رام الله- صدر حديثاً عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- "مدار" العدد رقم 57 من المجلة الفصلية المتخصصة "قضايا إسرائيلية"، يضم محوراً خاصاً عن "اليمين الجديد" أو "الصهيونيّة الجديدة" في إسرائيل.
وساهم في مقالات المحور كل من تومر برسيكو (الصهيونية كقومية متطرفة – النيوليبرالية والمركزانية العرقية) ودانيئيل روزنبرغ (لاستراتيجية "الثقافية" لليمين الإسرائيلي الجديد) وعوفري إيلاني (دولة اللّيكود: عن صورة الثقافة السياسيّة في إسرائيل المعاصرة) وآفي شيلون (الهوية الإسرائيلية - اليهودية المتجددة: عن الدين، الليكود، التصحيحية، المسيانية ونفتالي بينيت!).
وبالإضافة إلى هذه المساهمات يضم المحور مقابلة مع مؤلفة كتاب "بلاد، تحالف" الصحافية عوفراه يشوعا لايت حول لماذا لا يملك اليهود دولة يهودية علمانية؟ أجراها الطيب غنايم.
وفي تقديم مقالات المحور كتب مدير تحرير المجلة رائف زريق: بدت إسرائيل العام 1948 دولةً علمانيّة ذات ميول اشتراكيّة، أمّا إسرائيل العام 2015 فتبدو دولةً ومجتمعًا يخضعان لخطاب دينيّ أصوليّ من ناحية، ولسياسة نيو- ليبراليّة رأسماليّة متوحّشة من ناحية أخرى. ويرصد هذا العدد مسارات التّحوّل بين هذه الأقطاب مركّزًا على ما بات يُعرَف بـ"اليمين الجديد" أو "الصهيونيّة الجديدة" في إسرائيل.
الصّحافي والأكاديمي تومر برسيكو يعالج في مقالته ظاهرة "البيت اليهودي"، ونجوميّة نفتالي بينيت، ويحاول سبر غور هذه الظّاهرة على خلفيّة التّطوّرات الفكرية والأيديولوجيّة داخل الصّهيونيّة. ويدّعي برسيكو أنّ الصّهيونيّة العلمانية اليساريّة فقدت بريقها وهيمنتها حقيقةً، وأنّها في أزمة؛ لكن هناك أزمة حقيقيّة أخرى تعبر المعسكر القومي الدّيني أيضًا. وتنبع أسباب أزمة المعسكر القومي الدّيني من أمرين أساسيّين: السياسة النيو- ليبرالية الاقتصاديّة التي رفعت منسوب الذّاتيّة والفردانيّة من جهة؛ ومن جهة أخرى الانسحابات المتكرّرة من مناطق مختلفة كانت تحت سيطرة الدّولة الإسرائيليّة: غزّة، أجزاء من الضّفة، وحتى الانسحاب من جنوب لبنان وسيناء. إزاء هذا الوضع تبنّى بينيت نوعًا من الفكر الدّيني الذي يتماشى مع روح العصر، فكر دينيّ قوميّ غير متزمّت دينيًّا، يظهر فيه الدّين كنوع من الرّياضة الرّوحيّة ممزوجةُ بفكر قوميّ إثني، يتماشى تمامًا مع روح العصر التكنولوجيّة والرأسماليّة.
أمّا دانيئيل روزنبرغ فيركّز في مقالته على التّحوّلات الثّقافيّة الفكريّة لدى اليمين، ينطلق روزنبرغ- كما برسيكو- من فرضيّة أنّ اليّمين الأيديولوجي يعبر هو الآخر أزمةً على أثر سلسلة الانسحابات التي قامت بها حكومات إسرائيل. يشخّص روزنبرغ تحوّلاً في سياسات وتوجّهات اليمين الصّهيوني الجديد. ما يقف في مركز هذا التّحوّل هو العزوف عن الانشغال المستمرّ بقضايا السياسة والأمن والتّحوّل إلى موضوعات تخصّ الأدب، والثّقافة، والفنّ، وكلّها أمور تسعى إلى صقل شخصيّة اليهودي الصّهيوني الإسرائيلي. يتتبّع روزنبرغ الحركات الثّقافيّة غير الحزبيّة في هذا اليمين، انتهاءً بحركة "إم ترتسو" التي حاولت أن تسوّق نفسها كحركة وسطيّة تقع في لبّ الإجماع الصّهيوني، وتعبّر عن جوهره. أمّا أوفري إيلاني فيقدّم لنا قراءةً مثيرةً حول التّحوّل من حكم "مباي" وبن غوريون في العقود الثلاثة الأولى من القرن الماضي، إلى حكم الليكود في العقود الثلاثة التي تلت؛ ويحاول أن يرصد التّحوّلات العميقة مشيرًا إلى نقاط الالتقاء والاختلاف، والاستمراريّة والتّجدّد. ويشير إيلاني إلى أنّه في واقع الأمر وإن كان الليكود اليوم يحصل على ما يقارب عشرين مقعدًا في الكنيست لا غير إلاّ أنّ هناك مجموعة كاملة من الأحزاب تدور في فلك الليكود، ومؤسّسيها هم أعضاء سابقون في الليكود (أمثال ليبرمان من "إسرائيل بيتنا"، وكحلون من "كلّنا"، وتسيبي ليفني من "هتنوعا" و"كديما" سابقًا).
ويتناول آفي شيلون في مقالته الفوارق بين ليكود الأمس وليكود اليوم. يشير شيلون إلى حقيقة أنّ زعماء وقادة الليكود الذين أتوا بعد بيغن- أيّ شامير، وشارون، ونتنياهو وأولمرت- لم تكن لهم صلة حقيقيّة مع الدّين، ونمط حياتهم هو علمانيّ بالأساس. هذا الأمر خلق فراغًا في هذا المجال تمّ استغلاله من قبل "البيت اليهودي" ونفتالي بينيت، الذي استطاع أن يقدّم توليفةً جديدة بين الدّين والقوميّة والنيو- ليبراليّة في إسرائيل.
ويحوي العدد ثلاثة مقالات: الأول بعنوان "الدمار القابل للفحص"- علم الآثار الإسرائيلي والقرى الفلسطينية المهجرة بقلم عالمي الآثار غدعون سوليماني وراز كالتر، والثاني بعنوان "اليهود العرب في فلسطين" بقلم الأستاذ الجامعي مناحيم كلاين، والثالث حول نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة بعنوان "انتخابات الكنيست 2015: تغيرات بنيوية واصطفافات اجتماعية- سياسية" بقلم الأستاذ الجامعي مهند مصطفى.
في العدد مقابلة خاصة أجراها أنطوان شلحت وبلال ضـاهر مع أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة بئر السبع البروفسور يورام ميتال يؤكد فيها أن وجهة إسرائيل نحو مزيد من التطرف والتمسك بمطلب الاعتراف بها كدولة يهودية ما يشي بأن المجتمع الإسرائيلي قرّر أن تكون دولة إسرائيل مجرّد غيتو لا أكثر.
وفي زاوية "من الأرشيف" يضم العدد نسخة من بروتوكول الحديث الذي دار بين وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشيه ديان والفيلسوف الفرنسي هربرت ماركوزا العام 1971.
وفي باب قراءات يقدّم فريد غانم عرضاً نقدياً لكتاب إسرائيلي جديد بعنوانَ "الدِّين والدَّولة في إسرائيل" من تأليف البروفسور في الفلسفة داني سطيطمان من جامعة حيفا، والبروفسور في القانون جدعون سبير من جامعة بار- إيلان. وتقدّم حليمة أبو هنية قراءة في كتاب "نزع السحر عن الشرق" للأستاذ الجامعي الإسرائيلي غيل إيال والذي صدر بترجمة عربية عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيليّة- "مدار" العام 2009.