المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات وأراء عربية
  • 926

في هذه الدنيا ما يضحك وما يبكي، فهناك في إسرائيل 30 لاجئا سياسيا عراقيا يعيشون في مستوطنة إسرائيلية بانتظار العودة إلى العراق بعد سقوط النظام. وها هو النظام قد سقط والعراق لم يعد هو نفس العراق السابق؛ رحل البعث وجاء العبث؛

انهار النظام وذهب صدام، لكن برزت أسماء ووجوه ما كان يحلم أو يسمع بها أي عراقي باستثناء الذين يغمزون من قناة إسرائيل وأمريكا، والبعض الآخر الذي كان أو لا زال في المنافي العديدة "إما يحلم أو يستحلم". إذن فليحلم الحالم بحلم ليلة صيف عراقية تستحم فيها الورود بالمزهرية، أما "المستحلم" فلينعم بكنيس يهودي جديد أو راقصة عصرية ترقصه على أنغام الراب والبوب الأمريكي.


أما الـ 30 مواطنا من العراقيين الذين ارتضوا التسلل إلى فلسطين المحتلة وتقديم اللجوء عند الإسرائيليين في بداية التسعينات رغم إدراكهم ومعرفتهم بأن إسرائيل دولة معادية للعرب؛ هؤلاء الذين بجهلهم أو انكسارهم بعدما ضاقت بهم أرض العرب وذبحت أحلامهم بحربة حمامة في مدينة مثل عمان، أو بحربة صرصور في عاصمة مثل القاهرة؛ هؤلاء كي يهربوا من الجريمة التي ترتكب بحقهم ارتكبوا هم أنفسهم جريمة اكبر بحق أنفسهم. لقد كان لهؤلاء الأشخاص حلم من وهم وأمل، وهم أن الديمقراطية الإسرائيلية سوف تكون أفضل من ديكتاتورية بلادهم وسوف تحميهم وتعطيهم حق اللجوء السياسي أو مكانة اللاجئين.

لكن هؤلاء المساكين والمستضعفين بدلا من الحصول على اللجوء في كيان القمع والإرهاب الأول في عالم الديكتاتوريات الأبارتهايدية التي تتستر بلباس الديمقراطية والحضارة الغربية، ألقي بهؤلاء اللاجئين في السجون الإسرائيلية لسنوات طويلة. تعرضوا خلالها للتعذيب والتنكيل باعتبارهم مشروع تجسس وعمالة أو خطرا أمنيا على كيان إسرائيل. وتم الإفراج عنهم على دفعات بعد فترة سجن استمرت من 6-8 سنوات في السجون الإسرائيلية. وكان بعضهم غادر إلى الدول الاسكندنافية التي منحتهم حق اللجوء السياسي بينما الآخرين يسكنون وينتظرون في مستوطنة إسرائيلية بانتظار حل لقضيتهم.

رفع نصف هؤلاء اللاجئين السياسيين العراقيين دعوى قضائية في المحكمة المركزية في تل أبيب ضد الدولة الإسرائيلية يطلبون فيها بتعويض عن فترة السجن والاحتجاز وعن التعذيب الذي تعرضوا له في السجون الإسرائيلية. وكانت سلطات الجيش الإسرائيلي أصدرت في الماضي توصية تقول بأن العراقيين لم يعذبوا. لكن شهادات بعض اللاجئين العراقيين أثبت أنهم تعرضوا لأصناف عديدة من التعذيب والضرب اليومي لمدة ثلاثة أشهر وكانوا يتهمون بأنهم جواسيس وتطالبهم السلطات أثناء التعذيب بالاعتراف بالتهم الموجهة لهم، ورفضوا ذلك مرارا.

هؤلاء العراقيين الذين اضطروا للتسلل إلى فلسطين المحتلة وطلب اللجوء عند الإسرائيليين هم قبل كل شيء ضحايا قمع النظام السابق وكذلك ضحايا المعاملة العربية السيئة التي عوملوا بها في بعض البلاد العربية. فلو كانوا تلقوا معاملة إنسانية وحضارية في بلادنا العربية لما كانوا فكروا بالتسلل إلى الدولة اليهودية التي تعتبر عدوا للعرب أجمعين. لكن هذا واقع حال البلاد العربية، فهي تجعل من أبناءها مشاريع لاجئين ومشردين ومساجين ومعتقلين وأيضا عملاء وجواسيس على بلادهم. وكلنا أمل بأن إسرائيل خلال هذه السنوات الطويلة لم تتمكن من تنظيم أي من اللاجئين العراقيين المذكورين أو غيرهم للعمل جاسوسا وعميلا لخدمتها وفي خدمة مصالحها.

وبينما كانت إسرائيل تعذب وتسجن المظلومين العراقيين كانت الأنظمة العربية تعذبهم أيضا وتعاملهم معاملة غير إنسانية. وبالنسبة للفلسطيني فأن هذه المعاملة العربية معروفة وعاشها ولا زال يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في مخيماتهم ومنافيهم. لذا فالفلسطيني أول من يفهم هؤلاء العراقيين وأول من يبدي تعاطفه معهم كحالات إنسانية لكنه لا يستطيع أن يهضم فكرتهم التي قادتهم للتسلل وطلب اللجوء عند نظام يفوق بلا ديمقراطيته وعنصريته ضد العرب كل أنظمة العنصرية والديكتاتورية في العالم.

هكذا عاملت إسرائيل الضحايا العراقيين، أما في عراق الحرية الأمريكية فيقوم الجنود اليهود الأمريكيون في جيش الاحتلال ببناء وإقامة كنيس يهودي داخل أحد المعسكرات في جنوب العراق، وقد أقام هؤلاء الجنود اليهود احتفالاتهم بعيد الفصح داخل هذا الكنيس. وذكرت المصادر الإسرائيلية أنه يوجد 2000 جندي يهودي أمريكي في عداد القوات الأمريكية الموجودة في العراق. وكان هؤلاء خلال الحرب يحصلون على طعام خاص بهم وحسب الشريعة اليهودية، مع أن الجيش الأمريكي في أثناء الحرب كان يعاني جنوده من شح وقلة الوجبات ونقص في الأغذية، لكن ذلك لم يمنع الجيش من الالتزام بالتقاليد والشريعة اليهودية وتزويد هؤلاء الجنود بطعامهم الخاص وذلك بواسطة طائرات خاصة إسرائيلية قامت بنقل الطعام لهؤلاء الجنود اليهود مباشرة من تل أبيب إلى مناطق تواجدهم في كافة الأراضي العراقية طولا وعرضا. كما كانت وزارة الأديان الإسرائيلية أوفدت إلى العراق عددا من الحاخامات لإقامة الشعائر الدينية اليهودية بعيد الفصح. وقالت نفس المصادر الإسرائيلية أن عدداً من هؤلاء الحاخامات سيزورون عدداً من الكنس اليهودية في بغداد و أور ( أبراهام أبينو) وبعض الأماكن التاريخية التي تعتبر مقدسة لدى اليهود ويعود تاريخها لسيدنا إبراهيم عليه السلام قبل توجهه إلى فلسطين.

وبالطبع فأن القوات الأمريكية هي المسئولة عن حماية الحاخامات وفي حال نجحت زيارتهم فسوف تتفق إسرائيل مع المتفتحين من المعارضة العراقية (الجلبي، مكية وباقي العصابة) لإنشاء خمس كنس يهودية في مواقع أثرية مختارة. طبعا هذه الأخبار تجعلنا نتخوف على مستقبل العراق ونستعيد كتابات وأفكار الحركة الصهيونية التي تقول بأن أرض إسرائيل هي من الفرات إلى النيل.

اليوم كنيس وغدا مدينة يهودية.

هكذا احتالوا على العالم في فلسطين حتى حولوها بالقهر والتآمر إلى أرض إسرائيل وهكذا تبدأ الحكاية في عراق ما بعد البعث وفي عراق العبث ونحن نحيي ذكرى نكبة فلسطين وهم يحتفلون بقيام إسرائيل.

اوسلو

http://home.chello.no/~hnidalm

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية, اوسلو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات