تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 2749

تعتبر شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي ("أمان") مسؤولة عن تقديم تصورات للواقع العسكري والتحديات الاستراتيجية على المدى القريب، ولا سيّما من الناحية الأمنية العسكرية، فهي تشكل الذراع الاستخباراتي للجيش والمؤسسة العسكرية، فضلاً عن أنها تقدم تصوراتها وتقاريرها إلى لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست.

وتشمل تقارير الشعبة أيضاً توقعات وتقديرات ذات طابع سياسي، تتعلق باستقرار أنظمة الحكم في المنطقة وبتحولات سياسية على المدى القريب.

ويتطرق التقرير السنوي التي تصدره الشعبة إلى محاور وقضايا مختلفة. وجاء التقرير الحالي للعام 2020 الذي صدر أخيراً على ضوء أحداث مهمة في منطقة الشرق الأوسط تتعلق بما يلي:

أولاً، استمرار الانسحاب الإيراني التدريجي من الاتفاق النووي، وذلك كجزء من الضغط الذي تمارسه طهران على الدول الكبرى بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية من أجل العودة إلى الاتفاق الأساسي أو التوقيع على اتفاق جديد يزيل العقوبات الاقتصادية عنها. وفي هذا السياق يمكن الاستنتاج من تقرير "أمان" أن إسرائيل لا تزال تنظر إلى إيران ومشروعها النووي ومحاولات تموضعها في المنطقة باعتبارها التحدي الأمني الأساسي لها في العام 2020.

ثانياً، اغتيال قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، بضربة جوية أميركية في العراق، وتداعيات ذلك على المنطقة، وعلى التوتر الإيراني- الأميركي، وبالأساس على إسرائيل، حيث تعتبر المؤسسة الأمنية أن هذا الاغتيال يحمل فرصة لإخراج إيران من سورية، وفي نفس الوقت ينذر باحتمال اندلاع حرب بين إسرائيل وبين إيران عبر سورية أو لبنان أو قطاع غزة، حيث يؤكد التقرير أن إيران وحلفاءها لن يستمروا في سياسة الاحتواء التي كانت في السابق، في ردهم على الهجمات الاسرائيلية المتكررة.

ثالثاً، هدوء الجبهة الجنوبية لإسرائيل، أي العلاقة مع قطاع غزة، وإمكانية توقيع صيغة تهدئة لسنوات مع حركة "حماس" حيث يشير التقرير إلى أن هذه الحركة معنية بهذه التهدئة، ولكنها غير مسيطرة تمام على باقي الفصائل في القطاع.

رابعاً، استمرار الهجمات التي تشنها إسرائيل على سورية وتوسعها لتشمل أيضاً شن هجمات في العراق على مواقع إيرانية أو مواقع ميليشيات تابعة لإيران. ويوصي التقرير بتعزيز هذه الهجمات، وذلك على الرغم من أنه يتوقع بدرجة عالية أن تؤدي إلى اندلاع حرب لأن إيران لن تستمر في احتواء هذه الهجمات.
خامساً، تصعيد التدخل العسكري الخارجي في المنطقة وتشعبه، لا سيما في سورية وليبيا والعراق واليمن، وكان آخرها اتفاق التعاون العسكري بين تركيا وليبيا. لذلك ولأول مرة يدرج تقرير شعبة الاستخبارات تركيا على قائمة أعداء إسرائيل، وهي مقولة مهمة بالنسبة إلى مستقبل العلاقات بين البلدين في الفترة القادمة.

ويشير التقرير الذي أعدته شعبة "أمان" برئاسة الجنرال تمير هايمان، إلى أن هناك توقعاً ضئيلاً بنشوب حرب مخططة العام 2020، والمقصود بحرب مخططة أي حرب لا تندلع من جراء تراكم أحداث أو تصعيد تدريجي في احدى الجبهات، وإنما حرب يبادر لها أحد الأطراف من دون تراكم أحداث مباشرة تؤدي لها. ويؤكد التقرير مع ذلك أن هناك إمكانية متوسطة حتى مرتفعة للحفاظ على معادلة الرد في الجبهة الشمالية، وما تقصده الشعبة هو ما يحدث الآن من رد ورد فعل على الجبهة الشمالية، ولكنها تشير إلى أن هذه المعادلة قد تؤدي في النهاية إلى اندلاع حرب على هذه الجبهة. بكلمات أخرى يلمح التقرير بأنه إذا ما استمرت إسرائيل في هجماتها في سورية ولبنان، فإن الطرف الآخر سوف يرد بالضرورة، ولن يقبل بأن يحتوي الأحداث.

في هذا السياق يؤكد التقرير أن اغتيال قاسم سليماني هو "حدث كابح" للإيرانيين على المدى القريب، وحدث إيجابي لإسرائيل. ولذلك فإن شعبة الاستخبارات توصي القيادة السياسية الإسرائيلية بتعزيز الهجمات ضد التواجد الإيراني في سورية خلال العام 2020 من أجل منع إيران من التموضع في سورية، كما يؤكد أن على إسرائيل استغلال مقتل سليماني من أجل إخراج إيران نهائيا من سورية. وإلى جانب ذلك يقترح التقرير تعزيز مراقبة النشاط النووي الإيراني داخل إيران خلال العام 2020.

إيران

ذكر تقدير الموقف السنوي لشعبة "أمان" أن إيران تقوم بفحص جديد لسياساتها في الشرق الأوسط بعد اغتيال سليماني، حيث أن البديل لسليماني لا يملك الصفات الكاريزمية التي تمتع بها سلفه، وهذا الأمر، حسب التقرير، سوف يعزز من مكانة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في السياسة الإيرانية في الشرق الأوسط. وإلى جانب ذلك يشير التقرير إلى أن إيران ستتمكن من صنع قنبلة نووية ورؤوس حربية خلال عامين، إذا ما أرادت ذلك، وعززت من مشروعها النووي إلى حدوده القصوى.

وتقدر شعبة الاستخبارات بأن إيران تحاول أن تقوم بعملية في "العمق" الإسرائيلي من خلال دعم منظمات فلسطينية، وعلى رأسها الجهاد الاسلامي في قطاع غزة، وذلك من خلال الدعم والتخطيط الذي يقوم به "فيلق القدس" الإيراني حيث يدير هذا المشروع سعيد عيزادي، رئيس قطاع فلسطين في الفيلق. بالإضافة إلى ذلك فإن إيران تريد تحضير الجولان والحدود اللبنانية كحيز تقوم من خلاله بالهجوم على إسرائيل، كما أنها تحاول بناء قواعد وسيطة ولوجستية في العراق واليمن، بحيث تكون إيران بذاتها العمق الاستراتيجي والصناعي لهذه القواعد. ويوضح التقرير أن المشروع النووي الإيراني هو الوسيلة لنشر فكرة الثورة الإيرانية، وفي نفس الوقت وسيلة للدفاع عن النظام الإيراني.

ويذكر تقدير "أمان" أن إيران ستتمكن خلال الشتاء المقبل، إذا ما قامت بتسريع نشاطاتها في هذا الخصوص، من تجميع احتياطات يورانيوم كافية لصنع قنابل نووية خاصة بها، وستحتاج إلى عام آخر لتصنيع القنبلة. في المقابل، اعتبر أن الإيرانيين ما زالوا مهتمين بالالتزام بالاتفاق النووي، وأن الغرض من الانتهاكات أو خفض التزاماتهم بموجب الاتفاق الموقع العام 2015، هو تجميع أوراق ضغط للمساومة بهدف تحسين موقفهم في اتفاق جديد.

بحسب "أمان"، فإن عام 2020 سيكون عام القرارات الصعبة بالنسبة إلى النظام الإيراني، في ظل القرارات التي يجب أن يتخذها وتتعلق بمواصلة المشروع النووي، والأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، بالإضافة إلى مشروع التمركز العسكري في سورية، بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية الإيرانية المرتقبة.

ويوضح التقرير أن المحور الشيعي الإيراني هو الخطر أو التحدي الذي يواجه إسرائيل في العام 2020، في نفس الوقت يوضح أن إيران تواجه أزمة اقتصادية كبيرة جدا، لعدة أسباب بينها تراجع بيع النفط الإيراني من 2.8 مليون برميل نفط إلى 300-400 ألف برميل. وهذا يضع إيران في المرحلة الأكثر تحديا في تاريخ النظام الحالي، حيث أن اهتمام الإيرانيين بالمذهب الشيعي (يسميه التقرير "دين") تراجع، كما أنه بعد يومين من اغتيال سليماني تحولت المظاهرات من مسيرات إلى تمزيق صور سليماني في الشوارع، كما ارتفع سعر الغذاء ضعفين.

تركيا

يسود توتر العلاقات التركية- الإسرائيلية منذ أعوام طويلة، وتحديدا منذ حادثة سفينة مرمرة، وقد فشلت كل المحاولات لإرجاع هذه العلاقات إلى سابق عهدها حتى بعد توقيع اتفاق "المصالحة" بين تركيا وإسرائيل وقيام هذه الأخيرة بدفع تعويضات لقتلى السفينة، ويمكن القول إنه ما عدا العلاقات الاقتصادية فإن العلاقات بين الطرفين هي في حالة توتر مستمر، غير أن تركيا من جهة أخرى تلعب دورا متزايدا في الأعوام الأخيرة في الساحة الإقليمية، وصل ذروته في تدخلها العسكري في سورية وليبيا، كما حمّلت أجهزة الأمن الإسرائيلية تركيا مسؤولية عن قيام حركة "حماس" بتنظيم عمليات عسكرية ضد إسرائيل من داخل أراضيها.

واعتبرت شعبة الاستخبارات أن تركيا أصبحت ضمن قائمة التهديدات، بادعاء "تزايد عدوانيتها في المنطقة"، وهذه المرة الأولى التي تضيف "أمان" تركيا إلى هذه القائمة. وبحسب تقييم "أمان"، فإن الجيش لا يرى احتمالا لاندلاع مواجهة مباشرة مع تركيا في العام 2020، لكن سياسة تركيا "المتزمتة في المنطقة جعلت منها واحدة من أكبر المخاطر التي يجب مراقبتها هذا العام".

غير أن التقرير لم يوضح أي تهديد محدد من جانب تركيا تجاه إسرائيل، وإنما أشار إلى تقارب بين حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان وبين حركة الإخوان المسلمين، واعتبر أن السياسات التي يتبعها أردوغان تسببت بالقلق الإسرائيلي.

وفيما أشار تقرير "أمان" إلى العمليات العسكرية التركية في سورية، عبر عن قلق إسرائيل من إنشاء خط أنابيب غاز إلى ليبيا، واعتبر أن من شأن ذلك أن ينتهك المياه الإقليمية لليونان حليفة إسرائيل. وكان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قد عبر عن استيائه من إعلان تركيا عن منطقة بحرية تابعة لتركيا وليبيا، واعتبر أن من شأنها منع تطلعات إسرائيل إلى مد أنبوب غاز إلى أوروبا، كونه يجب أن يمر بالمياه الإقليمية التركية.

يؤكد التقرير، إذن، أن تركيا لم تعد دولة إقليمية بعيدة عن التأثير على النظرة الاستراتيجية لإسرائيل في المنطقة بل أصبحت دولة مهمة في لعب دور قد يضر بالمصالح الإسرائيلية على المستوى الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي والأمني.

الحالة الفلسطينية

وفي ما يتعلق بالفلسطينيين، قالت شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية إن "هناك انخفاضاً" في حجم عمليات المقاومة التي ينفذها الفلسطينيون في الضفة الغربية المحتلة، فيما قدّرت أن "تواصل السلطة الفلسطينية حملتها السياسية ضد إسرائيل في المحافل الدولية" غير أن ذلك سيتم، وفقاً لما تؤكده، "بحذر ودون تحطيم جميع الأدوات" مع الإبقاء على خط رجعة.

ومع ذلك، لا تستبعد شعبة الاستخبارات الإسرائيلية أنه في حالة إجراء الانتخابات الفلسطينية المرتقبة، قد تتفاجأ السلطة الفلسطينية بالنتائج في الضفة الغربية، حيث قدّرت أن يزداد دعم حركة "حماس" في هذه الأراضي.

وفي ما يتعلق بقطاع غزة المحاصر، اعتبرت أن جيش الاحتلال الإسرائيلي نجح في ردع حركة "حماس"، التي تتمسك بالتسوية، لكنها تقف أمام تحديات من وصفتهم بـ"الفصائل المارقة"، غير أنها اعتبرت أن "حماس" تواصل تعزيز قوتها، وهي جاهزة لإدارة قتال في مواجهة إسرائيل قد يستمر لأيام. في المقابل، اعتبرت أن حركة "حماس" حذرة من التصعيد الذي قد يؤدي إلى حملة عسكرية واسعة، وذكرت أن الحركة "سوف تواصل جهود التهدئة طالما تراها مفيدة لبقائها واستمرارها في السيطرة على قطاع غزة".

تحليلات

أكدت التحليلات الإسرائيلية التي تناولت التقرير السنوي لشعبة الاستخبارات العسكرية أن ما ورد فيه من تقديرات وتقييمات لا تختلف بصورة جوهرية عن تقديرات العامين الأخيرين، كما كتب مثلاً المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل.

ورأى هرئيل أن التجديد الأبرز يكمن في ملاحظتين تنطويان على تحفظين:

الأولى، أنهم في شعبة الاستخبارات يعترفون بأنه حسب وتيرة الأحداث الحالية في المنطقة، وخاصة الوتيرة المتسارعة التي يتطور فيها التصعيد فإن التفاخر بتوفير تنبؤ دقيق يتحول إلى أمر مرفوض بل مستحيل والتقدير على الأكثر هو قراءة توجه عام.

والثانية، أنه فيما يتعلق بسلوك الجمهور في الدول المجاورة وفي وضعها الاقتصادي فإن التنبؤ مقلص بصورة خاصة. وهذا ما أثبتته على سبيل المثال التذبذبات الأخيرة في الاحتجاجات في إيران، أو تبدد التقديرات المسبقة بشأن انهيار سورية الاقتصادي، وبدرجة ما الاقتصاد الإيراني.

وهذا هو ما أشار إليه المحلل العسكري لصحيفة "معاريف" طال ليف- رام، الذي كتب أن المسؤولين في شعبة "أمان" يحذرون من أنه في العالم المتغيّر بوتيرة هائلة لا يدور الحديث حول نبوءة للعام القريب إنما حول انعكاس لصورة الأوضاع في الوقت الحالي ومن المحتمل أن تتغيّر بسرعة، كما حدث مؤخراً عندما فاجأ رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب بقرار اغتيال قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني. وبرأيه فإن التغيير الكبير وفقاً لتقييم شعبة الاستخبارات هذا العام يتعلق بحجم التطورات غير المتوقعة في المنطقة والآخذ بالازدياد بسبب الصعوبة في تقدير شكل سلوك الدولة الأقوى في العالم وجوهر سياستها في المنطقة.

وقال المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" أليكس فيشمان إنه حين تقرر شعبة الاستخبارات أن هناك احتمالاً متدنياً للحرب في العام القريب كنتيجة لمبادرة من العدو، فهذا لا يعني أنه لن تكون حرب. وأضاف: "إن حارتنا غير مستقرة ومتأثرة بسلسلة متغيرات، بدءاً بالانتخابات في الولايات المتحدة وانتهاء بصراعات القوى في العراق، لدرجة أن مواجهة عسكرية يمكن أن تنشب في كل نقطة زمنية نتيجة لشرارة غير متوقعة".

ويعتقد ليف- رام أنه إلى جانب مركزية إيران في تقييم الأوضاع الاستخباراتية، باعتبارها المسبب الرئيسي لعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، فإن الاحتمال الأكبر لاندلاع حرب هذا العام مرتبط أكثر من أي شيء آخر بتطور أي أحداث عملانية بين إسرائيل وحزب الله. وبناء على ذلك فإن التهديد الأكثر خطورة بالنسبة إلى إسرائيل في المدى الزمني القصير يأتي من طرف حزب الله، الذي يواصل تعاظمه العسكري والسياسي في لبنان.