المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

*رئيس "جمعية حقوق المواطن": القوى الظلامية تستخدم بمكر ودهاء مؤسسات منتخبة كي تدوس وتهدم حصون الديمقراطية*

أصدرت جمعية حقوق المواطن في إسرائيل تقريرها السنوي الذي حمل العنوان "حقوق الإنسان في إسرائيل- صورة الوضع للعام 2011"، وأشارت فيه إلى ارتكاب انتهاكات خطيرة للحقوق داخل السجون في إسرائيل، واستعرضت نزعة آخذة في التعاظم من يوم لآخر تهدف إلى فرض قيود على الحرية بمفهومها الواسع - حرية التعبير، وحرية التنظّم والنشاط السياسي، وحتى حرية الرأي والتفكير.

وتناول التقرير أيضًا الاحتجاجات الاجتماعية التي اجتاحت إسرائيل في الصيف الفائت، وتعرض لتآكل الحقوق الاجتماعية التي شكلت دافع الاحتجاجات؛ ومحاولات المساس بحرية التعبير للمحتجين، وبما تمخّضت عنه هذه الاحتجاجات. كما تمحور التقرير كذلك في أكثر مفاهيم الحرية أساسية، وهي حرية الفرد في تحمل المسؤولية عن حياته والتحكم فيها على نحو حصري.

وتنشر جمعية حقوق المواطن تقرير "صورة الوضع" في كل عام بمناسبة يوم حقوق الإنسان العالمي (الذي يصادف في العاشر من كانون الأول) وذلك بغية تقديم تغطية شاملة ومحدثة لحالة حقوق الإنسان في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة ووضعها في متناول المجتمع والسلطة الحاكمة، والتحذير من أكثر الانتهاكات خطورة وفظاظة؛ وكذلك بغية رصد النزعات المركزية والتوقف عند مظاهر التحسين؛ ومن أجل تسليط الأضواء على تلك الانتهاكات التي لا تحظى بتغطية إعلامية ولا باهتمام الرأي العام.

ونشر التقرير عشية مسيرة حقوق الإنسان التقليدية السنوية التي أقيمت في تل أبيب يوم الجمعة 9/12/2011. كما شهد هذا العام مسيرة حقوق إنسان موازية في مدينة حيفا. وتأتي المسيرة السنوية بهدف تعزيز النضال المدني ضد تفشي مظاهر العنصرية والتمييز في إسرائيل، ولتأكيد الحقوق الأساسية في المساواة، وفي إنهاء الاحتلال، وكذلك في اللغة والهوية القومية، والتخطيط والمسكن، وحرية التعبير، والتعلم، والعدل الاجتماعي، والخصوصية، والعدالة في الإجراءات الجنائية، وحرية الاحتجاج، والمساواة الجندرية والمساواة في الخدمات الصحية، والبيئة الخالية من التلوث، وحقوق العمل، وجميع حقوق الإنسان.

وقال حجاي إلعاد، المدير العام لجمعية حقوق المواطن: "من خلال هذا التقرير السنوي تضع جمعية حقوق المواطن مرآة للواقع فيما يتعلق بحقوق الإنسان. فعندما تتراجع قيمة بعض منا، تتراجع قيمتنا جميعا، وعندما يتهدد الخطر حرية التعبير، فجميعنا نقع في دائرة الخطر. وفي مقابل هذه المخاطر التي تتهدد الديمقراطية في إسرائيل، شهدنا في الصيف الفائت مزيدا من المواطنين الذين يطالبون بأخذ دور فاعل في تصميم الواقع بغية ممارسة العدالة وحقوق الإنسان في إسرائيل. وكلنا أمل بأن يثير تقرير صورة الوضع جدالا جماهيريا متيقظا ويساعد على إحداث التغييرات المنشودة".

ولدى تطرق التقرير إلى موضوع الحبس والاعتقال أكد أنه لا يجدر بحقوق الإنسان أن تتوقف عند بوابات السجن. وعلى الرغم من ذلك ليس ثمة من يكفل واجب توفير شروط معيشية أساسية للسجناء والمعتقلين، والمحافظة على كرامتهم وحقوقهم. وعندما يدور الحديث على غير المواطنين، ولا سيّما سكان الأراضي المحتلة، فليس ثمة ضمانات لتحقيق إجراءات قضائية عادلة، وقد يتحول السجن لأشهر طويلة لا بل لسنين عدة من استثناء إلى قاعدة. وفي الكثير من المرات يجد أفراد ينتمون إلى شرائح مستضعفة أنفسهم وراء القضبان، ومنهم اللاجئون وطالبو اللجوء، ومهاجرو العمل وأبناؤهم، والفلسطينيون في الأراضي المحتلة والقدس الشرقية. وفي بعض المناطق تحول اعتقال الأطفال والقاصرين إلى أمر روتيني، على الرغم من طلب القانون الصريح أن لا يعتقل القاصرون إلا في الحالات الأكثر استثنائية. ويعرض التقرير مشروع قانون لإقامة "مفوضية لشكاوى المسجونين وللإشراف على منشآت السجون"، والتي ستشرف على تطبيق حقوق الإنسان والحفاظ عليها.

وعند حديثه عن القيود على حرية التعبير وحرية التنظّم والنشاط السياسي، أشار إلى اعتداءات مختلفة وقعت على متظاهرين في العام الفائت، وشملت وصول أفراد شرطة مقنعين أو بدون شارة تعريف بالنفس لتفريق المظاهرات، على الرغم من الواجب القانوني بالتعريف بالنفس، واعتقال أعداد من المتظاهرين والطلب منهم الالتزام بعدم المشاركة في المظاهرات في المستقبل القريب، واستدعاء عدد من النشيطين الاجتماعيين والسياسيين لـ "محادثات تحذير" تخللها توجيه التهديدات. بالإضافة إلى ذلك تتجسد هذه القيود في سن قوانين مناهضة للديمقراطية، تلك التي تحمل خطر تقليص حريات الفرد والأقلية، ومحاولات المساس بالنشاط الشرعي والضروري لمن يوجهون سهام النقد للسلطة، ومنظمات حقوق الإنسان من بينها، والتهديد برفع دعوى قضائية ضد من يبغي إسماع الانتقادات.

كما تطرّق إلى فرض قيود على حرية التنقل والحركة، وعلى الحق في التظاهر في الأراضي المحتلة، فقال: يفرض الجيش في الأراضي الفلسطينية المحتلة حظرا شاملا وتاما على إجراء المظاهرات، ويواجه المتظاهرون معاملة وحشية قد تنتهي بالإصابات الجسدية والاعتقال. وعلى الرغم من الهدوء النسبي، فما زالت تفرض قيود قاسية على تنقل وحركة السكان الفلسطينيين. ويتعرض التقرير لبعض الأمثلة الصارخة في هذا المضمار: قيود على التنقل في مركز مدينة الخليل، و"نظام التصاريح" في منطقة التماس بين الخط الأخضر والجدار الفاصل، وتقليص حركة الفلسطينيين في شارع رقم 443، والحصار المتواصل لقطاع غزة، وفصل سكان غور الأردن عن باقي مناطق الضفة الغربية، وتأثير الجدار الفاصل على نسيج الحياة داخل القدس وبين القدس الشرقية وباقي مناطق الضفة الغربية المحتلة.

وأكد التقرير أن هناك تآكلا وتراجعا في الحقوق الاجتماعية في مجالات الإسكان والصحة والرفاه الاجتماعي والتشغيل وغيرها، مشيرًا إلى أن الفجوات الاقتصادية تشكل محصلة للسياسات الاجتماعية - الاقتصادية لحكومات إسرائيل في العقدين الأخيرين. ويعرض التقرير تفاصيل هذه السياسة في مجالات الصحة والإسكان والرفاه والتشغيل، كما يقترح إرساء هذه الحقوق في إطار "قانون أساس: الحقوق الاجتماعية" الذي من شأنه أن يكفل الحفاظ على هذه الحقوق وعلى العيش الكريم للجميع.

سامي ميخائيل: سنقف في طريق

الذين يدوسون الديمقراطية

وفي التظاهرة التي جرت في مناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان في حيفا ألقى الكاتب سامي ميخائيل، رئيس جمعية حقوق المواطن في إسرائيل، كلمة استهلها بالقول:

نحيي في هذا العام اليوم العالمي لحقوق الإنسان في أجواء فريدة من نوعها. فمن جهة، نحن نشهد صحوة ونضالا حازما من أجل الحرية وضد الفساد، من المغرب مرورا باليمن وسورية وانتهاء بإسرائيل. فها هي الجماهير التي تعاني من القمع والعنصرية والفقر، تخرج إلى الساحات والميادين وتقف بكبرياء وشموخ في مواجهة قمع لا يعرف الرحمة.

ومن جهة أخرى، هناك غيوم تتلبد أكثر فأكثر، وتهدد حقوق الإنسان. فقوى الشر تستغل رياح الاحتجاج الاجتماعي، وتتبنى القشرة الخارجية للديمقراطية، المتمثلة بسلطة الأغلبية، بينما هي تتطلع نحو تنمية سلطة ظالمة مستبدة تدوس الحرية والعدالة بواسطة ديكتاتورية أكثرية معبأة ضد الآخر والمختلف. سوف نقف في وجه هذه القوى، التي وضعت مؤسسات الديمقراطية ومنظمات حقوق الإنسان والحركات العاملة من أجل العدالة الاجتماعية وحرية الإبداع الفكري كهدف للملاحقة والتصفية.

وأضاف: إن هذه القوى الظلامية تستخدم بمكر ودهاء مؤسسات منتخبة كي تدوس وتهدم حصون الديمقراطية.

إنها تريد تقويض محكمة العدل العليا، وسوف نقف في طريقها. وتريد تصفية وتدمير المنظمات الساعية لإحلال السلام وإنهاء الاحتلال المفسد، وسوف نقف في طريقها. وتروج معلومات مشوهة، وتنمي كراهية الأجنبي والآخر بغية توجيه ودفع الشعب في سكة العداء المدمرة تجاه العرب، وسوف نقف في طريقها.

إن مستوى الفقر في إسرائيل يعتبر من أعلى المستويات في الدول النامية والمتطورة، في حين تخطط هذه القوى للاستمرار في سياسة سلب كأس الحليب ولقمة الخبز من أولاد الفقراء من أجل زيادة ثراء الأغنياء. قرابة ثلث الأطفال في إسرائيل يعيشون في ضائقة. إن الفقر كارثة للأطفال ونكبة للدولة.

هذه القوى تفتعل أجواء حربية محمومة بغية إخماد الصرخة المريرة لمعوزي السكن والعاطلين عن العمل، والعاملين الاجتماعيين والأطباء المتخصصين والعمال الأجانب الذين يعيشون في ظروف عبودية. وسوف نقف في طريقها.

نحنا لسنا ضد الدين، لكننا ضد الإكراه الديني. لن ندع قوى الظلام، التي تستخدم الدين من أجل إهانة النساء وقمع مثليي الجنس ومضايقة أبناء الديانات الأخرى وأصحاب الآراء الحرة. إن هدفها واضح: قلب دولة ديمقراطية إلى دولة شريعة دينية يهودية. وسنقف في طريقها.

إن حرية التعبير هي هواء الديمقراطية الحقيقية. ومن يحيك الخطط لفرض نمط تفكير ضيق، ومن يدعو لقناعة عمياء بأيديولوجيا لا بديل لها وبنموذج تاريخي واحد ووحيد، ما هو إلا داعية لفاشية روحية. وسوف نقف في طريق هؤلاء باستبسال وعناد.

إن السحب ثقيلة والأجواء متعكرة، ومن هنا تبرز بما لا يقاس المساهمة الشجاعة والجهود الطيبة لمنظمات حقوق الإنسان والمنظمات التي تناضل من أجل المساواة والسلام مع الشعوب العربية وخاصة مع الشعب الفلسطيني الجار.

وأقول لإخوتي، المواطنين العرب في إسرائيل، إن نضالكم من أجل مجتمع عادل هو نضالنا أيضا. مصيركم هو مصيرنا. والحق في العيش بكرامة لا يميز بين نساء ورجال، بين ديانات وقوميات. فأنتم ونحن نتطلع إلى مجتمع جيد وإنساني من أجل أولادنا وأحفادنا. معا، ومعا فقط، سنعكف على بناء مستقبل عادل لكم ولنا.

إن خصومنا أضعف مما يبدو للوهلة الأولى، ونحن أقوى مما يظن خصومنا. لقد برهنا، بجهد مشترك من جانب منظمات حقوق الإنسان، على أننا قادرون على كبح قوى الظلام.

لقد هزمنا المبادرة لإقامة لجنة تحقيق في الكنيست، لكن المهمة ما زالت شاقة. فقوى الظلام لم تيأس، بل تتطلع إلى إسكاتنا وكم أفواهنا، لكن لن نسمح لهم بالمس بحقوق الإنسان وحرية التظاهر والحق في الاحتجاج ضد الظلم والإجحاف. وإذا ما دعتنا الحاجة للخروج مجدداً للشوارع والساحات فسوف نفعل ذلك، في طول البلاد وعرضها، في المدينة والقرية، في المركز والهامش، في صفوف الأكثرية وفي صفوف الأقليات.

وفي هذه المناسبة أود أن أهنئ من هنا مدينتي (حيفا)، التي تنظم هذا العام للمرة الأولى مسيرة من أجل حقوق الإنسان، ويا حبذا لو تنضم مزيد من المدن والبلدات في السنة القادمة لمثل هذه الاحتفالية الديمقراطية.

المصطلحات المستخدمة:

الخط الأخضر, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات