من الناحية البنيوية، يبدو وكأن الوضع المتمثل في نظام الحكم الإثني بقي مسيطرا في إسرائيل. فقد شهدت الفترة الأخيرة أحداثا هامة أثرت على نحو متواصل في العلاقات بين اليهود والفلسطينيين، وإنما دون أن يتم كبح أو تغيير عمليات "الترسيخ القمعي" و"الأبارتهايد الزاحف" التي تم التأكيد عليها في الكتاب. وفي هذا المجال، وبعد التأني بشكل ما، يمكن للمرء أن يستنتج أن التحليلات والأفكار التي خلص إليها كتاب "الإثنوقراطية" قد ثبتت صحتها ومصداقيتها.
يؤكد مؤلف الكتاب الباحث والأستاذ الجامعي الإسرائيلي البروفسور أورن يفتاحئيـل في تقديم خاص للطبعة العربية أنه بصفته باحثا ملتزما بالمجتمع الإسرائيلي وبالتعايش السلمي لليهود والفلسطينيين، يرى أن من الواجب أن يتم النشر باللغتين العبرية والعربية، وأنه على الرغم من أن هذا التوجه لا يتفق مع توجه المؤسسة الأكاديمية الإسرائيلية ذات التوجه العولمي، إلا إن النشر بهاتين اللغتين ضروري في نظره "إذا ما أريد لأبحاثنا أن تتجاوز القلاع العاجية، وأن تصبح في متناول الجمهور الأوسع. فبهذه الطريقة فقط يمكن لهذه الأبحاث أن تشكل قاعدة للحوار المفيد وللتقدم بعيدا عن الشعارات المستنفدة والصيغ الجامدة".
وقال: لقد مرت خمس سنوات على صدور كتابي الأصلي، "الإثنوقراطية"، باللغة الإنكليزية. وهي فترة تغيرت فيها الكثير من الأشياء، ومع ذلك بقيت أشياء كثيرة أخرى على حالها. من الناحية البنيوية، يبدو وكأن الوضع المتمثل في نظام الحكم الإثني بقي مسيطرا. فقد شهدت هذه الفترة أحداثا هامة أثرت على نحو متواصل في العلاقات بين اليهود والفلسطينيين، وإنما دون أن يتم كبح أو تغيير عمليات "الترسيخ القمعي" و"الأبارتهايد الزاحف" التي تم التأكيد عليها في الكتاب. وفي هذا المجال، وبعد التأني بشكل ما، يمكن للمرء أن يستنتج أن التحليلات والأفكار التي خلص إليها كتاب "الإثنوقراطية" قد ثبتت صحتها ومصداقيتها.
وأضاف: في ضوء تلك التغيرات، والتقدم الذي تم في مجال عملي، فإن النسخة العربية من هذا الكتاب مختلفة بعض الشيء عن النسخة الإنكليزية. فقد احتفظت بالفصول التأسيسية التي تشرح كيفية تشكل النظم السياسية الإثنية، والعواقب البنيوية لها، كما أضفت إليها أربعة فصول. وتتناول هذه الفصول بتعمق تلك المحاور الرئيسة في النظام، التي لم تتم تغطيتها بشكل تام في النسخة السابقة، وبخاصة قضايا الدين والثقافة والتعددية الثقافية الحضرية، والتخطيط المكاني وقضية البدو. وتتوسع الفصول الجديدة في مجال العناصر الاستعمارية في النظام الإسرائيلي، وكذلك في مجالات النضال والتقدم نحو الديمقراطية والمساواة، على النحو الذي يتضح في مختلف المناطق والجماعات. كما حذفت ثلاثة فصول تتعلق بقضايا تاريخية أو مسائل أقل أهمية بالنسبة للقارئ العربي. وأود أن ألفت انتباه القارئ العربي إلى الفصلين الأخيرين في الكتاب اللذين يتضمنان سيناريوهين ممكنين لحلول مستقبلية. ويتعامل الأول مع البؤرة الرئيسة للنزاع- التي هي القدس، بينما يتعامل الآخر مع إسرائيل/ فلسطين ككل. ويستخدم الفصلان منطلقا واحدًا- احترام حق الفلسطينيين واليهود في تقرير المصير، وإيجاد أطر منطقية وعادلة للتعامل مع الحيّز الترابي الذي هو إسرائيل/ فلسطين.
واشتمل الكتاب على تقديم لمركز "مدار" بقلم الكاتب أنطوان شلحت، من طاقـم المركز، أشار فيه إلى كون مؤلفه أورن يفتاحئيل أحد أبرز الأساتذة الجامعيين النقديين الما بعد صهيونيين في إسرائيل، وإلى كونه يقدّم في هذا الكتاب تعريفا شاملاً للنظام الإثنوقراطي عمومًا، ويشرّح تطبيقاته في إسرائيل على شتى الصُعُد من خلال تعقبها بأناة وتمحيص دقيقين.
وأضاف: لعل أول فحوى يطالعنا من هذا التعريف هو أنه نمط نظام خاص يعمل على تمكين "الأمة" المهيمنة (التي توصف في العادة بأنها "الجماعة المتميزة") من التوسع والإيغال في فرض الإثنية، والسيطرة على الإقليم الجغرافي المتنازع عليه، وعلى الكيان السياسي. وتوصف هذه الأنظمة بأنها أطر شرعية وسياسية وأخلاقية مهمتها إقرار كيفية توزيع السلطة والموارد. وهي تجسّد هوية وغايات مجتمع سياسي ما وأولوياته العملية. وتعتبر الدولة هي المشكّل الرئيس للنظام، توفر له المؤسسات والآليات والقوانين والأشكال التي تمنح الشرعية للعنف من أجل تنفيذ المشاريع التي يقرّها. ووفقًا لهذا التعريف، فإن الأنظمة الإثنية قد تظهر في أشكال متعددة، منها حالات الديكتاتورية الإثنية، أو حالات الأنظمة التي تنفذ إستراتيجيات عنيفة للتطهير الإثني، على النحو الذي تم في رواندا وصربيا، أو تلك التي تعتمد إستراتيجياتها على عمليات السيطرة والعزل، على النحو الذي حدث في السودان وفي جنوب إفريقيا قبل العام 1994. لكن المؤلف يركز أساسًا على الأنظمة الإثنية التي تقدم نفسها على أنها ديمقراطية وتتبنى عدة آليات ديمقراطية رسمية كالانتخابات، وتتبنى حقوقا مدنية كحرية التنقل، ونظاما برلمانيا، ونظاما منفتحا نسبيا للإعلام والاتصالات. وعلى الرغم مما لديها من تمثيل ديمقراطي، فإنها تسهّل عمليات التوسع غير الديمقراطية للإثنية المهيمنة، ولذا يمكن وصفها بأنها إثنية مفتوحة من ناحية اتساع شهيتها للسيطرة والهيمنة. وهي تضم في الوقت الراهن دولا مثل سيريلانكا، وماليزيا، ولاتفيا، وصربيا، وإسرائيل، بالإضافة إلى حالات قديمة تعود إلى القرن التاسع عشر، مثل أستراليا.
المصطلحات المستخدمة: