يلقي الكتاب الضوء على مبنى جهاز القضاء الإسرائيلي وتاريخ تطوره، وتأثير الأيديولوجيا الصهيونية على بنيته ومضامينه، وانعكاس ذلك على موضوعة حقوق الإنسان، وتجلياته في أشكال الالتفاف على القيم القانونية العالمية.
ويثبت الكتاب عبر شواهد إسرائيلية أن جل اهتمام مؤسسي الدولة العبرية لم يكن القضاء، أو المعايير القضائية، أو المؤسسات القضائية، وإنما تأسيس بيت قومي لليهود، وأن مصطلحات كسلطة القانون أو الديمقراطية لم تدرج حتى في خطاب نخب مجتمع الدولة الجديدة، والذي عاش تحت شمولية سلطة حزب الدولة المهيمن "مباي"، بقيادة ديفيد بن غوريون، لفترة طويلة بعد انشائها.
ويضيف الكتاب أن هاجس بناء الأمة إحدى ركائز المحكمة العليا التي طالما تعرف القيم العليا لإسرائيل، لا سيما كونها دولة يهودية، بمصطلحات صهيونية لا يؤثر فيها الزمن، ومنها قانون العودة، والاستيطان المبارك في كل أنحاء فلسطين، وسمو اللغة العبرية على سائر لغات البلاد، ومركزية الدين اليهودي وقضاؤه ليس في سياق الأفراد، وإنما في سياق الشأن العام أيضا، ومكانة العرب في إسرائيل، على سبيل المثال لا الحصر، ويجري تبني هذه المصطلحات وإعادة إنتاجها في صيرورة غير نهائية تقريبا من بناء الأمة من قبل أبرز قضاة المحكمة تاريخيا، من حيث اعتبارهم رموز انفتاحها. هذا الكتاب، وفق مؤلفه، "يسلط الضوء على الجهاز القضائي الإسرائيلي من وجهة نظر تاريخية دستورية، وإن كان بالإمكان تعريف القضاء على انه التعبير عن النزاعات في الحيز العام، إلا أننا سنتمحور في القضايا التي تهم الشأن العام، وليس تلك الموجودة في الحيز العام فقط، كحوادث الطرق والتعاقد بين الأفراد. كما يوجد للقانون المدني والتجاري دور مركزي في فهم طبيعة المجتمعات وتطورها اقتصاديا وفكريا، إلا أن موضوعاً كهذا يستحق دراسة مستقلة ومستفيضة لا تتم معالجتها في بحثنا هذا".
الفصل الأول من الكتاب ينظر إلى القضاء العبري في فلسطين قبل إنشاء إسرائيل وعلاقته الوثيقة مع الاستعمار البريطاني الذي أورث إسرائيل عمليا جهازاً قضائياً حديثاً، شكلاً ومضموناً. كما يتضمن وسما تعريفيا بالمحاكم الموجودة وصلاحياتها. ويناقش الفصل الثاني دور المحكمة العليا في بناء أمة يهودية جديدة، واستنباطها الصهيوني لمفهوم دولة الشعب اليهودي، وتعاملها مع مسألة المحرقة( الهولوكوست).
أما الفصل الثالث فموضوعه مسألة حقوق الإنسان في القضاء الإسرائيلي، ويعقبه الفصل الذي يتطرق لمؤسسات قضائية مهمة كمؤسسة المستشار القضائي للحكومة ولجان التحقيق الرسمية، وينهي البحث في مناقشة مفهوم القضاء فلسفيا، وإمكانيات استنفاده تقدميا، وخصوم هذا الفهم للقضاء من قبل النخب المحافظة الصاعدة بتسارع ملحوظ في المجتمع الإسرائيلي، والتي كانت يوما من الأيام المكون الأبرز "للجمهور المتنور" الذي أعلنت المحكمة العليا عن مكانته كمرجع قيمي في ثمانينيات القرن الماضي. ويقول المحامي دلال عن كتابه: "يعكس البحث العديد من التجارب والتأملات التي راكمتها أثناء عملي في مركز "عدالة"، حيث الرغبة في فهم القانون وممارسته بشكل مختلف عن المألوف لدرجة التحريض ضده أحيانا. ولا شك أن النقاشات المبدئية وتلك التي رافقت قضايا عينية أيضا ساهمت في محاولة نقد القانون واستعمال القضاء من خلال عملية متواصلة من تفحص الذات نقدياً، والصبو من أجل تجاوز حدود مهنة لازمها لفترة طويلة الطابع البيروقراطي الممل، والمساهم في إعادة إنتاج دور المحامي الهامشي وغير المهم في المجتمع".