المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • المكتبة
  • 985

(*) الكتاب: قاضٍ في مجتمع ديمقراطيّ

(*) المؤلف: أهارون باراك

(*) الناشر: دار النشر في جامعة حيفا 2004، منشورات كيتر ومنشورات نيفو، 551 صفحة.

شارك عدد من المحامين والمحاميات الإسرائيليين في مؤتمر دوليّ حول انتهاكات حقوق الإنسان في المناطق المحتلة. وقبيل بداية المؤتمر، وزّعت السفارة الإسرائيلية مقتطفات من قرارات حكم أصدرها رئيس المحكمة العليا، القاضي أهارون باراك. وكانت مفاجأة المحامين كبيرة فقد اعتزموا منذ البداية التطرّق إلى هذا الحكم - إذ كانوا هم طرفًا فيه- بغرض إظهار الفجوة الكبيرة بين الفصاحة والبلاغة (rhetoric) ونتيجتها. ولا نتحدّث هنا عن حالة وحيدة. فالمرافعة عن دولة إسرائيل أمام لجان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لا ترتكز على قرارات الحكومة الإسرائيلية، أو على أقوال الوزراء، ولا على القوانين التي سنّها الكنيست، بل على فصاحة وبلاغة قرارات الحكم التي يصدرها باراك. هكذا حوّل الجهاز السياسي باراك القاضي إلى محامي الدفاع عن السياسة الخارجية لإسرائيل.

ومن سخريات القدر أن هذا الخطاب يخلق توترًا في الحلبة الداخلية الإسرائيلية بين باراك والجهاز السياسي، الذي يلقى بدوره دعم وتأييد بعض القانونيين المرموقين في الأكاديمية. هذا الكتاب يعالج هذا التوتر، وبؤر التوتر الأخرى بين باراك ومن يختلفون معه حول مفاهيمه القضائية.

جاء الكتاب بصيغة الضمير المتكلّم، وهو ما مكّن باراك من الابتعاد عن أسلوب الكتابة المؤسّساتية التي تميّز القضاة. عمومًا، لا يتناقش القضاة مع من يخالفونهم، لأنهم يمثلون الفخامة الرسمية، ولا يكشفون عن تخبّطاتهم ولا يعترفون بأخطائهم، لأنّهم يصدرون الأحكام ويحدّدون الحكم المستقرّ والقويم. أما بخصوص البلاغة لديه فيقول باراك "للبلاغة القوية صدًى قويّ"، تعود أفضليتها إلى قدرة الجمهور الواسع على استيعابها. ويدّعي باراك- وبحق- أنه وبفضل مصطلح "الثورة الدستورية"، مثلا، تعاظم الوعي لخطاب الحقوق الدستورية. في المقابل، يعبّر باراك عن ندمه لاستعماله خطاب "الجمهور المتنور"، الذي فُهِم، على عكس ما قصده، بأنّه تحفظ من الجمهور المتدين.

يُحوّل أسلوب باراك الغني، والذي يشتمل على روايات وأحداث قضائية، النص المؤسساتي إلى نص حي، والى جزء من الحياة. ويقول باراك إن ثقة الجمهور بالمحكمة هي أعز ما يملك العمل القضائي. ادعى محامي دفاع الحاخام أرييه درعي أمامه، أن من شأن الفحص المجدد لإدانة درعي تعزيز ثقة الجمهور بالمحكمة. ويجيب باراك أن المقصود هنا ليس مدى الشعبية، بل الثقة بمهنية وحيادية القضاة. يحمل هذا الموقف، باعتقادي، بعض الإشكالية. فكلنا نعلم أن الجمهور ليس "مهنيا"، ويتكون من ثقافات مختلفة، لذا تحمل "الحيادية" معاني مختلفة. كيف يمكن، إذا، ضمان هذه الثقة الغالية؟ وهل لا يوجد مكان للشعبية الجماهيرية بالفعل؟ وعن أي جمهور نتحدث؟ ولماذا يحتاج القضاة لمثل هذه الثقة؟ فرجال الشرطة في مجتمعات ذات تقاليد ليبرالية، كالولايات المتحدة، لا يتمتعون بشعبية عالية بين الناس، والقضاة هناك يحصلون على تعيينهم من قبل المستويات السياسية. وعلى الرغم من ذلك، يُؤدي الجهاز وظيفته بشكل لائق، لأن القانون يحظى بالاحترام، وليس بسبب الثقة بالشرطيين أو بالقضاة.

للقاضي، وفق باراك، وظيفتان أساسيتان: تتجسّد الأولى، في إدخال التغييرات على القانون كي يتلاءم مع الواقع المتجدد. أما الوظيفة الثانية، فهي المحافظة على الدستور بواسطة النقد القضائي (Judicial Review) للتشريع. ويُلزم هذا الأمر الحرص الشّديد على قيم الدولة كـ"دولة يهودية ديمقراطية"، التي تشمل مبدأ سيادة الشعب، وفصل السلطات، وسيادة القانون، والاستقلالية القضائية وحقوق الإنسان. يُطلق باراك تحذيرا بأنه إذا ما تم سن قانون يقضي بنقل صلاحية الحسم في دستورية قانون ما، من المحكمة إلى الكنيست فعندها "يكون هذا القانون غير دستوري". ويضيف باراك أن هذا السيناريو ليس افتراضيا أو نظريا بالمرة. فقد حصلت محاولة للمس بمبدأ فصل السلطات في جنوب أفريقيا، عام 1952 ، وتم إجهاضها، على ضوء القرار الذي أصدرته المحكمة العليا. هناك وربما ما يقصده باراك هو انه إذا ما شطبت المحكمة الجنوب افريقية هذا الأمر في فترة الأبارتهايد، وفي غياب الدستور، فكم بالحري عندما يدور الحديث عن المحكمة العليا الإسرائيلية.

ويدعي باراك انه لا يمكن تحقيق وظائف القاضي إلا إذا توفرت إمكانية إمعان النظر القضائية (Judicial Discretion)، أي حُريّة الاختيار بين عدة طرق للعمل، تنضوي جميعها تحت راية القانون. ويضيف باراك بوجوب ممارسة هذا الأمر بشكل موضوعي، مما يُلزِم القاضي فحص اعتبارات تتعدى موقفه الشخصي، وتتلاءم مع قيم الدولة، كدولة "يهودية وديمقراطية". لا تَقبل النظريات النقدية الأمر بهذه البساطة: فكيف يمكن أن نَضمَن الشرعية لاختيارات القاضي عندما يقوم هو نفسه بتحديد ما هو قانوني؟ ألا يدور الحديث هنا عن خيارات شخصية-قِيَميّة؟ وهل تُجرى امتحانات "موضوعية" لفحص هذه "الموضوعية"؟

وماذا عن القضايا ذات الصبغة السياسية الواضحة؟ هل يعود أمر كهذا للمحكمة؟ ويجيب باراك، دون أن يساوره الشك: "حتى أكثر القرارات سياسية يجب ترسيخها بقرار حسب القانون"، ويضيف:" لا سياسة بدون القانون". ويدّعي من يُخالفه الرأي في صفوف الجمهور الإسرائيلي بضرورة تحويل المعضلات القِيَميّة المجتمعية للجهاز السياسي الذي انتخبه الجمهور. يدور الحديث إذا، للوهلة الأولى، عن ادعاء ديمقراطي.

لكن دراسة موقف من يخالفون باراك تكشف، برأيي- ولا يتطرق باراك لهذا الأمر في كتابه- عن أن الحديث لا يدور عن معارضة قانونية موضوعية، بل عن معارضة قِيَميّة لحقوق الفرد الأساسية: فباراك لم يمارس نشاطا قضائيا(Judicial Activism) استثنائيا في محكمة قعدان عندما حدّد حظر تمييز المواطن العربي في القبول للسكن في بلدة يهودية، لكن دوافع الانتقادات التي وجهها من اختلفوا معه هي أن حظرا كهذا يتعارض مع تصورهم للدولة اليهودية. وعندما حدد باراك مؤخرا- في أوج نشاطه القضائي الاستثنائي- من هو يهودي حسب قانون العودة (تهوّد القفزة)، صمت الكثير من معارضيه، لأنهم اتفقوا مع المحصلة، التي تلائم مفاهيمهم الصهيونية. وهذا ما حصل عندما اصطدمت الحريات الفردية بـ"قيم التقاليد والأعراف": حيث كان هناك من عارض قرار حكم دنيلوفيتش الذي يمنح حقوقًا متساوية لزوجين مِثليين (في هذه الحالة لم يكن باراك الناشط بشكل استثنائي بل قاضي الأقلية الذي طلب إلغاء قرار محكمة العمل)، لكنهم أيدوا قرار باراك الذي أبقى على حظر العمل في أيام السبت، على الرّغم من أنّ الأمر يشكّل للوهلة الأولى، تقييدًا لحريات الفرد، حيث يتم التمييز بين تحديد يوم وطني للراحة، وبين فرض العقوبات على العمل في هذا اليوم.

في المقابل، يتجاهل باراك الادعاء المركزي والأهم، الذي يسوّغ موقفه حول إخضاع التشريع للنقد القضائي: ضرورة الدفاع عن حقوق الأقلية مقابل الأغلبية. وعلى الرغم من تطرّق باراك، بإيجاز، لمسألة الدفاع عن الأقلية العددية، لكن جميع القرارات الديمقراطية تضم أمرا كهذا، بما في ذلك قرارات المحاكم الذي تصدرها الأغلبية مقابل الأقلية. تتطرق الأدبيات بشكل صريح للأقلية التي تعيش حالة من الاختلاف المتفرّد ( distinct minority)، وأبرز هذه الأقليات، في الحالة الإسرائيلية، هي الأقلية العربية. لذا يُضعِف غيابُ التطرق لأقليةٍ كهذه من الإدعاءات النظرية التي يطرحها باراك. وربما يساعد هذا الأمر باراك سياسيا، في صفوف من لا يَهتدون بالقيم الديمقراطية. بالمناسبة، لم تحدد المحكمة العليا الإسرائيلية اختبارا يَعترِفُ بالاختلاف المُتَفرِّد للأقلية العربية، مما خلق ضبابية قضائية بخصوص تمييز العرب، وأدى إلى دحض غير مسوَّغٍ لعدد من الالتماسات.

يُتَخيّل، أحيانًا، أنّ السّجال الدّائر بين باراك ومن يخالفونه بخصوص النقد القضائي مُبعثرٌ على نحو ما، ويختلف عما هو مُتعارفٌ عليه في الفلسفة السياسية للحقوق. ويقول المفكّر هومي بابا حول هذا الأمر: لا يمكن الانفصال عن الآخر، وحتى بغيابه ينجح في التأثير على الوعي السائد كغائب - حاضر.

هنا يجيء دور السؤال الذي يتطرق لموقع "الآخر" في كتاب باراك، هذا الآخر الذي تسري بينه وبين المجتمع المهيمن علاقات قوة وإذعان- الفلسطينيون (مواطنو إسرائيل وسكان المناطق المحتلة). الامتحان التاريخي للقضاء هو في تعامله مع الآخر. في تاريخ القضاء الأميركي، لم يكن صدفة أنّ هذا القضاء لم يعد هو نفسه بعد قرار حكم Brown من العام 1954، الذي حظر التمييز العنصري. ولم تتمحور لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا حول معاملة المحكمة، في حقبة الأبارتهايد، لمجموعات البيض، بل للسود بالذات.

يضم الكتاب 551 صفحة، تتطرّق 28 منها إلى أبواب (تصنيفات) عينية في مجال حقوق الإنسان، اثنتان منها فقط خصصتا للأقلية العربية، وخصصت ثلاثة أرباع الصفحة لـ"حقوق الإنسان والخط الأخضر". موضوع الأراضي المحتلة، "يخرج عن إطار هذا الكتاب" كما يقول باراك، لكن المعيار لفحص هذه المسألة، برأيه، هو القانون الدولي الذي يسري على الوضعية الحربية، وليس القانون الإسرائيلي. أولا، نقول إن موقف باراك من هذه المسألة لا يتلاءم مع قراراته السابقة والتي بحسبها: "يحمل كل جندي إسرائيلي في حقيبته...القواعد الأساسية للقضاء الإداري الإسرائيلي". ثانيا، تشير الأدبيات القضائية الدولية، وحتى الإسرائيلية، بوضوح إلى أن المحكمة العليا الإسرائيلية لا تطبق القانون الدولي في الأراضي المحتلة. ثالثا، ينطوي التسويغ لمفهوم باراك لدور القاضي، الذي يعمل على تطوير وتغيير القانون في عصر حقوق الإنسان، على قيم كَونية؟ لم لا يتم، إذًا، تطبيق هذا المفهوم الكوني على القضاء الإسرائيلي في الأراضي المحتلة؟

يطرح باراك ادّعاءً غير قانونيّ يبغي من خلاله إضفاء معان قِيَميّة على الخطّ الأخضر كحاجز أمام مفهومه الكوني، ويتساءل، هل يمكن لأحد أن يدعي بجدية أنّ على الأميركيين في أفغانستان والعراق الدفاع عن حقوق الإنسان مثلما يفعلون في بلادهم؟ والجواب هو نعم بالتأكيد: يتوجب عليهم أن يدافعوا عن حقوق الإنسان وتطبيق القانون الدولي الإنساني. وعلى الرغم من ذلك، لا مكان هنا لهذه المقارنة. فمنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية لم تمتد أي فترة احتلال كما طالت فترة الاحتلال الإسرائيلي. فهذا الاحتلال يحتل ثلثين من عمر الدولة الإسرائيلية، ويشكل جزءا من حياة الإسرائيليين اليومية. وكما يقول البروفيسور باروخ كيمرلينغ، يحتوي الوعي الإسرائيلي على المركب الفلسطيني داخله. ولا يستطيع باراك أن يرسم خطا فاصلا بينه وبين الفلسطينيين. ولم يسمع أي قاض في أي محكمة عليا في العالم، هذا الكم من المداولات لمن يخضعون للاحتلال، كما سمعه باراك. وكقاض يعمل لمدة 27 عاما في جهاز القضاء الإسرائيلي، فهو احد الإسرائيليين القلائل الذين سمعوا، بشكل يومي، الروايات الشخصية الإنسانية للفلسطينيين من خلال آلاف الالتماسات والاستئنافات المدنية والجنائية: لم شمل العائلات، وهدم المنازل، والعبور من غزة إلى الضفة، والتعذيب، والعقوبات الجنائية، والاعتقالات الإدارية، والإبعاد، ومصادرة الأراضي، وقلع الأشجار، وضحايا الجدار، وفرض الطوق، ومنع التجول، والحواجز، وإتلاف الممتلكات، والخروج إلى المستشفيات، أو إلى خارج البلاد، والتصفيات وغيرها.

منذ بداية الاحتلال لم تُصدر المحكمة العليا الإسرائيلية سوى قرارين مهمين دفاعا عن حقوق الإنسان. فبعد تقديم مئات من الالتماسات قامت المحكمة العليا بحظر التعذيب، لكن المعطيات التي توردها اللجنة ضد التعذيب تشير إلى أنّ الشاباك ما زال يستعمل هذه الوسائل الساقطة. وتمخّضَت الالتماسات العديدة بخصوص الجدار عن القرار المهم بخصوص بيت سوريك، لكن هذا القرار أضفى بدوره شرعية على بناء الجدار، وخلق فجوة كبيرة بينه وبين قرار محكمة لاهاي. وباراك هو من قاد هذين القرارين المهمّين.

هنالك ادّعاء، انه لو استجابت المحكمة العليا الإسرائيلية لالتماسات الفلسطينيين، لكانت سَتُزعزِع مكانتها. يحمل هذا الادعاء طابعا سياسيا، لذا يجب الرد عليه بنفس الأسلوب. أولا، يجب الاعتراف على الأقل بأن المحكمة العليا لا تدافع عن الفلسطينيين، ولذا يجب أن يتمّ تطوير خطاب نقديّ في هذا الموضوع. ثانيًا، في عصر الثورة المعلوماتية، يمتنع القادة السياسيّون في حالات معيّنة، حتّى في المجتمعات العنصرية، عن طرح مواقفهم الداعمة للقمع بصورة علنية: فمثلاً: لم يكن هناك نقد جماهيري إسرائيلي تجاه قرار المحكمة العليا بمنع التعذيب وذلك لأنّهم استصعبوا أن يقولوا: دعونا نواصل بطشنا. ولو قضت المحكمة، مثلاً، بحظر هدم البيوت، يتراءى انه حتى المعارضين كانوا سيستصعبون الإعلان: دعونا نبقى برابرة. وهنالك حالات كثيرة كهذه. ثالثا، نجحت المحكمة العليا في جنوب أفريقيا نسبياً، والتي عملت إبان حقبة الأبارتهايد، في أكثر المجتمعات العالمية عنصرية، في إصدار الكثير من القرارات القضائية التي دافعت عن حقوق السود، التي تحدّى بعضها نظام الأبارتهايد، دون أن يؤدي هذا الأمر إلى زعزعة مكانة هذه المحكمة.

شغل ريتشارد غولدستون، وهو أبيض من أصل يهودي، منصب قاض في المحكمة العليا الجنوب افريقية في فترة الأبارتهايد، لكن نيلسون مانديلا عيّنَه، بسبب قراراته الشجاعة، كقاض في المحكمة الدستورية. وقال القاضي غولدستون في مقابلة صحفية أجريت معه في الآونة الأخيرة، إن تجاهل المجتمع الأبيض لوجود الآخر أوصله للاعتقاد بأنه مجتمع ديمقراطي: فصل السلطات، الالتزام بسلطة القانون، استقلالية القضاء، وحرية التعبير.

يقول القاضي باراك دون أن يعلل: "من الصعب أن تكون قاضيا... وأصعب من ذلك بكثير أن تكون قاضيًا جيدًا وجديرًا في إسرائيل". وليس من غير المحتمل أن يكتب باراك كتابه التاريخيّ الذي سيلقى أصداء دولية عندما يتطرّق للقضايا الثلاث التي تشغل المجتمع الدولي: الأراضي المحتلة، الأقلية العربية وعلاقة الدين والدولة، وربما يحمل هذا الكتاب عنوان: A Judge in an Intolerant Society.

(*) حقوقي، مدير عام "عدالة"- المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل. المقال ظهر في "هآرتس".

المصطلحات المستخدمة:

باراك, الكنيست, الصهيونية, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات