المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

د. خولة ابو بكر، في حوار مع "المشهد الاسرائيلي"

الدكتورة خولة ابو بكر محاضرة جامعية وباحثة، أصدرت مؤخرا كتابا مشتركا مع الدكتور داني رابينوفتش بعنوان "الجيل المنتصب القامة"، يبحث في واقع العرب الفلسطينيين في اسرائيل، ويتقصى جذور هبة اكتوبر 2000 في العقود الثلاثة الاخيرة. الترجمة العربية للكتاب تصدر قريبا عن "مدار"

* قرأنا مؤخرا ان خبير الاستطلاعات لدى العرب ابراهام ديسكين يرى ان الانتخابات الحالية ستشهد انخفاضا حادا في نسبة تصويت العرب للاحزاب الصهيونية، دون أن تكون العودة الى طريقة الانتخابات النسبية سببا وحيدا في ذلك. هل توافقين على هذا الرأي – المدعم بالاستطلاعات – وكيف تبدو لك فرص الاحزاب الصهيونية ("العمل" و "ميرتس" في الاساس) لدى الناخب العربي – بعد اكتوبر والاجتياح واستمرار العدوان على الشعب الفلسطيني؟

د. خولة: منذ بداية التسعينات بدأت سيرورة بناء وبلورة الأحزاب العربية على الفكر والناخب الفلسطيني. قبل ذلك, مرت علاقة الجمهور العربي بالأحزاب في عدة مراحل. المرحلة الأولى كانت منذ قيام الدولة وحتى أوخر السبعينات حيث كانت الأحزاب أساسا يهودية صهيونية وبها عدد محدود جدا وهامشي من العرب، مثل الليكود، مبام، حزب العمل، وميرتس. المصوت العربي صوت للمرشح الفلسطيني داخل هذه الأحزاب وهكذا حظيت هذه الأحزاب بما سمي "تأييد" المصوتين الفلسطينيين لها. المرحلة الثانية كانت في الثمانينيات حيث برزت الأحزاب المشتركة (يهودية – عربية) مثل الحزب الشيوعي الإسرائيلي والجبهة، والقائمة التقدمية للسلام والتي تبرز بها هوية الناخب الفلسطيني بداخلها. كان معظم المصوتين من الفلسطينيين ولكنهم حرصوا على وجود مرشحين في مواقع مضمونة حتى يبرزوا تمسكهم بمبدأ التعاون اليهودي - فلسطيني في تغيير الأوضاع السياسية داخل إسرائيل. في بداية التسعينات ظهرت الأحزاب الفلسطينية الصرفة، بدءا بالحزب الديموقراطي العربي، ثم التجمع الوطني الديموقراطي، والحزب العربي للتغيير، والقائمة العربية الموحدة (صوت الحركة الإسلامية). هذه السيرورة تعكس تفاعلات سياسية تطورت بين المواطن الفلسطيني داخل إسرائيل من جهة وبين الأحزاب والدولة من جهة أخرى. وهي تبرز أن التوجه العام هو العمل الداخل - قومي على تغيير الأوضاع السياسية للفلسطينيين بدل العمل البين - قومي.

من قراءة الواقع يبدو أن الوحيدين الذين سيستمرون في التصويت للأحزاب الصهيونية هم المنتفعون بالوظائف المرتبطة مباشرة بهذه الأحزاب وبعض الأفراد من حولهم. هنالك فئة قليلة تظن أنها ستخدم قضايا الفلسطينيين داخل إسرائيل إذا ما ساعدت ميتسناع على الإنتخاب. هذا التصور أثبت فشله مرة تلو الأخرى في الإنتخابات. من الواضح أن أغلب الفلسطينيين سوف يصوتون لأحزاب فلسطينية. من الأفضل تعزيز الأحزاب العربية، التي بالتالي، من الممكن أن تشكل جسما داعما أو مانعا، لحزب العمل.

* هناك من يرى ان هذه الانتخابات زائدة عن الحاجة بالنسبة للعرب في اسرائيل ايضا، كونها ستعيد معظم الوجوه البرلمانية العربية الى الكنيست الـ 16 ايضا، ولعلها لن تضيف الى قوّتهم البرلمانية، وبخاصة بعد العودة الى الانتخابات النسبية. ماذا تقولين في ذلك؟

د. خولة: لم تناقش الجماهير الفلسطينية دور ممثليها في البرلمان الإسرائيلي على مر السنوات وذلك لضعف ثقافة النقاش الديموقراطي داخل المجتمع الفلسطيني. بعد أحداث أكتوبر 2000 كانت هنالك إنتقادات كثيرة وُجهت من قبل سلطات يهودية شتى ضد النواب الفلسطينيين. كان رد فعل الجمهور الفلسطيني حاميا وداعما للنواب حتى تمر الأزمة. ولكن، لم يفتح بعد ملف "معنى التمثيل البرلماني" بالنسبة للفلسطينيين. كما ولم يدرس أبدا مدى نجاح النواب العرب في تطبيق ما وعدوا به ناخبيهم ومدى إخلاصهم في تركيز طاقاتهم في خدمة الجمهور الفلسطيني. توجد حاجة جادة لأن يطرح السؤال: ما هي صفات البرلماني الفلسطيني الذي يحتاجه المجتمع في هذه الفترة وبناء عليه ترشيح مناسبين للعمل. موضوع القوة البرلمانية للفلسطينيي أصبحت رمزية جدا ومحدودة وليست فعلية. عليه, وجودهم في البرلمان له أهمية رمزية بالرغم من أن توقعات التغيير التي سوف يقومون بها محدودة جدا.

* ترددت في السنة الاخيرة اكثر من أي وقت مضى اصوات تدعو الى اشراك النساء العربيات في الحياة السياسية والبرلمانية في اسرائيل، وتحريرها من سطوة التسلط الذكوري العربي على العمل السياسي. ماذا تقولين في ذلك؟ وكيف تنظرين الى قرار "التجمع" و "الجبهة" تخصيص المكان الرابع في قائمتيهما للنساء (افنان اغبارية في "التجمع" وتغريد شبيطة في "الجبهة")؟

- لقد أثرتُ موضوع مشاركة النساء الفلسطينيات في العمل السياسي منذ عام 1998 ضمن دراسة أصدرتها في كتاب "طريق وعرة: نساء عربيات في السياسة الإسرائيلية". إن إثارة التساؤل حول مشاركة النساء في القيادة هو تغيير مبارك يدل على أن فئات من الجمهور لم تعد تقبل الصمت على هذا الوضع الذي يحيّد النساء عن عملية صنع القرار. إن الأحزاب العربية، والتي للأسف تعكس مبنى المجتمع العربي بدل أن تقوده، تقوم بالتحايل على النساء "بالمسايرة" في عرض أسمائهن في مواقع يعرف الجميع أنها غير فعّالة. فلا فرق بين الموقعين الرابع والأربعين لحزب لا يضمن لنفسه المقعد الثالث. الموضوع الجوهري والذي يجب أن يطرح على بساط البحث هو معنى الديموقراطية الداخلية في المجتمع الفلسطيني وأولوياته. هل حقا أن التمثيل الجغرافي: جليل، مثلث، نقب أو التمثيل الطائفي: مسلم، مسيحي (أو العكس) أهم من التمثيل الجنوسي: رجل، مرأة؟ من قرر ذلك؟ المجتمع العربي، والقيادات العربية، ما زالت تنظر منظار القوامة لجمهور النساء بغض النظر عن قدراتهن. أما الإصغاء لمطالبهن فليس إلا ضربا من المسايسة ولا يمت للديموقراطية الأصيلة أو المسؤولية في عملية التغيير الإجتماعية بصلة. إن عدم وجود نساء قياديات في البرلمان لا يعكس قدرات النساء الفلسطينيات كما يعكس وضع الديموقراطية الفلسطينية.

* "الجيل المنتصب القامة" – كما تكتبين مع د. داني رابينوفتش في كتابكما المشترك بالعبرية والذي يحمل نفس الاسم – سيكون عنصرا مؤثرا وحاسما في العمل السياسي العربي في اسرائيل. انه الجيل المولود في 1976 ومَن صنع آباؤه يوم الارض الاول. هل تعتقدين ان ابناء هذا الجيل يُعوِّلون على العمل البرلماني الاسرائيلي في دفع قضايا العرب الى امام، ام انه قد "يصوّت بالأرجل" امتثالا لدعوة المقاطعة الصادرة عن بعض التيارات العربية عندنا؟

د. خولة: الجيل الثالث للقيادة الفلسطينية يتعلم بناء على دراسة الواقع كيف يملي دوره السياسي والوطني والإجتماعي. ليس من المسؤولية بمكان مقاطعة الإنتخابات. كل أقلية في العالم تعمل جاهدة للحصول على حقها في التعبير عن رأيها السياسي بواسطة القنوات الديموقراطية الرسمية. إن مقاطعة الإنتخابات عقب أكتوبر 2000 كانت صرخة ألم وتعبير غاضب وصادق عن عدم الرضى عما كان وعدم الثقة بما سيأتي. الفلسطينيون داخل إسرائيل لا يطالبون بالإنسلاخ عن الدولة ولكن بالدمج والمساواة الحقيقية. إن هذا لن يتحقق إذا قاطع الناخبون الإنتخابات. من جهة أخرى، إن أبناء الجيل الثالث، منتصبي القامة، لا يكتفون بالعمل البرلماني لتغيير واقع الفلسطينيون داخل إسرائيل. فلقد أثبتت التجربة أن العمل البرلماني وحده لم يحقق مطالب الفلسطينيين, ولم يسد هوة التمييز القومي وليس بمقدوره, أمام النواب المتطرفون اليهود تحقيق ذلك. إلى جانب العمل البرلماني يدعم الجيل منتصب القامة العمل الأهلي والمنظمات الغير حكومية والصحافة ويسخر العمل الفني الهادف لهذا الغرض وما إلى ذلك من وسائل بالإضافة للعمل البرلماني.

* الى أي حد يمكن للصوت العربي ان يقرر ويحسم في اللعبة البرلمانية القادمة، وهل ذلك ممكن ما دام العرب يتنافسون في قوائم "عربية" تنهل من نفس "مستودع الاصوات" الذي تتطلع اليه جميع الاحزاب الصهيونية، بما في ذلك احزاب اليمين المتطرف و "الحرديم"؟

د. خولة: الصوت العربي يعكس مدى تكتل العرب حول الأحزاب العربية ومدى القوة التي يمنحها لكل منها. الأصوات العربية داخل الأحزاب الصهيونية لم تخدم الفلسطينيون خلال سنوات قيام الدولة أكثر مما خدمت الأحزاب نفسها. تلك الأحزاب التي استطاعت دائما أن تدعي أنها ديموقراطية بسبب دمجها هذا "البدوي" وذاك "الدرزي" على حسب تعريفها. لا يسيء للفلسطينيين أنهم يتنافسون ضمن قوائم عربية. فلا يوجد مجتمع يدعى الديموقراطية الحقيقية يتنافس على حزب واحد. تستطيع الأحزاب العربية أن تؤثر في إتجاه سياسة الحكومة إذا عرفت كيف تصبح جسما مانعا وفعالا. وهذا يتطلب شرطين: أن يكون النواب مهنيين خبيرين في العمل البرلماني، وأن يعملوا في قضايا سياسية جوهرية ككتلة واحدة. إن هذا لم ينجح إلا في فترة حكومة رابين. يجب العمل على النجاح في هذه التجربة مرة أخرى.

* هل تستشعرين تبدلا في انماط التصويت لدى "الوسط الدرزي"، وارتفاعا في نسبة الاصوات التي يمكن ان تغادر "المعسكر الصهيوني" لصالح التيار القومي او غيره؟

د. خولة: لا توجد لدي مصادر معلومات مباشرة عن هذا الموضوع.

* أي عنوان يمكن ان تعطيه لهذه الانتخابات؟ هل ستقودنا مجددا الى "طريق مسدود"؟ ام انها قد تحمل "المفاجآت"؟!

د. خولة: إسقاط حكومات إسرائيلية قبل فترة إنتهاء المدة المحددة لها يعكس نفسية التوتر السياسي والإندفاع واتخاذ القرار غير المدروس في الشارع الإسرائيلي. إن سياسة "السياسة الغاضبة" بدل "السياسة المتزنة" هي السائدة. لم يتغير شيء من الظروف داخل المجتمع الإسرائيلي أو بينه وبين السلطة الفلسطينية حتى نتكهن أنها سوف تسير في طريق مغاير أو ستشق واحدا كهذا لصالح المنطقة. العنوان الذي أراه مناسبا للإنتخابات والفترة الراهنة هو "إنتخابات مرعوبة" وأرى أن هذا الرعب ناتج عن وضع داخلي, تحاول به الأحزاب اليمينية المتطرفة تأجيج شعلة الخوف وعدم الثقة من الفلسطينيين والعالم العربي من جهة، ووضع خارجي لم ينجح به الفلسطينيون محاورة المشاعر والدماغ الإسرائيلي بكل فئاته. إذا لم يتم إجراء تغييرات جدية في هذين المجالين فإن "ردود الفعل المرعوبة" سوف تكون النهج الذي ستتبعه الحكومات التالية حتى يحصل تغيير حقيقي جدّي في صعيد ما.

 

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية, الليكود, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات