المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1285

تعريف- هنا ترجمة لأبرز مقاطع تقرير جديد صادر عن "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" (القدس) حول موضوع دمج السكان العرب وتمثيلهم في مراكز اتخاذ القرارات المتعلقة بالقطاع العام في إسرائيل. وظهر هذا التقرير في العدد الأخير من مجلة "برلمانت" (برلمان) الإلكترونية الصادرة عن المعهد (عدد آب 2017):

تمهيد

تعاني الأقلية العربية في دولة إسرائيل حاليا من تمثيل هزيل جداً في مراكز اتخاذ القرارات في القطاع العام، وسط غياب جهاز بنيوي - داخلي يضمن إعطاء صوت مؤثر لها في هذه المراكز. صحيح أن القانون يلزم بإعطاء تمثيل ملائم للعرب والدروز والشركس (ومجموعات أخرى أيضاً) في "جميع المستويات والمجالات" في جهاز الدولة، لكن من ناحية عملية، وعلى الرغم من التغييرات المهمة التي طرأت في السنوات الأخيرة، فإن تمثيل المواطنين العرب في الوظائف والمناصب العليا، أو تلك التي تؤثر على رسم السياسات، ما زال ضعيفا ومتدنيا للغاية. بالإضافة إلى ذلك، ليست هناك سياسة عامة تكفل تمثيلاً ملائماً للسكان العرب في مختلف الهيئات والأطر العامة التي تتولى وضع السياسات وتوزيع الموارد، مثل المجالس الإدارية واللجان الحكومية المختلفة.

كذلك تعاني الأقلية العربية، إضافة إلى إقصائها من مراكز القوة في القطاع العام، من تمييز شديد في تخصيص الموارد في مجالات كثيرة ومتعددة. وقد جاء قرار الحكومة (رقم 922) في كانون الأول 2015، على أرضية الإقرار بـ "الأهمية الاقتصادية والاجتماعية التي تراها الحكومة في الدمج الاقتصادي لأبناء الأقليات في إسرائيل". ثمة مصادر كثيرة تشير إلى العلاقة الوثيقة بين دفع تحقيق المساواة فعليا، سواء بحكم القيمة الرمزية لتمثيل شتى المجموعات السكانية في هذه العملية، أو نظراً للطرق المختلفة التي يمكن من خلالها لدمج البعد الاجتماعي للأقلية أن يساهم في تحسين العملية والتأثير على نتائجها. ويبدو لنا أن أية جهود من جانب الحكومة لدمج السكان العرب في مراكز اتخاذ القرارات المتعلقة بتوزيع الموارد، تعتبر أيضاً خطوة حيوية لدفع عملية الدمج والمساواة.

ترمي سياسة دفع التمثيل الملائم لأقلية تعاني من تمييز في القطاع العام، إلى خدمة نوعين رئيسيين من الأغراض: أغراض تشغيلية هدفها دفع المساواة في الفرص في سوق العمل، وأغراض مشاركاتية هدفها ضمان إشراك الأقلية في أجهزة الإدارة (الحكم) التي تدير، في الدولة الديمقراطية الحديثة، قوة سلطوية كبيرة. وتؤكد الأغراض التشغيلية على أهمية التوزيع العادل للوظائف في القطاع العام، والتي تشكل في حد ذاتها مورداً عاماً مهماً، وعلى دور الدولة في قيادة سياسة تنوع قادرة على أن تشكل نموذجاً يحتذى من جانب القطاع الخاص. أما الأغراض المشاركاتية فتؤكد على الطريقة التي يساهم بها دمج أقلية مهمشة في جهاز الدولة، في دفع وتحقيق توزيع متساو أكثر للقوة في المجتمع، وتوجيه رسالة مؤداها أن مصلحة الجمهور، التي يرعاها جهاز الحكم، تأخذ هذه الأقلية أيضاً بنظر الاعتبار.

وكما أكدت المحكمة العليا فإن "من الواجب، بناء على مبدأ المساواة، تخصيص موارد الدولة بصورة متساوية للعرب واليهود {..} إن الوظائف في جهاز الدولة تعتبر أيضا بمثابة موارد للدولة، وهي موارد مهمة بشكل خاص لأنها تنطوي على إمكانية التأثير على أمور كثيرة، ومن ضمن ذلك توزيع الموارد المالية وغيرها".

إن تحقيقاً ملائماً لنوعي الأغراض يستوجب تكريس الاهتمام لمستوى أو حجم تمثيل الأقلية في المستويات العليا للجهاز البيروقراطي، إذ لا يمكن التحدث عن مساواة في الفرص في ظل وجود "السقف الزجاجي"، وحصر المستخدمين المنتمين إلى الأقلية في الوظائف الصغيرة. إن وجود كوتة كبيرة من أبناء الأقلية في وظائف رفيعة يعتبر أمراً حيوياً لكسر حواجز الوعي التي تجعل من الصعب أحياناً على مرشحين محتملين رؤية مستقبلهم المهني في جهاز الدولة.

أما دفع الأغراض المشاركاتية فيستوجب، بالإضافة إلى ذلك، تفحصاً ملموساً للأماكن التي تتخذ فيها القرارات العامة، وتقديراً لجهود الدمج بناء على درجة أو حجم تمثيل الأقلية في هذه الأماكن. وينبغي في هذا السياق التمييز بين وظائف اعتيادية- مهما تكن رفيعة من ناحية مهنية - ووظائف لها تأثير ملموس على سلم الأولويات في المجتمع. كذلك فهو يستوجب النظر إلى ما يتعدى الوظائف في جهاز الدولة، إلى سائر الهيئات واللجان العامة التي تتولى وضع السياسة وتوزيع الموارد. غير أن تحقيق أغراض المشاركة يستوجب أيضاً التركيز بشكل خاص على تلك المحاور التي تتخذ فيها قرارات واختيارات مركزية.

وكان تقرير أعدته لجنة تحقيق برلمانية في العام 2009 قد أكد أيضاً على ضرورة التمييز بين البعد الكمي للتمثيل الملائم وبين البعد الجوهري لهذا التمثيل، وأوصى بتعيين نائب مدير عام عربي في كل وزارة. كذلك أكدت "لجنة أور" (2000) على الإشكالية الكامنة في إقصاء السكان العرب من المستويات العليا للوظائف في جهاز الدولة والوزارات والدوائر الحكومية التي ترسم السياسات.

ويجدر التأكيد في هذه السياق، أن الأغراض المشاركاتية، لا تعني، في كل ما يتعلق بالموظفين في جهاز الدولة- خلافا للأطر والهيئات العامة المختلفة التي ربما من الجدير فيها ضمان تمثيل صريح لمجموعات محددة - بأنه يتعين على الموظفين العموميين العمل كممثلين لقطاعات خاصة. إن وجود جهاز دولة مهني ونزيه، يعمل فيه سائر المستخدمين من أجل تحقيق مصلحة الجمهور برمته، هو مكتسب مركزي في الديمقراطية، ولا يجوز تحويله إلى حلبة صراعات وتنافس بين مجموعات وذوي مصالح مختلفين. غير أن تضمين البعد الاجتماعي للأقلية في عملية صنع وإقرار السياسة، يعتبر في مجتمع مشرذم ومنقسم كما في دولة إسرائيل، أمراً حيوياً بغية إتاحة المجال أمام بلورة رؤية واسعة ومتضمنة لمصطلح "مصلحة الجمهور"، تأخذ في الحسبان بصورة ملائمة عامة السكان. وليس المنطلق هنا هو أن الأفراد الذين ينتمون إلى مجموعة أقلية يحتفظون جميعاً بنفس القيم أو المواقف، حتى لو لم يسعوا إلى دفع مصالح خاصة محددة، بل أن الحياة في حد ذاتها في مجتمع كجزء من أقلية مهمشة، تؤثر عليها أجهزة السياسة بصورة مختلفة، تُكسب الإنسان زاوية رؤية ذات صلة، تتطلب وتفرض حضوره حول المائدة.

وتكتسب هذه الأمور أهمية شديدة في حالة الأقلية العربية في دولة إسرائيل، وذلك في ضوء مكانتها كأقلية قومية ثابتة في دولة تُعرِّفُ نفسها بناء على قومية الأغلبية. بالإضافة إلى ذلك فإن الأقلية العربية، وخلافا لمجموعات أُخرى في المجتمع، تعاني من إقصاء مستمر من السياسة الائتلافية، ومن هنا فهي تواجه صعوبة في ترجمة تمثيلها في الكنيست إلى قوة سياسية وإلى رافعة للدفاع عن حقوقها.

تمثيل السكان العرب في جهاز الدولة: خلفية 

قررت الحكومة الإسرائيلية في العام 1993 إطلاق حملة لدمج المواطنين العرب والدروز في جهاز الدولة. وقد سجل في الفترة بين عامي 1992- 2000 ارتفاع في نسبة تمثيل هؤلاء من 2% إلى حوالي 5%. وفي العام 2000 جرى تعديل البند 10 (أ) من قانون جهاز الدولة (التعيينات) لينص على واجب دستوري بإعطاء تمثيل ملائم لـ "أبناء السكان العرب ومن ضمنهم الدروز والشركس" في سائر المستويات والمجالات والدوائر والوحدات المخولة في جهاز الدولة.

وبموجب القانون فإن الحكومة ملزمة بالعمل على دفع تمثيل ملائم بناء على أهداف تحددها وفقاً لتوصيات مأمور جهاز الدولة. وانطلاقاً من الإقرار بواقع أن الكثير من الوظائف في جهاز الدولة غير مشغولة بواسطة عطاءات تنافسية، فقد نص البند 10 (أ) ج على سريان واجب التمثيل الملائم على جميع طرف القبول للعمل والتقدم فيه، ومن ضمن ذلك التشغيل دون عطاء والتعيين الفعلي. ويتعين على كل وزارة ووحدة مخولة تقديم تقرير سنوي فيما يتعلق بتنفيذ تعليمات البند القانوني، كما يتعين على المأمور تقديم تقرير سنوي للحكومة وللجنة الدستور والقانون والقضاء التابعة للكنيست، يتضمن تفصيلاً للإجراءات المتخذة ومعطيات بشأن التمثيل الملائم فعليا. وقد جرى مؤخراً تعديل القانون بغية تطبيقه على مجموعات أُخرى (ليشمل المهاجرين والحريديم، إضافة لمجموعات شملها من قبل ومنها العرب والنساء).

وقد اتخذت بمرور السنوات قرارات حكومية مختلفة من أجل تنفيذ البند، وحددت الحكومة هدفا في تشرين الثاني 2007 يقضي بتشغيل نسبة لا تقل عن 10% من المواطنين العرب والدروز والشركس في جهاز الدولة بأكمله، وذلك حتى العام 2012. وحدد قرار حكومي آخر في العام 2009 ترتيبات مُحدَّثة لتخصيص وظائف للسكان العرب، كما تبنت الحكومة توصية لجنة وزارية بتقديم مساعدة في أُجرة السكن وبدل مواصلات للمستخدمين العرب الذين ينقلون مكان سكنهم في أعقاب استيعابهم للعمل في جهاز الدولة. كما وأقرت فيما بعد خطة حكومية للتسويق والدعاية فيما يتعلق بموضوع التمثيل الملائم للسكان العرب. وفي العام 2012، والذي كانت فيه نسبة المستخدمين العرب في جهاز الدولة تصل إلى 8ر7% فقط، نشر ديوان الموظفين إجراء تحديد وظائف يُلزم بتخصيص حوالي 30% من الوظائف الجديدة والوظائف المطروحة لعطاء علني، للسكان العرب. وقد طبق هذا الإجراء، ابتداء من شهر آب 2014، على مجموعات تمثيل أُخرى أيضا، حيث باتت حاليا (كوتة) الوظائف المحددة لهذا الغرض (30 بالمئة) موزعة بين السكان العرب والمهاجرين من أثيوبيا وأشخاص من ذوي الإعاقات. ووفقا لآخر تقرير متابعة صادر عن ديوان الموظفين، فقد جرى في العام 2015 تخصيص 159 وظيفة للسكان العرب (حوالي 3% من مجموع العطاءات الداخلية والعلنية التي نشرت في العام ذاته)، غالبيتها الساحقة لمستويات ابتدائية وللمستويات المتوسطة الدُنيا.

تمثيل متدن في الوزارات والدوائر الحكومية

لم تطبق جميع قرارات الحكومة المتعلقة بهذا الموضوع بأكملها، غير أن الجهود الرامية لزيادة نسبة المستخدمين العرب في جهاز الدولة كانت مثمرة، ففي العام 2016 أُنجز الهدف العام. وبحسب معطيات ديوان الموظفين، فإن حوالي 10% من العاملين في جهاز الدولة هم حاليا من الموظفين العرب أو الدروز، وهو ما يعتبر بلا شك إنجازاً لافتا، يدل على أن تحديد أهداف ملزمة من شأنه أن يُحدث تغييراً حقيقياً. غير أنه يدل أيضاً على قيود السياسة التي جرى تبنيها، والتي لم تتفحص بصورة كافية الحاجة إلى القيام بجهد فعال لكسر السقف الزجاجي وتحقيق الأغراض والغايات المشاركاتية لعملية الدمج. ففي الكثير من الوزارات والدوائر الحكومية المكلفة بوضع ورسم السياسات، لم يطرأ تغيير ملموس في السنوات الأخيرة، إذ ما زالت نسبة العرب في جزء منها هزيلة. ووفقاً لتقرير ديوان الموظفين المتعلق بالمراقبة، فمن بين 14 وزارة ووحدة وصلت في تشرين الأول 2016 إلى تحقيق الهدف الحكومي المتمثل برفع نسبة الموظفين العرب فيها إلى 10%، كانت هناك ثلاث وزارات فقط عدا عن جهاز الصحة: وزارة الداخلية (التي تعمل غالبية موظفيها في قسم الطوائف الدينية، الذي يزود خدمات دينية لمواطنين من غير اليهود)، وزارة التعاون الإقليمي (والتي تعتبر مثالاً غير مألوف لوزارة صغيرة جداً يشكل الموظفون العرب حوالي ثلث العاملين فيها)، ووزارة العمل والرفاه الاجتماعي. ولكن عند تحليل المعطيات بدون جهاز الصحة، يتضح أن نسبة المستخدمين العرب في وزارات الحكومة والوحدات المخوّلة- وهي مراكز اتخاذ القرارات المركزية في القطاع العام - ما زالت حوالي 7% فقط، ما يشكل زيادة متواضعة للغاية عن العام 2004 الذي بلغت فيه هذه النسبة 53ر4%.
حتى في جهاز الصحة الذي تحقق فيه دمج ملموس، نجد أنه لم يتحقق بعد تمثيل ملائم في مراكز اتخاذ القرارات. صحيح أن عدد الأطباء والممرضين والممرضات العرب والدروز في ازدياد مستمر، وهناك مديران عربيان لمستشفيين حكوميين، ولكن نسبة العرب في هيئة إدارة وزارة الصحة في القدس، وهو المكان الذي تتقرر فيه السياسة الصحية للدولة، ما زالت ضئيلة (حوالي 88ر2% فقط). وتعتبر وزارة العدل أيضا مثالا لوزارة حكومية مركزية تبذل جهوداً ملموسة في السنوات الأخيرة لدفع وإعطاء تمثيل ملائم لمختلف المجموعات السكانية ومن ضمن ذلك السكان العرب. وهي تقوم بذلك عن طريق الدمج بين خطوات تمثيل فعالة وتعزيز ثقة جمهور المرشحين بامكانية استيعابهم في الوزارة، ومواءمة إجراءات التجنيد، وإعطاء شفافية للوضع في مختلف وحدات وأقسام الوزارة، عن طريق إعداد تقارير سنوية شاملة. وقد أثمرت هذه الخطوة عن نتائج طيبة وملموسة (سُجلت زيادة بحوالي 3% في عدد الموظفين العرب في الوزارة خلال السنوات الأخيرة) كما ساهمت بصورة ملموسة في زيادة نسبة العرب المتنافسة على العطاءات الاعتيادية والفائزين فيها.

إقصاء السكان العرب من الوظائف العليا في جهاز موظفي الدولة

تجد سياسة الدمج الحالية، التي لا تعالج بصورة كافية التمثيل الهزيل في مستويات اتخاذ القرارات، انعكاسا لها أيضاً في الإقصاء الفعلي للسكان العرب في الوظائف العليا.
ووفقاً لمعطيات ديوان الموظفين التي عرضت مؤخراً في الكنيست، فإن العرب يشكلون حالياً 2ر3% فقط من الطاقم (الكادر) الرفيع في جهاز الدولة برمته (درجات 44 وما فوق) و3ر5% من الكادر المتوسط (الدرجات المتوسطة العليا 42- 43، والتي يجري ترقية الموظفين منها إلى الكادر الرفيع)، و9ر12% من كادر الدرجات المتوسطة الدنيا، و4ر7% من كادر الدرجات المنخفضة جداً.

ويشير تحليل معطيات أخرى لديوان الموظفين إلى أن العرب يشكلون في وزارات الحكومة والوحدات المخولة (مع استثناء جهاز الصحة) حوالي 3% من الكادر الرفيع وحوالي 5% من الكادر المتوسط.

وثمة وزارات حكومية كثيرة لا وجود نهائياً لموظفين عرباً ضمن الكادر الرفيع فيها، ومن بين هذه الوزارات، العلوم والتكنولوجيا، الثقافة والرياضة، ومكتب رئيس الحكومة، ووزارة البناء والاسكان، ووزارة الطاقة والمياه، وديوان الموظفين في الدولة، ووزارات المواصلات والخارجية والتعليم والعمل وسلطة الضرائب وغيرها. ومع ذلك يمكن الإشارة إلى بوادر تغيير في عدد من الوزارات الأخرى كوزارتي المالية والعدل، والتي عين فيها خلال الفترة الأخيرة عدد من المستخدمين العرب في وظائف رفيعة تؤثر على رسم السياسة.

تمثيل السكان العرب في الشركات الحكومية

ينص البند 18 أ (1) من قانون الشركات الحكومية منذ العام 2000 على وجوب إعطاء تمثيل ملائم للسكان العرب في تركيبة مجلس إدارة أية شركة حكومية، على أن يتم لاحقاً لتحقيق هذا الهدف تعيين مديرين عرب طالما كان ذلك ممكنا. ويُشير توجيه المستشار القانوني للحكومة في شأن التمثيل الملائم لقطاعات معينة، إلى أن هذا التوجيه "يهدف إلى تحقيق نتيجة كان من الجدير السعي إليها في هذه الهيئات وسواها استناداً لمبادئ أساس المساواة والنزاهة حتى لو لم يكرس هذا الأمر في تشريع قانوني للكنيست".

ويشار هنا إلى أن تعليمات البند 50 أ من القانون، والذي يكفل تمثيلاً ملائماً للدروز والمهاجرين من أثيوبيا في صفوف مستخدمي الشركات الحكومية، لم تُطبق على السكان العرب، وهو ما تدل عليه المعطيات بوضوح. ففي العام 2015 بلغت نسبة المواطنين العرب العاملين في الشركات الحكومية 35ر1% فقط. وبَيَّن مراقب الدولة في تقريره للعام 2015 حول موضوع "جهود الدولة لتشجيع دمج السكان العرب في التشغيل" أنه من بين الشركات الحكومية العشر الكبرى، لم يجر في سبع منها تشغيل أي موظف عربي كبير على الإطلاق، فيما عمل في كل شركة من الشركات الحكومية الثلاث الباقية، موظف عربي كبير واحد. وأكد مراقب الدولة أنه و"على الرغم من أن واجب التمثيل الملائم للسكان العرب (باستثناء الدروز) غير منصوص عليه في القانون، إلا أن المعطيات تظهر صورة وضع قاسية بشكل خاص، لا تستقيم مع مبدأ المساواة، ومن الجدير العمل على حل هذه المشكلة في أسرع وقت". كذلك، على الرغم من عدم وجود واجب صريح في القانون، فقد طلبت سلطة الشركات الحكومية من هذه الشركات إعداد وعرض خطط لدمج العرب والعمل من أجل أن تكون ما نسبته 10% من مستخدمي الشركات الحكومية الكبرى من أبناء المجتمع العربي في إسرائيل ببلوغ العام 2020.

تمثيل العرب في الاتحادات العامة والهيئات القانونية

تعمل في دولة إسرائيل أنواع مختلفة من الهيئات العامة، مثل المجالس الإدارية ولجان عامة مختلفة، تلعب دوراً مهماً في رسم السياسات في شتى المجالات. في الوقت ذاته ليست هناك تعليمات صريحة في القانون تُلزم بإعطاء تمثيل ملائم للسكان العرب في هذه الهيئات العامة، وعلى الرغم من ذلك فقد أكدت المحكمة الإسرائيلية العليا على وجوب الإقرار بواجب التمثيل الملائم للمواطنين العرب في الهيئات العامة استناداً إلى مبدأ المساواة (أصدرت المحكمة قرار حكم في هذا الصدد في نطاق التماس يتعلق بدائرة أراضي إسرائيل).

بالإضافة إلى ذلك، هناك هيئات محددة ينطبق عليها قانونياً واجب التمثيل الملائم. ويشمل مصطلح "الاتحادات العامة" هيئات مثل مؤسسة التأمين الوطني، وسلطة الأوراق النقدية، وسلطة الآثار، والسلطات لتطوير الجليل والنقب والقدس، والسلطة لتأهيل السجين وغيرها. كذلك هناك هيئات أُخرى ورد ذكرها في القانون، ومن ضمنها مجلس المتاحف، مجلس البث بالكوابل والأقمار الصناعية، مجلس سلطة المياه، سلطة الكهرباء، المجلس القطري للتخطيط والبناء، مجلس إدارة ومجلس أُمناء بنك إسرائيل، وغير ذلك من المجالس والسلطات.

وتقع مسؤولية ضمان التمثيل الملائم في هذه الهيئات على عاتق الجهة الموصية بالتعيين وعلى عاتق الجهة ذاتها القائمة بالتعيين. بالإضافة إلى ذلك، من المفترض أيضاً بلجنة فحص التعيينات (في مثل هذه الهيئات والاتحادات العامة) أن تبدي وجهة نظرها بشأن واجب التمثيل الملائم، وهي مخولة برفض أو إرجاء تعيين إذا ما وجدت أنه لم تتخذ الخطوات اللازمة لتنفيذ هذا الواجب. من ناحية عملية فإن واجب التمثيل الملائم للسكان العرب غير مطبق حاليا في الكثير من هذه الهيئات. وفي جزء منها، مثل مجلس الرقابة على أفلام السينما والهيئة العامة لسلطة الكهرباء، لا يوجد نهائيا تمثيل للسكان العرب، فيما يوجد في هيئات أُخرى عضو عربي واحد، كما هو الحال مثلاً في مجلس البث بالكوابل والأقمار الصناعية (عضو عربي واحد من بين عشرة أعضاء) والذي من ضمن مهماته تقديم المشورة للوزير المعني ووضع السياسة في مواضيع مثل نوعية البث والبرامج ومضمونها، ومجلس المتاحف (عضو عربي واحد من بين عشرين عضوا)، والمجلس الوطني للرياضة، الذي يحدد معايير دعم الرياضة ويقدم المشورة للوزير فيما يتعلق بسياسة الوزارة ومن ضمن ذلك موضوع مكافحة العنصرية.

وفي المجلس القطري للتخطيط والبناء - وهو هيئة تلعب دوراً مهماً في وضع وإقرار سياسة التخطيط القطرية لدولة إسرئيل - يوجد عضوان عربيان فقط من أصل 36 عضوا، وكلاهما ممثلان لسلطات محلية. وفي مجلس دائرة أراضي إسرائيل، الذي يعتبر هيئة ذات أهمية قصوى، ويتولى إدارة سياسة الأراضي وتوزيعها، أدى استمرار إقصاء العرب والنساء وحرمانهم من أي تمثيل في المجلس، إلى تقديم التماس آخر للمحكمة الإسرائيلية العليا في العام 2010، ما مهد الطريق لضم عدد من النساء، غير أن تمثيل العرب ظل مغيباً عن أية وظائف رفيعة في المجلس، على الرغم من إجراء تعديل للقانون يلزم بتعيين ممثل عربي (واحد فقط) من طرف وزارة المساواة الاجتماعية.

تلخيص

إن الطريق للمساواة والشراكة المدنية بين المواطنين اليهود والعرب في إسرائيل لا تمر فقط عبر تخصيص الموارد، وإنما أيضاً عبر دمج السكان العرب في مراكز اتخاذ القرارات. وتبين صورة الوضع أن الطريق ما زالت طويلة لتحقيق هذا الهدف. مع ذلك، يبدو أنه يمكن من خلال زيادة الوعي بأهمية الدمج، وبمساعدة تبني خطوات فعالة، تغيير الوضع القائم على هذا الصعيد. فالدول الأخرى التي عملت على دمج الأقليات في جهاز الدولة، كرست وبذلت جهوداً كبيرة لدمج أبناء هذه الأقليات في سلك كبار الموظفين بالذات. وقد فعلت ذلك انطلاقا من الإقرار بأهمية الدمج في مراكز القوة، وذلك نظراً لما ينطوي عليه الأمر من مساهمة مهمة في كسر السقف الزجاجي وتحقيق مساواة واسعة أكثر في الفرص في القطاع العام.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات