المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • العرب في إسرائيل
  • 1317

الشيخ رائد صلاح، كتب مقالا دعا فيه لايجاد بديل للنضال البرلماني، لكنه يصرح ان "موقفنا المبدئي عدم مقاطعة الانتخابات" * واكيم واكيم، من ابرز الداعين للمقاطعة: هدفنا في المرحلة الحالية ان يقاطع الانتخابات 50% من المصوتين العرب * عوض عبد الفتاح، سكرتير عام التجمع: الدعوة للمقاطعة في الظروف الحالية ضارة وتخدم اليمين الاسرائيلي.. 

حتى قبل الإعلان عن تبكير موعد الإنتخابات الإسرائيلية إلى الثامن والعشرين من يناير 2003، كانت نتائج استطلاعات الرأي العام الاسرائيلية حول الانتخابات التشريعية المقبلة قد إشارت إلى ارتفاع نسبة الممتنعين العرب عن التصويت في هذه الانتخابات بالذات. وقد جاءت هذه الاستطلاعات لتؤكد التوقعات بهبوط نسبة المصوتين العرب الى ما يقارب الـ 60% في الانتخابات المقبلة، في حين وصلت نسبة المشاركين منهم في الانتخابات التشريعية الاخيرة عام 1999 الى 75%. ويقول خبراء استطلاعات الرأي العام في اسرائيل أن السبب وراء هذا الانخفاض يعود الى الشعور باللامبالاة لدى المواطنين العرب وعدم قدرتهم التأثير على سياسيات المؤسسة الحاكمة على الصعيدين السياسي والاجتماعي - الاقتصادي. وتدرك الاحزاب العربية في اسرائيل هذه المعطيات وتأخذها بالحسبان، وتعمل على التصدي لها، مشجعة الناخب العربي على المشاركة الفعالة في الانتخابات القريبة.

ففي الانتخابات التشريعية التي أجريت عام 1999 على سبيل المثال، بادرت أطراف مختلفة الى مشروع غير حزبي يهدف الى تشجيع الناخب العربي على الذهاب لصندوق الاقتراع من خلال حملة اعلامية في الصحف المحلية العربية تحت شعار "خلّي الصوت يقرر" حمل العنوان "مشروع الاهالي" (و "الاهالي" جمعية انشئت في انتخابات 99 هدفها رفع نسبة تصويت العرب – لصالح باراك بالتالي – في الانتخابات، وهي ما تزال نشطة لليوم، وإن كانت قد قصرت نشاطها منذ ذلك الحين على ارشاد المزارعين العرب في قضاياهم).

أما في هذه الانتخابات، فالاحزاب العربية وغير العربية الطامعة بأصوات العرب تقف أمام تحديات أصعب مما كان عليه في السنوات السابقة. ففي ظل الوضع الاقتصادي والسياسي الصعب الذي تعيشه اسرائيل في ظل اليمين، فتح مجدداً ملف مشاركة المواطنين العرب في الانتخابات ، الأمر الذي قد يؤثر على عدد المقاعد العربية في الكنيست القادمة.

الى جانب هذا الامتناع عن التصويت، نجد ان حركات وقوى سياسية عربية تتولى مناشدة المواطنين العرب في اسرائيل لمقاطعة الانتخابات المقبلة، ومن بين هذه الحركات ما تبقى من "أبناء البلد"، لتي عقدت في الاونة الاخيرة اجتماعاً لها في جاليري "البيت الفلسطيني" في مدينة الناصرة وبمشاركة اعضاء يهود دعت من خلاله الناخب العربي مقاطعة الانتخابات. لكن، هذا الشعار الذي رددته حركة أبناء البلد في السنوات السابقة يفتقد الى قاعدة جماهيرية شعبية منظمة في اطار سياسي بمقدوره منافسة الاحزاب العربية على الساحة السياسية المحلية، أو حتى فرض النقاش حول المشاركة في الانتخابات الاسرائيلية بصورة اكثر قوة وجدية.

يخيل ان مسألة المقاطعة اثيرت بشكل حاد بعد ان كتب الاسبوع الماضي رئيس الحركة الاسلامية (الجناح الشمالي)، الشيخ رائد صلاح مقالاً قال فيه انه "من المستحيل أن نحقق ما نريده بواسطة الكنيست، علينا البحث عن بديل له".

لكن رائد صلاح، وفي حديث معه الى "المشهد الاسرائيلي" هذا الاسبوع، قال أن مقاله عبارة عن دراسة تقيمية لتجربة انتخابات الكنيست واثرها على الوسط العربي - الفلسطيني في الداخل، بما في ذلك تجربة كل أعضاء الكنيست العرب من أول عضو دخل الكنيست حتى الآن. واضاف: "مبدئياً، نحن لا ندعو الى مقاطعة الانتخابات".

كان صلاح قد كتب في مقاله المذكور: "علينا البحث عن بديل له ( البرلمان - الكنيست)، من المستحيل تحرير الاماكن المقدسة من خلال الكنيست، ولن نستطيع معالجة اسرى الحرية والقرى غير المعترف بها بواسطة الكنيست". لكن قال ردا على سؤالنا له حول الوسائل البديلة التي يمكن من خلالها النضال لتحرير الاماكن المقدسة والقضايا التي ذكرها، أجاب: ان الوسائل والاساليب كثيرة جداً وسيتطرق اليها في مقالاته القادمة.

وفي حديث مع المحامي واكيم واكيم من حركة ابناء البلد قال، أن الدعوة للمقاطعة تعود لسببين رئيسين.

الاول - عقائدي ومبدئي ومتعلق بطبيعة دولة اسرائيل كدولة يهودية أقيمت على أنقاض الشعب الفلسطيني، وتأسست كدولة يهودية، كما قالت "وثيقة الاستقلال"، بالاضافة لعشرات القوانين الاخرى التي تعرّف اسرائيل كدولة يهودية، وقوانين مصادرة اراضي العرب، وقانون العودة، الذي يمنح اليهود في العالم حق المواطنة الاسرائيلية في حال وصولهم الى اسرائيل، وانتهاء بقانون اساس الكنيست وقانون الانتخابات الذي يشترط على كل قائمة انتخابية ألا تتنكر بشكل واضح أو ضمني لطبيعة الدولة اليهودية.

السبب الثاني - يقول واكيم – سياسي. فعلى مدار 54 عاماً كانت الاحزاب العربية على هامش السياسة الاسرائيلية وبعيدة جداً عن مركز اتخاذ القرار، وتأثيرها على الحياة السياسية ومجريات الامور، فيما يتعلق بالبنية التحتية القانونية لاسرائيل، كان وما زال معدوماً. "على العكس تماماً - يضيف واكيم - فالنواب العرب يتعرضون الى الاعتداءات والتنكيل والمحاكمات ونزع الحصانة لمجرد تضامنهم مع الشعب الفلسطيني، لأن ذلك يتعارض بنظر المؤسسة الاسرائيلية مع ولائهم لدولة اسرائيل. وقد ثبت مع السنين عدم جدوى العمل البرلماني وعدم قدرته على تحقيق انجازات ملموسة على المسارين القومي واليومي، وقد أكدت أحداث اكتوبر انهيار البرنامج السياسي للعرب في اسرائيل بخطوطه العريضة، مثل شعار المساواة بين المواطنين العرب واليهود كما تطرحه الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (حداش) أو شعار دولة كل مواطنيها، الذي يطرحه التجمع الوطني الديمقراطي، وثبت بالدليل القاطع أنه لا يمكن تحقيق المساواة في دولة تعّرف نفسها كدولة يهودية، كما ثبت أيضاً بأن اسرائيل من خلال اجهزتها القمعية لا يمكن أن تكون دولة كل مواطنيها. لذلك، يقول واكيم، سلاح المقاطعة الذي جربناه في انتخابات 2001 اضافة الى تجربة النضال الشعبي - الجماهيري على اراضي الروحة في وادي عارة وقضية هدم البيوت في أم السحالي في شفاعمرو، أثبتت كلها انها وسائل بإمكانها التصدي لمخططات السلطة جنبا الى جنب مع الجمعيات الاهلية التي تعمل في مختلف المجالات.

* ما هي البدائل التي تقترحها علاوة على النضال الجماهيري والشعبي بديلا للمشاركة في الانتخابات؟

- لنا الحق كشعب وكمجموعة قومية اقامة برلمان خاص بنا، ننتخب من خلاله ممثلينا ويقوم بحماية مصالح الجماهير العربية في الداخل وادارة شؤوننا المدنية والوطنية. السؤال الاهم في رأينا هو هل بقي حقاً سبب وجيه يدعونا أن نتحمل مشاق الذهاب الى صناديق الاقتراع والمشاركة في عملية انتخابية غير مؤثرة بالمطلق، وعلى حساب هويتنا الوطنية الفلسطينية؟ خاصة وأن هذه المشاركة تعتبر خدمة مجانية للدعاية الاسرائيلية بأن اسرائيل هي "واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط".

* الا تظن ان فكرة اقامة برلمان عربي في اسرائيل طموح حالم؟

- كل شيء يبدأ بالحلم، ويدعمنا في ذلك القانون الدولي والأعراف الدولية التي تتعلق بحقوق "الأقليات القومية"، مع العلم أننا لسنا مجرد أقلية قومية بالمفهوم التقليدي، لأننا سكان البلاد الاصليين، ونحن متفائلون بهذا الخصوص لأن مشوار الالف ميل يبدأ بخطوة.

* ما هي قوتكم الحالية بين الجماهير؟

- نأمل أن تصل نسبة المقاطعين الى 50%، وعلمت مؤخراً من مركز يافا للأبحاث في مدينة الناصرة أن نسبة المواطنين العرب الذين ينوون مقاطعة الانتخابات قريبة من 40%. وعليه نحن نعمل اليوم من خلال "الحركة الشعبية لمقاطعة الانتخابات" والتي أعلنا عن تأسيسها قبل حوالي الأسبوعين من اجل تعزيز هذا الاتجاه لتكون هذه الانتخابات بمثابة نزع الثقة وفتح افاق جديدة أمام جماهيرنا على صعيد القضايا الحياتية - اليومية والوطنية على حد سواء.

إزاء هذه الدعوة الى مقاطعة الانتخايات القريبة، هناك من يرى فيها مغامرة تسبب أضراراً للمليون فلسطيني في اسرائيل على الصعيد السياسي. هذا ما يؤكده أمين عام "التجمع الوطني الديمقراطي" عوض عبد الفتاح، الذي كان أحد ابرز قادة حركة أبناء البلد حتى تأسيس التجمع الوطني. ففي حديث معه قال عبد الفتاح أن "الدعوة في الظروف الحالية للمقاطعة ليست مناسبة وهي مضرة، ونعتقد أن رفع هذا الشعار في الوقت الذي يسعى فيه اليمين الاسرائيلي لاقصاء العرب عن التأثير السياسي، يصب في مصلحة هذا اليمين". ويضيف عبد الفتاح أن مواجهة اليمين الاسرائيلي في هذه الظروف بالذات تتطلب المشاركة الواسعة بالتصويت وزيادة التمثيل العربي في الكنيست على اعتبار ان هذا حق ديمقراطي يجب ممارسته واستنفاذ كل الامكانات الكامنة به في خدمة قضايا الجماهير العربية الفلسطينية في البلاد حفاظاً على وجودها وعلى حقوقها في وطنها.

* هل التمثيل في الكنيست هو هدف بحد ذاته لدى التيار القومي؟

- نحن كتيار قومي لا نعتبر التمثيل في الكنيست هدفا بحد ذاته، وانما وسيلة لخدمة قضايانا في واقع فرض علينا ولم نختره، وهو واقع مركّب وشديد التعقيد. ولذلك تبدو لنا الدعوة الى المقاطعة - في الوقت الذي لم تتمكن فيه الجماهير العربية وقوانا السياسية من بناء مؤسساتها التمثيلية وتنظيم نفسها على اساس قومي - مغامرة غير محسوبة.

* ما رايك في هذا الارتفاع الحاصل في نسبة الذين ينوون الامتناع عن التصويت في الانتخابات القريبة؟

- صحيح أن هناك ميلا لدى جزء من الناس لعدم الاقتراع نتيجة الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة وسيطرة اليمين الاسرائيلي بالاضافة الى فقدان الثقة بأحزاب اليسار الصهيوني. لكن المواطن العربي في نهاية المطاف، خاصة وانه يدرك واقعه المعقد، سيذهب الى صناديق الاقتراع حتى يصوت للاحزاب التي تمثله على صعيد الهوية الوطنية وعلى صعيد الحياة اليومية.

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات