كتب وديع عواودة:
يحتفل راديو " الشمس"، الاذاعة الفلسطينية القانونية الوحيدة داخل اسرائيل ، هذه الأيام، بعيد ميلاده الاول وسط حالة من الغبطة والسرور لدى اوساط واسعة من المواطنين العرب الذين انتظروا عقودا موجات اثير تنقل اخبارهم وتصور اوضاعهم ضمن مشروع صحفي ثقافي وطني ومستقل، وفي الوقت نفسه تخلصهم من "صوت اسرائيل" الراديو الاسرائيلي المستعرب الذي ولد ولا يزال بوقا دعائيا عليهم وليس لهم. وتشكل "الشمس" تجربة اذاعية جديدة بعد ان سمحت سلطة البث الثانية ببناء اذاعة عربية محلية في اعقاب فشل التجربة الاولى المتمثلة براديو 2000 قبل اربع سنوات، والتي تمت عرقلتها على خلفية اتهامها بالمشاركة في تعبئة و"تحريض" المواطنين العرب عشية وخلال انتفاضة الاقصى اضافة الى المشاكل الادارية، على حد ما زعم المسؤولون في حينه.
يعمل في "الشمس" نحو 40 اذاعيا وتقنيا وموظفا يتقاسمون ادارة وتقديم مختلف البرامج. وهي تعود بملكيتها الى مستثمر عربي من مدينة الناصرة، هو سهيل كرام ( 65 % من الاسهم) وشريك يهودي ، بيني غاؤون. وهذه الاذاعة تمتاز بدورها الفريد في مد وتعزيز جسور التواصل بين ابناء الشعب الفلسطيني عبر شقي الخط الاخضر الى درجة ان البعض يكنيها "راديو التواصل". كما أنها واظبت ولا تزال على محاورة المسؤولين الفلسطينيين في شؤون الساعة، كان آخرها لقاء مطول وصريح مع النائب نبيل عمرو حول "الفوضى والفساد" في الاراضي الفلسطينية يوما قبيل الاعتداء عليه. وفي يوم عيدها الاول استقبلت الاذاعة الاف المكالمات الهاتفية من شخصيات سياسية وثقافية ودينية ومواطنين عبر شقي الخط الاخضر ممن باركوا لها وشكروا العاملين فيها على انتاجهم الاذاعي المفيد رغم قلة الامكانيات وقصر عمرها، مشددين على دورها في صنع التواصل بين مختلف الشرائح الاجتماعية لدى فلسطينيي الداخل ومراكمة الارث الثقافي المحلي والعربي العام، اضافة الى مد جسور التواصل بينهم وبين ابناء شعبهم في الضفة الغربية وغزة من فوق حواجز الاسمنت اللانسانية المعروفة بجدار الفصل.
وافادت معطيات "الشمس" ان نسبة الاستماع بلغت في ذروتها 33 بالمئة، ما يعني الاهتمام الكبير لدى المواطنين العرب مقارنة مع الاذاعات الاسرائيلية الاخرى . الكوادرالشبابية العاملة في الاذاعة تنشط كخلية النحل من اجل انجاح هذا المشروع الصحفي الثقافي الفريد يحدوهم امل بتثبيت اقدامهم على طريق تفضي الى نتائج محترمة، مستمدين الطاقات من اطراءات الجمهور الواسع الذي يرى فيها واحدة من مؤسساته الواعدة، كما اكد مالكها ومديرها العام سهيل كرام.
في حديث خاص ل "المشهد الاسرائيلي" اكد كرام ان توفير المستلزمات التقنية واللوجستية كلف اموالا طائلة وان الاذاعة لم تتوازن ماليا بعد، غير انه راض تماما عن مسيرتها لافتا الى انه يرى فيها بالدرجة الاولى مشروعا صحافيا وثقافيا قبل ان يكون ربحيا. واوضح انه يتحاشى التدخل في البرامج الاخبارية ويقتصر دوره على "مراقبة الاخطاء" والاهتمام بعدم تكرارها. وحول الاستقلالية في تحديد المضامين اكد كرام عدم وجود أي تأثير سلبي للشراكة مع غاؤون. واضاف "كأي شراكة اخرى يقدم طرفاها التنازلات، ومع ذلك اؤكد لك ان الاتفاق بيننا ينص على ان الشراكة في المال والاعمال لا في المضامين". وعن مجموعة الاذاعيين والعاملين الذين توقفوا عن العمل في "الشمس" افاد كرام ان الخلفية شخصية ولا علاقة لها باي تدخل غير صحي من قبل الادارة في البرامج مشددا على امتناعه عن فرض اية املاءات على العاملين والمذيعين ونفى ان تكون هناك "ابقار مقدسة" يحظر الاقتراب منها او انتقادها كما اتهم بعض العاملين السابقين في الاذاعة. واوضح كرام ان تعيين الصحفي رفيق حلبي، محرر وكالة "عتيم" الاسرائيلية للأنباء، مراقبا من قبل سلطة البث الثانية على اذاعة "الشمس" جاء ضمن المساعي لتحسين وتعزيز الجوانب المهنية في الاذاعة. وعن احتمالات توسيع مساحات النقد الصحفي في برامج "الشمس" قال كرام ان الراديو تخطو بهذا الاتجاه وانه تم تخصيص برنامج يعنى بالسلطات المحلية باشراف وتقديم محمد يونس ويهتم بالقضايا الملتهبة وبالتجاوزات والخروقات داخل المؤسسات موضحا ان استكمال الامر منوط بالامكانيات المادية "فلسنا راديو مونت كارلو بعد".
من جانبه اعتبر مدير قسم الاخبار، الصحافي مصطفى عبد الحليم، ان "الشمس" محاولة مهمة لطرح قضايا المواطنين العرب ومعالجتها بموضوعية بدلا من ذر الرماد في عيونهم او المشاركة في تطويعهم، كما فعلت اذاعات رسمية حتى الآن. ولفت عبد الحليم الى عناية الاذاعة بالمشاركة في صناعة التواصل العام بين المواطنين العرب وبين العرب في كل مكان بما في ذلك بالمهاجر وايراد تقارير تثري معلومات المستمع المحلي مباشرة. ويضرب مثالا على ذلك قيام الاذاعة بالاهتمام بقضايا السودان واعتقال حسن الترابي في حينه وذلك من خلال الاتصال بزملاء المهنة والمسؤولين العرب. وضمن "حصاد اليوم" ،البرنامج الاخباري المقدم كل مساء، يحرص الزملاء يزيد دهامشة ونبيل سلامة وبرنارد طنوس وجاكي خوري وسليم شحادة وميسون كنعان على متابعة تطورات الاحداث في الاراضي المحتلة عام 67 واجراء الحوارات المفيدة مع سياسيين فلسطينيين حول مختلف القضايا.
والى جانب برامج شؤون الساعة التي تستطلع فيها اراء مسؤولين ومهنيين ومثقفين في الاراضي الفلسطينية تهتم "الشمس" بالتواصل الثقافي مع الوطن العربي من خلال برامج ثقافية فنية تحاور فيها كتابا وفنانين امثال احلام مستغانمي وتوفيق فياض وزاهي وهبة وسمير غانم والياس الرحباني وغيرهم، الذين باتوا ضيوفا دائمين لدى اذاعيين كشادي بلان والكاتبة رجاء بكرية والفنانة امل مرقص والفنانة الاذاعية سلمى خشيبون . ويؤكد مراقبون ان هذه اللقاءات تنطوي على أهمية بالغة ليس من ناحية تعميم الثقافة ومراكمتها والتعريف بها فقط انما بأثرها السيكولوجي على فلسطينيي الداخل وحيوية شعورهم الواقعي الملموس بانهم جزء لا يتجزأ من العالم العربي، ما يسهم في تشكل الوعي القومي لدى ناشئتهم وبلورة هويتهم الثقافية العربية.
وهذا ما يسهم به ايضا في مجال الرياضة الاذاعي سعيد حسنين الذي لا تخلو برامجه من تقارير حول النشاطات الرياضية في الاراضي المحتلة والبلدان العربية تشمل لقاءات هاتفية من هناك.
واعتبر الاذاعي برنارد طنوس، وهو مقدم برامج اخبارية، في حديث ل"المشهد الاسرائيلي"، ان الاذاعة عبارة عن كرة متدحرجة بوسعها ان تحقق المكاسب الاعلامية على طول المحور الزمني ولا حاجة لان تكون الراديو ابنة خمسين سنة حتى تنجح، موضحا ان "الشمس" انتجت الحد الاقصى من امكانيات الحد الادنى المتوفرة، وانها لم تحقق حتى الان جزءا هاما مما يصبو اليه خاصة في مجال التحقيق الصحفي. واضاف "لكنها نجحت في ترك بصماتها الصحفية من حيث تغطية مناطق وقضايا لم تغط اعلاميا كما يجب كالنقب والاسرى الفلسطينيين والعرب والكشف عن الفساد ومقارعة الرأي بالرأي الاخر والتي يفتقد لها الاعلام العربي عامة" املا ان تحظى شمسه بالمزيد "من الفصل بين مسؤوليات الادارة وبين العمل الاذاعي المهني".
في المقابل يرى الاذاعي سليم شحادة (مراسل الاذاعة الايرانية في الداخل واذاعة ال "بي بي سي" ايضا ) ان قلم التحرير في "الشمس" مستقل مشددا على اهمية كونها مؤسسة عربية تعتمد على طاقم محلي ومجرب ومتنفسا لفلسطينيي الداخل ومرآة تصور لهم حقيقة احوالهم ومنبرا مفتوحا للجميع بعيدا عن الخطوط الحمراء الموجودة في الاذاعات الاسرائيلية العبرية والعربية. ويرجو شحادة ان تتسع دائرة بث الاذاعة لتبلغ البلدان العربية منوها الى انها تستقبل اليوم مكالمات من الاردن ومصر فقط.
الاذاعية سوزان حجار باشرت منذ الشهر في تقديم برنامج "حلا" وهو معد للاسرة وللسيدات وفيه تخوض بقضايا اجتماعية تتعلق بالعلاقة الزوجية وتربية الاطفال و الصحة، لكنها تقول انها ورغم رغبتها بزيادة نسبة المستمعين لبرنامجها تتحاشى السباحة في المياه العميقة والتطرق الى موضوعات حساسة كالتربية الجنسية او العلاقات خارج رابطة الزواج وغيرها. كما تقدم حجار برنامجا جديدا باسم "على رأي المثل" تذكر فيه الكلمات الاولى من امثال شعبية واقوال مأثورة وتترك الفرصة للمستمعين لتكملتها ورواية قصتها ومنح الجوائز للفائزين. وهي تستعد الآن الى تعميم تراث سلام الراسي في المجال. واضافت "هذه محاولة لنشر الحكم الشعبية والتحدث مع مختلف الشرائح الاجتماعية تحقيقا لهدف الراديو بخدمة كافة شرائح المجتمع دون استثناء".