المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • اقتصاد ومجتمع
  • 1013

نتائج الصراع بين المالية والهستدروت واضحة: قُبِل المنطق الذي عرضته الهستدروت، في معظم البنود التي دار حولها الصراع.

 

نتائج الصراع بين المالية والهستدروت واضحة: قُبِل المنطق الذي عرضته الهستدروت، في معظم البنود التي دار حولها الصراع.
وهذه الحقيقة تثير استغراباً كبيراً لأسباب ثلاثة: الأول، أكدت النبرة التي سادت في الصحف الاقتصادية ان الخطة المالية ليست ضرورية فحسب، بل ممتازة، وترسم الطريق الصحيح الذي يجب ان تسير فيه المرافق الاقتصادية. السبب الثاني، كان الرأي العام بأغلبيته ضد الاضراب. والثالث - كان واضحاً تماماً أن وزير المالية لديه القوة للحصول على مصادقة الكنيست على الخطة كما هي. وحيال كل هذا، كان من المفروض ان ينتهي الصراع بالفوز الكبير لبنيامين نتنياهو. لكن لماذا لم يحصل هذا؟

أحد الأجوبة هو، خلافاً لأقوال نتنياهو، أن الهستدروت بالذات هي التي مثلت وجهة النظر المسؤولة والمنطق الاقتصادي. كما ان عدداً من الذين أيدوا خطة نتنياهو اعترفوا أمس (19/5)، ان العقل القويم هو الذي انتصر في النهاية. والجواب الثاني يتعلق بحقيقة ان ما جرى هنا لم يكن صراعاً بين المالية والهستدروت فحسب، انما أيضاً كان صراعاً في داخل المالية - بين الجانب الواقعي، الذي مثله المسؤول عن الأجور، يوفال ريخليفسكي، والوزير مئير شطريت، وبين الجانب الايديولوجي المتطرف الذي مثله نتنياهو والمسؤول عن الميزانيات، أوري يوغيف.

وعند مطالعة التلخيصات التي تم التوصل اليها نرى انها ابدت مسؤولية حقاً تجاه مصير المرافق الاقتصادية. ففي البند المتعلق بـ "تدخل تشريعي في اتفاقات العمل"، قبل موقف الهستدروت الداعي الى عدم سن قوانين بهذا الشأن. وهذا هو الموقف الجدير بمرافق اقتصادية حديثة، تكون فيها علاقات العمل وفق اتفاقيات، وإن محاولة التدخل فيها لا تمس بحقوق الملكية فحسب، بل تصعب الأمور أيضاً على المالية، التي ستضطر الى المجابهات مع منظومة اتفاقيات الأجور المنتشرة بين آلاف اللجان بدل ان يكون ذلك مع تنظيم عمالي تمثيلي وكبير - كما اعترف ريخليفسكي. تطلعات نتنياهو الى خلق واقع تكون فيه آلاف اللجان الصغيرة، ضعيفة وخانعة هي الشيء الأخير الذي يحتاجه الاقتصاد الحديث، ويذكّر هذا بنقابات العمال من القرون السابقة.

وقبلت مواقف الهستدروت في بندين آخرين - "مساهمة العمال في تغطية العجز" و "تقليص في كل مركبات الأجور" - ، والتي وفقها يتنازل العمال في القطاع العام لمدة سنتين عن علاوة غلاء المعيشة وعن العلاوات النابعة من الاصلاحات الضريبية، ولن يكون هناك مساس بالاجور المحسوبة من اجل التقاعد. يجري الحديث هنا عن تجميد مؤقت للوضع القائم، لأنه تم الاعتراف بأن التآكل الاضافي لقوة الشراء سيزيد من الركود الاقتصادي.

وهناك اهمية مستقبلية كبيرة للبند المتعلق بـ "التثبيت في العمل"، الذي رفضت فيه مطالبة المالية بإلغاء مؤسسة التثبيت. لقد هزمت الهستدروت، التي أقامت قبل حوالي 20 سنة شركة القوى البشرية الأولى في اسرائيل، ذلك الصنم الذي خلقته. بينما فشل نتنياهو، الذي اراد أكثر من أي شيء آخر أن يحصل على انجاز تصريحي حول عدم الضرورة الاقتصادية لمؤسسة التثبيت في العمل، بسبب المنطق الذي يقف وراء هذه المؤسسة. من المفروض أن يحسب القطاع العام حسابات بعيدة المدى وأن يقف في وجه اصحاب النفوذ والمصالح، دون ان يخشى عماله من فقدان مكان عملهم لأنهم قاموا ضد أصحاب القوة.

أما في بند الفصل من العمل فكان نجاح المالية جزئياً. فبدل فصل 8% من عمال القطاع العام، كما تطالب المالية، وافقت الهستدروت على فصل 2% كحد اقصى. وقد نسيت المالية في هذا الشأن، أن الحكومة هي التي تشغل عمال القطاع العام كأجيرين وهي التي تزيد حجمه بواسطة التعيينات السياسية.

وفي البند المتعلق بالمتقاعدين وصناديق الاستكمالات تم قبول موقف الهستدروت. بخصوص المتقاعدين- تخفيض الرواتب، خلافاً لمطالبة المالية، لن يسري على ميزانية المعاشات للمتقاعدين. وبخصوص صناديق الاستكمال فاز المنطق ثانية: الصناديق التي تستثمر أموال العمال بالسندات وبالسوق المالية (مع شبكات أمان) هي ليست أنبوبة أوكسجين للعمال فحسب، بل للمرافق الاقتصادية كلها.

قبل ثلاثة اسابيع تقريباً، في المحادثات بين ريخليفسكي وشطريت من جهة، وعمير بيرتس وشلومو شاني من الجهة الثانية، توصل الطرفان الى اتفاقات كانت قد نشرت هذا الاسبوع. لقد انطلق الاضراب من أجل تأمين الاتفاقات التي تم التوصل اليها آنذاك. وخلافاً للصورة التي انطبعت وكأن لجان العمال الكبرى قامت بعرض عضلات وأن بيرتس تصرف مثل "ستالين"، كما وصفوه في مكتب نتنياهو- فالحقيقة هي أن من قام باستعراض عضلاته حقاً وأجبر الهستدروت على البدء بالاضراب هو نتنياهو، الذي رفض الاتفاقات التي حصل عليها ريخليفسكي وشطريت، وأراد أن يكسر إرادة لجان العمال.

والآن يجب أن يخرج النضال الى الشارع، من اجل كل عشرات الآلاف، هؤلاء الذين تضرروا وسيتضررون من السياسة الاقتصادية، بكل ما لا يتعلق بعلاقة العمل- العاطلون عن العمل وكل الذين تضرروا من التقليصات المختلفة، ومن بينها التقليص في ضمان الدخل. هذا هو التحدي القادم ليس للهستدروت فحسب، انما لكل أحزاب المعارضة والتنظيمات الاجتماعية.

(هآرتس 20 أيار 2003)

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, الهستدروت, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات