المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

<<طوال نصف سنة كان افراد "الشاباك" يراقبون الشبكة الأسرائيلية التي أقامها وشغلها نهرة ابن الـ 45 عاما من منزله الفخم في قرية ابل الساقي في لبنان. ولم تكن هذه الشبكة الوحيدة التي شغلها. كان نهرة، المعروف بنشاطه الجنائي المتنوع وبعلاقاته المعقدة مع اجهزة الأمن الأسرائيلية، اللبنانية والسورية، يسيطر على ثلاثة محاور لنقل السموم الى داخل اسرائيل. كل محور كان يتكون من شخص مسؤول هو حلقة الوصل والى جانبه مجموعة من اصحاب المهام الثانوية. كانت مهمتهم التبليغ عن اماكن تواجد دوريات الشرطة الأسرائيلية، ونقل المخدرات الى مركز البلاد واعادة الأموال الى لبنان. من حين الى آخر، حسب الحاجة وحسب الأعتقالات في اسرائيل، كان نهرة ينتقل من شبكة الى اخرى. كل ذلك لكي يضمن استمرار تدفق الأموال الى جيبه ولكي يقوم بنقل المعلومات الأستخبارية الى منظمة حزب الله التي اتاحت له التحرك على طول الحدود مع اسرائيل..>>

<<كنا ننتظر الليل لكي نقوم بالأرسال. حين كان اللبنانيون يصلون الى القاعدة العسكرية المهجورة في طرف القرية، كانوا يتصلون برمزي، الذي كان يخبر والدي فأغادر انا البيت. سوية مع احمد كنت امشي قرابة المائة متر في ارض تابعة لجدتي. كنا نمشي منحنيين وبهدوء تام لكي لا يسمعنا احد. وعلى بعد حوالي 30 مترًا من القاعدة كنا نصدر صوتا محددا "بِسسسسـت". وكان اللبنانيون يصدرون الصوت نفسه، " بِسسسسـت"، فنتأكد ان اولئك هم رجالنا. كان يحضر منهم، عادة، رجلان او ثلاثة، على رؤوسهم قبعات ووجوههم مكشوفة. كنا نحيي بعضنا البعض، ثم نتسلم حقائب المخدرات ونضعها في سيارة احمد ثم نواصل باتجاه البانياس>>.

بهذه الكلمات وصف يوسف قهموز، من قرية الغجر، امام محققي "الشاباك" (جهاز الأمن العام الأسرائيلي) الطريقة التي تم بها نقل كميات هائلة من المخدرات من لبنان الى اسرائيل. المقابل - معلومات استخبارية، اشرطة وشرائح مصورة، معدات للرؤية في الليل - تم نقله بالطريقة ذاتها الى الجانب الآخر، الى رمزي نهرة، ممثل "حزب الله" في جنوب لبنان.

طوال نصف سنة كان افراد "الشاباك" يراقبون الشبكة الأسرائيلية التي أقامها وشغلها نهرة ابن الـ 45 عاما من منزله الفخم في قرية ابل الساقي في لبنان. ولم تكن هذه الشبكة الوحيدة التي شغلها. كان نهرة، المعروف بنشاطه الجنائي المتنوع وبعلاقاته المعقدة مع اجهزة الأمن الأسرائيلية، اللبنانية والسورية، يسيطر على ثلاثة محاور لنقل السموم الى داخل اسرائيل. كل محور كان يتكون من شخص مسؤول هو حلقة الوصل والى جانبه مجموعة من اصحاب المهام الثانوية. كانت مهمتهم التبليغ عن اماكن تواجد دوريات الشرطة الأسرائيلية، ونقل المخدرات الى مركز البلاد واعادة الأموال الى لبنان. من حين الى آخر، حسب الحاجة وحسب الأعتقالات في اسرائيل، كان نهرة ينتقل من شبكة الى اخرى. كل ذلك لكي يضمن استمرار تدفق الأموال الى جيبه ولكي يقوم بنقل المعلومات الأستخبارية الى منظمة حزب الله التي اتاحت له التحرك على طول الحدود مع اسرائيل.

شبكة التجسس والسموم، التي نشط قهموز في اطارها، تم الكشف عنها قبل اسبوعين. وقد ضمت، وفقا للائحة الاتهام، 11 عضوًا من العرب واليهود. ثلاثة منهم من سكان "كريات شمونة" والباقون من قرية الغجر المقسمة الى قسمين: الجنوبي داخل حدود اسرائيل والشمالي داخل الحدود اللبنانية. رئيس الشبكة، سعد قهموز، الملقب بـ "سيدو"، رفض التعاون مع محققي"الشاباك"، بينما تحدث الباقون.

في "الشاباك" يصفون التحقيق بأنه ناجح. لم يكن المحققون بحاجة حتى الى "شاهد ملكي" لكي يثبتوا تورط أعضاء الشبكة. سعد قهموز (40 عاما) ونجله يوسف وشقيقه احمد (21 عاما) وهم من قرية الغجر، وتشارلي بيرتس (33 عاما) ودوريت ادري (34 عاما) وهما من كريات شمونة، متهمون، في لائحة الأتهام التي قدمت الى المحكمة المركزية في الناصرة، بنقل معلومات قد تفيد العدو، والأتصال مع عميل اجنبي، واستيراد سموم خطيرة والاتجار بها، وارتكاب مخالفات تتعلق بالأسحة، وغيرها من التهم. اما شلومو موزس (44 عاما) من كريات شمونة، ومحمد فتالي (40 عاما) من قرية الغجر، فهما متهمان باستيراد السموم الخطيرة والأتجار بها.

المحققون يعرفون ان العلاقة مع نهرة كانت بواسطة قهموز لوحده فقط. وقد زار نهرة في منزله مرتين. بعد اكثر من اسبوع من التحقيق المكثف في غرف "الشاباك" في سجن "الجلمة" (كيشون) قرر المحققون ان يُسمعوا قهموز شريطًا مسجلا يتحدث فيه نجله عن علاقة نهرة باختطاف جنود الجيش الأسرائيلي الثلاثة بأيدي افراد "حزب الله".

وكوسيلة اخرى للضغط، اجرى المحققون لقاء بين قهموز وبين دوريت ادري، صديقته خلال السنوات السبع الأخيرة وزميلته في الشبكة. لحظة دخلت ادري الى الغرفة، نهض قهموز من مقعده واندفع يعانقها. ادري انفجرت بالبكاء وتعانقا طويلا. بعد دقائق طويلة، أخذا يتحدثان عن المرافعة القضائية عنهما ومواعيد تمديد الأعتقال. ادري أخرجت من جيبها صورة لأبنتها وقدمتها لقهموز.

في نهاية اللقاء شكر قهموز المحققين. <<الآن عرفت انها في أيد امينة>>، قال. المحققون استغلوا لحظات الأنفعال العاطفي. استلوا ملفَّي التحقيق مع نجله يوسف ومع تشارلي بيرتس، اللذين تحدثا عن سبل عمل الشبكة، وواصلوا الضغط. <<الأفضل لك ان تطلب المغفرة عن كل ما فعلت، هذا سيجعل صورتك افضل امام المحكمة>>، اقترح "يارون"، المحقق في "الشاباك". قهموز اقتنع وطلب التوصل الى تفاهم مع محققي "الشاباك"، "يارون" و "يناي"، اللذين اقترحا كتابة روايته على الحاسوب مباشرة ودون أي تشويش.

من افادته والتحقيق معه تظهر معلومات جديدة عن القضية: كيف شغل رمزي نهرة، الذي تم اغتياله في لبنان في هذه الأثناء، شبكة التجسس والسموم في الحدود الشمالية، والطرق، والوسائل، والأموال، وغير ذلك.

البطالة توصل الى نهرة

<<خرجت من السجن في 17 نيسان / ابريل 2001 وقضيت جل وقتي في منزل دوريت ادري في كريات شمونة>>، قال سعد قهموز واصفاً خلفية علاقته بنهرة. قهموز وإدري عاشا سوية في منزل ادري، مع اولادها الثلاثة. ادري مطلقة، قهموز متزوج وله ستة ابناء في قرية الغجر.

<<الوضع الأقتصادي كان قاسياً جداً. كنت عاطلا عن العمل. وبعد ان اشتريت سيارة بـ 15،000 شيكل، اصبح الوضع الأقتصادي اقسى وأسوأ. كانت لي علاقات مع العديد من تجار المخدرات الذين كانوا في السجن معي، وكنا قد تحدثنا معًا عن رمزي نهرة. وحين ساءت الحالة الأقتصادية كثيرًا، بحثت عن قصاصة الورق التي كان مسجلاً عليها رقم هاتف رمزي نهرة ثم اتصلت به في لبنان، على الرغم من انه كان قد ورّط شقيقي سعيد. نزلت الى الهاتف العمومي المحاذي لبقالة عمرام واتصلت به. رد علي شخص لا أعرفه وقال ان رمزي غير موجود.

<<في الليل اتصلت ثانية من الهاتف العمومي نفسه فرد علي رمزي. قدمت نفسي بأنني "ابو يوسف" من قرية الغجر فعرفني وطلب رقم هاتفي كي يعيد الأتصال بي. ثم طلب مني شراء هاتف نقال "اورانج" (شركة هواتف خلوية اسرائيلية) للاتصالات بيننا>>.

بدأ قهموز ونهرة التخطيط معا للمتاجرة بالمخدرات. اتفقا على اشارات، وألقاب، ونوع السيارة التي سيتم فيها نقل المخدرات، ومكان التسليم والمتعاونين الذين سيتولون فتح الطريق. <<أخبرني رمزي انه عمل فترة مع أحد سكان بيت زرزير الذي القي القبض عليه مؤخرًا وطلب مني الحلول مكانه>>. في جهاز الأمن يعتقدون ان المقصود هو المقدم عمر الهيب ومجموعته، الذين يسكنون في قرية بيت زرزير والذين القي القبض عليهم واتهموا بتفعيل شبكة لتهريب المخدرات بالتعاون مع رمزي نهرة وشقيقه كميل.

قهموز انتظر نهرة ثلاثة اشهر، لكنه لم يضيع الوقت في تلك المدة: فقد عمل مع شخص لبناني يدعى "ابو صافي"، وكان تعرف عليه بواسطة متهم آخر، هو محمد فتالي. وأخيرًا اتصل به نهرة، لكن مخاض العلاقة كان معقدًا وكاد يفجر الصفقتين الأوليين بينهما.

الصفقة الأولى نفذت في ايلول / سبتمبر 2001. نهرة ارسل الى قهموز 30 كيلوغراما من الحشيش نقلها الى صديقه شالوم (تشارلي) بيرتس، لكن تبين ان البضاعة من الصنف الرديء فسارعا الى نهرة يشكوان، فأقر لهما التخلص منها. بعد ذلك، طلب نهرة من قهموز نقل حقائب ملأى بالسموم ووضعها بين شجيرات قرب البانياس، حيث سيأتي شخص ما لأخذها من هناك. نفذ قهموز المهمة ثم التفى، قرب "مخمورت"، مع بدوي من النقب سلمه 80 ألف دولار ليوصلها الى نهرة.

<<رمزي طلب مني القاء المال عبر الحدود. في الطريق، انتبهت الى سيارة تحريات تسير خلفي. حاولوا ايقافي، لكنني هربت حتى وصلت الى القرية وهناك رميت المال من شباك السيارة. اتصلت برمزي وأخبرته، لكنه غضب جدًا ظانًا انني احاول مخادعته. بعد اسبوع استعنت بتشارلي كسائق وألقيت المال عبر الجدار، الى لبنان. كان هناك شخصان يعملان مع رمزي، أخذا الحقيبة بينما كان هو بعيدًا في سيارة "جيب" من نوع "غراند شيروكي". كان راضياً وأبلغني انه سيرسل المزيد من السموم.

<<رمزي قال لي ان في حوزته 4 أطنان من الحشيش يريد ادخالها الى اسرائيل وانني سأكون ساعده الأيمن>>، يتابع قهموز، <<في المرحلة الأولى كان التسليم يتم في واد يقع خلف منزل والدي. ابني يوسف وشقيقي احمد كانا يحضران حبلا وينزلان بواسطته الى الوادي، حيث كان ينتظرهما اثنان من رجال رمزي ومعهما المخدرات. فيما بعد تبين لنا ان لا اذن لقوات الجيش والشرطة الأسرائيلية بالدخول الى الجانب الشمالي من قرية الغجر، فبدأنا نجري عمليات التسليم في منطقة القاعدة العسكرية القديمة الواقعة في الشارع. كان رمزي يتنصت على أجهزة اتصال الشرطة بواسطة جهاز خاص لديه وكان يحذرنا من الدوريات. كان معي جهازا هاتف نقالان، واحد للمحادثات مع رمزي فقط والثاني للمحادثات مع يوسف واحمد اللذين كانا ينقلان السموم ولقبا بـ "الأولاد". كلما كانت الشرطة تقترب منا، او كلما كانت تقوم بحملات تفتيش روتينية عند مخرج القرية، كنا نغير الشبكة كلها. في البدء استبدلنا كل الأجهزة، ولكن لاحقا كنا نستبدل البطاقات فقط>>.

كان قهموز واثقا بأن "الشاباك" يتنصت ويسمع كل كلمة. كل ثلاثة اسابيع كان يستبدل جميع هواتف الشبكة، بأجهزة كان يشتريها سوية مع ادري من حانوت في "ديزنغوف سنتر" في طبريا ومن وكالة "اورانج" في كريات شمونة. الأجهزة كانت من نوع "توكمان" ولم تكن مسجلة باسمه.

في الشهري الأولين من العمل تدفقت المخدرات من لبنان الى اسرائيل دون اية عراقيل. في كل اسبوع كانوا ينفذون صفقة واحدة على الأقل بحوالي 100 كيلوغرام من الحشيش. وحين اراد نهرة التعبير عن تقديره لقهموز أرسل له هدية عبارة عن 25 كيلوغراما من الحشيش. ومع تعزز العلاقات بينهما، فاجأ نهرة قهموز بأن دعاه لزيارته في منزله في ابل الساقي. قهموز ابلغ شقيقه احمد وصديقته ادري بأمر الدعوة، فعبرا عن تخوفهما الشديد.

<<دوريت كانت تغار علي كثيرًا وكانت متعلقة بي، ولذلك لم ترغب في ذهابي الى لبنان. في البداية تهربت، لكنني عدت في النهاية ووافقت. احمد ويوسف رافقاني حتى الوادي، نزلنا بواسطة الحبل وهناك التقينا شخصين مسلحين بمسدسين. تبادلنا التحية ثم توجهنا الى السيارة. كان رمزي ينتظر هناك برفقة شقيقه، مفيد، وشخص آخر يدعى ايليا وضابط من حزب الله. الضابط روى انه كان معتقلا في اسرائيل وافرج عنه في تبادل للأسرى. كان هناك ايضاً جنديان نفذا ما أمر به رمزي، الذي حاول التكتم على الزيارة فأغلق النوافذ والستائر. كان يخشى ان يرانا عمال كانوا يقيمون بركة هناك. اعتذر مني عن اعتقالي وعن سجن شقيقي سعيد، وروى انه كان شريكاً في اختطاف متعاون مع اسرائيل الى لبنان".

ذو ألف وجه

في "الشاباك" يعرفون نهرة جيدا. وكان قد تم اغتياله في اوائل كانون الأول 2002 بعبوة ناسفة انفجرت على جانب الطريق لحظة مرور سيارته من نوع "مرسيدس". حتى ما قبل سنة واحدة كانت له اتصالات مع أجهزة الأمن الأسرائيلية، حين عرض التوسط بين اسرائيل و"حزب الله" في محاولة لانهاء قضية الأسرى الأسرائيليين. لكن اسرائيل فضلت وساطة المانية.

احد الأسباب التي جعلت اسرائيل تشكك في صدقية العرض الذي قدمه نهرة، يتعلق بما نشر في نيسان /ابريل 2001. ففي الطبعة الألمانية من صحيفة "فايننشال تايمز" ورد ان نهرة كان متورطًا في عملية "حزب الله" التي تم خلالها اختطاف الجنود الأسرائيليين الثلاثة في تشرين الأول /اكتوبر 2000 في مزارع شبعا. وادعت الصحيفة ان نهرة اجرى اتصالا مع الجنود الثلاثة وأغراهم بصفقة مخدرات. هذه الأدعاءات نفتها اسرائيل جملة وتفصيلا، لكن اسلوب نهرة في العمل - مساعدة "حزب الله" في اختطاف الجنود ثم عرض المساعدة على اسرائيل لتحيرهم - هو اسلوب مميز.

عدا محاولاته التوسط في صفقات لتبادل الأسرى، قام بارون المخدرات نهرة بتوريط الكثيرين من شركائه في تجارة السموم، كان عميلاً لخمسة اجهزة استخبارية، اقام شبكة واسعة من العلاقات مع عناصر اسرائيلية، من بينها الشرطة و "الشاباك" والنيابة العامة.

في "الموساد" ايضاً كانوا يعرفونه. أثار غضب جهاز المخابرات الخارجية الأسرائيلي (الموساد) عليه حين قام بتسليم "حزب الله" والمخابرات اللبنانية عميلاً للموساد الأسرائيلي في لبنان، هو احمد حلاق، الذي كان مسؤولا عن اغتيال المسؤول الكبير في "حزب الله" فؤاد مورانية. حلاق حكم واعدم في احد سجون بيروت في ايلول / سبتمبر 1996.

محاكمة حلاق كانت هدفًا بالغ الأهمية لحزب الله. وقد ادرك نهرة انه بعد سنوات عديدة من العمل لصالح اسرائيل، من شأن خطوة كهذه ان تساعده على تطهير اسمه كمتعاون وعميل لاسرائيل. مشغلوه المباشرون في المخابرات الأسرائيلية استدعوه لـ " لقاء" خرج منه الى السجن مباشرة بتهمة الاختطاف، والتجسس وتقديم المساعدة للعدو وقت الحرب. المحاميان افراهام بردوغو ودافيد دراي، اللذان ترافعا عنه، نجحا في تحويل لائحة الأتهام الى "صفقة ادعاء" حكم عليه بموجبها بالسجن لمدة اربع سنوات.

في 26 حزيران / يونيو 1998، وقبل ان ينهي محكوميته، اطلق سراحه سوية مع 50 اسيرًا لبنانيا آخرين في اطار الصفقة لاستعادة جثة الجندي ايتمار ايليا. عودته الى جنوب لبنان بعد اداء واجبه تجاه "حزب الله"، اتاحت له العودة وتعزيز مكانته باعتباره الرجل الأقوى في الجنوب اللبناني المتوحش.

* بين "الجولف" والأسلام

تبين التحقيقات ان جزءًا من صفقات المخدرات عقدتها الشبكة في منزل دوريت ادري، بحضورها ومعرفتها بالكميات وبطرق الدفع. علاوة على حبها لقهموز، تعودت ادري على مبالغ الأموال الطائلة التي كانت تمر في منزلها. <<سيدو والشلة جنَوا أرباحًا بلغت بضعة ملايين من الدولارات>>، قال مسؤول كبير في الشرطة. <<عليك ان تفهم ان سيدو هذا لم يعمل ولو لحظة واحدة في حياته. حصلت على سيارة "جولف" سوداء اللون بلغ ثمنها حوالى 200 ألف شيكل. سيدو حضر الى الوكالة يحمل كيسًا ودفع المبلغ كله نقدًا. ذات مرة دخل برفقتها الى حانوت للأدوات الكهربائية في كريات شمونة، اشار الى بعض الأجهزة، رمى بضع عشرات الآلاف من الشواقل على الطاولة وطلب احضار الأجهزة الى منزل دوريت. هذا الأمر سحرها. لقد اعتادا على العيش مثل مليونيريين>>.

ويقول الضابط ييكي عوفيد، قائد وحدة مكافحة المخدرات، ان <<هذه القضية تشكل قفزة كبيرة في جرأة تجار المخدرات وفي السهولة غير المحتملة التي يتم بها نقل كميات غير مألوفة من المخدرات. هذه الشبكة نجحت في تهريب ما يزيد عن 4 أطنان، وهي كمية تعادل مجموع كميات المخدرات التي يتم ضبطها في اسرائيل خلال سنة كاملة>>. وتقول تقديرات الشرطة ان حوالي 20 طنا من المخدرات، وخاصة الحشيش، يتم تهريبها سنوياً من لبنان الى اسرائيل. زراعة المخدرات وانتاجها يتمان في لبنان والجزء الأكبر منها يأتي من منطقة البقاع الواقعة تحت السيطرة السورية. المواد تنقل من المناطق الزراعية الى المختبرات في منطقة بيروت، التي تقوم بانتاج المخدرات وتضع الأختام على الأغلفة. كل ختم يدل على جودة البضاعة وعلى هوية المشتري.

الكيلوغرام الواحد من الحشيش يباع في لبنان بـ 300 - 400 دولار، لكن حال عبوره الحدود ودخوله الى اسرائيل تصبح قيمته اكثر من 1،000 دولار. <<كلما تنقلت البضاعة بين عدد اكبر من الوسطاء في طريقها الى تل أبيب، تصبح قيمتها اكبر>>، يقول عوفيد. <<كل وسيط في الطريق يربح مبلغاً اضافيًا في حدود 250 دولار للكيلوغرام الواحد. وفي نهاية المطاف يتم تقسيمها الى أصابع فيزداد الربح اضعافا عديدة>>.

وحسبما يقول عوفيد، فان سوق المخدرات في جنوب لبنان يخضع اليوم لسيطرة منظمة "حزب الله" المطلقة. كل صفقة تتطلب ترخيصاً مسبقاً ومقابلا مادياً، او معلومات استخبارية للمنظمة، حتى ان كل قضايا تهريب المخدرات من لبنان ،اليوم، مرتبطة بجوانب أمنية.

في لقائهما الأول في ابل الساقي، قال نهرة لقهموز انه يمتلك مختبرا للمخدرات في منطقة بيروت. في ذلك المساء عاد قهموز الى اسرائيل محملا بالعديد من الهدايا التي قدمها له نهرة، وشملت - من بين ما شملته - سيوفاً مرصعة وثمينة جدًا، نسخاً من القرآن أغلفتها من الجلد الفاخر، صوراً كبيرة لبعض الشيوخ وحاملات مفاتيح.

الجانب الديني يحتل مكانة عالية عند قهموز. خلال الفترة التي قضاها في السجن واظب على حضور الدروس الدينية، وحفظ العديد من السور القرآنية عن ظهر قلب، بل حاول ايضا اثارة اهتمام صديقته اليهودية بالموضوع. في اعمال التفتيش التي نفذها رجال الوحدة المركزية في منزل ادري، عثر على رسائل كان قهموز كتبها لها من سجنه، قبل سنتين ونصف. في تلك الرسائل يشرح قهموز لصديقته عن الاسلام، عن اللغة العربية، ويطلب منها المحافظة على النظافة والطهارة قبل تأدية الصلوات.

في 16 تموز / يوليو كتب لها: <<الى دوريت الغالية، من سعد الروح. سلام وشالوم، لا فرق اطلاقاً بين الأحرف، سوى ربط الأحرف العربية بعضها ببعض. هذا هو بالضبط دين الأسلام، يربط جميع المؤمنين بالله تبارك اسمه بدين واحد، دين السلام والمساواة. مثلهم مثل المتنزهين الذين يصعدون على جبل بطرق مختلفة وصعبة حتى يأتيهم دليل... كل انسان يستطيع ان يكون مسلماً، لكن هنالك فرقاً بين المسلم وبين المؤمن. ان تكون مسلمًا فهذه هي المرحلة الأولى فقط>>.

وبعد ذلك بأسبوعين كتب لها: <<كما تذكرين، فقد تحدثنا في الدرس الأول عن "الشهادة"، وسنتحدث اليوم عن الصلاة... من الضروري المحافظة على النظافة قبل كل صلاة. على كل مسلم ان ينظف عضوه التناسلي، ويديه، ووجهه، وذراعيه، وممنوع تأدية الصلاة بملابس شفافة. على المرأة ان تغطي جسمها كله، من العنق حتى اخمص القدمين>>.

على طرف الرسالة كتب قهموز انه لا يرغمها على تغيير دينها، وانما يريد فقط ان يشرح لها ما هو الأسلام، اذ ان <<كل انسان يشتري البضاعة الأفضل له>>، كما قال.

* يحبني، يضربني

في زيارته الثانية الى لبنان حمل قهموز معه، بناء على طلب نهرة، وجبات من كبد الوز من مطعم "إش بش" في كريات شمونة والأسماك من مطعم "اسماك دفنة". حين تقابلا اهتم نهرة، اولا وقبل أي شيء آخر، بالأسماك وكبد الوز. جلسا لتناول الطعام في ساحة قرب البركة ثم صعدا الى الطابق العلوي. <<تحدثت معه حول مستقبل العمل>>، قال قهموز. <<كنت قد ربحت مالا وفيراً وأردت الأعتزال. رمزي قال انه يفضل ان استمر، لكن اذا ما اردت الأعتزال مستقبلا، فهو يريدني ان اجد له بديلا>>.

بعد الزيارة ببضعة ايام دخل الجانب الأمني الى علاقات المخدرات. من تحقيقات "الشاباك" تبين ان نهرة بدأ بتشغيل قهموز وطلب منه تصوير الشوارع في شمال اسرائيل مع التركيز على اليافطات والمفترقات. <<هكذا سيكون بامكاني التعرف اكثر على الشوارع في الشمال وان حصلت مطاردات بوليسية استطيع توجيهكم بشكل افضل>>، قال. في "الشاباك" يدعون بأن قهموز وبيرتس كانا يعرفان جيدًا ان الهدف مختلف تماما.

نهرة، مخادع بارع، كان يعنف قهموز كلما تسلم منه شريط فيديو. <<لا يمكن رؤية شيء، هل تضحك مني>>، قال له موبخاً في محادثة هاتفية بينهما. اعتذر قهموز وخرج ليصور مرة ثانية، ثم ارسل ادري لتصور مرة ثالثة. <<من الشارع صوَّرنا الطريق من مرجليوت وحتى مفرق شيفع. ثم صوَّرنا من روش بينا وحتى مفرق جولاني. رمزي طلب مني مسبقاً التصوير هناك، وعند الوصول الى قاعدة عسكرية او الى مركز تجاري كان يجب ان نرفع الكاميرا لكي نستطيع تصوير هذه ايضا. ايقنت انه يورطني، انه طلب غريب يثير الشكوك ولا يتلاءم مع حاجة شخص مهتم بمعرفة الطرق لتنفيذ صفقات مخدرات فقط. ذات مرة صورنا ايضًا رجال شرطة وهم يمشطون المنطقة التي القي فيها القبض على محمد فتالي، حتى ان رمزي استطاع التعرف على بعضهم>>.

حتى تلك المرحلة، كانت دوريت تقوم بدورالسائقة الخصوصية لقهموز الذي كانت رخصة سياقته قد سحبت، كما تولت تحميل الأموال. من هنا فصاعدًا، بدأ قهموز يستعين بها وجعلها شريكة كاملة في تصوير اشرطة الفيديو وشراء معدات الرؤية في الليل التي كان نهرة يطلبها. ادري، التي تعاونت مع المحققين منذ المراحل الأولى، رفضت باصرار الأعتراف بالمخالفات الأمنية.

في البداية حاولت الدفاع عن صديقها. <<لقد وعدني بأن لا يتعاطى، ابدًا، اية "مواد" مثل الأكستازي او ما شابه، وانما فقط "الكيف"، الحشيش>>، قالت. <<سيدو كان يتعاطى فقط مخدرات التدخين. كان واضحاً لي انه يتاجر بالمخدرات، لكن لو عرفت انه يقوم بنشاط معاد لأمن الدولة لكشفته حالا>>.

لاحقًا، اشركت المحققين ايضاً في خبايا العلاقة بينها وبين قهموز. <<عشت حياة قاسية مليئة بالمشاكل. كنت اتشاجر دائما مع والدي. كانا بخيلين ولم يعيناني في أي شيء. كنت دائمة الحاجة الى الدفء، الى الحب والى الكلمة الطيبة من المحيطين بي. في البداية عثرت على كل هذا لدى سيدو، الى ان بدأ يتغير في علاقته معي. بدأ يضربني ويهينني امام الجميع.

<<ادركت انه عائد الى زوجته في الغجر وان لا امل للعلاقة بيننا. اردت الفرار من كريات شمونة. احسست بالرفض والنفور من جانب البيئة المحيطة بسبب علاقتي مع شخص عربي. كنت اعرف ان سيدو هو تاجر مخدرات... يمكن العيش مع تاجر مخدرات، لكن ليس مع شخص متورط بالتجسس. فهمت ان ثمة شبهات حول علاقة سيدو بحزب الله، لكن هذا لم يتلاءم مع شخصيته وتصرفاته. انه انسان متسامح يحب اليهود>>.

ادري اخبرت المحقق "إدي" بألقاب اعضاء الشبكة. قهموز، كما ذكر، كان ملقبا بـ "سيدو". ادري فازت بلقب "مادونا"، اهرون دافيدي (الذي كان احد ناقلي المخدرات) لقب بـ "جاكسون"، وتشارلي بيرتس لقب بـ "شرلول". المحقق حاول الضغط في الأتجاه الأمني: <<تصرفاتك نبعت، بالأساس، من تخوفك من سعد. انك تستسلمين لخوفك وتكذبين في تحقيق امني خطير>>، قال لها. ادري انطوت على نفسها ورفضت التحدث عن قهموز وقول ما يمكن ان يدينه.

في الوحدة المركزية التابعة للشرطة في منطقة الشمال يعرفون عن العلاقة بين الأثنين ويعتقدون بأن ادري تعتبرها قصة حب حقيقية، وبأن حبها لقهموز وتعلقها به حقيقيان وصادقان. فقط بعد ثلاثة ايام اخرى من التحقيق بدأت ادري تحكي عن علاقتها بالموضوع وعن معرفتها الرمز السري (الشيفرة) للدخول الى لبنان. <<ذات يوم تحدثت مع يوسف وكنت ابحث عن سعد>>، حدّثت، <<يوسف قال انه "في الهضبة ودخل الى الداخل". واصلت البحث عن سعد لدى تشارلي الذي قال ايضا ان سعد "في الهضبة ودخل الى الداخل". قدرت بأن القصد هو ان سعد غادر الى لبنان>>. بعد استراحة قصيرة من التحقيق، تخللها تقديم قهوة وكعكة لأدري، التقت ادري مع احدى صيقاتها المقربات، هدأت قليلا ثم استأنفت البوح.

<< طلب مني سعد شراء كتاب في ادارة الأعمال. لم اعثر على كتاب كهذا فطلب من تشارلي البحث. في الصيف الأخير، سافرت مع الأولاد وسعد بسيارته، من نوع مازدا 626. سعد احضر معه كاميرا رقمية لتصوير الفيديو. سافرنا الى القطار الهوائي في كيبوتس "منارة" ومن هناك أعدنا الأولاد الى والدهم. انا صورت اولادي وسعد صور الطريق من منطقة منارة وحتى مفرق "جوما". اعتقد ان ابنتي صورت على هذا الشريط، لاحقا، حفلة عيد ميلادها.

<<قبل ثلاثة اشهر كنت في منطقة مفرق جولاني. اتصل بي سعد وطلب مني التقاء شخص ما لاستلام اوراق ونقود منه. سعد رتب الأمر بيننا. تقابلنا عند مفرق "هسولليم" حيث انتظرت سيارة من نوع مرسيدس فضية اللون. نزلت من السيارة وتسلمت كيسا من النايلون فيه الكثير من الدولارات. فتحت الكيس وفرحت جدًا بالدولارات. في المنزل، في كريات شمونة، سلمت سعد الدولارات>>.

في تلك الفترة تم الكشف عن قضية بيت زرزير واعتقال المقدم عمر الهيب. قهموز شعر بالقلق والأرتباك وسأل نهرة ان كان على علاقة بتلك الشبكة حقًا، كما ادعت وسائل الأعلام. نهرة طمأنه وقال ان تلك الشبكة كان يشغلها شقيقه أبو سعيد، وليس ثمة ما يدعو الى القلق. لكنه طلب من قهموز تزويده بكل ما نشرته الصحف الأسرائيلية عن الموضوع.

الطلب الأكثر غرابة، في نظر اعضاء الشبكة، الذي طلبه نهرة منهم كان الحصول على كتاب الأحصاء السنوي لدولة اسرائيل. <<تشارلي بيرتس اشترى الكتاب. وحين عرف ان هذا الكتاب يجب ان يصل الى لبنان قال لي: "فقط جواسيس يمكن ان يطلبوا مثل هذا الكتاب". حسبنا آنذاك ان رمزي يريد معرفة عدد المدمنين على المخدرات في اسرائيل>>، قال قهموز.

اما عن المناظير التي اشتروها ونقلوها الى لبنان فقال: <<اشترينا لرمزي منظارين من حانوت في مفرق جوما، لكنه قال ان ليست هذه المناظير نفسها التي يريدها. اتصل بي رمزي واعطاني رقم هاتف شاب من تل أبيب، يدعى يوسي، لكي نأخذ منه المناظير. يوسي قال انه يأخذها من بقايا ومخلفات الجيش. كل منظار كلفنا 10،000 شيكل. قلنا ليوسي اننا نريدها للصيد. رمزي لم يكن راضياً من هذه المناظير، مرة اخرى، وطلب غيرها. سافرنا، دوريت وانا، مرة اخرى، الى تل أبيب واشترينا منظارًا بسعر اعلى بكثير من المرة السابقة".

* كريستال أخير

منذ الانسحاب من جنوب لبنان، تمر الحدود في مركز قرية الغجر غير المقسمة فعلياً. الجيش ينتظر قرارًا سياسياً في الموضوع، لكنه أقام في هذه الأثناء سياجاً حول الجهة الجنوبية من القرية وحاجزًا عسكريا عند مدخلها.

اعضاء الشبكة تعمدوا انشاء علاقات ودية مع الجنود في الحاجز، مما سهل عليهم كثيرا مهمة التهريب. <<كان من الصعب بناء علاقات مع الجنود لأنهم يتغيرون كل بضعة اسابيع>>، قال قهموز. <<في الصباح كنت اخرج اولا لفتح الطريق وكنت اسأل الجنود ان كانوا يريدون السجائر. بعد ذلك كنت اطلب من احمد ان يحضر السجائر للجنود، فلا يفحصون حمولة السيارة او محتوياتها. قبل كل طلعة كان احمد يراقب الجنود من الكشك الذي في مركز القرية. فاذا رأى الجنود يدققون الفحص، كان يعيد المخدرات الى مكان خلف منزله. في الغالب، لم يفتشونا اطلاقاً تقريباً، الا اذا تواجد هناك رجال شرطة التحريات وكان الجنود يريدون ترك انطباع جيد لديهم>>.

ولكن ليست السموم وحدها هي التي تم تهريبها عبر الحدود الى اسرائيل. نهرة كان مسؤولا ايضا عن تهريب مسدسين، احدهما مع كاتم للصوت، لتشارلي بيرتس، المتهم الأكثر شهرة من بين الثلاثة سكان كريات شمونة. كان يمتلك حانتين، احدهما في كيبوتس "مسجاف عام". <<تشارلي الح عليه في طلب المسدسات. تحثا هاتفياً وقال له نهرة ان ثمة معوقات. وبعد بضعة اشهر تسلمنا ارسالية من المخدرات ومعها مسدسان في كيس ابيض. كانا يبدوان مستعملين، فتخوفت من استخدامهما وأعدتهما الى لبنان. قبل اعتقالنا بشهر تسلمنا مسدسًا مع كاتم للصوت في كيس اسود فأعطيته لتشارلي. وقد ارفق رمزي هدية ايضا: 20 غراما من الكريستال>>.

بيرتس قال للمحقق "غلعاد" انه ادرك خطورة العلاقة مع اللبنانيين ورفض، مبدئياً، العمل عند الجدار الحدودي. <<انا لست على استعداد للمخاطرة بأمني الشخصي. ما الذي سأفعله هناك عند الجدار، وانا لا اتكلم اللغة العربية حتى؟ ليس مهمًا مال قاله لي سيدو، المهم انني لم اذهب الى الجدار الحدودي>>. في ختام ذلك التحقيق اقتيد، في ساعات الليل المتأخرة، الى منزله حيث سلم لخبراء الأسلحة والمتفجرات المسدس الذي كان مخبأ في حائط من الجبص في الحمام.

يوم اغتيال نهرة كان بالنسبة لأعضاء الشبكة يوم حداد. العمل المزدهر الذي در عليهم، وفق تقديرات "الشاباك"، بضعة ملايين من الدولارات في السنتين الأخيرتين، وأدخل الى اسرائيل ما يزيد عن خمسة اطنان من الحشيش على الأقل، اوشك على نهايته. ليس واضحًا من المسؤول عن الأغتيال، الذي تم بتفجير العبوة الناسفة بجهاز للتحكم عن بعد. في جهاز الأمن الأسرائيلي لم يخفوا علامات الرضى من هذا الأختفاء الفاجىء.

في يوم الأغتيال كان قهموز ينتظر شحنة اخرى من المخدرات. في ساعات المساء انتظر محادثة هاتفية من نهرة، لكنها لم تصل. حاول الأتصال به على الهاتف النقال المخصص للمحادثات بينهما فقط، لكنه كان مغلقاً. في وقت لاحق من ذلك المساء شاهد في الأخبار التلفزيونية تقريا عن اغتيال نهرة بالأنفجار.

اعضاء الشبكة كانوا في تلك الساعة في طريقهم الى تل أبيب. وحين سمعوا خبر اغتياله، قال أحدهم، ويدعى جلال الذي لقب بـ "جلجل"، لدوريت ادري: <<حدثت مصيبة في لبنان>>. اتصلت بقهموز، لكنه تهرب منها. <<انا ادرس عند الشيخ اليوم>>، قال، <<لا يلائمني الفندق في تل أبيب>>. عاد اعضاء الشبكة الى منزل ادري في كريات شمونة، وجلسوا يشاهدون التلفزيون مصعوقين. ايقنوا، جميعا ان الحفلة انتهت.

ادري طلبت معرفة المزيد عن نهرة. <<شعرت بحب استطلاع شديد لأن الحديث كان يدور عن رجل مخابرات متورط في المخدرات>>، قالت. <<سألت سيدو في البداية، لكنه قال انه لم يتعرف على نهرة. غضب وابتعد عني فظننت ان علاقة ما كانت بينهما. بعد ذلك قلت المكالمات الهاتفية ولم يعد يبدل اجهزة الهواتف النقالة كما كان يفعل من قبل>>.

بعد اربعين يوما من الحداد، اتصل مفيد، شقيق رمزي نهرة، بقهموز واوضح له انه رغم الحزن، لا بد من مواصلة العمل. <<ثم اتصلت زوجته وقالت ان شخصا آخر سيتولى العلاقة والأتصال مستقبلا. كان ذلك الشقيق ألآخر لرمزي، ابو سعيد. طلب مني ان اناديه، الآن، بـ "ابو شادي". وبعد اسبوعين خرج احمد من القرية برفقة ابن عمه، محمد، وبحوزتهما شحنة من المخدرات. عند مخرج القرية القت قوة من الشرطة القبض عليهما. تحدثت مع ابو شادي عن الأعتقال وأبلغته بأنني سأسافر غداً للأتفاق مع محام للدفاع عنهما. وفي الغداة تم اعتقالي>>.

* كان هذا الفصل الأول فقط

في نهاية التحقيق مع احد المعتقلين في القضية، اجرى له محققو"الشاباك" فحصًا بواسطة جهاز كشف الكذب (بوليغراف). وفقًا لنتائج الفحص، قرروا موعد استئناف التحقيق ونوعية الأسئلة التي سيتركزون حولها. وحين بدا ان التحقيق قد شارف على نهايته، من الناحية الأمنية على الأقل، تم تحويل الملف الى قسم الأستجواب في الوحدة المركزية في المنطقة الشمالية.

هذه الشبكة تم الكشف عنها حقاً، لكن مسؤولي الشرطة في المنطقة الشمالية يدركون ان الأرباح المادية الطائلة في سوق المخدرات لا تزال تفعل فعلها. قائد المنطقة، الميجر جنرال يعقوب بوروفسكي، اعترف بأن عددًا من القضايا المماثلة هي الآن في مرمى الهدف.

<<لدى حزب الله توجه استراتيجي يقضي بادخال اكثر ما امكن من المخدرات الى داخل اسرائيل، وإغراق اسرائيل بالمخدرات والحصول، في المقابل ايضًا، على معلومات استخبارية>>، كما يعتقد الضابط ييكي عوفيد. <<انهم ينسخون الطريقة ويقلدون بها دولا اخرى في العالم، آملين ان يجنوا الثمار مستقبلا بأن يصبح المجتمع الأسرائيلي ضعيفاً ومفككاً. هذه الظاهرة لن تختفي ولن تزول. هذا هو قانون الطبيعة، فطالما بقي هنالك طلب للمخدرات سينوجد دائما من يلبي المطالب>>.

<<ما حصل مع هذه الشبكة، حتى الآن، كان المرحلة الأولى فقط>>، كما يعتقد قائد الوحدة المركزية في المنطقة الشمالية، الضابط موشي أسس. <<في المرحلة الثانية، في تقديرنا، كان يتوقع من هذه الشبكة ادخال عبوات ناسفة ومخربين الى داخل اسرائيل>>. ويعتقد قادة الوحدة المركزية ان "حزب الله" طلب الصور واشرطة التصوير، اساسًا، من اجل تفعيل اعضاء الشبكة واختبار مدى استجابتهم للطلبات التي كان يعرضها عليهم رمزي نهرة، ثم فحص جودة المعلومات.

<<لقد ارادوا، اجمالاً، تحضير بنية معينة وتجهيز الأرضية. المهمات التي اوكلت اليهم كانت سهلة جداً. من لا يعرف اين توجد شوارع او قواعد عسكرية؟ قد تكون بعض المواقع اختيرت لتحسين دقة التصويب لدى حزب الله. من حسن حظنا اننا لم نصل الى المرحلة التالية>>.

موشيه أسس يعتبر هذه القضية قضية شخصية. كان يعرف نهرة جيدًا وكان مسؤولا مباشراً عن تفعيله لأكثر من عشر سنوات. <<كان ثعلبًا حقيقياً. يتحدث معك بينما هو يفكر، كل الوقت، كيف سيوجه لك الضربات. لم يتوقف دماغه عن التفكير ولو ثانية واحدة. ان قال لك رمزي صباح الخير، فمن المؤكد انه ليس صباحًا وانه لا خير قط. كنا نتخوف منه كل الوقت، باستمرار>>. بعض اللقاءات بينهما جرت في قواع عسكرية للجيش في المنطقة الشمالية. نهرة كان يعرف هذه القواعد والوحدات العسكرية التي فيها، معرفة جيدة.

وبالنسبة للسيدة ادري، يقول أسس انها كانت، كما يبدو، مغرمة حقاً بقهموز، لكن تعودها ايضا على وفرة المال والسيارات الفخمة والكماليات المتنوعة، أثر عليها كثيراً. من جهة اخرى، يعرف المحققون الكثير عن اعمال التنكيل العديدة التي كانت تتعرض لها من سيدو، لكنها كانت تفضل الصمت. <<لو انها تقدمت بشكوى واحدة على ما كان يمارسه ضدها>>، يدعي احد المحققين، <<لكان أدخل الى السجن سنوات طويلة، حتى دون اية علاقة بالمخدرات والقضايا الأمنية>>.

* بسبب العلاقة الزوجية

المحامي دافيد شبيغل، محاي الدفاع عن شلومو موزس وتشارلي بيرتس، يقول: <<الشاباك تسلق، برأيي، على شجرة عالية. الموضوع الأمني الذي يلصقونه ببيرتس لا اساس له في الواقع. انها مجرد تكهنات، نظريات وتفكير خيالي. لم يكن بيرتس على علم ولم يوافق. محققو الشاباك قالوا له اذا لم تظهر لنا المسدس فلن نعرف ان كانوا قتلوا به جنودا من جنودنا ام لا. بيرتس يصاب بالتوتر عند سماعه كلمة الأمن. في موضوع المخدرات هنالك اساس للشبهات ضده.

<<اما بالنسبة لشلومو موزس، فهو لا يتوقف عن الصراخ بأن لا علاقة له بالموضوع هذا كله. باستثناء يوسف، نجل سعد قهموز، ليس هنالك ما يقحم موزس ويورطه في القضية. انها قضية مضخمة جدًا. سوف يضطر الشاباك لاحقًا الى ابتلاع القبعة ولدي اساس متين لقول هذا. لو كان لدي شك لما وافقت على المرافعة عن بيرتس. لدي خطوط حمراء من حيث المرافعة: لا أترافع عن متهمين في قضايا تتعلق بأمن الدولة، ولا في قضايا العنف ضد الأطفال>>.

المحامي سجيف بار - شالوم والمحامي موشي شيرمان، محاميا الدفاع عن دوريت ادري وعائلة قهموز، افادا بعد الاعتقال بأن المتهمين ينفون اية علاقة لهم بالمخالفات الأمنية. وأضافا ان ادري لم تكن على علم، قط، بأن منظمة حزب الله او أي شخص من طرفها له علاقة بالموضوع. <<انني اتفهم الغضب، لكن من المفضل ان يسارع السكان (في كريات شمونة) والجمهور عامة الى اصدار الأحكام على المتهمين الآن، كما تفعل وسائل الأعلام، بل ان ينتظروا المحاكمة>>، يقول بار - شالوم، <<ادري قالت ان كل ما فعلته كان بسبب الظروف والعلاقة الزوجية التي كانت تمر بها>>.

* قبل الطلاق كانت انسانة مختلفة

امنون سعدة، مطلق دوريت ادري، قال انه كان يعرف تمامًا ما كان يجري في منزلها، حيث كانت تسكن مع اولادهما الثلاثة، لكنه لم يشك لحظة واحدة بأن تكون هنالك مخالفات أمنية. سعدة، سائق شاحنة، نشأ في عائلة ثكلى. شقيقته أفيفه قتلت في العام 1974 في عملية معلوت، ومنذ ذلك اليوم، كما يقول، لا يزال ابناء عائلته يعايشون الفقدان. <<كانت لي حروب مع دوريت ومع العاملين الأجتماعيين. لم أحبذ ذهاب اولادي الى شقتها، لأنني كنت اعرف ما يدور هناك، لكن لم يكن لدي أي خيار. هما كانا يأخذان الأولاد ويعيدانهم. أنا لم أذهب الى هناك. يضايقني جدًا ان دوريت متورطة في قضايا أمنية. قلت لها منذ زمن بعيد: <<ما الذي تفعلينه، الا يوجد يهود حتى تصادقي عربيا؟>>، لكنها لم تصغ.

<<قبل الطلاق كانت انسانة مختلفة تمامًا. لكنها تغيرت منذ تعرفت على سيدو، الذي كان يعمل في كيبوتس "بيت هليل". الأولاد يواجهون هذا كله في المدرسة، وهذا ليس امراً هيناً. لدينا دعم من اخصائيين نفسيين ومن عاملي اجتماعيين من المجلس الأقليمي. هم يقولون ان من الأفضل شرح كل شيء للأولاد، لكني لا أعرف كيف بالأمكان القيام بذلك>>.

(يوسي مزراحي - ملحق "معريف" الاسبوعي، 7 آذار، ترجمة: "مدار")

المصطلحات المستخدمة:

الموساد, روش بينا, كيبوتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات