المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

"العلاقة بين الجنس والانفصال في السكن عن الأهل، وبين الانفصال النفساني، وإدراك المقدرة الذاتية والشعور بالرفاهية النفسانية (well being) بين الطلاب الجامعيين العرب في إسرائيل"، هي موضوع رسالة الماجستير التي قمتها إيناس تلحمي إلى قسم علم النفس في جامعة حيفا. الرسالة حصلت على تقدير إمتياز. إيناس تلحمي من مواليد شفاعمرو، وتقيم في حيفا. تعمل مستشارة نفسانية تربوية.

"العلاقة بين الجنس والانفصال في السكن عن الأهل، وبين الانفصال النفساني، وإدراك المقدرة الذاتية والشعور بالرفاهية النفسانية (well being) بين الطلاب الجامعيين العرب في إسرائيل"، هي موضوع رسالة الماجستير التي قمتها إيناس تلحمي إلى قسم علم النفس في جامعة حيفا. الرسالة حصلت على تقدير إمتياز. إيناس تلحمي من مواليد شفاعمرو، وتقيم في حيفا. تعمل مستشارة نفسانية تربوية.

قام هذا البحث بفحص ماهية الصلة بين الانفصال عن الأهل في السكن وبين العمليات النفسانية الخاصة بالانفصال وإعادة بناء الهوية الذاتية عند الطلاب الجامعيين في المجتمع العربي عامةً، وعند المجموعات الجنسية المختلفة على حدة.

كذلك فُحصت الاسقاطات النابعة من الانفصال النفساني، على معايير الشعور بالرفاهية والقدرة الذاتية عند الجنسين، من أجل فحص الثمن والمردود المحتملين الناشئين من الانفصال والاستقلال في مجتمع محافظ في أساسه، لا يشجع على الانفصال، كالمجتمع العربي الفلسطيني داخل إسرائيل.

السكن في إنفصال عن الأهل لغرض الدراسة، وهو ظاهرة جديدة في المجتمع العربي، يناقض النهج المتبع في مجتمع محافظ كهذا، خاصةً عند الحديث عن النساء. مع ذلك، لا يُعد ترك بيت العائلة أمرًا نهائيًا، بحيث يكون السكن على إنفراد (خارج بيت العائلة) لهدف معين ومقبول، وعند تحقيق هذا الهدف مع إنتهاء الفترة الدراسية، يعود الجامعيون إلى بيوت العائلة. لذلك، فإنه من المثير للإهتمام فحص الإسقاطات المحتملة لهذه الظاهرة.

غالبية الأبحاث التي بحثت في التغييرات التي حلت على المجتمع العربي تركزت في الجانب الاجتماعي: تم وصف التغييرات في مبنى العائلة، في العمل، وفي المنهج الحياتي (حبش، 1977؛ 1989، 1988، Al-haj)؛ كذلك، بُحثت المتغيرات في مكانة المرأة في المجتمع العربي عن طريق فحص المواقف تجاه مكانة المرأة (Mari, 1990, Mari, Karyanni, Seginer; 1983)؛ القليل من الأبحاث فقط بحثت في تأثير التغييرات المذكورة على العمليات النفسانية الديناميكية (عبساوي - جروس، 1999).

فحص البحث العلاقة بين السكن على إنفراد (بدون الأهل) وبين المتغيرات النفسانية. تم الافتراض أن الطلاب الجامعيين العرب (رجالا ونساء) الذين يعيشون على إنفراد، سيحصّلون علامات إستبيانية أعلى في الاستقلالية الوظيفية، في الاستقلالية العاطفية وفي الاستقلالية في اتخاذ المواقف، وعلامات أكثر إنخفاضًا في الانعتاق من الصراعات، وذلك نسبيًا للطلاب الذين يسكنون في بيت العائلة.

وفيما يخص الفوارق بين الجنسين، تم الافتراض أنه ستكون علامات أعلى للطلاب الذكور في الاستقلالية الوظيفية، الاستقلالية العاطفية والاستقلالية في إتخاذ المواقف، من الطالبات الإناث، لكنه لن يكون هناك أي فارق بين الطلاب والطالبات في قضية الانعتاق من الصراعات.

كذلك، تم الافتراض أن الفوارق بين درجات الاستقلالية بين الذين يسكنون على إنفراد وبين الذين يسكنون في بيت العائلة، ستكون أعلى عند النساء منها عند الرجال.

فرضية أخرى تمحورت حول الادعاء بأن الرفاهية النفسانية عند الطلاب الذين يسكنون على إنفراد ستكون أقل منها عند الطلاب الذين يسكنون في بيت العائلة، وبأنه ستكون علاقة طردية أيجابية بين الرفاهية النفسانية وبين الانعتاق من الصراعات.

الفرضية الأخيرة تركزت في إدراك المقدرة الذاتية ونَصّتْ على أن إدراك المقدرة الذاتية عند الطلاب الذين يسكنون على إنفراد سيكون أعلى من إدراك الطلاب الذين يسكنون في بيت العائلة، وأنه ستكون علاقة أيجابية بين إدراك المقدرة الذاتية وبين الاستقلالية الوظيفية.

شارك في البحث 380 طالبًا جامعيًا عربيًا، من الرجال والنساء، من طلاب اللقب الأول من ثلاث جامعات، والذين يعيشون على إنفراد أو في بيت العائلة.

تم فحص أسئلة البحث عن طريق الاستعانة بعدة إستبيانات: فُحص الانفصال النفساني عن الأهل عن طريق إستبيان الانفصال النفساني P.S.I. الذي وضعه Hoffman (1984)، والذي يتطرق إلى الانفصال عن الأهل في أربعة تدريجات، عن طريق فحص أنواع مختلفة من الاستقلالية: إستقلالية وظيفية، إستقلالية عاطفية، إستقلالية في إتخاذ المواقف والانعتاق من الصراعات؛ إستبيان المقدرة الذاتية الذي أعدَه وتُرجمه إلى العبرية زايدنر (1994)؛ إستبيان الرفاهية النفسانية المختصر الذي أخذ من إستبيان MPQ الخاص بـ Tellegen (1982)؛ إستبيان خلفية يتطرق للمتغيرات الاجتماعية - الديموغرافية وأيضًا إستبيان فيما يخص مواقف الأهل في موضوع سكن الطلاب الجامعيين.

تم إثبات فرضيات البحث بشكل جزئي. ووُجد أن السكن على إنفراد كان متعلقًا باستقلالية وظيفية متطورة فقط، ولكن ليس متعلقًا بباقي تدريجات الاستقلالية. كذلك وُجد أنه وبحسب المفترض فإن إدراك المقدرة الذاتية متعلق بنوع السكن بحيث أن الطلاب الذين يسكنون على إنفراد شعروا بالمقدرة الذاتية العالية أكثر من أولئك الذين يسكنون في بيت العائلة. وبعكس الفرضية، لم يتضح تأثير لنوع السكن على الشعور بالرفاهية النفسانية.

وقد دلت نتائج البحث على أن الدّين ذا علاقة بمتغيرات البحث، إذ أن قسمًا من الفرضيات أُثبتَ عند المسيحيين فقط، وقسم آخر أُثبتَ عند المسلمين فقط. ووُجدت فوارق بين الجنسين في الاستقلالية الوظيفية والعاطفية عند المسلمين لكن ليس عند المسيحيين، في الوقت الذي أبدى فيه الطلاب المسلمون إستقلالية وظيفية وعاطفية أكبر من تلك التي عند الطالبات المسلمات.

التفاعل المفترض بين الجنس ونوع السكن أثبتَ عن الطلاب المسيحيين ولكن ليس عند الطلاب المسلمين: السكن على إنفراد كان متعلقُا بالانعتاق من الصراعات والاستقلالية العاطفية عند النساء المسيحيات أكثر، ولكن ليس عند الرجال المسيحيين. وقد جرت محاولة لفهم النتائج غير المثابرة كنتائج عاكسة لتعقيد التغييرات في المجتمع العربي.

بإمكان نتائج هذا البحث - غير المثابرة - أن تزودنا بمعلومات عن الانتقالية التي يعيشها المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل اليوم: المجتمع لم يكوّن لنفسه بعد هوية فردانية غربية، ولذلك فإنه لا يتصرف بشكل تام بحسب نظرية الانفصال والاستقلالية "الغربية"؛ ومن جهة أخرى لم يعد ذلك المجتمع المحافظ الجَمعيّ الذي كانه حتى الآن، لأنه لوحظ تغيير في التصرف وفي المشاعر المرافقة باتجاه المجتمع الغربي أكثر.

هذا الاستنتاج يقوي استخلاصات Oyesrman (1993) حول الازدواجية الثقافية للمجتمع العربي في إسرائيل: هذا المجتمع موجود على التعاقب بين مجتمع فرداني غربي وبين مجتمع جمعيّ محافظ: هذا المجتمع يحوي مميزات جمعيّة وفي ذات الوقت مميزات فردانية. كذلك وُجد في البحث الحالي أن هناك أجزاءً ومجموعات داخل المجتمع العربي متواجدة في الجهة القريبة من قطب المجتمع الفرداني، مثل النساء المسيحيات، وآخرون متواجدون بالقرب من القطب الجمعيّ.

النتيجتان الأهم في هذا البحث هما: العلاقة الهامة وغير المشكوك بها بين السكن بمعزل عن الأهل وبين الاستقلالية الوظيفية العالية، وأيضًا، العلاقة بين السكن على إنفراد وبين الاحساس بالمقدرة الذاتية. هذه النتائج تعرض أمامنا، أن للتغيير الذي يمرّ به المجتمع العربي، والذي قيس في هذا البحث عن طريق السكن على إنفراد، إسقاطات على العمليات النفسانية "الداخلية" عند الانسان العربي، وعلى ما يبدو، بصورة ملائمة لمجتمع في حالة تغيّر. تغييرات نفسانية معينة تصبح مقبولة وذات مصداقية في مجتمع متغّير (مثل الاستقلالية الوظيفية)، لكن تغييرات أخرى تعتبر "متطرفة" زيادةً عن اللزوم، ولا تلائم المجتمع العربي أبدًا، مثل الاستقلالية العاطفية أو الاستقلالية في إتخاذ المواقف.

مثل هذه التغييرات الأخيرة لا ترافق التغيير في التصرفات. بالاضافة، يمكن ملاحظة أن الفرد العربي في المجتمع الفلسطيني في إسرائيل، لم يعد ذلك الانسان الخامل والمتلقي كما وُصف في الأدب العربي حتى اليوم (شرابي، 1975).

بإمكان المقدرة الذاتية العالية الموجودة عند الطلاب الجامعيين العرب الذين يعيشون على إنفراد، مقابل الطلاب الذين يسكنون في بيت العائلة، أن تؤدي إلى فعّاليّة أكبر عند هؤلاء الطلاب. Bandura (1986) يدعي أن الأشخاص أصحاب المقدرة الذاتية العالية هم فعّالون، حاسمون وميّالون لاتخاذ القرارات. وبحسب (1993) Jerusalem & Schwartzer فإن عامل المقدرة الذاتية يتطرق إلى السيطرة على الذات عند التصرف.

أي أن الانسان المؤمن بقدرته على صنع الأشياء، بإمكانه أن يتصرف بشكل فعّال أكثر ولديه الأيمان بقدرته على السيطرة على متطلبات بيئة مع تحديات عن طريق اتخاذ الخطوات الملائمة.

من هنا يمكن الاستنتاج أن الطالب الجامعي العربي الذي يحظى بفرصة تجربة العيش مع تشكيلة واسعة من النشاطات، وبإمكانية العيش بقواه (عن طريق السكن على إنفراد)، بإمكانه أن يرفع من شعور مقدرته الذاتية وبذلك، أن يكون فعّالا أكثر وحاسمًا من الطالب العربي النموذجي الذي يسكن في بيت العائلة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات