المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

العنوان الرئيسي والمحفز الاساس لهجرة الادمغة هو انعدام الفرص التشغيلية الملائمة لهذه التخصصات، سواء على مستوى الجامعات او على مستوى الشركات الاسرائيلية العامة والخاصة . كما أن هناك عامل تعرض شبابنا في سن صغيرة (بعد الثانوية مباشرة) لموضوع الهجرة سعيا وراء العلم الذي تحصن وراء ابواب فولاذية هنا في اسرائيل ووضع له حارسا الا وهو إمتحان البسيخومتري . ووفقا لتقرير جمعية "سيكوي" فان 45% من مجموع الطلاب العرب الذين تقدموا للجامعات في البلاد قوبلوا بالرفض مقابل 15% فقط من اليهود.

تقرير: إليزابيث نصار

هجرة الأدمغة ليست بظاهرة حديثة العهد محليا ولا حتى عربيا، وان اختلفت الظروف بين سياسية واقتصادية واجتماعية. فنزيف العقول، سواء في الأقطار العربية او هنا في اوساط الأقلية العربية الفلسطينية في اسرائيل، لا يزال مستمرا الى ان تقوم الجهات المسؤولة وتضع استراتيجيات عمل لوقف هذا النزيف.

ووفقا للبيانات الرسمية فان دول اوروبا الغربية وامريكا تحتضن حاليا اكثر من 450 الف عربي من حاملي الشهادات والمؤهلات العليا . وتعد الخسائر الإجتماعية العربية من جراء ذلك بحوالي

200 مليار دولار، في حين يشكل الأطباء العرب في بريطانيا وحدها 35% من مجموع الأطباء العاملين فيها.

في اطار جهودي لرصد ظاهرة هجرة الادمغة في وسطنا العربي المحلي وجدت فراغا كبيرا وغيابا لاية محاولات لمراقبة وتسجيل واحصاء هذه الهجرة، الامر الذي يعيق اجراء الابحاث العلمية اكاديميا. وفي اتصال اجريته مع الدكتور اسعد غانم اوضح لي انه خطط في السابق لطرق هذا الموضوع في اطار بحث الا انه اضطر للتنازل عن الفكرة تماما عندما اصطدم بالفراغ ذاته "حيث ان سلطاتنا المحلية لا توثق ولا تجري اي جرد يشمل الاكاديميين في كل مدينة وقرية، بما معناه أن وضعنا سيكون كمن يبحث عن سمك في بحر. حتى اني فكرت في اقامة مؤتمر للمغتربين، ليسقط الموضوع مرة اخرى من اجندتي بسبب انعدام الامكانيات المالية لذلك".

وبما ان اليد قصيرة والعين بصيرة فقد اكتفيت بتطويق الظاهرة من خلال تحليلها الى عوامل ومن خلال اجراء اتصالات مع مختلف الضالعين في الموضوع واتضح ان العنوان الرئيسي والمحفز الاساس لهجرة الادمغة هو انعدام الفرص التشغيلية الملائمة لهذه التخصصات، سواء على مستوى الجامعات او على مستوى الشركات الاسرائيلية العامة والخاصة . كما تطرقت الى اهمية تعرض شبابنا في سن صغيرة (بعد الثانوية مباشرة) لموضوع الهجرة سعيا وراء العلم الذي تحصن وراء ابواب فولاذية هنا في اسرائيل ووضع له حارسا الا وهو إمتحان البسيخومتري . بالمناسبة ووفقا لتقرير جمعية "سيكوي" فان 45% من مجموع الطلاب العرب الذين تقدموا للجامعات في البلاد قوبلوا بالرفض مقابل 15% فقط من اليهود. كما ان هناك زيادة في عدد المتقدمين للقبين الاول والثاني والثالث بين الاعوام 1985-2002 ، فمجموعة اللقب الاول ارتفعت من 7.9% الى 9.8% ومجموعة اللقب الثاني من 3.2% الى 5% .

تقرير جمعية "سيكوي" يظهر لنا صورة قاتمة عن وضع المواطن العربي في الدولة وتحديدا الاكاديمي، اذ يستنتج المحامي علي حيدر، معد التقرير، ان التمثيل الناقص للمواطنين العرب في سلك خدمة الدولة يعبر بشكل صارخ عن مكانتهم الهامشية في القطاع العام، على الرغم من القوانين التي تكفل تمثيل المواطنين العرب في المؤسسات الرسمية وقرارات محكمة العدل العليا التي شددت على اهمية توزيع الموارد و بضمنها وظائف القطاع العام بشكل متساو. وحتى عندما يتم توظيف المواطنين العرب في الاجسام الرسمية يتم تعيينهم في المستويات المتدنية التي تغيب عنها قدرة التأثير. ويلخص حيدر بقوله: "يعتبر التمثيل الناقص للعرب في القطاع العام سببا في العقبات التي تواجه الاكاديميين العرب الذين ينهون دراستهم ويبحثون عن فرص عمل تتلاءم مع قدراتهم. ومهمة الدولة العمل على استيعاب هؤلاء الاكاديميين والمبادرة لخلق فرص عمل جديدة".

وفيما يلي نبذة عن الوضع القائم و المستند الى التقرير :

وصل مجمل عدد العاملين العرب في سلك خدمات الدولة في العام 2002 الى 3,440 موظفا من اصل 56,362 موظفا . يعمل 3,209 من الموظفين العرب في ست وزارات حكومية فقط . ويعمل 2,207 من العاملين العرب- 64% - في وزارة الصحة بما في ذلك المستشفيات الحكومية. وما زال تمثيل المواطنين العرب في باقي الوزارات هامشيا ويقترب في الكثير من الاحيان من الصفر .

في السنتين الاخيرتين هناك ارتفاع ملحوظ في عدد العاملين العرب في وزارة العدل. ويعزى الامر الى نقل جهاز المحاكم الشرعية من وزارة الاديان الى وزارة العدل. ووفقا لمعطيات شهر ايار 2000 هنالك 27 قاضيا عربيا من اصل 484 قاضيا ويشكل هؤلاء نسبة 5% من القضاة في اسرائيل. ولا يوجد اي مدير عام عربي في اي من الوزارات الحكومية. ونائب المدير العام الوحيد يعمل في وزارة الثقافة، وقد تم تعيينه من قبل الحكومة السابقة .

لا يعمل في وزارة الاتصالات اي عامل عربي وفي وزارة الامن الداخلي هنالك عامل عربي واحد وفي وزارة البنى التحتية القومية يعمل مواطنان عربيان فقط . ويبرز غياب الاكاديميين العرب عن ملاكات الوزارات ذات التأثير الكبير على مستقبل الدولة، مثل وزارات الصناعة والتجارة والعلوم والمواصلات وجودة البيئة والبنى التحتية القومية والبناء والاسكان والسياحة والاتصال وكذلك في دائرة الاشغال العامة ودائرة اراضي اسرائيل .

اما بالنسبة للتمثيل النسائي فان 342 من العربيات اللواتي يعملن في سلك خدمة الدولة يحملن شهادات اكاديمية : 252 يحملن الشهادة الجامعية الاولى و56 يحملن الشهادة الجامعية الثانية وتحمل 128 منهن شهادة الدكتوراة .

هذه الصورة القاتمة رصدتها جمعية "سيكوي". وهي تمثل واقعا قاسيا يعيشه المواطن العربي في الداخل ويضطر احيانا للهرب منه. ولا غرابة والحال كهذه أن تتعاظم وتيرة الهجرة في صفوف الاكاديميين، خصوصا حينما تنضم الجامعات ايضا لتلعب دورا سلبيا باقصائها الاكاديميين العرب عن محافلها، فابواب الجامعات موصدة منهجيا بوجه الاكاديميين العرب الراغبين في الانخراط فيها كمحاضرين وباحثين . وكانت هذه تكتفي بقبول عدد محدود بمزايا استثنائية بل خارقة. الانفراج في سياسة الاغلاق هذه حصل في بداية الثمانينيات في جامعة حيفا دون غيرها بفعل عدة عوامل ضاغطة، منها ازدياد عدد الاكاديميين العرب من ناحية وحاجة الاكاديميا الاسرائيلية الى التنويع داخل اروقتها، خاصة في مضمار العلوم الاجتماعية، على ما يؤكد البعض. ومع ذلك تبقى نسبة المحاضرين العرب ضئيلة وخصوصا في المناصب العليا. هذا ما اكده لي البروفيسور نديم روحانا، مدير جمعية "مدى الكرمل" ( المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية )، وهو احد الادمغة التي عادت لتسخر معرفتها وخبرتها لخدمة الاقلية العربية الفلسطينية في اسرائيل . "في مدى الكرمل- يقول روحانا- نصبو لان نستقطب عددا من علماء الاجتماع والعلوم الانسانية في المهجر، ومهمتنا تفعيل الادمغة سواء الموجودة او العائدة في اطار مختلف وبديل عن الاكاديميا الاسرائيلية، فهذه الاخيرة تبقى مرتبطة بالشعور الصهيوني بشكل او بآخر ونحن في المقابل نصوغ مشروعا بديلا مبنيا على الكرامة والتحرر والمساواة وانطلاق القدرات الفردية وهذا لا يمكنه الحصول في جامعة صهيونية الفكر" .

البروفيسور عبد الله حاج يحيى، المحاضر في الجامعة العبرية في القدس في موضوع "تصميم الادوية"، هو احد الطاقات الاستثنائية والنادرة، لكنه اكد لي انه اتم دراسته الجامعية بمعية اصدقاء لا يقلون كفاءة عنه، بشهادته المتواضعة، الا انه الوحيد الذي استوعبته جامعته ضمن فوجه بينما اضطر اصدقاؤه الى الهجرة والبحث عن العمل الذي يلائم تخصصاتهم لتحتضنهم اشهر وارقى الجامعات في اوروبا وامريكا. ويضيف ان جميعهم يتمنون العودة ذات يوم الى بلادهم، الا انهم يواجهون حالة ضغط مزدوجة تؤدي الى هجرتهم واحتجازهم في هجرتهم في نفس الوقت . فالمؤسسات والشركات الاسرائيلية تبرر رفضهم بداية بقلة كفاءتهم وبعد ذلك تعتذر عن قبولهم بسبب فائض كفاءتهم !!

اما الدكتور قصي حاج يحيى، المحاضر في كلية بيت بيرل في موضوع الانثروبولوجيا، فانه يؤكد بدوره على ان ابواب الجامعات مغلقة منهجيا امام الخريجين العرب حاملي شهادة الدكتوراة وان هناك ما يقارب 30 ملاكًا فقط مخصصة للعرب، وهو يشير الى 30 محاضرا (مثبتا) من اصل 6000 محاضر من اليهود.

الدكتور قصي حاج يحيى هو نفسه خريج احدى الجامعات في المانيا وله بحث اجراه يتعلق بوضع الطلاب العرب اللاجئين اليها. وتعتبر المانيا اليوم اكثر الدول جاذبية للطلاب العرب فهي تعرض العلم مجانا وفي هذا تمويه للحقيقة اذ أن هذه المجانية لا تشمل تكاليف السكن والمعيشة وهي باهظة جدا الامر الذي قد يعيق دراسة الطالب لانخراطه في العمل مضيعا فرصة العلم الاكاديمي في حالات كثيرة تجعله يخشى العودة خوفا من الخزي والعار. المانيا كغيرها من الجامعات في الدول الأوروبية لا تفرط بالكفاءات فهي تخصص منحة كاملة لمن يدرس للدكتوراة لمدة ثلاثة اعوام وتفتح امامهم الفرصة للدراسة في امريكا حيث خطر الهجرة يبدو اكثر قربا بسبب طبيعة امريكا كدولة مهاجرين.

ونسأل مرة اخرى: ما هو وضع الأكاديميين العرب في بلادنا؟ جزء من الإجابة نجده في الدراسة التي اعدها البروفسور ماجد الحاج . ووفقا للمعطيات الواردة فيها فان 40% يعملون في سلك التربية والتعليم (في غير اختصاصهم) و10% يعملون في أعمال لا تستلزم أي تأهيل اكاديمي وهكذا تنبع هجرة التخصص تحديدا.

جمعية "الجليل"- محاولة متواضعة للحد من الظاهرة

لا يمكن لمن يرصد حركة هجرة الادمغة الا ان يتوقف عند جمعية "الجليل" ومركز الابحاث التابع لها . جمعية "الجليل"، وهي كالصرح تعتلي هضبة على مشارف شفاعمرو، شقت دربها منذ 20 عاما قدمت خلالها للجماهير العربية خدمات صحية متنوعة احجمت عن تقديمها السلطات المختصة وعلى رأسها وزارة الصحة الاسرائيلية. الجمعية من خلال اقامتها لمركز الابحاث التابع لها مهدت عمليا لعودة الادمغة وهي خطوة مباركة من دون شك، تساهم في نهضة المجتمع العربي على اكثر من صعيد. تضم الجمعية في اقسامها المختلفة مجموعة من الباحثين الذين عايشوا الهجرة معايشة تامة لكن المركز نجح في اجتذابهم. مركز الابحاث يمتد على مساحة 600 متر مربع في المنطقة الصناعية في شفاعمرو وهو يضاهي مختبرات بمقاييس عالمية بشهادة الباحث الفخور بانتمائه لهذا المكان الدكتور عصام صباح، وهو خريج التخنيون في مجال الهندسة البيئية وعاش في امريكا سنتين كاملتين لاتمام دراسته المتخصصة في المياه الجوفية وهو تخصص نادر. صحيح أنه لم يعايش الهجرة بمعناها التام لكنه يؤكد فعلا على وجود كافة عوامل الجذب التي تثير عاصفة التخبط داخل اي باحث ينعم بالشروط المطلوبة لاداء عمله وتحقيق حلمه، الا ان الحنين الى الوطن رجح الكفة .

اما الدكتور احمد يزبك فهوخريج التخنيون / حيفا في موضوع الكيمياء العضوية، اقام في سان دييغو/ كاليفورنيا مدة 4 سنوات، في اطار دراسته، عاد بعدها الى بلده شفاعمرو وهو يعمل اليوم في شركة تابعة لجمعية الجليل تدعى"سينثيتيك" تختص بتحضير مواد اولية لشركة ادوية المانية في اطار مشروع التعاون بين البلدين .

البروفيسور بشار سعد ابن ام الفحم هو حالة نموذجية حية لما يسمى بالهجرة المعاكسة او المضادة . فقد عاد من غربته في سويسرا التي طالت 20 عاما ليشغل منصب المدير العلمي لمركز الابحاث . تخصص في موضوع الكيمياء البيولوجية وحظي بتقدير اساتذته وعمل في كثير من الابحاث الا ان هاجسه بالعودة ظل حيا داخله الى ان حسم الامر موضوع المناخ التربوي الذي اراد توفيره لابنائه. وهو يعمل بالاضافة محاضرًا اكاديميًا في الجامعة الامريكية في جنين .

د. حسن عزايزة تخصص في موضوع البيولوجيا والنباتات الطبية، عمل 5 سنوات في المانيا ثم توجه الى الولايات المتحدة لاعداد الدكتوراة وامضى فيها 5 سنوات اضافية. في عام1995 جرى اتصال بينه وبين الدكتور باسل غطاس، مدير الجمعية، الذي كان يعد حينها لاقامة مختبرات مدعومة من قبل وزارة العلوم وتحظى برعاية اكاديمية من جامعة حيفا. كان القرار بالعودة حتميا فالدكتور حسن عزايزة كسائر زملائه الباحثين في المركز، يتحلى بروح وطنية تجلت بالعودة والتكيف لما هو موجود وهو غير كاف بالمقارنة بما توفر في الخارج من مختبرات مجهزة اضافة الى الدعم المضمون بينما هنا لا شيء مضمونًا، فمهمة الباحث تتعدى البحث العلمي ذاته الى تجنيد مصادر تمويل خارجية ليؤمن راتبه ورواتب مساعديه. "لكني ارسيت مرساتي هنا في بلادي، وسأتحمل الصعاب والتحديات"، يؤكد.

الدكتور فوزي سلباق احد الكوادر المهنية اللامعة والعاملة في الأبحاث تخصص في "علم البكتيريا" و"بيولوجيا الذرة"، انجز ابحاثًا عديدة في اوروبا وامريكا في ارقى المختبرات ومع ذلك فضل العودة الى الوطن والى مدينته شفاعمرو وهو يحث رجال الأعمال العرب وغيرهم من الأثرياء على دعم البحث العلمي من باب الإلتزام الوطني بحيث يصب الجهد الجماعي في نهاية الأمر في مصب تطوير البحث المحلي بشكل خاص الأمر الذي يضمن حوارا متناغما ومثمرا بين العلم والمجتمع.

الدكتور صبحي بشير من اوائل الباحثين العاملين في الجمعية نجح في تأسيس شركة خاصة به، انطلقت من مركز الأبحاث واصبح مقرها اليوم في"مجدال هعيمق" (المجيدل) يعمل فيها نحو ثلاثين باحثا من بينهم محاضرون في التخنيون رفضوا الدكتور صبحي بشير زميلا محاضرا وشاء القدر ان يعملوا هم في شركته.. طبعا القدر هنا كناية عن الإرادة. لم ينجح الدكتور بشير في استمالة المستثمرين العرب، الأمر الذي سبب له الشعور بالإحباط لكنه سرعان ما جند احد اكبر المستثمرين اليهود، "احيم عوفر"، وكان رهانهم في محله. فقد اثبتت الشركة نفسها من خلال نجاعة منتجاتها . والحديث يدور حول منتوجين: الأول زيت حليب الام كمركب في طعام الاطفال الرضع ويشابه في تركيبته التركيبة الاصلية عند الام . ويباع في الاسواق الاوروبية والامريكية. اما المنتوج الثاني فهو مادة منشطة للذاكرة تعد على شكل كبسولات .

كما يفتخر الدكتور صبحي بشير بكونه مثالا ومحركا لباحثين حذوا حذوه واطلقوا مشاريع تثبت نجاحها كل يوم. يذكر ان الجمعية حريصة على اطلاق باحثيها نحو التفرد وتصنيع البحث وتساهم من ناحيتها في هذه الشركات .

هذا اذا غيض من فيض - سرب طيور عائدة بوجه اسرابًا مغادرة، تنقصنا حيالها، كما ينقص العالم العربي، الالية لضبط حركتها .

قد تكون جمعية "الجليل" رائدة وطليعية وهي فعلا كذلك لكنها تبقى محدودة الامكانيات، كما يقول الدكتور باسل غطاس، المدير العام. ويضيف: " لكننا نفخر بانجازاتنا. نفخر بأن نشكل نواة ودفيئة لهذه النخبة العائدة ونفخر بأن نتمكن من تجنيد ثلاثة من المستثمرين الكبار في اسرائيل، "احيم عوفر" و"صندوق ميلنيوم" اكبر صناديق الاستثمار اضافة الى" مصنع جلعام" مؤخرا بحيث تبلغ مجمل مساهمتهم في الشركة نحو 8.5 مليون دولار" .

نحو جامعات الاردن

التعلم في الاردن يكتسب مع مرور الوقت زخما و شرعية جماهيرية، الامر الذي يؤكده الدكتور طه اماره، مدير كلية غرناطة في كفركنا والمندوب الرسمي لجامعة البلقاء التطبيقية .

امتحانات البسيخومتري هي المحفز للإنطلاق نحو الدراسة خارج الوطن وتحديدا الأردن. الا ان المفارقة- يقول الدكتور اماره- تتجلى في النتائج التي حققها طلاب كلية نتانيا في امتحانات نقابة المحامين حيث تفوقوا على زملائهم الذين نالوا بركة البسيخومتري. والسؤال هو متى تنتهي هذه المهزلة؟! خصوصا واننا نعلم ان اكثر من يتعرض للغربلة في امتحانات البسيخومتري هم الطلاب العرب، الأمر الذي يضطرهم للبحث عن قنوات ومسارب جديدة. والأردن هو بالفعل احد الأسواق التي تستوعب حركة العلم الوافدة من اسرائيل وقد تخرج منذ العام 1997 ولغاية اليوم ما يقارب 800 طالب. يقبلون على مواضيع متنوعة على رأسها الصيدلة وعلاج النطق والسمع والتمريض والمحاماة بالإضافة الى اللغات وتحديدا الإنجليزية .

وهكذا ينكشف اولادنا في سن صغيرة الى موضوع الهجرة، في البداية طلبا للعلم ومن ثم طلبا للتخصص وبعدها طلبا للعمل. وكلما ارتفعت درجة العلم تقلصت فرص العربي بالبقاء في وطنه. فماذا يفعل الاكاديميون وابواب الجامعات و الشركات الاسرائيلية موصدة في وجوههم؟.

بحثت عن اجابة عند المحامية سهاد حمود، الناشطة ضمن هيئة فاعلة لتغييرهذا الوضع. "الفزع من العربي، قالت سهاد، وعدم نجاح المجتمع اليهودي في التعاطي مع العرب كاقلية لها حقوقها يجعلهم يوصدون الابواب في وجه الاكاديميين العرب. من هنا جاءت الحاجة للتغيير ضمن هيئة تبنت نموذجا امريكي الاصل يلاحق ويضبط خروقات مشابهة في المجتمع الامريكي. لكن بطبيعة الحال عملية السيطرة هنا اكثر صعوبة فاصحاب الشركات يبررون صدهم بالف مبرر وبالتالي يصعب ملاحقتهم قانونيا. وانا اخترت التركيز تحديدا على القطاع الخاص الذي يتمتع بحرية ادارية اكبر بالمقارنة مع القطاع العام الخاضع لقوانين تمنع انتهاج سياسة التمييز ولو رسميا، وتحديدا تلك الشركات التي في طريقها الى الخصخصة والفاعلة في الوسط العربي والتي تجني منه ارباحا طائلة الا انها تتجاهله تماما. وانا لا اقصد الاعمال الصغيرة قطعا وانما المناصب الرفيعة والادارية والتي تستلزم ثقافة اكاديمية واقوم منهجيا بارسال سير ذاتية لاكاديميين عرب اوجهها لهذه الشركات اطالبها فيها بمنح هؤلاء فرصة عادلة لا اكثر . هيئتنا المكونة من عدة شخصيات عربية و يهودية بادرت لاقامة ورشات لتعليم الاكاديميين كيفية كتابة السيرة الذاتية حتى يسوقوا انفسهم بشكل افضل الا ان انقلابا لم يحدث ! اما خطوتنا التالية فهي تجنيد شخصيات يهودية لبرالية صديقة لدفع العجلة من خلال ارسالهم رسائل توصية لمختلف الشركات... على امل ان تلقى آذانا صاغية. وللمثال لا للحصر اذكر حادثة اكاديمي لامع يحمل لقبين في المجال العلمي بعث بالف سيرة ذاتية، دعي لثلاث مقابلات وفي النهاية لم يقبل لاي عمل !!".

وبالمناسبة نذكر بأن جامعات الضفة الغربية المختلفة مثل النجاح وبير زيت وجنين وغيرها كانت تعج قبل اندلاع الانتفاضة الاخيرة باكاديميين عرب من اسرائيل عملوا كمحاضرين اما اليوم والحال كهذه فقد فقدنا رئة تشغيلية من الدرجة الاولى وما من بديل .... لتظل الهجرة، وتحديدًا هجرة الادمغة، موضوعا ملحا على طاولة المسؤولين .

المصطلحات المستخدمة:

دورا, التخنيون, باسل غطاس, نتانيا

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات