ناشط اليسار وسكرتير حركة "يوجد حد"، التي تدعو إلى رفض الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي لأسباب ضميرية، يشاي مينوحين، في مقابلة خاصة لـ"المشهد الإسرائيلي": فقط اليسار صاحب القيم العالمية تجنّد على الفور للنضال ضد الحرب لأنها بدت له منذ البداية غير مبررة وخاطئة من الناحية الأخلاقية وتتناقض مع قيمه
كتب بلال ضاهر:
برز في الآونة الأخيرة غياب اليسار في إسرائيل عن ساحات الاحتجاج ضد العدوان الإسرائيلي المتواصل في الأراضي الفلسطينية. في الوقت نفسه يكاد هذا اليسار يكون غائبا بالكامل منذ شنّ إسرائيل الحرب ضد لبنان. ففيما عدا مظاهرات نظمتها الأحزاب العربية وحركات يسارية إسرائيلية راديكالية فإن ميادين تل أبيب والقدس، التي شهدت في الماضي مظاهرات كبيرة، خلت هذه المرة من مثل هذه الاحتجاجات، التي كان أبرز منظميها نشطاء حركة "سلام الآن" وحزب ميرتس.
وقال ناشط اليسار وسكرتير حركة "يوجد حد"، التي تدعو إلى رفض الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي لأسباب ضميرية، الدكتور يشاي مينوحين، لـ"المشهد الإسرائيلي"، إنه "أثناء الحرب التي يصاب فيها مواطنون يتعلق الناس أكثر بمشاعرهم الوطنية من تلك الشمولية. لذلك فإنه في كل حرب وفي كل انتفاضة رأينا أن قسما كبيرا من اليسار يواجه صعوبة في التجند للنضال ضد الحرب والاحتلال ويستغرق وقتا أطول للتجند لهذا النضال. وحرب لبنان الثانية ليست مختلفة من هذه الناحية عن الحروب السابقة أو عن الاحتلال والانتفاضتين. والمنظمات (الإسرائيلية) التي وضعت نصب أعينها قيما عالمية شمولية بصورة أوضح، مثل تعايش وكتلة السلام ويوجد حد واللجنة ضد هدم البيوت ومركز المعلومات البديلة، تجندت على الفور للنضال ضد الحرب، لأن الحرب بدت لهم منذ البداية غير مبررة وخاطئة من الناحية الأخلاقية وتتناقض مع القيم التي يؤمنون بها. لكن منظمات يسارية أكثر رخاوة مثل سلام الآن ومثل أحزاب اليسار الصهيوني وبينها ميرتس استغرقها وقت أطول للانضمام للنضال ضد الحرب انطلاقا من مقولة إنه عندما تطلق المدافع النار على الناس أن تسكت. ومر على الحرب شهر كامل قبل أن يخرجوا للتظاهر ضد الحرب".
وأشار مينوحين إلى أنه "في فترة حرب لبنان الأولى مر شهر أو حتى أكثر قبل أن يبدأ اليسار الرخوي بالاحتجاج عليها، ومرت شهور قبل أن ينضم قسم من حزب العمل الذي كان في حينه في المعارضة إلى حملة الاحتجاج. وعموما هذا ما يميز أداء هذا اليسار بما في ذلك النضال ضد القمع العنيف للشعب الفلسطيني خلال الانتفاضتين".
ورأى مينوحين أن "ما ميّز حرب لبنان الثانية عن سابقاتها هو القصف المكثف على الجبهة الداخلية الإسرائيلية. وعندما ترى، كناشط في اليسار الرخوي، أبناء قوميتك يصابون فإنه يكون من الصعب عليك عندها أن ترتبط بقيم شمولية، وإنما يصبح المرء في هذه الحالة مرتبطا باحتياج أبناء شعبك إلى الدفاع عن نفسه ومن الجهة الأخرى فإنه، في هذه الحالة، يصبح من الصعب رؤية أسباب تعرضك لقصف وأن حكومة إسرائيل تتحمل مسؤولية كبيرة عن هذا الوضع. لذلك كان الأمر صعبا بالنسبة لليسار أن يبدأ نشاطات احتجاجية ضد الحرب. هذا الوضع استغرق شهرا وبعدها نظموا مظاهرتين شارك فيهما قسم من نشطاء سلام الآن وميرتس. رغم ذلك شارك ناشطون من اليسار الصهيوني في مظاهرات منذ اليوم الأول للحرب".
(*) "المشهد الإسرائيلي": لكن حتى قبل الحرب في لبنان لم ينظم اليسار في إسرائيل، باستثناء اليسار الراديكالي، نشاطات احتجاجية على الهجوم الإسرائيلي الواسع وأعمال القتل والتدمير التي تنفذها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية.
- مينوحين: "هذا صحيح، والسبب أنه أثناء الحرب يكون الناس أقل ارتباطا بالقيم وأكثر تعلقا بتخوفاتهم. حماس وحزب الله والجيش الإسرائيلي نفذوا عمليات ضد المدنيين، وبالطبع فإن عمليات الجيش الإسرائيلي كانت أوسع وأكبر، وعندما توجه حماس وحزب الله هجماتهما وصواريخهما ضد المدنيين الإسرائيليين يصبح من الصعب الخروج للاحتجاج ضد المس اللاحق بالطرف الآخر، وكأن المس بالمدنيين في الطرف الآخر أصبح أمرا مسموحا. دعنا لا ننسى أن حماس أطلقت صواريخ باتجاه سديروت وبلدات أخرى في جنوب إسرائيل. وهذا أدى أيضا إلى أن اليسار الرخوي هنا أصبح اقل استعدادا للتعاطف أو التماثل مع الضحايا في الجانب الآخر، الفلسطيني. وأعتقد أن الذراع العسكري لحماس والجهاد الإسلامي ساهما في ذلك وهما الشريكان الأساسيان لإسرائيل وخصوصا لليمين الراديكالي في إسرائيل، لأنهما في اللحظة التي ينفذان فيها هجمات يوفران لليمين الإسرائيلي الذريعة للقول للجمهور في إسرائيل إنه لا يمكن الاعتماد على الفلسطينيين، وإنه في حال سحب الجيش الإسرائيلي قواته من قطاع غزة وتوقف القصف المدفعي على القطاع فإن هذه المجموعات ستواصل إطلاق الصواريخ على بلدات جنوب إسرائيل. ولذلك أعتقد أن حماس تقوي اليمين الإسرائيلي واليمين الإسرائيلي يقوي حماس، والخسارة هي أن الباقين يعانون من هذا الوضع".
(*) هذا يعني أن من تصفهم بـ"اليسار الرخوي" أصبحوا في مركب واحد مع اليمين الإسرائيلي؟
- مينوحين: "لا. بل هم ما زالوا قلقين ويستغرقهم بعض الوقت للانضمام لنشاطات احتجاج ضد الحرب في غزة أيضا. ونحن نلاحظ الآن أن هناك صحوة لدى هذا اليسار، فهناك العديد من العرائض والإعلانات الكبيرة في الصحف الإسرائيلية التي تدعو إلى تنظيم احتجاجات ضد ما حدث في لبنان وما يحدث في قطاع غزة".
(*) في الحروب الماضية شهدنا حركة رفض من قبل جنود لأداء الخدمة العسكرية. ما هو الوضع في حرب لبنان؟ هل كان هناك جنود رفضوا الخدمة العسكرية؟
- مينوحين: "دخل 6 جنود للسجن بسبب رفضهم أداء الخدمة العسكرية في لبنان، وكان هناك أيضا ناشط واحد من اليمين رفض الخدمة بسبب تصريحات رئيس الحكومة ايهود أولمرت خلال الحرب حول نيته تنفيذ خطة التجميع في الضفة الغربية. كذلك فإن معظم الذين رفضوا أداء الخدمة العسكرية، وعددهم بالعشرات، لم يسجنوا".
ولفت مينوحين إلى أن "تبني الجنود لموقف رفض الخدمة العسكرية في لبنان كان أسرع بالمقارنة مع حرب لبنان الأولى". وسوّغ مينوحين ذلك بأنه "في حرب لبنان الأولى كانت المرة الأولى التي يتم فيها رفض الخدمة العسكرية، بينما في حرب لبنان الثانية كانت المرة الثالثة أو الرابعة التي يشعر فيها رافضو الخدمة بأن ثمة استخداما غير مناسب للسلاح وكأنه لا توجد أي طريقة لحل النزاع إلا بتحريك الجيش. ودوافع الجنود لرفض الخدمة هي أنهم يرفضون المشاركة في حرب غير عادلة. وهؤلاء عادة يكونون من نشطاء اليسار الراديكالي، لكن كان أفراد ممن رفضوا أداء الخدمة العسكرية وعرّفوا أنفسهم على أنهم صهيونيون، بينهم أول جندي دخل السجن بسبب رفض الخدمة العسكرية في حرب لبنان الثانية".
بعض الوقائع
يذكر أنه في اليوم الثاني عشر للحرب، اجتمعت الأمانة العامة لحركة "سلام الآن" اليسارية، التي قادت في الماضي تظاهرات ضخمة احتجاجاً على ممارسات الجيش الإسرائيلي سواء في لبنان أو في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، لتبحث في الموقف المطلوب اتخاذه حيال الحرب الدائرة. لكن الاجتماع شهد انقساماً وخلافات في الرأي أدت إلى عدم اتخاذ أي قرار "تفادياً لكسر الإجماع الإسرائيلي". وكان لافتاً موقف الأمين العام للحركة، ياريف اوبنهايمر، الناشط الأبرز ضد الاستيطان الصهيوني في الضفة الغربية وقطاع غزة. قال اوبنهايمر إنه "ليس منطقياً أن نتظاهر الآن. هذا يمس بالدولة. نحن مهاجمون وكل من يتظاهر الآن إنما يدعم حزب الله".
ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن اوبنهايمر أن "غريزة أي يساري تقوده الى اتخاذ موقف معارض عندما يرى طائرة حربية في الجو. لا أحد منا يريد أن نعاود الدخول الى لبنان، لذا يجدر بنا الانتظار. في هذه المرحلة، وبألم شديد كان القرار أن نجلس جانباً ولا نقوم بأي شيء".
وتشير الصحيفة الى أن بعض جنرالات الاحتياط والسياسيين المحسوبين على معسكر اليسار، ينتقد في صوت خافت الحكومة والجيش، لكن أحداً لا يجرؤ على إسماع صوته عالياً أو حتى توجيه السؤال الى الحكومة وقادة الجيش: "الى أين تقودوننا؟ وما الهدف من الحرب ومن سيدفع ثمنها في نهاية المطاف؟". ويبرر هؤلاء عجزهم بالادعاء بأن أسئلة من هذا القبيل لا يمكن أن توجه طالما أن الحرب دائرة وفقاً لشعار "الآن يجب السكوت. هدوء... يطلقون النار... هدوء يُقتلون".
وتلفت الصحيفة إلى صمت رئيس الحكومة السابق إيهود باراك، الذي يعتبره الإسرائيليون أكبر جنرال عرفته الدولة العبرية في تاريخها، والى اختفائه عن شاشات التلفزيون المحلية "فيما يقول لشبكات التلفزيون الأجنبية نقيض ما يؤمن به، مدافعاً عن الحرب". وتضيف أن باراك يرى أن قرار رئيس الحكومة إيهود أولمرت كسر سياسة ضبط النفس التي تحلى بها اريئيل شارون تجاه حزب الله، كان خاطئاً، بل كان الأجدر أن لا ترد إسرائيل أبداً على خطف الجنديين.