قالت دراسة إسرائيلية جديدة صادرة عن "مركز بيغن -السادات للدراسات الاستراتيجية" في جامعة بار إيلان أن التطورات الأخيرة بين إسرائيل واليونان وقبرص تشكل من منظور إسرائيلي مكسباً للأطراف الثلاثة. وأضافت أن تعزيز علاقات إسرائيل مع هاتين الدولتين تنشأ منه كتلة
جيو-سياسية جديدة يمكنها إلى هذا الحد أو ذاك، أن تقف في وجه تركيا، ولها أهمية عسكرية وسياسية في آن معاً. فاليونان تبدي منذ الآن استعدادها لأن تساعد إسرائيل في الاتحاد الأوروبي، وهي أثبتت ذلك أخيراً عندما قادت حملة رفض وسم منتجات المستوطنات الإسرائيلية. ويمثل هذا الأمر تغييراً حاداً في السياسة اليونانية داخل الاتحاد الأوروبي. وبما أن قبرص تؤيد بشكل تلقائي تقريباً الموقف اليوناني، فهذا يمنح اليونانيين صوتاً مضاعفاً داخل مؤسسات الاتحاد. ومن شأن علاقات إسرائيلية أقوى مع اليونان وقبرص أن تحفز أيضاً تركيا على إبداء مزيد من المرونة في مفاوضات تطبيع العلاقات بين أنقرة والقدس.
وجاء في هذه الدراسة التي كتبها السفير أرييه ميكل، وهو باحث كبير زميل في "معهد بيغن-السادات للدراسات الإستراتيجية"، وكان مبعوثاً لإسرائيل في اليونان بين عامي 2010 و2014. وشغل في السابق منصب نائب سفير إسرائيل إلى الأمم المتحدة، وكان مستشاراً دبلوماسياً لرئيس الحكومة الأسبق إسحق شامير، وناطقاً باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية:
اتسم شهر كانون الثاني 2016 بنشاط دبلوماسي غير مسبوق جدير بالانتباه بين القدس وأثينا ونيقوسيا، ويوحي بولادة كتلة جيو-سياسية جديدة في المنطقة.
ففي أواخر كانون الثاني قام وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه بزيارة رسمية إلى أثينا، وحل ضيفاً على نظيره اليوناني ﭘﺎنوس كامينوس (كانت هذه ثاني زيارة رسمية لوزير دفاع إسرائيلي إلى أثينا، فقد سبق أن زار إيهود باراك أثينا في أواخر العام 2012). وفي الأسبوع نفسه، جرى عقد مؤتمر حكومي في القدس بين المجلس الوزاري المصغر برئاسة بنيامين نتنياهو والحكومة اليونانية برئاسة رئيس الوزراء ألكسيس تسيبراس. وكان تسيبراس على رأس وفد كبير يضمّ عشرة وزراء. وكان هذا ثاني لقاء بين حكومتي البلدين (عقد اللقاء الأول في تشرين الأول 2013 مع رئيس الحكومة المحافظ أنتونيس ساماراس)، وكانت هذه هي الزيارة الثانية أيضاً لتسيبراس إلى إسرائيل في غضون شهرين.
وفي اليوم التالي، جرى عقد قمة ثلاثية في نيقوسيا جمعت نتنياهو، تسيبراس، والرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس، وأعقبها إعلان بيان مشترك هام.
إن هذا الارتفاع في مستوى النشاط الدبلوماسي لا يحدث من فراغ، فكل مشارك فيه لديه أهدافه وحساباته الخاصة، وفي الخلفية كان هناك هاجس علاقات كل دولة من تلك الدول مع تركيا.
وأضافت الدراسة:
تفيد زيارة يعلون إلى اليونان في توضيح العلاقات العسكرية والأمنية المكثفة بين إسرائيل واليونان، والتي بدأت قبل عدة أعوام. وتشمل هذه العلاقات تدريبات مشتركة متكررة للقوات الجوية (بمشاركة دول أخرى أحياناً) فضلاً عن مناورات مشتركة بين سلاحي البحر للبلدين. وكانت الطائرات العسكرية الإسرائيلية قد مُنعت من التحليق فوق تركيا منذ وقوع حادثة "مافي مرمرة" عام 2010، ولذلك هي تستخدم المجال الجوي اليوناني في رحلاتها إلى أوروبا والولايات المتحدة. واستقر ملحق عسكري إسرائيلي في أثينا منذ صيف العام 2014، كما قبلت أوراق اعتماده أيضاً في قبرص.
وعلى نحو لافت، لم يتردد يعلون في أثينا في اتهام تركيا علناً بدعم الإرهاب بدلا من محاربته، وادعى على وجه التحديد أن تركيا تشتري النفط من "داعش". وهذا التصريح الذي جرى الإدلاء به في مؤتمر صحافي حضره وزير الدفاع اليوناني كامينوس، شنّف بلا شك آذان اليونانيين. ويرأس كامينوس حزباً يمينياً صغيراً، حزب "اليونانيين المستقلين"، وهو شريك حكومي في ائتلاف حكومة رئيس الوزراء تسيبراس.
وكانت قمة نيقوسيا التي وصفها رئيس الحكومة نتنياهو بأنها تاريخية، تتويجاً لهذه الأنشطة. وتبعها إعلان مشترك عن التعاون الثلاثي الذي لن يكون "حصرياً". وبتعابير أخرى، الاتفاق بين الدول الثلاث مفتوح أمام انضمام دول أخرى مثل مصر وربما حتى تركيا. ومن خلال الإشارة إلى تركيا، شدد قادة اليونان وقبرص على أن الاتفاق "ليس موجهاً ضد أي طرف آخر".
وقد حوّم الهاجس التركي فوق جميع تلك الأنشطة. وحثّ اهتمام وسائل الميديا بمفاوضات التقارب الإسرائيلية-التركية فضلاً عن اهتمام الولايات المتحدة القوي بنتيجة تلك المفاوضات، كلاً من اليونان وقبرص على تعزيز تعاونهما مع إسرائيل. وعلى الرغم من ادعاءات اليونان بأن لديها علاقات جيدة مع تركيا ومن المفاوضات الجارية بين القادة اليونانيين والأتراك في قبرص، لا تزال تركيا تعتبر عدواً محتملاً من قبل أثينا ونيقوسيا. ومما يضاعف هذا العداء التاريخي أن اليونانيين مقتنعون بأن تركيا ترسل عمداً مئات الآلاف من اللاجئين إلى شواطئها بهدف إضعافها؛ وهناك جزء من قبرص تحتله تركيا منذ العام 1974.
إن سياسة رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس تجاه إسرائيل لافتة ومفاجئة في آن معاً. ويرأس تسيبراس البالغ من العمر 41 عاماً حزب "سيريزا" اليساري الذي كان من أشد منتقدي إسرائيل في الماضي. ولكن في العام الأول لتوليه منصبه (جرى انتخابه مرتين في عمليتين انتخابيتين عام 2015)، انتهج تسيبراس سياسات وسطية في الشؤون الداخلية والخارجية. وبدأ التحسن في العلاقات بين اليونان وإسرائيل في العام 2010 في عهد رئيس الحكومة الاشتراكي جورج باباندريو، واستمر هذا التحسن في العام 2012 في عهد رئيس الحكومة المحافظ أنتونيس ساماراس، ولا يزال مستمراً اليوم في عهد تسيبراس اليساري. وتحظى العلاقات اليونانية -الإسرائيلية التي ازدهرت في ظل تنوع لافت من الأنظمة السياسية، بدعم واسع من الجمهور اليوناني أيضاً.
ومنذ التحسن الدراماتيكي للعلاقات اليونانية -الإسرائيلية قبل نحو ستة أعوام، ظلت اليونان قلقة من أنه إذا جرى تطبيع العلاقات بين إسرائيل وتركيا، فستدفع هي (اليونان) الثمن. وظلت إسرائيل ثابتة في محاولاتها، ومن ضمنها اللقاءات الأخيرة، الرامية لتخفيف حدة هذه المخاوف، فشدّدت على أن علاقاتها باليونان راسخة ولن تتأثر باتصالاتها مع تركيا. ويحاول تسيبراس أن يثبت أن اليونان لديها مكانتها الخاصة في شرق البحر الأبيض المتوسط، بل يذهب أبعد من ذلك ليعلن رغبته في المساعدة في حل النزاع الإسرائيلي -الفلسطيني.
من الواضح أنه توجد لقبرص أمور عالقة أكثر أهمية مع تركيا، وأنها تحرص على إظهار استقلاليتها في المنطقة. وتمتلك إسرائيل علاقات دفاعية وعسكرية قوية مع قبرص بدأت (على نحو مفاجئ) في عهد الرئيس الشيوعي ديميترس خريستوفياس، ولا تزال مستمرة بزخم في عهد قائد الدولة الحالي المحافظ نيكوس أناستاسيادس.
والولايات المتحدة منخرطة حتماً في هذه الشبكة الإقليمية المعقدة، فقد زار نائب الرئيس الأميركي جو بايدن تركيا أخيراً، كما التقى بايدن نتنياهو على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في أواخر كانون الثاني الماضي. وأعلن البيت الأبيض رسميا أن بايدن اتصل بنتنياهو في أواخر شهر كانون الثاني الماضي من أجل مناقشة مساع دبلوماسية بهدف التوصل إلى اتفاق تقارب مع تركيا، فضلا عن القمة الثلاثية في نيقوسيا. والأميركيون مهتمون بحل النزاع الإسرائيلي-التركي ويعتبرون تركيا عاملاً مهماً في حل الأزمة السورية.
والبيان المشترك الذي نشر في نيقوسيا عقب القمة يتناول سبعة مجالات للتعاون: الطاقة، السياحة، الأبحاث والتكنولوجيا، البيئة، المياه، الهجرة، ومكافحة الإرهاب. وسيتم تشكيل لجنة ثلاثية برئاسة المدراء الثلاثة العامين لوزارات الطاقة من أجل بحث إمكانية إنشاء خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى القبرص واليونان.
وتفضل الأطراف الثلاثة تسليط الضوء على التعاون في مجال الطاقة بدلاً من تسليطه على العلاقات العسكرية، ولكن هناك أسئلة أكثر مما هناك أجوبة بالنسبة لصادرات الغاز، إذ لا يقين في إسرائيل بشأن مقدار الغاز الذي سيكون متاحاً، وبشأن إمكان تصدير الغاز، وإلى أية جهة سيُصدّر وبأي وسيلة، والمحادثات مع اليونان وقبرص جارية منذ عدة أعوام دون أن تسفر عن نتائج فعلية. ويمكن أن نتخيل من حيث المبدأ مشروع إقامة خط أنابيب يربط الدول الثلاث، لكن تنفيذ المشروع سيكون شديد التعقيد من الناحية التقنية، وقد تصل كلفته إلى ما يقارب عشرة مليارات دولار.
ومما يعقد الأمر أكثر، الاهتمام الذي تبديه شركات تركية بالغاز الطبيعي الإسرائيلي. ولكن حتى تاريخ كتابة هذه السطور لا تزال مسألة الغاز هذه نظرية. ومن المستحيل التنبؤ بكيفية تطورها أو بمن هو الطرف الذي ستقرر إسرائيل بيع فائض الغاز له، أو إذا ما كانت ستنعم بأي فائض أساساً.
وختمت الدراسة:
من منظور إسرائيلي، تشكل التطورات الأخيرة مع اليونان وقبرص مكسباً للأطراف الثلاثة. فإن تعزيز العلاقات مع الدولتين تنشأ منه كتلة جيو-سياسية جديدة يمكنها إلى هذا الحد أو ذاك، أن تقف في وجه تركيا، ولها أهمية عسكرية وسياسية في آن معاً.