المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

*الخلاف يدور بين بيرتس وبين خماسية نجوم لامعة لكنها ليست متجانسة، للعامل الشخصي الوزن الأكبر ولكن الخلاف له طابع سياسي واجتماعي *إمكانية الانشقاق لا تزال بعيدة لكن الأزمة تواصل الانتقاص من وزن ومكانة الحزب *العمل والليكود مقبلان على سنوات مصيرية حيال فرص بقائهما في الصدارة*

كتب برهوم جرايسي:

اتسعت في الأسبوعين الأخيرين حلبة الخلافات داخل قيادة حزب "العمل"، وخاصة على مستوى الكتلة البرلمانية، وقد تنبئ بانقسام أو شرخ دائم في داخل الكتلة. وفي مركز الخلاف ممارسات ونهج زعيم الحزب عمير بيرتس في مؤسسات الحزب، وأيضا ثمة للقضية طابع سياسي اجتماعي.

وكما كان متوقعا، فإن انتخاب عمير بيرتس، في الأسبوع الأول من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي 2005، لم يكن بإمكانه حل أزمة القيادة، خاصة وأن انتخاب بيرتس كان مفاجئا للجميع حتى لبيرتس نفسه، الذي استفاد من عدة ظروف داخلية في الحزب، وأبرزها نسبة تصويت ضعيفة، مقابل تكتل بيرتس، الذي حمله معه من حزبه السابق "عام إيحاد".

إلا أن بيرتس لم يكتف بأزمة القيادة التي يعاني منها حزب "العمل" منذ العام 1996، مع الكثير من رواسب الماضي قبل ذلك التاريخ، فقد أججها أكثر خلال الحملة الانتخابية، وبعدها حين اختار توزيع حقائب الحزب الوزارية على أعضاء الكتلة البرلمانية. وكان واضحا أن بيرتس فضل أصحاب مراكز القوى على أصحاب الكفاءات، ومن بينهم من وعده بأرفع الحقائب التي سيحصل عليها الحزب بعد الانتخابات، مثل أفيشاي برافرمان، البروفيسور في الاقتصاد ورئيس جامعة بئر السبع حتى قبل أشهر قليلة، إلا أنه لم يحصل على شيء.

واليوم تعاني كتلة الحزب المكونة من 19 نائبا من نوعين من التمرد، الأول يضم خمسة نواب، وهم الجنرالات البارزون الثلاثة، الجنرال النائب عامي أيالون، قائد سلاح البحرية الأسبق، والرئيس الأسبق لجهاز الأمن العام (الشاباك)، والجنرال النائب داني ياتوم، الرئيس الأسبق لجهاز المخابرات الخارجية "الموساد"، والجنرال النائب متان فلنائي، النائب الأسبق لرئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، وينضم إليهم الرئيس السابق لجامعة بئر السبع النائب أفيشاي برافرمان، والمسؤولة السابقة في وزارة الخارجية النائبة كوليت افيطال. وهؤلاء يعترضون على نهج عمير بيرتس، الذي سارع للتنازل عن الحقائب الاقتصادية- الاجتماعية لصالح وزارة الدفاع، وعلى شكل توزيعه للحقائب الوزارية في الحزب مستبعدا ذوي الكفاءات. لكن من ناحية أخرى فإن هذه المجموعة تؤيد الائتلاف مع حزب "كديما" في الحكومة.

أما المجموعة الثانية فتضم ثلاثة، اثنان منهم من حزب "العمل"، شيلي يحيموفيتش، ويورام مرتسيانو، والثالث هو النائب الراب ميخائيل ملكيئور، من حزب "ميماد" الديني المعتدل والمتحالف مع حزب "العمل". وهؤلاء الثلاثة يؤيدون عمير بيرتس، لكنهم يختلفون مع السياسة الاقتصادية للحكومة الحالية ويعترضون عليها لدى التصويت عليها في الكنيست، فقد صوت النائب ملكيئور ضد الميزانية، فيما لم يحضر الاثنان الآخران جلسة التصويت إطلاقا.

لكن ما يقلق بيرتس هو الخمسة الأوائل الذين يسعون لتشكيل تكتل حزبي مناهض له في داخل مؤسسات الحزب، رغم عدم التجانس في ما بينهم.

خلفيات الخلاف

بعيد انتخاب بيرتس بدأت حركة نزوح من حزب "العمل" إلى حزب "كديما"، وعلى رأس هذه الحركة كانت ثلاثية الوزراء شمعون بيريس وداليا ايتسيك وحاييم رامون، وهم من أكثر الأسماء ديناميكية في الحزب، ولكن على صعيد الكوادر وجمهور المصوتين كانت حركة نزوح غير مرئية، إلا أن استطلاعات الرأي كانت دقيقة في تحديدها، وحصل الحزب على ما كان متوقعا له، فعلى الرغم من أن حزب "العمل" الذي حصل في انتخابات العام 2003 على 19 مقعدا، وقبل عام انضم إليه حزب "عام إيحاد" بزعامة بيرتس، الذي حصل على 3 مقاعد في تلك الانتخابات وأصبح لكلا الحزبين 22 مقعدا، فإنه من ناحية نظرية لم يحقق هذا الانضمام للحزب أية زيادة لا بل تراجع الى 19 مقعدا، لكن على ارض الواقع فإن الانضمام منع تدهورا آخر في تمثيل الحزب برلمانيا، ولهذا فإن الانطباع العام في صفوف الحزب هو أن النتيجة كانت مقبولة، على أساس المقولة الشهيرة: "من رأى مصيبة غيره هانت عليه مصيبته"، في إشارة الى الضربة القاصمة التي تلقاها حزب "الليكود"، المنافس التاريخي لحزب "العمل" الذي حصل على 12 مقعدا فقط.

وحين شعر بيرتس انه يفقد "نجوما" انتخابية في الحزب، سارع للبحث عن نجوم أخرى خارج الحلبة السياسية، وكان ابرز هذه النجوم البروفيسور برافرمان والصحفية الشهيرة يحيموفيتش، وقد رافقت انضمامهما الى الحزب حملة إعلامية صاخبة، ومؤتمرات صحافية وتقارير موسعة، حول "ضربة المعلم"، التي "أتقنها بيرتس" كما قيل في حينه.

ولم يكتف بيرتس بهذا القدر بل عقد مؤتمرا صحافيا خاصا ليعلن على الملأ انه في حال شكل الحكومة فإن مرشحه لحقيبة وزارة المالية هو البروفيسور برافرمان، الذي حصل على المرتبة الثالثة في قائمة الحزب، كما نجحت يحيموفيتش في الحصول على المرتبة الثامنة في نفس القائمة، مستفيدة من اسمها اللامع والحملة الإعلامية التي رافقت انضمامها للحزب.

وحين وُجهت علامات سؤال حول مقدرة بيرتس على حل القضايا الأمنية في حال انتخابه رئيسا للحكومة احتمى بيرتس بالجنرالات في حزبه، فالى جانب الثلاثة المذكورين سابقا، هناك أيضا جنرالان برتبة "عقيد"، هما الحاكمان العسكريان السابقان في الضفة الغربية بنيامين بن اليعيزر وافرايم سنيه، ودافع بيرتس عن نفسه في الجانب الأمني بأنه حتى المقعد الثالث عشر في قائمته هناك خمسة جنرالات من الصف الأول.

وكنا في معالجة سابقة توقفنا عند ملامح الأزمة في حزب "العمل"، التي تفجرت من جديد على خلفية استبعاد الجنرالات الثلاثة، فحتى الرابع سنيه، الذي كان موعودا بحقيبة نائب وزير الأمن، لم يحصل إلا على رئاسة الكتلة البرلمانية، بعد إلغاء منصب نائب الوزير في الحكومة الحالية، وهذا قد يتغير مستقبلا.

فقد فضل بيرتس تعزيز مكانته التنظيمية داخل الحزب، من خلال كسب "رضا" أصحاب مراكز القوى، مثل بنيامين بن اليعيزر، والشابين أوفير بينيس وإسحق هيرتسوغ، اللذين يحظيان "بدفء" مميز في صفوف الحزب، وشالوم سمحون، الرجل القوى في قطاع القرى التعاونية.

واعتقد المراقبون في حينه، ومعهم برافرمان، أن من كان موعودا بحقيبة المالية سيحظى على الأقل بأية حقيبة أخرى في إطار الائتلاف إلا أن شيئا كهذا لم يحصل.

وليس صدفة أن اتهامات بـ "خيانة" الناخب توجّه لعمير بيرتس من داخل صفوف الحزب، وعلى رأسها "خيانة" البرنامج الاقتصادي الاجتماعي، و"خيانة" الوعد بقيادة جديدة لحزب "العمل".

ولكن الخلاف لا يتوقف عند هذا الحد، فهذه الخماسية تتهم بيرتس بأنه يخطط للسيطرة على كامل هيئات الحزب، من خلال تغيير تركيبتها وضم الكثير من أنصاره ليمسك بكامل الأمور ويسيطر على آلية القرار.

ويقول النائب متان فلنائي إن انتخاب عمير بيرتس أفقد الحزب الكثير من جمهور مصوتيه التقليديين، واضعف النواة الصلبة للحزب، فهو جعل من حزب "العمل" التاريخي حزبا صغيرا على شاكلة حزب "عام إيحاد" الذي كان يتزعمه بيرتس.

خماسية ليست متجانسة

عمليا أمامنا خماسية من الأسماء "اللامعة" على الساحتين السياسية والأمنية في إسرائيل، وفي حال توحدت فمما لا شك فيه أنها ستشكل خطرا على بيرتس عند أول مطب يسقط فيه، إلا أن بيرتس يعرف أن أمامه خماسية ليست متجانسة، لأن ثلاثة فيها يطمحون لمنافسته على زعامة الحزب، وهم عامي أيالون وأفيشاي برافرمان ومتان فلنائي الذي أعلن منافسته قبل عدة أشهر وانسحب منها لصالح شمعون بيريس، وهذا إلى جانب أن النائب داني ياتوم هو من كبار أنصار رئيس الحكومة الأسبق ايهود باراك، الذي لا يزال يحاول الدخول الى ساحة المنافسة والعودة الى زعامة الحزب، ولا يظهر أن الظروف مناسبة له في هذه المرحلة.

وعلى ما يبدو فإنه من المستبعد أن تتوحد الخماسية على رأي مشترك، وحول منافس وحيد أمام بيرتس، فبرافرمان يرى نفسه الأكثر كفاءة، فقد كان له اسم بارز في البنك الدولي، ومنصب أكاديمي رفيع، وعمل على رفع اسم الجامعة الصحراوية في بئر السبع، وجعلها مركزا للقضايا الاجتماعية، وجاء الى السياسة برصيد غني.

أما زميله عامي أيالون فهو ينسب لنفسه رصيدا أمنيا "غنيا"، وفي نفس الوقت صاحب رؤية إستراتيجية، حول شكل الحل الدائم مع الفلسطينيين، وقد ابرم مع البروفيسور سري نسيبة وثيقة مشتركة. ولا يكتفي أيالون بهذا بل يهاجم بيرتس من هذه الزاوية في وسائل الإعلام، ويدعو رئيس الحكومة ايهود أولمرت للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

وقد يكون متان فلنائي الحلقة الأضعف في هذه المنافسة، فهو يحمل معه لقب جنرال، كمثل باقي الجنرالات الذين فور خلعهم البزة العسكرية انضموا للحلبة السياسية.

ولكن يبقى السؤال المطروح هو حول نوايا ايهود باراك المستقبلية، فهو لم يلق بوزنه الكافي في الحملة الانتخابية، وهناك من يتهم عمير بيرتس بأنه لم يفسح له المجال، إلا أن بريق باراك قد خفت كليا في السنوات الأخيرة، وظهوره على الساحة ستكون له نتائج عكسية، فهو سيساعد على تفريق المعسكر المناهض لعمير بيرتس، الذي لا يزال قيد التبلور.

على الرغم من كثرة الحديث عن المنافسة على زعامة حزب "العمل"، فإنه حتى الآن لا يوجد تاريخ واضح لهذه المنافسة، فدستور الحزب يقر بإجراء انتخابات لرئاسة الحزب بعد ستة أشهر من الانتخابات البرلمانية في حال لم يفز الحزب برئاسة الحكومة. لكن هناك ثغرة في الدستور، ويدور خلاف حولها، وهو إذا ما كان بند الانتخابات ملزما في حال انضم الحزب فور الانتخابات الى ائتلاف حكومي. ويصر المعارضون على أن هذا البند ينطبق أيضا في حالة الائتلاف، بينما يدعي أنصار بيرتس أن بند الدستور لا يسري في الحالة، وفي حال سيطر بيرتس على هيئات الحزب، فإنه سيكون باستطاعته إدخال تعديل على بند الدستور المذكور.

لكن العامل الزمني هو أيضا مريح للتكتل المعارض لبيرتس، فالأخير انتقل من حلبة الصراع على القضايا الاقتصادية الاجتماعية، التي بنى عليها كل رصيده السياسي، الى حلبة الحرب والاحتلال، وهذا سيبعد جمهور مصوتين عن حزب "العمل" مما سيعمق أكثر الأزمة في داخل الحزب، ويوسع المطالبة بإقالة عمير بيرتس، أو هزيمته من خلال انتخابات داخلية.

فرص الانشقاق

يتكهن الكثير من المحللين بأن هذه الخماسية، وقد ينضم إليها لاحقا آخرون، ستعمل على الانسلاخ عن الكتلة الانتخابية وتشكل كتلة منفصلة أو تنضم الى حزب "كديما". وليس من المستبعد أن ما تتناقله الصحافة الإسرائيلية هو بمبادرة بعض أفراد هذه الخماسية من منطلق حرب المناورات أو إطلاق البالونات التجريبية.

لكن حتى الآن من المستبعد جدا الحديث عن انشقاق، فهذه الشخصيات، وعلى الرغم من اسمها اللامع، حديثة العهد في صفوف الحزب، ولا توجد لها قواعد في داخله، بإمكانها أن تشكل وزنا يؤخذ بالحسبان، ولهذا فإنها لا تعدو أكثر من كونها نجوما لامعة، وهذا شرط مهم، ولكن لا يمكن الاعتماد عليه في الساحة السياسية الإسرائيلية لتشكيل قوة حزبية ذات وزن، والتجربة من هذا النوع غزيرة جدا في السنوات الأربع عشر الأخيرة، على وجه الخصوص.

ولهذا فإن ما سنشهده في الأشهر المقبلة، أو إلى حين إجراء الانتخابات الداخلية لرئاسة الحزب، هو حرب "شعواء" بين بيرتس وبين من تركهم في المقاعد الخلفية من دون أي وزن برلماني، سوى كونهم أعضاء كنيست عاديين.

غير أن هذا الخلاف سيواصل الانتقاص من قوة هذا الحزب التاريخي، فنحن في فترة اضمحلال الحزبين التاريخين الأكبرين، "الليكود" و"العمل"، والسنوات القليلة القادمة، أي حتى الانتخابات البرلمانية القادمة، ستكون مصيرية لهذين الحزبين، اللذين سينتظران الفرصة الأخيرة لهما للعودة إلى صدارة الخارطة السياسية. وهذا مرهون بقدر كبير جدا بتماسك حزب "كديما" وفرص بقائه على رأس السلطة الإسرائيلية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات