اتهم تقرير جديد صدر عن منظمة "بتسيلم" لحقوق الإنسان مؤخرا، إسرائيل بتقييد التحقيق في انتهاكات ارتكبها الجيش أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014 سلفًا ليشمل حالات قليلة ليس إلاّ ومسؤوليات الرّتب الميدانيّة لا غير. وأكد أنه بوصفها كذلك فإن فائدة هذه التحقيقات محدودة منذ البداية.
وأضاف أنه مع ذلك فإنّ التمعّن في بيانات النيابة وفي تبريرات النائب العامّ العسكري المفصّلة في تلك البيانات يُظهر أنه حتى هذه التحقيقات التي تديرها النيابة العسكرية لا تسعى إلى فحص الحقائق ومحاسبة المسؤولين.
ومما جاء في هذا التقرير الذي حمل عنوان "إجراءات طمس الحقائق: التحقيق المزعوم في أحداث الجرف الصامد":
قبل نحو عامين وفي صيف العام 2014 وقعت "جولة قتال" أخرى بين إسرائيل والفلسطينيين في قطاع غزة، أطلقت عليها إسرائيل اسم "حملة الجرف الصّامد". هذه المواجهة كانت الأشدّ فتكًا وتدميرًا منذ العام 1967 من ناحية حجم الإصابات التي لحقت بالفلسطينيين؛ إذ قتلت إسرائيل 2202 فلسطيني، المئات منهم قُتلوا وهم داخل منازلهم. من مُجمل القتلى هناك 1391 - أي نسبة 63% - لم يشاركوا في القتال ويشمل ذلك 526 قاصرًا. وصل عدد المنازل التي هُدمت أو أصيبت بأضرار بليغة إلى 18 ألف منزل وفقًا للتقديرات؛ وأكثر من 100 ألف فلسطينيّ أصبحوا بلا مأوى.
أثارت هذه الإصابات والخسائر الفادحة شبهات قويّة بأنّ إسرائيل قد انتهكت مبادئ القانون الإنساني الدولي. إنّ الجهة الرسمية الوحيدة في إسرائيل التي يُزعم بأنها حقّقت وما زالت تحقّق في هذه الشبهات هي النيابة العسكرية والتي كانت قد أعلنت أنّها باشرت التحقيق حتى قبل انتهاء الحرب.
لكنْ وكما هي الحال بالنسبة إلى أحداث قتالية سابقة، هذه المرّة أيضًا لا يتمّ التحقيق مع المتّهمين الحقيقيين: أصحاب المناصب السياسية والرتب القياديّة العالية في الجيش الذين رسموا السياسات وكانوا مسؤولين عن صياغة الأوامر واتّخذوا قرارات عمليّاتية خلال الحرب، لم يخضعوا لأيّ تحقيق من قِبَل أيّة هيئة رسمية، ولمْ يطلَب إليهم تقديم حسابٍ حول مسؤوليتهم عن النتائج الوخيمة الناجمة عن قراراتهم. لقد مضت سنتان ولم تُطرَح أسئلة حول السياسات المتّبعة بما في ذلك سياسة استهداف البيوت المأهولة، والتي كانت نتيجتها أنْ قتل الجيش مئات الأشخاص، وسياسة إطلاق الصواريخ عشوائيًا على مناطق مأهولة، وسياسة هدم آلاف البيوت وتدمير مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية.
علاوة على ذلك فإنّ النائب العامّ العسكري – المسؤول عن إدارة التحقيقات داخل الجيش – واقع في تناقض مصالح بنيويّ في كلّ ما يتعلّق بالتحقيق في مثل هذه الشبهات. فمن جهة كان مسؤولاً عن تقديم المشورة القانونية للجيش قبل القتال وعمل بتعاون وطيد مع أصحاب الرتب العسكرية في الميدان طيلة فترة القتال وصادق على سياساتهم؛ ومن جهة ثانية يُوكَل إلى النائب العامّ العسكري الآن أن يقرّر أيَّ الحالات يُفتح التحقيق فيها وما هي الخطوات الواجب اتّخاذها لدى انتهاء التحقيق. وفي حال كانت هناك شبهة انتهاك للقانون ذات صلة بتعليمات كان قد صادق عليها هو نفسه سوف يضطرّ النائب العامّ العسكري إلى الإيعاز بالتحقيق في أعمال هو مسؤول عنها؛ ولو كان يجرى التحقيق أيضًا مع ذوي الرتب العليا لكان عليه أن يوعز بإجراء تحقيق مع نفسه أو مع العاملين تحته مباشرة.
لقد بلّغت النيابة العسكرية أنها قد بدأت - والقتال ما زال دائرًا - في فحص شبهات انتهاك القانون. في نهاية آب 2016 أعلنت بيانها الخامس في هذا الشأن والذي أفاد بأنّه حتى ذلك الحين كانت قد وصلت شكاوى تتعلق بـ360 حادثة، وأنّه قد تمّ تحويل نحو 220 حادثة منها إلى جهاز الفحص التابع للقيادة العامّة الذي أقيم في خضمّ القتال لفحص الوقائع الأوّلية المتعلقة بالشكاوى المقدّمة. من بين مُجمل الحالات التي أعيدت لمعالجة النائب العامّ – والتي لم تعلن النيابة عددها – أوعز هذا بإغلاق ملفّ نحو 80 حالة دون تحويله إلى التحقيق في الشرطة العسكرية وبتحويل 7 حالات إلى التحقيق. في بيان النيابة لم يُذكَر كم من التحقيقات قد انتهى وكلّ ما صرّح عنه البيان هو أنّ النائب العامّ العسكري قرّر في حالة واحدة فقط أنه يجب إغلاق الملفّ. في 24 حالة أخرى معظمها حالات عنف ونهْب أوعز النائب العامّ العسكري إلى الشرطة العسكرية بفتح تحقيق فوريّ، دون تحويلها إلى الجهاز الذي أقيم لفحص الشبهات. من هذه الحالات انتهى التحقيق في 13 حالة وأوعز النائب العامّ العسكري بإغلاق الملف دون فعل شيء. حتى الآن انتهى التحقيق في حالة واحدة فقط إلى تقديم لائحة اتّهام ضدّ جنديّين بدعوى النهْب وضدّ جنديّ آخر بدعوى مساعدتهما على ذلك.
لقد جرى تقييد التحقيق في أحداث "الجرف الصامد" سلفًا ليشمل حالات قليلة ليس إلاّ ومسؤوليات الرّتب الميدانيّة لا غير. وبوصفها كذلك فإن فائدة هذه التحقيقات محدودة منذ البداية. ومع ذلك فإنّ التمعّن في بيانات النيابة وفي تبريرات النائب العامّ العسكري المفصّلة في تلك البيانات يُظهر أنه حتى هذه التحقيقات التي تديرها النيابة العسكرية لا تسعى إلى فحص الحقائق ومحاسبة المسؤولين.