الوطنية يجب التعامل مع الكتاب بنظرة علمية وعملية والرد عليه باسرع وقت ممكن، لانه في المحصلة العامة يوجه اتهامات خطيرة للفلسطينيين حيث يقول ان الاف الفلسطينيين كانوا وما زالوا عملاء للحركة الصهيونية منذ بداية القرن العشرين، منهم سماسرة الارض وعملاء سريون، تجار اسلحة ومنفذو عمليات قتل مدفوعة الاجر ( مرتزقة)، سياسيون رفيعو المستوى, قرويون عاديون, قيادات العمال ومحاربون واخرون. ويخلص الكاتب الى القول ان هؤلاء كانوا الطبق الذهبي الذي قامت عليه الدولة العبرية، فنشاطاتهم كان لها تاثير مركزي على مقدرة اسرائيل العسكرية والمخابراتية وعلى خريطة الاستيطان وعلى ترسيم حدود الدولة اليهودية. ويضيف المؤلف انه عندما بدأت الحرب المصيرية في العام 1948 كان الفلسطينيون مشرذمين ولا رغبة لديهم في القتال، وعليه جاءت الضربة الاسرائيلية القاصمة، النكبة.

ويقول المؤلف او يمكن استعمال مفردة يزعم بان الكتاب يعتمد على الاف الؤثائق التي ما زالت حتى يومنا هذا سرية للغاية، ولكنه لا يفصح لنا كيف وصل اليها واعتمد عليها، هذا التنويه من طرفه يثبت ان وراء الاكمة ما وراءها.

على اية حال, المثير في الكتاب انه يورد اسماء عشرات العائلات الفلسطينية من سكان فلسطين التاريخية، الذين تعاملوا مع الحركة الصهيونية وقدموا لها الخدمات المختلفة من بيع الاراضي وحتى التامر على ابناء شعبهم. لا نريد في هذا السياق ان نورد اسماء العائلات والاشخاص والشخصيات الذين وردت اسماؤهم وافعالهم في الكتاب، لاننا اذا قمنا بذلك سنخدم من حيث لا ندري الرواية الاسرائيلية الرسمية حول ما حدث.

باعتقادنا ان مراكز الابحاث الفلسطينية في الوطن والشتات ملزمة بمعاينة الكتاب بعيدا عن العواطف والرد عليه باسرع وقت ممكن، لان تجربتنا مع الحركة الصهيونية تقودنا الى التفكير بان الاسرائيليين سيقومون بترجمته الى لغات عديدة، وعلى الاغلب الى العربية ايضا لشرعنة اغتصاب فلسطين واقناع الرأي العام العالمي بان الفلسطينيين هم الذين باعوا ارضهم وبلادهم ووطنهم.

نقولها بصراحة متناهية لا يكفي ان نقول بان الكتاب هو كتاب صهيوني لمؤلف مستشرق يحاول الطعن والتشهير والتجريح الاحراج، لا يكفي ان نعفي انفسنا من الرد عليه بالقول انه كتاب آخر هدفه خدمة الصهيونية وموبقاتها، علينا كابناء هذا الشعب ان نقاوم هذه الرواية الاسرائيلية ورد الصاع صاعين ولكن بنفس الطريقة التي تعامل بها المؤلف مع الكتاب، واذا تبين لنا ان عائلة فلان او عائلة علان قامت فعلا ببيع الاراضي وقدمت عائلة اخرى خدمات مختلفة للحركة الصهيونية، علينا ان نتعامل معهم وان نذبح البقر المقدس، والا نتورع عن فضح هذه العائلات والقيادات. من ناحية اخرى فاننا ملزمون بتقديم لائحة دفاع علمية للرد على لائحة الاتهام التي قدمها الكاتب الاسرائيلي ضدنا، وذلك لرد الاعتبار للعائلات التي ذكرت في الكتاب، ليس هذا فحسب, نقول للاسف الشديد ان عدم معالجة ظاهرة العملاء على اختلاف انواعهم ستؤدي في نهاية المطاف الى استفحال الظاهرة اكثر واكثر, علينا ان نتدارك الامور واستباق الاحداث لكي لا نندم حين لا ينفع لندم,لان من باع حبة تراب من ارض فلسطين للحركة الصهيونية هو اخطر بكثير من العميل الذي يقدم المعلومات عن تحركات النشطاء الفلسطينيين تمهيدا لتصفيتهم, لان الارض التي بيعت لا يمكن استرجاعها, اما لنشطاء الذين انضموا الى قافلة شهداء فلسطين فشعبنا اثبت انه يملك القدرات على النهوض وايجاد قيادات بديلة لمواصلة النضال من اجل التحرر واقامة الدولة الفلسطينية العلمانية الديمقراطية وعاصمتها القدس.

وعلينا ان نذكر وتنذكر ان معركة الشعب الفلسطيني مع الحركة الصهيونية لا تقتصر فقط على ساحة القتال.

(*) الكاتب هو رئيس تحرير صحيفة "كل العرب" التي تصدر أسبوعيًا من الناصرة.

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات