المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
رسم تعبيري. (عن: أكسيوس)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 214
  • برهوم جرايسي

تتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية العالمية، OECD، في تقرير جديد لها، عودة الاقتصاد الإسرائيلي إلى مسار النمو الملموس في العامين الجاري والمقبل، لكن مع ضمان استقرار الأوضاع الجيوسياسية. غير أن التقرير يحذر الحكومة الإسرائيلية من مواطن الضعف في الاقتصادي الإسرائيلي، ومن بينها أنها من أكثر الدول غلاء، كما يقر التقرير بسياسة التمييز ضد المواطنين العرب، والتي تجعلهم متأخرين في مستوى التحصيل العلمي، والانخراط في سوق العمل المتطور. كما أقحمت المنظمة نفسها، في تقريرها، في مسألة فرض الخدمة العسكرية على شبان الحريديم، داعية إلى فرضها، بزعم أن هذا يحفز على الانخراط في سوق العمل.

حيثيات التقرير

وترى منظمة OECD أن نمو الاقتصاد الإسرائيلي في العامين الجاري والمقبل سيشهد انتعاشا، إذ سيسجل هذا العام ارتفاعا بنسبة 3.4%، ونسبة 5.5% في العام المقبل 2026. ويرى المحللون الإسرائيليون أن هذه زيادة كبيرة مقارنة بالتوقعات الأخيرة للمنظمة ذاتها، في شهر كانون الأول الماضي، إذ توقعت نموا بنسبة 2.4% في العام الجاري 2025، ونسبة 4.6% في العام 2026. إلا أن هذا التقدم في التوقعات مشروط بالاستقرار الجيوسياسي الذي سيدعم الاستثمارات (التي تضررت بشدة وفقا للتقرير) وكذلك الاستهلاك الخاص.

إلا أنه بعد صدور تقرير هذه المنظمة العالمية، صدر تقرير لبنك إسرائيل المركزي، توقع فيه أن يسجل الاقتصاد الإسرائيلي في العام الجاري نموا بنسبة 3.5%، وفي العام المقبل 2026 بنسبة 4%، إذ أن توقعات البنك السابقة تحدثت عن 4.5% في العام المقبل.

وتشيد OECD بالظروف الاقتصادية، حتى يوم شن الحرب، بما في ذلك معدل البطالة المنخفض للغاية، ونسبة الديْن إلى الناتج في حدود 60% من الناتج المحلي الإجمالي، والنظام المالي المستعد لاستيعاب الصدمات التي بدأت في تشرين الأول/ أكتوبر 2023. كما تشيد OECD بالسياسة النقدية لبنك إسرائيل، والقصد هنا رفع مستوى الفائدة البنكية، حتى قبل الحرب من أجل كبح التضخم المالي، والتي حافظ خلالها على ثباته ولم يميل إلى البدء في تخفيض الفائدة (باستثناء واحد في مطلع العام الماضي 2024). وتحث OECD على الحفاظ على سياسة نقدية مقيدة، وليس خفض الفائدة. وبحسب التوقعات، من المتوقع أن يرتفع التضخم المالي إلى 3.7% خلال العام الجاري 2025، بعيدا عن هدف استقرار الأسعار الذي حددته الحكومة- 3%.

وكان بنك إسرائيل في تقريره السابق ذكره، في الأسبوع الماضي، قد قرر الإبقاء على الفائدة البنكية الأساسية، وهي بالمجمل 6%، منها 1.5% ثابتة. وبحسب التقديرات الجديدة للبنك، فإنه في الأشهر الـ 12 المقبلة، قد تهبط الفائدة البنكية إلى مستوى 5.5% بالمجمل، بمعنى حتى نهاية آذار العام المقبل، لكن هذه تبقى تقديرات أولية، مرهونة بتحقيق تقديرات تراجع الغلاء، إذ يتوقع البنك أن يسجل التضخم المالي (الغلاء) هذا العام نسبة 2.5%، وفي العام التالي 2026، ستكون في محيط 2.2%، وهما نسبتان تقعان في المجال الذي تطمح له السياسة الاقتصادية الرسمية.

وتتبنى OECD تقديرات المكتب المركزي للإحصاء، وتشير إلى أن العجز في العام الماضي بلغ 8.2% من الناتج المحلي الإجمالي، خلافا لما أعلنته وزارة المالية، بأنه كان 6.9%، ودعت المنظمة لاتخاذ خطوات للجم العجز. إلا أن توقعات OECD للعام 2025 بالنسبة للعجز أكثر تفاؤلا: عجز بنسبة 4.7% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أقل من هدف العجز الذي حددته وزارة المالية، 4.9% من الناتج المحلي الإجمالي، على خلفية التعافي السريع في تحصيل الضرائب.

وتدعو OECD الحكومة الإسرائيلية إلى صياغة خطة مالية موثوقة متعددة السنوات، والتي من شأنها الحد من زيادة العجز في السنوات المقبلة، ثم إعادته إلى المسار التراجعي. ويشير التقرير أيضا إلى أنه لن يكون هناك مفر من زيادة مداخيل الخزينة العامة، بسبب زيادة الإنفاق الحربي، وتأخر البنية التحتية، وانخفاض معدل الإنفاق المدني مقارنة بالدول المتقدمة الأخرى، إذ تحل إسرائيل الثالثة من القاع بعد كوستاريكا وأيرلندا: 31% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بمتوسط ​​41% في دول الغرب.

علاوة على ذلك، يوصي الاقتصاديون في OECD بإلغاء الامتيازات الضريبية، وحتى دراسة إصلاح ضريبي شامل من شأنه توسيع القاعدة الضريبية، أي خلق المزيد من دافعي الضرائب بدلا من رفع معدلات الضرائب. ومع ذلك، فإن خيار رفع معدلات الضرائب ليس مستبعدا أيضا.

تعليم وتشغيل الحريديم والعرب

ويقول الاقتصاديون في OECD، "إن وزن الحريديم في سوق العمل ومستوى إنتاجية الوظائف التي سيحصلون عليها سيكونان متغيرين حاسمين في استمرار مسار نمو الاقتصاد على المدى الطويل". ويشير التقرير إلى وجود فجوات تعليمية ومهنية عميقة بين العرب والحريديم، من جهة، وبين عامة السكان.

على سبيل المثال، لا يكتسب العديد من الحريديم والعرب المهارات الأساسية المطلوبة في الاقتصاد الحديث في جيل المدرسة، مما يحد بشكل كبير من إمكانيات اندماجهم في وظائف جيدة في المستقبل. ومع ذلك، ففي حين أن هذا ينجم لدى الحريديم عن نظام الحوافز السلبي، فإن سبب ذلك في المجتمع العربي هو نقص الميزانيات. وفي هذا تقر OECD بسياسة التمييز ضد العرب، الذين إن تم تسجيل تأخر لديهم في أي جانب من القطاعات، فإن هذا يعود إلى سياسة التمييز القومي، التي تنعكس في عدم المساواة الكبير في رصد الموارد.

ولهذا السبب تختلف التوصيات. ففي ما يتعلق بمجتمع الحريديم، توصي منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، بربط تمويل تلك المدارس بالمنهاج الدراسي الأساسي العام، وفي ما يتعلق بالمجتمع العربي، فإن التوصية هي مساواة ميزانية الطلاب العرب بميزانية الطلاب اليهود. وبحسب التقرير فإن الطالب اليهودي غير المتدين يحصل على ميزانية أقل بنسبة 22% من الطالب في جهاز التعليم الديني الصهيوني (غير الحريدي)، في حين يحصل الطلاب العرب على ميزانية أقل بنسبة 28% من الطلاب المتدينين.

ولا تتعلق التوصيات بالتعليم فحسب، بل بالتوظيف أيضا. وجاء في التقرير أن "التغييرات في السياسات في العامين 2023 و2024 عززت بشكل أساسي الحوافز السلبية للرجال الحريديم للعمل". بحسب التقرير، فإن ميزانية مدارس الحريديم، التي يبقى طلابها خارج القوة العاملة، وهم معفيون من الخدمة العسكرية، زادت بنسبة 50% في العام 2023، وبنسبة 58% في العام 2024.

وبشكل لافت، لربما غير مسبوق، تُقحم OECD نفسها في الجدل الإسرائيلي بشأن فرض الخدمة العسكرية على شبان الحريديم، وتدعو إلى تجنيدهم، إذ ينص التقرير أيضا على أن "الخدمة الإلزامية في الجيش، من المفترض أن تكون قناة قوية لمزيد من الاندماج في سوق العمل من خلال تشكيل شبكة اتصالات خلال هذه الفترة يمكن أن تسهل التوظيف أو بدء عمل تجاري. بالإضافة إلى ذلك، فإن تجنيد اليهود الحريديم يجعل من الممكن إطلاق سراح الكثير من جنود الاحتياط".

كما توصي OECD بزيادة دعم التشغيل في السلطات العربية، بعد تخفيض ميزانية الخطة الخمسية المخصصة للتشغيل في المجتمع العربي بنسبة 15%. ووفقا لحسابات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إذا لم يكن هناك تغيير في السياسة، فسيصل معدل المشاركة في القوة العاملة بحلول العام 2060 إلى 69% فقط (مقارنة بـ 63.5% في العام 2023). وإذا ما قامت الحكومة بتعميق دعمها للسياسات التي تشجع على عدم المشاركة، فإن معدل المشاركة سينخفض ​​حتى إلى أقل من 62%. وهذه فجوة ضخمة لن تغير معدلات الفقر المرتفعة بين الفئتين فحسب، بل ستغير أيضا نمو الاقتصاد بأكمله وقدرة الحكومة على تمويل نفسها.

غلاء المعيشة

يركز التقرير على كلفة المعيشة، التي أصبحت مشكلة اقتصادية كبيرة في إسرائيل. وتظل سلة الاستهلاك الإسرائيلية هي ثالث أغلى سلة استهلاك في دول منظمة OECD، وهي بالفعل أغلى بنسبة 40% من المتوسط. ووجدت المنظمة أن مستوى الأسعار في إسرائيل أعلى من المتوقع وفقا لمستوى الناتج المحلي الإجمالي للفرد. ويظهر أيضا أن كلفة المعيشة تؤثر بشكل رئيس على الطبقة المتوسطة الدنيا والطبقات الأضعف.

ووفقا للبيانات، تنفق الأسر في الشريحة العشرية الدنيا كل دخلها الصافي تقريبا على الاحتياجات الأساسية: الغذاء والسكن والنقل؛ في حين أن حوالي 40% فقط من الدخل في الشريحة العشرية العليا مخصص للمنتجات الأساسية والباقي للمدخرات والكماليات.

ويستعرض التقرير عدة عوامل معمقة لتكلفة المعيشة في إسرائيل. أولا، العوائق أمام المنافسة والواردات: إسرائيل اقتصاد صغير ذو سوق محلية محدودة، والقدرة على الاعتماد على الواردات لخفض الأسعار غالبا ما تواجه صعوبات. بعضها "بنيوي" مثل الأسباب الجيوسياسية بما في ذلك العلاقات المحدودة مع جيرانها والتي تجعل التجارة الإقليمية صعبة (يتم تسليط الضوء على توسيع اتفاقيات أبراهام كفرصة لخفض تكاليف المعيشة)، ولكن بعضها نتيجة لسياسة متعمدة لحماية المنتج محليا.

وعلى الرغم من إجراء عدد من الإصلاحات في العقد الماضي لخفض التعريفات الجمركية، على سبيل المثال، تم إلغاء بعض التعريفات الجمركية على الجبن الصلب والبيض ومنتجات الزينة، إلا أن العديد من المنتجات الزراعية لا تزال تستفيد من تدابير الحماية العالية مثل حصص الاستيراد أو التنظيم الفريد الذي يجعل المنافسة من الخارج صعبة.

مستوى الفساد عال

ووفقا للتقرير، فإن مستوى الفساد في إسرائيل مرتفع في كل المعايير، مقارنة بمتوسط ​​منظمة OECD، باستثناء فئة واحدة: النظام القضائي. أكبر فجوة هي في الفساد في الحكومة. ونظرة عامة على البيانات تظهر أن مستوى الفساد في إسرائيل مماثل لمتوسط دول OECD. ومع ذلك، توصي المنظمة إسرائيل بمواصلة تعزيز آليات الشفافية والرقابة وضمان التطبيق الصارم للقواعد الأخلاقية وإنفاذ اتفاقيات تضارب المصالح في النظام العام.

المحللون الإسرائيليون يحذّرون

يقول المحلل الاقتصادي أدريان بايلوت، في مقاله في صحيفة "كالكاليست"، إنه "بعد عام حافل بالاضطرابات الأمنية والاقتصادية، يرسم تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، الذي يصدر كل سنتين حول الاقتصاد الإسرائيلي، مرة أخرى، صورة مختلطة. فمن ناحية، يصف التقرير اقتصادا يُظهر مرونة مذهلة، وتمكن من النجاة من أشد صدمة جيوسياسية منذ تأسيس الدولة من دون أن ينهار. من ناحية أخرى، يحذّر التقرير من أن الضغوط تتراكم وتتزايد تحت السطح على كافة الجبهات: تضخم مالي يهدد بالتفاقم، وعجز في الميزانيات التي قفزت بشكل حاد، ولم تتم معالجتها بشكل صحيح. وتتفاقم هذه المشاكل بسبب الفوارق الهيكلية مثل انخفاض المشاركة في سوق العمل بين الأقليات، بمن في ذلك اليهود المتشددون. ويدعو التقرير إلى إجراء إصلاحات هيكلية لضمان استدامة النمو من دون إغفال أي مجموعة".

وتقول المحللة الاقتصادية ميراف أرلوزوروف، في مقالها في صحيفة "ذي ماركر"، إن "كل توصيات OECD، على مر السنين، لم يتم تنفيذها، فرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وعد في الماضي بجعل إسرائيل واحدة من الـ 15 دولة الأكثر تقدما في العالم، إلا أنه يسير بها بعبقرية وبأعين مفتوحة نحو الإفلاس الاقتصادي".

وتابعت: "اليوم، عندما ينشغل رئيس الحكومة بالقول إن مؤسسات دولة إسرائيل هي الدولة العميقة، التي تُجري تحقيقات سياسية ضده، وعندما يبذل كل جهد لضمان استمرار بقاء شبان الحريديم في المدارس الدينية، وقبول أولادهم في مراكز الرعاية النهارية حتى بدون عمل، وتجنب التجنيد الإجباري، فإن هذه التوصيات ليس لها أي وزن. فمنظمة OECD تكتب على الحائط ولا يوجد أحد على الجانب الآخر يستمع، بل على العكس".

ويقول المحلل يوني بن بسات، في مقال في صحيفة "كالكاليست"، إن "إحدى الفجوات الهيكلية الأكثر لفتاً للانتباه بين إسرائيل ودول منظمة OECD، تكمن في نطاق الإنفاق العام المدني، أي استثمار الدولة في خدمات مثل الصحة والرفاه الاجتماعي، والمواصلات، والتعليم، والبيئة". ويقول بن بسات إن معدي التقرير يشيرون إلى فجوة إسرائيل غير العادية عن متوسط ​​دول OECD في الصرف إذ أن 31% من الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل يصرف على هذه الجوانب، مقارنة بمتوسط ​​41.2% في OECD، بمعنى فجوة ضخمة تبلغ 10.2% من الناتج المحلي الإجمالي. وهذه فجوة ليست رقمية فحسب، بل إنها ملموسة، ويمكن الشعور بها جيدا في الواقع اليومي لمواطني إسرائيل. و"هذه هي الفجوة التي شعرنا بها جميعاً مساء يوم 7 أكتوبر، عندما فشلت الدولة في توفير استجابة نظامية ووظيفية وحمائية أثناء حالة الطوارئ الوطنية".

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات