تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 1403
(*) تشهد إسرائيل في الآونة الأخيرة سلسلة من أعمال الاحتجاج ذات الطابع الاقتصادي - الاجتماعي، والتي تميزت إلى الآن بنزول محتجين إلى الشوارع وعدم الاكتفاء بالتقوقع في نطاق الشبكات الاجتماعية مثل "فيسبوك".

 وتعتبر أعمال الاحتجاج على خلفية أزمة السكن المتفاقمة والمطالبة بخفض أسعار الشقق السكنية الأهم والأكبر والأوسع، والأكثر تأثيرا على مستقبل السياسة الاقتصادية - الاجتماعية في إسرائيل.

إعداد وحدة "المشهد الإسرائيلي"
كذلك يشهد جهاز الصحة أزمة واسعة تتمثل في قيام الأطباء والممرضات بتشويشات في العمل منذ أربعة شهور تقريبا.
ولا تزال أعمال الاحتجاج على رفع أسعار منتجات الألبان، من خلال دعوات على شبكة "فيسبوك" بالأساس، تتفاعل وقد أرغمت شركات إنتاج الألبان ومشتقاتها على عدم رفع الأسعار.
وأدت أعمال الاحتجاج هذه إلى حراك واسع النطاق في الحلبة السياسية الإسرائيلية تراوحت ما بين إعلان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، اليميني المتطرف اقتصاديا، إضافة إلى نهجه السياسي اليميني المتطرف، عن نيته إجراء إصلاحات اقتصادية، وبين ظهور مؤشرات إلى احتمال نشوء أزمة سياسية داخلية بعد تهديد أطلقه رئيس حزب شاس ووزير الداخلية، إلياهو يشاي، بالانسحاب من التحالف الحكومي في حال عدم إجراء إصلاحات لحل أزمة السكن.
وتناول المحللون الإسرائيليون هذه الأعمال، وخصوصا تلك المتعلقة بأزمة السكن، بشكل مكثف. ولم يتردد محللون من صناع الإجماع الصهيوني، وربما لأول مرة، في الربط بين أزمة السكن المتفاقمة داخل الخط الأخضر والأموال الطائلة التي تم استثمارها في المشروع الاستيطاني في  الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967.
 
 
تجدر الإشارة بداية إلى أمر هام، فالإسرائيليون ابتعدوا في الأعوام الأخيرة عن المبادرة إلى نشاطات احتجاج ميدانية، في الشوارع والميادين، لعدة أسباب، بينها تخديرهم بالقضايا الأمنية والسياسية، إلى جانب سيطرة اليمين على الحكم والإعلام. وعندما بدأ الاحتجاج على رفع أسعار منتجات الألبان، التي كانت ولا تزال تجري بالأساس من خلال شبكة "فيسبوك"، تعالت أصوات تتوقع بأن يتخلى الإسرائيليون عن الشارع، كموقع للاحتجاج. واعتبرت هذه الأصوات أن الاحتجاجات أخذت تنحصر في شبكة الانترنت ومواقعها الاجتماعية. وفي موازاة ذلك كانت هذه الأصوات تشير إلى الفرق بين إسرائيل، التي لا تطالب الاحتجاجات فيها بسقوط الحكومة، وبين الاحتجاجات التي تعم دولا عربية، وتطالب بسقوط أنظمتها. ولم يكن خافيا موضوع إعجاب الإسرائيليين بالاحتجاجات العربية، وفي الوقت نفسهم تخوفهم منها. لكن ما حدث أخيرًا هو أن مظاهر الاحتجاج في إسرائيل، ولا سيما المتعلقة بأزمتي السكن والصحة، انتقلت إلى الشارع وقرعت أبواب المؤسسة السياسية.
اتساع الاحتجاج على أزمة السكن
بدأ الاحتجاج على أزمة السكن يوم الخميس (14.7.2011)، بمبادرة طلاب من جامعة تل أبيب يعانون من ارتفاع أجور السكن، ومواطنين عاديين يواجهون صعوبة في شراء شقق بسبب الارتفاع الهائل في أسعارها. وبدأ الاحتجاج بنصب عشرين خيمة في "جادة روتشيلد" في قلب تل أبيب، وسرعان ما انضم إليهم مئات الطلاب والمواطنين وتجاوز عدد الخيام في المكان المئتي خيمة. وبعد يومين امتدت الاحتجاجات إلى مدن أخرى أقيمت في مراكزها الخيام، وبينها القدس وبئر السبع وحيفا وكريات شمونه والعفولة. وهكذا عم الاحتجاج جميع أنحاء إسرائيل تقريبا، من جنوبها إلى شمالها.وذكرت تقارير أن أسعار البيوت في منطقة تل أبيب تبدأ من 430 ألف دولار على الأقل، بينما تبلغ أجرة السكن 1900 دولار على الأقل. وتنخفض الأسعار في المدن الأخرى لكنها تعتبر مرتفعة قياسا بمعدل الدخل في إسرائيل.
وعكس مقال الإعلامي الإسرائيلي نتان زهافي في صحيفة "معاريف" (الأربعاء - 20.7.2011)، الحراك الحاصل على أثر هذا الاحتجاج واتساعه. وكتب زهافي أن "احتجاج الخيام بدأ يؤثر. وفجأة يقترح نتنياهو خطة لحل مشكلة السكن ويعد بمفاجآت في الأيام القريبة. ورئيسة المعارضة تسيبي ليفني تذكرت فجأة طرح اقتراح لنزع الثقة عن الحكومة حول موضوع السكن. ووزير الإسكان (أريئيل) أتيّاس، من شاس، يسحب خطة تشمل آلاف الشقق وبعضها للإيجار. أعضاء الكنيست خرجوا إلى الشوارع، وزاروا مواقع الخيام وصرحوا بأنهم يتماثلون مع هذا النضال".
 
 
 
وتساءل زهافي "ماذا يحدث هنا؟ ما الذي جعلهم جميعا يقفزون؟ توجد إجابة واحدة وهي ’أنهم خائفون... إنهم خائفون’، كما قال نتنياهو ذات مرة في وضع آخر. إنهم يخافون من الذين يفتقرون إلى السكن ومن طلاب الجامعات، ويخافون من انضمام الأطباء المتدربين والعاملين الاجتماعيين، وزوجات الشرطيين وعمال المقاولين المسحوقين، وهم ربما يخافون أكثر شيء من أن يتحولوا إلى هدف مثلما حدث في تونس وليبيا ومصر وسورية واليمن واليونان وفرنسا وإسبانيا، وأن تخرج الحشود إلى الشوارع للإطاحة بهم".
وذكرت تقارير إسرائيلية أن اتحاد الطلاب الجامعيين قرر تصعيد احتجاجاته، وأنه في موازاة النشاط المركزي المتمثل في نصب خيام الاحتجاج يجري التخطيط لاقتحام المئات من الطلاب الجامعيين للمباني السكنية الفخمة الشهيرة التي يسكنها الأثرياء وشخصيات عامة في تل أبيب ومدن أخرى بهدف لفت أنظار الحكومة وكي لا يتم إنزال الموضوع عن الأجندة العامة. ويعتزم الطلاب، بعد اقتحام هذه المباني، إغلاق أبوابها من الداخل والصعود إلى أسطحها ورفع لافتات تدعو إلى سن قوانين للسكن بحيث يتمكن المواطنون من الحصول عليه. ونقلت "معاريف" عن مصادر في اتحاد الطلاب الجامعيين قولها إن "الهدف من هذا النشاط هو جعل الحكومة تتألم". وقال رئيس اتحاد الطلاب الجامعيين، ايتسيك شمولي، إنه "في الأيام القريبة المقبلة ستشعرون جميعا بقوة احتجاج الطلاب".
 
نتنياهو: البيروقراطية هي السبب!
من جانبه اعتبر نتنياهو أن البيروقراطية هي سبب ارتفاع أسعار السكن إضافة إلى عدم وجود منافسة في هذا الفرع وفي فروع أخرى. وقال خلال اجتماع حكومته الأسبوعي (الأحد – 17.7.2011): "إنني أعي أزمة استئجار البيوت. وأعي أزمة السكن عموما. وتقوم الحكومة هنا بأمور من أجل تصحيح هذه العلة التي تلاحق دولة إسرائيل على مدار سنين طويلة. نحن دولة صغيرة، ويوجد لدينا طلب كبير جدا على الشقق، للشراء والاستئجار على حد سواء، ولا يوجد عدد كاف من الشقق لأن لدينا بيروقراطيتين جنونيتين تمنعان تخطيط الشقق، [إذ] يستغرق اليوم أكثر من خمس سنين للتخطيط لشقة في إسرائيل، وتمنعان تسويق الشقق. ونحن نعالج هذين الأمرين في هذه الأيام".   
 
وتعهد نتنياهو بأن تطرح الحكومة في غضون أسبوعين "قانونين تاريخيين تنتظرهما دولة إسرائيل وتتمناهما، وبمقدورهما معا فقط التسبب ببداية حقيقية لحل أزمة السكن. وبودي القول مسبقا: إن هذا الأمر سيستغرق ما بين سنة وثلاث سنوات ليتسنى طرح عشرات آلاف الشقق في السوق. لكن هذا ما سيحل [الأزمة]، وهذا هو الحل الحقيقي. ومن يريد المساعدة، فليساعدنا في تمرير هذين الأمرين".
وتطرق نتنياهو إلى ارتفاع أسعار منتجات الألبان أيضا، وقال إن "ثمنها مرتفع فعلا. وسنجري بحثا في الحكومة من أجل وضع خطة إصلاح أساسية لفرع الألبان وفرع المواد الغذائية أيضا. وأعلن سلفا أن لدي ثلاثة مبادئ توجهني في هذه الأبحاث: المبدأ الأول هو المنافسة، المبدأ الثاني هو المنافسة، والمبدأ الثالث هو المنافسة. المنافسة ستخفض الأسعار للمستهلك. والمنافسة ستوفر لنا الحل".
 
وقالت زعيمة المعارضة، تسيبي ليفني، لموقع "يديعوت أحرونوت" الالكتروني (الاثنين – 18.7.2011) حول أزمة السكن إن "الاحتجاج ليس في تل أبيب فقط، ولا يعكس مشكلة السكن فقط. فلدينا هنا أشخاص طيبون، صهاينة، يعملون، خدموا في الجيش، يتعلمون، يريدون إقامة عائلة، وعمليا، تل أبيب اختيرت صدفة. وأنا ألتقي الأشخاص في الجليل والنقب". ودعت ليفني إلى زيادة الشقق المعروضة للبيع والإيجار وتشجيع انتقال الأزواج الشابة للسكن في النقب والجليل وتشجيع بناء الشقق للإيجار. واعتبرت أن "تشجيع الشبان على الانتقال للسكن في النقب والجليل هو مصلحة وطنية. وعلى الحكومة الاهتمام بكافة الدوائر، التشغيل والسكن والتعليم والصحة. والمشكلة ليست تل أبيب فقط، وهذه ليست مشكلة دولة تل أبيب فقط وإنما مشكلة دولة إسرائيل". 
وفيما يتعلق بحركة الاحتجاج قالت ليفني "إنني راضية جدا من صحوة الجمهور. فهؤلاء أشخاص يحاربون على الحق. وهم ليسوا مساكين وليسوا سياسيين بالمفهوم الحزبي". ودعت إلى خفض الضرائب على السكن.
 وبرز خلال الأيام الأولى لاحتجاجات أزمة السكن حراك سياسي تمثل في إطلاق أعضاء كنيست تصريحات مؤيدة للاحتجاج وزيارة موقع الخيام في تل أبيب، الذي ألقيت فيه الخطابات. ووصلت عضو الكنيست ميري ريغف، من حزب الليكود والناطقة العسكرية السابقة، إلى موقع الخيام في اليوم التالي لنصبها. وانتقدت المحتجين معتبرة أنهم ينتمون إلى المعارضة واليسار الإسرائيلي. وعلى أثر ذلك طردها المحتجون من المكان، وحتى أن أحدهم سكب عليها كأس ماء. وأعلنت ريغف لاحقا أنها قدمت شكوى إلى الشرطة ضد المحتجين.
ودفع الاحتجاج على أزمة السكن المعارضة إلى طرح اقتراح بحجب الثقة عن الحكومة في الكنيست. وقال عضو الكنيست روبرت طيفاييف من حزب كاديما، في بداية جلسة الكنيست مخاطبا نتنياهو، إن "جادة روتشيلد ستتحول إلى ميدان التحرير ضد حكومتك"، في إشارة إلى ميدان التحرير في القاهرة الذي شهد الاحتجاجات التي أدت إلى الإطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك.
وأضاف طيفاييف أنه "فيما تنشغل الأحزاب بقوانين غريبة [في إشارة إلى قانون منع مقاطعة المستوطنات، وقانون تشكيل لجان تحقيق ضد منظمات حقوق الإنسان]، فإن الجمهور الواسع يعاني. وهو ليس بحاجة إلى هذه القوانين الغريبة، وهو يريد بكل بساطة الحصول على شقة، وكسب الرزق باحترام... أن يسكن في شقق وليس في كرافانات. وماذا بإمكاني أن أقول للشبان في [جادة] روتشيلد؟ أن يسكنوا في الأطراف؟ هذا كذب مطلق. فأنا أسكن في أوفاكيم، حيث لا توجد مواصلات عامة، ولا تعليم ولا حتى رئيس بلدية... ماذا أقول لهم؟ إن نتنياهو يقوم بإصلاح؟ إنني أريد أن أقول لهم لا تصدقوا هذه الإصلاحات. وأريد أن أقول لنتنياهو: جادة روتشيلد يمكن أن تكون ميدان التحرير ضد حكومتك".
ورد وزير الإسكان، أريئيل أتياس، من حزب شاس، باسم الحكومة قائلا إن الاحتجاج ضد رفع أسعار منتجات الألبان كان ذكيا وسهلا فيما يتعلق بتنفيذ الحل. وأضاف أنه خلافا لذلك فإن أزمة السكن لا تتعلق بمنتوج واحد وإنما "الحديث يدور على 120 ألف صفقة في كل سنة، بينها 80 ألف صفقة لبيع شقق مستعملة، وهؤلاء أشخاص عاديون يحاول كل واحد منهم الحصول على أعلى ثمن لشقته وبحق".
وأضاف أتياس أن "الأسعار في تل أبيب مرتفعة وستبقى مرتفعة، لأنه ليس لدينا أراض، لكن لدينا حل، وهو السكن حولها مثلما يحدث في عواصم العالم. وتل أبيب هي المدينة الأهم من حيث سكانها. والاحتجاج الجاري شرعي وعادل. ومن يتوقع أن تنخفض أسعار الشقق أو الإيجار بخمسين بالمئة فإنه مخطئ ومضلِل. واقتراحي بسيط وهو أن تتحركوا قليلا. ومن يريد السكن هناك بالذات عليه أن يعلم أنه في كل مكان في [عواصم] العالم يكلف هذا مالا أكثر".
 
رئيس شاس يهدد بإسقاط الحكومة
من جانبه قال رئيس شاس ووزير الداخلية، إلياهو يشاي، للإذاعة العامة الإسرائيلية (الثلاثاء – 19.7.2011) إن على الحكومة أن تخفض أسعار الأراضي بشكل كبير وأن تعطي أراضي للمقاولين مجانا وأن لا تكون هناك فوائد على قروض الإسكان التي يأخذها مواطنون لا يملكون بيوتا. وأضاف أن "عدم تحقيق الحكومة أرباحا من بيع الشقق ليس كارثة". وهدد يشاي بأن "شاس سوف يبلور حلا للأزمة وإذا لم تتم الموافقة عليه فإن الحزب لن يتردد في الانسحاب من التحالف الحكومي".
لكن أعضاء الكنيست من التحالف الحكومي يرون أن هذه الاحتجاجات لن تؤثر على الحكومة أو على شعبية نتنياهو في الانتخابات العامة المقبلة.
وقال قيادي في حزب الليكود لصحيفة "هآرتس" (الأربعاء – 20.7.2011)، إنه "لا يوجد لهذا الاحتجاج تأثير حقيقي على شعبية نتنياهو والوزراء أو على الليكود. فمن تذكر في الانتخابات الأخيرة احتجاج مرضى السرطان الذي هزّ الدولة لعدة شهور قبل ذلك؟ لم ينتقم أحد من حزب كاديما أو من أي حزب  آخر بسبب ذلك الاحتجاج الجماهيري، رغم أن مرضى السرطان الذين خاضوا النضال نالوا دعما جماهيريا أوسع بكثير، في أعقاب إسقاط أدوية منقذة لحياتهم من سلة الأدوية. واحتجاج الخيام اليوم أقل أهمية بكثير".
وأضافت "هآرتس" أن مقربين من يشاي، الذي هدد بالانسحاب من الحكومة، لا يتوقعون أزمة سياسية فورية في إسرائيل. وقال هؤلاء المقربون إن يشاي لا يرى أن الاحتجاج على السكن سياسي وأن استعداده للانسحاب من التحالف ليس فوريا أو مؤكدا وأنه "يفضل الاستقرار على الأزمة".
كذلك استبعد الكثير من السياسيين أن يؤدي الاحتجاج إلى تقديم موعد الانتخابات العامة. ونقلت الصحيفة نفسها عن مصدر سياسي قوله إنه لا توجد مصلحة لدى أحد في الكنيست بأن تجري الانتخابات في الفترة القريبة، ولذلك فإنه لا يوجد احتمال بأن تسقط الحكومة على خلفية الاحتجاج. وأضاف هذا المصدر السياسي أنه "يجب التفريق بين مرحلة المؤثرات، الذي يتواجد فيها الاحتجاج الآن، وبين التأثير الحقيقي الذي قد يحدثه. والاحتجاج في تل أبيب، وخصوصا بعد سكب الماء على ميري ريغف، يعتبر احتجاجا سياسيا يقوم به اليسار، كما أنه احتجاج ينطوي على هذيان". لكن المصدر أردف أنه "إذا اشتد الاحتجاج واتسع بشكل كبير إلى بقية أنحاء البلد، فربما سنضطر إلى البدء بالقلق".
ورغم وعود نتنياهو بوضع حلول لأزمة السكن إلا أن حكومته لا تطرح اقتراحات عملية. وقال تقرير نشرته صحيفة "ذي ماركر" التابعة لـ "هآرتس" (الأربعاء – 20.7) إن نتنياهو وأتياس يخططان لإضافة 5000 شقة جديدة تباع بأسعار رخيصة ومبنية في أراضي الدولة. وتبين أن وزارة المالية تعارض هذه الخطة لأن الشقق الجديدة ستخصص بالأساس للحريديم.
 
 
أزمة السكن والاستيطان
خلال أسبوع الاحتجاج ضد أسعار السكن برز مقال المحلل السياسي في "معاريف"، بن كسبيت، الذي ربط بين أزمة السكن والاستيطان. وأشار إلى أن جزءا ليس كبيرا من الجمهور الإسرائيلي يؤيد إبقاء المستوطنات كلها بينما يؤيد جزء أصغر إخلاء جميع المستوطنات، وأن أغلبية الإسرائيليين تتخذ موقفا وسطيا، أي إخلاء مستوطنات معزولة وإبقاء المستوطنات التي تقع في ما يسمى بـ "الكتل الاستيطانية".
لكن كسبيت، الذي يعتبر محللا من قلب الإجماع الصهيوني، رأى أن ثمة صلة بين الاستيطان وبين أزمة السكن في إسرائيل "بسبب المبلغ الذي تم استثماره في المستوطنات حتى اليوم. فالحديث يدور على عشرات مليارات الدولارات، إن لم يكن أكثر. وعلى مدار عشرات السنين استثمرت إسرائيل مبالغ خيالية، ولا يمكن استيعابها، قياسا بحجمنا، في تنفيذ مشاريع بناء في المناطق [الفلسطينية]: شراء أراض بالجملة، إقامة بنى تحتية، بناء متسارع، تسويق مساكن بأسعار منخفضة، وأحيانا تكون أقل من سعر التكلفة، وبالطبع هناك شبكة  الشوارع الغالية بشكل مخيف والمؤدية إلى أماكن ثمة احتمال كبير بأن لا نتواجد فيها في نهاية المطاف".
وأضاف الكاتب أن "ثمة من يعتقد أن الحكومات المتعاقبة فعلت ذلك عمدا. خلقت أزمة سكن في وسط البلد وفي الأطراف أيضا، بهدف خلق وضع يضطر فيه الإسرائيليون إلى السكن في المناطق ويجدون أنفسهم مستوطنين بالقوة... تخيلوا أن كل هذا التغول الاستثماري في المناطق، والذي يعرف نتنياهو أيضا أن قسما كبيرا منها لن يبقى بأيدينا إلى الأبد وقد قال ذلك، لم يكن أصلاً. وأن إسرائيل لم تكذب على نفسها وأنها كانت ستفضل تحويل هذه المبالغ الطائلة إلى الاستثمار في داخلها. بالإمكان الإقرار بكل تأكيد أنه لو أن هذه الأموال ذهبت إلى البنى التحتية في الأطراف، في النقب والجليل، ولو تم رصدها لصالح الأزواج الشابة، ولإضافة أماكن عمل
وإيجاد كمية كافية من  البيوت التي  بإمكان المواطن العادي شراءها، لكان بحوزة كل زوجين شابين اليوم شقة للشتاء وأخرى للصيف، وكلتاهما بسعر معقول. هذا ما سيقوله لكم معظم الاقتصاديين. وهذا هو الواقع".
وتابع كسبيت أنه "عندما يتحدثون عن أزمة السكن وعن الوضع الذي لا يحتمل والذي لا يمكن فيه الوصول إلى [امتلاك] شقة في هذه البلاد... ينبغي أن نتذكر الخيار الذي اختارته إسرائيل. إنه خيار نحاول التهرب منه وتجاهله. الخيار بين توجيه الموارد الوطنية إلى داخل البلاد وبين توجيهها إلى المناطق المتنازع عليها خلف الخط الأخضر... ومن يستثمر معظم موارده هناك، في يهودا والسامرة، وغوش قطيف رحمه الله [الكتلة الاستيطانية في قطاع غزة التي تم إخلاؤها] وهضبة الجولان، فإنه سيبقى بدون موارد هنا. نقطة".
من جانبه أشار المحلل الاقتصادي - الاجتماعي في "هآرتس"، نحميا شترسلر، إلى الفرق بين أزمة أسعار منتجات الألبان وأزمة أسعار السكن. وكتب أن "نتنياهو قلق فعلا. فقضية الألبان ما زال بإمكانه معالجتها. ولديه الأدوات للقيام بذلك. لكن قضية السكن هي قضية عملاقة. فهناك لا يدور الحديث على تخفيض الأسعار بشيكل ونصف شيكل. الحديث هناك يدور حول سوق كبيرة وشائكة، مع مصالح كثيرة، وأسعار شقق تتصاعد وأسعار إيجار جنونية. والحديث يدور على ملايين كثيرة وربما مليارات... والشبان المتواجدون في الخيام في جادة روتشيلد يريدون كل شيء: يريدون السكن في تل أبيب، وخصوصا في وسطها، ويريدون أن تنخفض أجرة السكن وأن تكون منطقية، ويريدون أن يتمكنوا من شراء شقة في تل أبيب وتسديد قرض الإسكان من راتب متوسط، وهذا لا يمكن تنفيذه إلا إذا كان لديك والد ثري يشتري الشقة لك".
ولفت شترسلر إلى أن قسما من سكان تل أبيب "يوجه أسئلة إلى الشبان: لماذا ينبغي أن تسكنوا في وسط تل أبيب حصرا؟ اذهبوا واسكنوا في الأطراف، في عسقلان، ومن هناك تسافرون كل صباح إلى العمل في تل أبيب. فأجرة  السكن هناك متدنية. ويجيب الشبان أنه لا يمكن السفر كل صباح من عسقلان إلى تل أبيب، لأنه لا توجد مواصلات عامة طبيعية، لا من عسقلان إلى تل أبيب ولا في داخل تل أبيب، وبهذا هم محقون. عدا عن ذلك فإنهم يريدون السكن في المدينة الكبرى. وقالت إحدى الشابات المحتجات في تل أبيب إنه ’هنا فقط توجد حياة. أين بالإمكان تنظيم مظاهرة كهذه في عسقلان ومن سيحضر؟ ماذا بالإمكان أن افعل هناك في المساء؟ أنا أحب  تل أبيب وأريد السكن هنا فقط’. إنهم يتحدثون عن ثورة اجتماعية، عن تغيير كبير، عن أنهم لن يغادروا مكان الاحتجاج حتى يتم إيجاد حل، والحقيقة هي أنهم يبدون مصرين على ذلك كله. والسلطة لا يمكنها أن تبقى لا مبالية تجاههم، خصوصًا في العصر الذي تسقط فيه أعمال الاحتجاج في الشارع أنظمة بأكملها".
ورأى شترسلر أن "الحل الصحيح لمشكلة السكن موجود في ’أم كل الإصلاحات’ التي وعد بها نتنياهو قبل عام ونصف العام، والمقصود تحويل دائرة أراضي إسرائيل إلى ’سلطة الأراضي’ التي ستغرق الدولة بالأراضي [للبناء]، وتقصير إجراءات البناء المعقدة والمكلفة، لكن شيئا من هذا لم يحدث حتى الآن، وهذا إخفاق كبير".
 
الأطباء يصعدون
احتجاجهم
في موازاة الاحتجاجات ضد أسعار السكن، تصاعدت واتسعت بشكل كبير احتجاجات الأطباء، وخصوصا الأطباء المتدربين، الذين غادروا الأقسام التي يعملون فيها في المستشفيات في أنحاء البلاد، احتجاجا على ظروف عملهم. وجاء ذلك في أوج نضالهم النقابي الذي تمثل في تنفيذ تشويشات في العمل على مدار قرابة أربعة شهور. لكن محكمة العمل القطرية أصدرت قرارا بعد منتصف ليلة الأربعاء - الخميس (21.7.2011 - 20) يقضي بعودة الأطباء إلى عملهم. واعتبرت المحكمة أن النشاطات الاحتجاجية التي نفذها الأطباء غير قانونية لأن "أي نشاطات ليست في إطار نقابة الأطباء تعتبر غير قانونية وغير محمية". وجاء قرار المحكمة بعد مطالبة وزارة الصحة وصناديق مرضى بإصدار أمر احترازي يرغم الأطباء على العودة إلى العمل.
وذكرت تقارير صحافية أن قرار محكمة العمل القطرية جاء في نهاية يوم شهد احتجاجات واسعة خرجت عن سيطرة النقابة، بعدما تقرر أن ينظم كل مركز طبي تشويشات عن العمل خاصة به. وكان مقررا أن يعمل الأطباء في مستشفيي "رامبام" في حيفا و"مئير" في مدينة كفار سابا بشكل مقلص، لكن قرار المحكمة قد يغير ذلك ويرغم الأطباء على العمل بشكل عادي.
وجاء التصعيد في احتجاجات الأطباء المتدربين، الذين انضم إليهم أطباء أخصائيون وأطباء رفيعو المستوى تأييدا لنضالهم، رغم توصل نقابة الأطباء إلى اتفاق مع وزارة المالية يقضي بزيادة أجورهم بنسب تتراوح ما بين 40% إلى 45%. لكن الأطباء اعترضوا على هذا الاتفاق ويطالبون بإضافة ألف ملاك في المستشفيات في جميع أنحاء إسرائيل وبصورة فورية، بينما وافقت الحكومة على زيادة 650 ملاكًا على مدار السنوات الثلاث المقبلة. وأعلن أطباء محتجون عن نيتهم الخروج من صفوف نقابة الأطباء والانضمام إلى المنظمة النقابية التي تنظم الأطباء المتدربين المعروفة باسم "ميرشام". وقال رئيس منظمة "ميرشام"، الدكتور يونا فايسبوخ، إن الأطباء يطالبون أيضا برصد 1500 ملاك لأطباء يتم تعويضهم بأجر إضافي لقاء عملهم في مستشفيات عامة وأن لا يضطروا إلى العمل في العيادات الخاصة. ويشار إلى أن الأطباء المتدربين في إسرائيل يحصلون على أدنى أجر يتقاضاه الأطباء في الدول المتطورة.
وقال مدير عام منظمة "ميرشام"، يانيف يوغاف، إن المنظمة ستحترم قرار المحكمة، لكنها ستعمل على إلغاء قرارها "بكل وسيلة قانونية ممكنة". وأضاف أنه "يتم إسكات الأطباء المتدربين بصورة متطرفة وغير تناسبية ومن خلال المس بحقهم الأساس في الاحتجاج ضد ظروف تشغيلهم والظروف الخطرة التي يعاني منها المرضى". وهدد رؤساء "ميرشام" بتنظيم مظاهرات وتقديم الأطباء استقالات جماعية في حال عدم الاستجابة لمطالبهم.
وقبل صدور قرار المحكمة ترك قرابة 300 طبيب متدرب وأخصائي الأقسام التي يعملون فيها  في مستشفى "إيخيلوف" في تل أبيب وانطلقوا في مسيرة وأغلقوا لدقائق قليلة مفترق طرق مركزيا في المدينة. وهتف الأطباء بشعارات تطالب نتنياهو بالاستقالة وأخرى تطالب بتحسين الجهاز الصحي. ووصل المتظاهرون إلى مقر نقابة الأطباء في مدينة رمات غان، بعد أن انضمت إليهم مجموعات أخرى من الأطباء الذي خرجوا من مستشفيات أخرى.
كذلك خرج نحو 300 طبيب متدرب وأطباء  كبار من مستشفى "رامبام" في حيفا وأغلقوا المدخل الجنوبي للمدينة لعدة دقائق أيضا. وذكرت تقارير صحافية أن 200 من بين 300 مديري الأقسام والأطباء الكبار في مستشفى "مئير" انضموا إلى المحتجين ودعوا رؤساء نقابة الأطباء إلى الاستقالة على خلفية موافقتهم على "الاقتراحات غير الكافية" التي طرحتها وزارة المالية. وأعلن الأطباء الكبار أنه سينفذون إجراءات نقابية تتمثل في تشويش العمل، والعمل بطواقم مقلصة.
وخلال مظاهرة الأطباء من مستشفى "إيخيلوف"، أعلن الطبيب الأخصائي الدكتور غلعاد ريطن، خلال خطابه أمام المتظاهرين، أن "هذا ليس نضال الأطباء المتدربين وحدهم فقط، وإنما هو نضالنا جميعا. ولكل جانب مصالحه الخاصة، فالأطباء المتدربون يريدون العمل في أقسام جيدة للتخصص والحصول على وظيفة ثابتة في المستشفى ولا يريدون أن يلحق ضرر بعقود تشغيلهم. لكن عدا هذه الاعتبارات فإنه نشأت هنا وحدة في المصالح ونضال مشترك من أجل مستقبل الطب العام. وقد بدأ الأطباء المتدربون النضال وأنا أؤيدهم سوية مع زملائي الأطباء الكبار".
وأشار ريطن إلى ظروف عمل الأطباء المتدربين وقال إنهم يتقاضون أجرا يعادل 24 شيكل في الساعة بينما يحصل عمال النظافة في المستشفيات على 29 شيكل في الساعة، وأكد أن "هذا ينطوي على ظلم بالغ".