رام الله: صدر حديثاً عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" عدد جديد من سلسلة "أوراق إسرائيلية" الالكترونية تحت عنوان "هرتسل، الصهيونية والدولة اليهودية"، أعدها وقدّم لها أنطوان شلحت.
وتضم هذه الورقة مقالتين مترجمتين تتناولان مسألتين متصلتين من ناحيتي المبنى والمعنى.
المقالة الأولى ليورام حزوني (هرتسل أراد "دولة يهودية" لا "دولة اليهود") يحاجج كاتبها بأن مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هرتسل أراد تأسيس "دولة يهودية" لا "دولة يهود" مع كل ما يعنيه المصطلح الأول من دلالات ترتبط أساساً بعلاقة الصهيونية بالديانة اليهودية. وهو يعني بمحاججته، أكثر من أي شيء آخر، تفنيد رأي يتبناه كثيرون ويحاولون من خلاله تفادي وصف إسرائيل بأنها "دولة يهودية"، ويؤثرون استخدام المصطلح الحيادي "دولة اليهود". ويوحي هذا التفضيل بأن الوصف الأفضل لإسرائيل، كحقيقة، هو أنها دولة يشكل اليهود فيها الأغلبية.
والخلاصة التي يتوصل إليها هي أن الادعاء بأن هرتسل لم يكن يقصد إقامة دولة يهودية، وإنما "دولة يهود" محايدة فقط، بعيد جداً عن أن يكون مسألة أكاديمية عبثية، بل إنه جزء من جهد أيديولوجي متواصل لنزع الشرعية عن فكرة الدولة اليهودية بكونها الفكرة المؤسِّسة لدولة إسرائيل.
والأمر الذي لا يقل أهمية هو أن هرتسل كان يرفض صراحة دولة المواطنين التي تحدث عنها جان جاك روسو (ما يطلق عليه اليوم "دولة جميع مواطنيها")، بادعاء أن الدولة، أي دولة، لا تكتسب الشرعية السياسية والأخلاقية من عقد اجتماعي يقام بين جميع مواطنيها.
المقالة الثانية لعينات رامون (الصهيونية ليست منفصلة عن اليهودية وإنما منضفرة فيها) تتطرّق هي أيضاً في مستهلها إلى موقف هرتسل من اليهودية، والذي اتسم بمقاربة تنظر بإيجابية إلى تحالف اليهود من شتى الفئات المختلفة، والمستعدة بالتالي لإيجاد تسويات سياسية يهودية داخلية في قضايا الدين والقومية، لكنها في الوقت عينه تؤكد أن هذه المقاربة لم تكن حكراً على هرتسل وحده، بل إنها تميّز الفكر الصهيوني على اختلاف مشاربه وأجياله.. جاءت الصهيونية لتقول إن ما يوحد اليهود العلمانيين والإصلاحيين والحريديم (المتشددون دينياً) من المذاهب الأخرى أكثر بكثير مما يفرقهم، وإن التسويات المؤلمة من أجل الحياة المشتركة ممكنة ومرغوب فيها، بل وحتى ضرورية.
وتشير الكاتبة إلى أن السجالات والدراسات العديدة تقرّ بموقف زعماء ومفكرين من المعسكر الديني المتشدّد، وفي مقدمهم الحاخام أبراهام إسحاق هكوهين كوك، في تأييد الشراكة والتعاون في المشروع الصهيوني، بالرغم من أن يهوداً غير ملتزمين بالشعائر الدينية، بل وغير مؤمنين بقدسية التوراة أيضاً، كانوا ضالعين فيه. ولكن لم يحظ إلا بقليل اهتمام الموقف الموازي، الذي صدر عن زعماء الصهيونية العلمانيين ودعا إلى تفضيل الشراكة مع اليهودية الأرثوذكسية على التمسك بوجهة النظر التي اعتبرت أن خلاص اليهود مرهون بإصلاح ديني شامل أو بالتحرّر التام من الدين.
وهي تركز في المقالة على هذا الحسم التاريخي وإسقاطاته، وهو الحسم الذي اعتمده المبشرون بالصهيونية وتبناه زعماؤها في السنوات اللاحقة.
وجاء في تقديم الورقة: وارتباطاً بهاتين المقالتين، وعلى سبيل توسيع الدائرة، يمكن أن نضيف أنه ما عاد مخفيّاً أنه في إطار سعي اليمين الإسرائيلي الجديد وقواه المتنوعة لتكريس هيمنته تتواتر في العقد الأخير الإجراءات الرامية إلى ضبط الثقافة السياسية للمجتمع الإسرائيلي بصفتها ثقافة استيطانية مرتبطة بالدوافع المسيانية، إلى جانب محاولات ترسيخ نظرته الأيديولوجية حيال الصهيونية، وقمع أي مظهر مُناهض أو حتى مغاير لهذه النظرة.
أخيراً لا بُدّ من أن أشير إلى أن هاتين المقالتين نشرتا قبل قيام الكنيست الإسرائيلي يوم 19 تموز 2018، بسنّ "قانون القومية الإسرائيلي" بصورة نهائية، والذي يعرّف إسرائيل بأنها "الوطن القومي للشعب اليهودي، الذي يمارس فيه حقوقه الطبيعية والثقافية والدينية والتاريخية لتقرير المصير".
وليس بغير دلالة أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قال، عقب المصادقة على القانون، إنه بعد 122 عاماً من نشر هرتسل رؤيته، تحدّد في القانون مبدأ أساس لوجود إسرائيل، هو كونها الدولة القومية للشعب اليهودي، حسبما كان يريد.
المصطلحات المستخدمة:
الصهيونية, دولة اليهود, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو