تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 2507
  • انطوان شلحت

صادق مجلس أمناء الوكالة اليهودية بالإجماع، يوم الأحد (24/6/2018)، على تعيين رئيس المعارضة عضو الكنيست إسحاق هيرتسوغ (من تحالف "المعسكر الصهيوني") رئيساً للوكالة اليهودية خلفا لنتان شيرانسكي، الذي أشغل هذا المنصب خلال الأعوام التسعة الفائتة.

 

وقال عدد من أعضاء مجلس الأمناء إن مقربين من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مارسوا الضغوط عليهم لتأجيل التصويت لمدة شهر.
ومن المتوقع أن يتولى هيرتسوغ، الذي سيتعين عليه التخلي عن مقعده في الكنيست، منصبه في وقت لاحق من الصيف القريب. ومن غير الواضح حالياً من الذي سيحل محله كزعيم للمعارضة البرلمانية، في الفاتح من شهر آب المقبل.

وكان نتنياهو راغباً بأن يتولى وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينيتس من حزب الليكود، المُقرّب منه، هذا المنصب، لكن تسعة من أصل عشرة أعضاء في لجنة الترشيح للمنصب صوتوا لصالح هيرتسوغ وأوصوا بتعيينه.

وذكر رئيس المنظمة الصهيونية العالمية، أبراهام دوفدفاني، الذي ترأس لجنة الترشيح المذكورة، أنه وأعضاء اللجنة بحثوا عن بديل لشيرانسكي لمدة عام ونصف عام تقريباً، وتم التشاور مع نتنياهو في مراحل مختلفة، وأخذوا في الاعتبار المرشحين الذين اقترحهم. وأضاف أن هيرتسوغ كان مفضلاً لدى الوكالة لفترة طويلة.

وأشارت عدة تحليلات في الصحافة الإسرائيلية إلى أنه بتجاهل رغبات رئيس الحكومة، في ما يتعلق بهذا الاختيار، اتخذت الوكالة اليهودية خطوة نادرة جدا. وقالت إن قيادتها تحدّت في السابق مرة واحدة فقط رغبة رئيس الحكومة وانتخبت مرشحاً آخر رئيساً لها.

وقالت مصادر في الوكالة اليهودية لوسائل إعلام إسرائيلية إن اختيار هيرتسوغ يمكن تأطيره كرد فعل على تصرفات الحكومة الإسرائيلية التي أغضبت يهود الشتات، ويبرز في مقدمها انسحاب نتنياهو من قرار اتخذ في العام 2016 بشأن الصلاة التعددية في حائط المبكى (البراق) في القدس.

وسعى نتنياهو، الأسبوع الفائت، إلى منع ترشيح هيرتسوغ، على الرغم من دعم تسعة من أعضاء اللجنة العشرة له. وبعد إعلان الترشيح، ألغى نتنياهو اجتماعاً مع زعماء اليهود في الشتات ورؤساء الوكالة اليهودية، كان من المقرر عقده في بداية الأسبوع الحالي.

وقالت تقارير صحافية إنه عندما التقى أعضاء اللجنة مع نتنياهو ليقدموا له توصياتهم، قام رئيس الحكومة بتوبيخهم بسبب فشلهم في مقابلة شتاينيتس، المرشح المفضل لديه، وطلب منهم الاجتماع معه قبل تقديم توصياتهم النهائية. واجتمعت اللجنة مع شتاينيتس، لكن بعد ذلك بوقت قصير أعلنت أنها اختارت هيرتسوغ.

هيرتسوغ: "الشعب اليهودي أمام مفترق طرق"!

فور انتخابه قال هيرتسوغ: "أقول للحكومة ولرئيس الحكومة إننا سنعمل معا بتعاون كامل. لقد سبق للحاخام نحمان من براتسلاف أن قال إن العالم كله هو جسر ضيق للغاية، لكن لا ينبغي لأحد أن يخاف من محاولة عبوره. العالم عبارة عن جسر صغير جدا. والوكالة اليهودية بالنسبة لي هي الجسر الضيق الذي يربط بين دولة إسرائيل والشعب اليهودي أينما كانوا. إن هذا الجسر هو الذي أوجد دولة إسرائيل، والذي جلب الملايين من اليهود إلى دولة إسرائيل، ويجب أن يواجه هذا الجسر الآن التحديات الكبرى التي تواجه شعبنا".

وأضاف هيرتسوغ أن الشعب اليهودي في مفترق طرق، مشيراً على الأرجح إلى الصدع المتسع بين اليهود في إسرائيل والشتات، وخاصة فيما يتعلق بحائط المبكى، ورفض إسرائيل الاعتراف رسمياً بالتيارات غير الأرثوذكسية لليهودية.

وأكد هيرتسوغ "علينا بذل كل ما في وسعنا لتوحيد الشعب اليهودي والتأكد من أنه غير منقسم ومنفصل. علينا أن نعزز مركزية إسرائيل في قلب كل يهودي، وخاصة الأجيال الشابة، وأن نعمل من أجل محاربة حركة المقاطعة، ومن أجل التثقيف والاتصال والترويج للهجرة، وجلب المزيد من اليهود إلى إسرائيل. إن اليهودي هو يهودي، ولا يهم أي تيار ينتمي إليه أو ما يلبسه على رأسه. نحن جميعا شعب واحد، وهذا ما نحتاج إلى القيام به للحفاظ على القصة العظيمة لليهود وتعزيزها، والقصة العظيمة لدولة إسرائيل التي هي نبض القلب للشعب اليهودي".

تجدر الإشارة إلى أنه في العام 2016 علّقت الحكومة قراراً يقضي بضمان الصلاة التعددية الدائمة لغير اليهود الأرثوذكس في حائط المبكى، بسبب الضغوط من طرف زعماء أحزاب الحريديم. وأدى ذلك إلى أزمة مريرة في العلاقات بين إسرائيل والشتات، حيث قال العديد من ممثلي اليهود العالميين إنهم "شعروا بالخيانة من جانب الدولة اليهودية".

وكان هذا القرار جزءاً من اتفاقية تم التوصل إليها في كانون الثاني 2016، ووافقت عليها الحكومة بعد أربعة أعوام من المفاوضات، والتزمت الحكومة بموجب ذلك بتجديد ساحة للصلاة في حائط المبكى يمكن فيها للرجال والنساء من التيارات اليهودية غير الأرثوذكسية أن يصلوا معا. لكن في شهر حزيران من ذلك العام، وبعد أن بدأت بعض الأصوات الدينية المتشددة بانتقاد الاتفاقية، صوتت الحكومة على تأجيلها، وتراجعت بذلك عما كان يُنظر إليه بأنه درجة من الاعتراف بتيار اليهودية غير الأرثوذكسية.

تباين كبير في شؤون الدين اليهودي وفي المحاور السياسية

من ناحية أخرى أبرزت نتائج استطلاعين متوازيين، أجريا في إسرائيل وبين أوساط اليهود في الولايات المتحدة، تباينا كبيرا في شؤون الدين اليهودي، وكذلك في المحاور السياسية التي تشغل بال الجميع في الوقت الحالي.

وفيما يتعلق بالشؤون الدينية، أظهر الاستطلاعان مثلاً أن 80% من يهود الولايات المتحدة يؤيدون الزواج المدني، بينما أعلن 55% فقط من يهود إسرائيل أنهم يؤيدون مثل هذا الزواج.
ومن نتائج الاستطلاعين أن 80% من اليهود الإسرائيليين يدعمون سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في إدارة العلاقات الأميركية مع إسرائيل، علاوة على أن 85% من اليهود الإسرائيليين يؤيدون خطوة نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، في حين أن 57% من اليهود الأميركيين فقط يؤيدون طريقة ترامب في إدارة العلاقات الأميركية مع إسرائيل، فيما عارض 46% منهم نقل السفارة الأميركية. وبينما يؤيد 44% من اليهود الإسرائيليين حل الدولتين للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، فإن 59% من اليهود الأميركيين يؤيدون هذا الحل.

ويرى 68% من اليهود الإسرائيليين أن على يهود الولايات المتحدة الكف عن التأثير على سياسة إسرائيل.

ويعتقد 15% من اليهود الإسرائيليين و19% من اليهود الأميركيين أن العلاقات بين يهود كلتا الدولتين ستتراجع في الأعوام الخمسة المقبلة.

ووفقاً لنتائج الاستطلاعين كذلك، يرى 80% من اليهود الإسرائيليين أن العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين ستبقى على حالها الحالي أو قد تشهد تراجعاً أكثر خلال الأعوام الخمسة المقبلة.

وأجري هذان الاستطلاعان المتوازيان عشية افتتاح المؤتمر السنوي للجنة اليهودية - الأميركية AJC، الذي عقد في أواسط حزيران الحالي في القدس.

وأجري الاستطلاع الأول في إسرائيل من طرف معهد "جيوكارتوغرافيا" هاتفيا خلال شهر أيار وسط مجموعة مؤلفة من 1000 يهودي إسرائيلي بالغ من كل الفئات. وأجري الاستطلاع الموازي وسط يهود الولايات المتحدة من طرف معهد SSRS هاتفيا كذلك في شهر أيار وسط مجموعة مؤلفة من 1001 شخص بالغ.
وقال معدو الاستطلاعين إنه في الوقت الذي تتعزز فيه العلاقات بين زعيمي الدولتين دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو، يبدو أن الشرخ بين يهود الولايات المتحدة وإسرائيل آخذ بالازدياد. وأضافوا أن نتائج الاستطلاعين أظهرت أنه على الرغم من الاحتضان الحار من جهة ترامب لإسرائيل، ما أدى إلى انطباع بأن العلاقات بين الدولتين أصبحت أفضل من الماضي، فإن يهود الولايات المتحدة يبتعدون عن إسرائيل تحديداً.

وقالت أفيتال ليبوفيتش، المديرة العامة للمنظمة اليهودية- الأميركية AJC في إسرائيل، إن نتيجة الاستطلاعين واضحة، وتشير إلى أن هناك عدم إجماع بين اليهود في إسرائيل والولايات المتحدة فيما يتعلق بعدد من القضايا الأساسية. وأضافت "هناك جزء كبير آخذ بالازدياد بين أوساط الجيل الشاب في الولايات المتحدة يشعر أن دولة إسرائيل باتت لا تمثل قيمه. ويشهد هذا الوضع على أن مستقبل الدعم اليهودي الأميركي لإسرائيل أصبح معرضا للخطر".

وتتقاطع هذه الوقائع مع تباين آخر في المواقف بين إسرائيل ويهود الولايات المتحدة على خلفية قيام رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو بتعميق الانقسام مع الحزب الديمقراطي، وأساساً من طريق تعزيز تحالفه مع عتاة المسيحيين الأفنجيليين من قادة وأنصار الحزب الجمهوريّ، والذين يعتبرهم مؤيدين متحمسين لإسرائيل وسياستها الإقليمية ولا سيما حيال المسألة الفلسطينية وسبيل تسويتها.

وكنا أشرنا في تقرير خاص سابق (29/5/2018) إلى أنه مع اقتراب الانتخابات النصفية، التي ستجري في الولايات المتحدة في تشرين الثاني المقبل، تتزايد في إسرائيل الأصوات التي تحذّر من مغبة المُضي قدماً هذا المسار. وقالت بعض تلك الأصوات إنه كلما اتجهت إسرائيل نحو اليمين، ازداد تأثير الأفنجيليين في العلاقات بين الدولتين، وإن انتخاب دونالد ترامب أدّى إلى وصول هذا التأثير إلى الذروة، كما ثبت من خلال الجمهور الذي حضر الاحتفال غير المسبوق بنقل السفارة الأميركية إلى القدس يوم 14 أيار 2018. في الوقت نفسه يسعى السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة رون دريمر، الذين انضم إليه مؤخراً نظيره في إسرائيل ديفيد فريدمان، لأن يكون التأييد الأميركي لإسرائيل معتمداً حصرياً على الأفنجيليين، الذين يدعمون السياسة الصقرية والرافضة لإسرائيل إزاء الفلسطينيين. وبرأي تلك الأصوات، فإن هذا التضافر يتسبب بتآكل إضافي في مكانة إسرائيل وسط مراكز قواها التقليدية، وفي طليعتها يهود الولايات المتحدة، الذين يعتبرون الأفنجيليين خطراً حقيقياً على قيمهم.

وداخل هذا كله تم إطلاق تحذير فحواه أن نتنياهو يقوم على نحو خطر بربط حكومته بفصائل محافظة وأفنجيلية في الحزب الجمهوري، ويزيد من الانقسام مع الديمقراطيين، وأنه إذا ما تم انتخاب رئيس وكونغرس ديمقراطيين في العام 2020، فسيشكل ذلك مشكلة خطرة لإسرائيل في حال استمرار بقاء نتنياهو في سدّة الحكم.