تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 1832

سيطرت قضية قيام جندي إسرائيلي بإعدام الشاب الفلسطيني عبد الفتاح الشريف في الخليل الأسبوع الماضي، على الساحة الإعلامية في إسرائيل، وذلك لأنها أحدثت سجالا عاصفا داخل صفوف القيادة اليمينية واليمينية المتطرفة في الحكومة خصوصا.

ويبدو أن هذا السجال العاصف سيؤثر على قرار الشرطة العسكرية بشأن تحقيقها مع الجندي القاتل، وعلى قرار المدعي العسكري العام أيضا، حول التهمة التي ستوجه للجندي، بعد أن أبلغه أحد المحققين خلال جلسة تمديد اعتقاله في المحكمة العسكرية في يافا، يوم الجمعة الماضي، بأنه مشتبه به بالقتل العمد.

وكشفت القناة الأولى للتلفزيون الإسرائيلي، أول من أمس الأحد، عن أن النيابة العسكرية تميل إلى اتهام الجندي القاتل ليس بالقتل العمد، وإنما بالقتل غير العمد أو التسبب بالموت جراء إهمال.

وكتب الناطق العسكري الإسرائيلي، مردخاي ألموز، في صفحته على "فيسبوك"، أول من أمس، أن "الجندي موجود في التحقيق. ونحن نسمع ما يقوله وسنستمر في ذلك. نستمع إلى روايته وأجهزة تطبيق القانون والمحكمة هي التي ستقرر. ولن نتخلى عنه".

ويظهر من أقوال الناطق العسكري والمعلومات التي كشفتها القناة الأولى حول "ميول" النيابة العسكرية، أنه ربما يكون هناك تراجع من جانب الجيش عن التوجه الذي بدا في أعقاب عملية الإعدام.

ردود الفعل الأولية

أقدم الشابان الفلسطينيان رمزي القصراوي وعبد الفتاح الشريف على تنفيذ عملية طعن في حي تل الرميدة في مدينة الخليل صباح يوم الخميس الماضي. وأطلق جنود إسرائيليون النار عليهما، ما أدى إلى استشهاد القصراوي على الفور وإصابة الشريف بجروح خطرة.

وبينما كان الشريف ممددا على الأرض وعاجزا عن الحراك بسبب إصابته، كما أكد شريط مصور التقطه متطوع فلسطيني في منظمة "بتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية، قام جندي حضر إلى الموقع بعد 11 دقيقة من العملية، بإطلاق رصاصة على رأس الشريف أدت إلى استشهاده.

وبعد انتشار الشريط المصور في وسائل الإعلام المحلية والعالمية، وبدا بشكل واضح ولا لبس فيه أن الشريف تعرض للإعدام، أطلق مسؤولون إسرائيليون تصريحات مستنكرة لسلوك الجندي القاتل.

وقال رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إن "ما حدث في الخليل لا يمثل قيم الجيش الإسرائيلي. والجيش الإسرائيلي يتوقع من جنوده التصرف ببرودة أعصاب ووفقا لتعليمات إطلاق النار".

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، موشيه يعلون، إنه "يحظر علينا السماح، عندما تغلي الدماء في عروقنا، بأن نفقد السيطرة على النفس بهذا الشكل... وويل لنا إذا عملنا بصورة مخالفة لقيمنا الأخلاقية ولضميرنا".

وقال ألموز إن "الصور تتحدث بنفسها. هذا ليس الجيش الإسرائيلي ولا قيم الجيش. ورئيس أركان الجيش (غادي أيزنكوت) تحدث مع قائد الجبهة الوسطى وكلاهما يريان هذا الأمر بخطورة، ورئيس الأركان أمر باستنفاد الإجراءات مع الجندي".

بعد ذلك أصدر الناطق العسكري بيانا، قال فيه إنه "يتبين من التحقيق الأولي أن الحديث يدور عن حدث خطير يتناقض مع روح الجيش الإسرائيلي ومع ما هو متوقع من الجنود والضباط الإسرائيليين. وعلى ضوء قرائن التحقيق الأولي الذي أجراه ضباط تم فتح تحقيق للشرطة العسكرية. وتم إقصاء الجندي عن مهامه إلى حين انتهاء التحقيق".

وفي اليوم التالي، الجمعة، تم إحضار الجندي القاتل إلى المحكمة العسكرية في يافا، وقالت وسائل إعلام إن أحد المحققين قال للجندي إنه مشتبه بالقتل العمد.

في أعقاب ذلك انبرى وزراء وأعضاء كنيست من اليمين للدفاع عن الجندي القاتل وطالبوا بوقف التحقيق معه وإطلاق سراحه.
وادعى رئيس حزب "البيت اليهودي" ووزير التربية والتعليم الإسرائيلي، نفتالي بينيت، أن "هذا الجندي ليس قاتلا. ومجرد طرح هذا البند واستخدام عبارة ’القتل العمد’ يدل على ارتباك أخلاقي عميق".

ووصفت وزيرة العدل الإسرائيلية، أييليت شاكيد، الانتقادات الإسرائيلية لجريمة الجندي القاتل بأنها "تصريحات منفلتة" من جانب سياسيين ووسائل الإعلام. وبررت شاكيد الجريمة بالادعاء أن "جنودنا موجودون في وضع ليس بسيطا، ويمنعون بأجسادهم عمليات كثيرة. ويجب جعل الجيش يحقق بهدوء".

كذلك برر رئيس حزب "يسرائيل بيتينو (إسرائيل بيتنا)"، أفيغدور ليبرمان، الجريمة معتبرا أنه "ربما يخطئ جندي في الـ19 من عمره في ترجيح الرأي، لكن هذا لا يبرر تهجم رئيس الحكومة ووزير الدفاع عليه". وهاجم ليبرمان "بتسيلم" قائلا إن "هذه جماعة من الخونة بكل معنى الكلمة".

وعلى ضوء تصريحات اليمين المتطرف تراجع نتنياهو عن تصريحه الأول، واعتبر لدى افتتاح اجتماع حكومته الأسبوعي، أول من أمس، أن "تفنيد أخلاقيات الجيش الإسرائيلي هو أمر مرفوض وشائن. وجنود الجيش الإسرائيلي يحافظون على قيم أخلاقية عالية وهم يحاربون بشجاعة قتلة متعطشين للدماء في ظروف عملياتية صعبة. إنني متأكد من أنه في أي حال من الأحوال، وفي هذه الحالة أيضا، التحقيق الذي يتم إجراؤه حول ملابسات الحادث يأخذ بعين الاعتبار كل الظروف ذات الصلة. يجب علينا جميعا أن ندعم رئيس هيئة الأركان العامة والجيش الإسرائيلي وجنودنا الذين يحافظون على أمننا".

والدة الجندي ليعلون: تذكر تصفية أبو جهاد

تبين أن الجندي القاتل ينتمي إلى اليمين المتطرف، ويمجد الحاخام الفاشي مئير كهانا، وله علاقة مع رئيس حركة "ليهافا" الإرهابية، بنتسي غوبشطاين، ومع منظمة "لا فاميليا" العنصرية في القدس. وأظهرت صور أنه بعد إعدامه الشريف صافح ناشط اليمين المتطرف باروخ مارزل.

وكشفت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن أحد الجنود الذي تواجد في موقع إعدام الشريف، أكد في شهادته أمام محققي الشرطة العسكرية، أن الجندي القاتل قال له إن "المخرب الذي طعن زميلنا يجب أن يموت".

وأضاف الجندي الشاهد أنه حاول تهدئة الجندي القاتل وقال له إن جراح الجندي المصاب طفيفة وسيكون على ما يرام. وبعد أن قال الجندي القاتل إن "المخرب الذي طعن يجب أن يموت"، أبلغ الجندي الشاهد الضابط بهذه الأقوال.

واللافت أن لا أحد ينفي واقعة إعدام الشريف. فقد كتبت والدة الجندي القاتل رسالة إلى يعلون، طالبته فيها بأن "تذكر أنك وقفت مكان ابني، ولكن في غرفة أبو جهاد، وثبتّ القتل" في إشارة إلى أن يعلون كان قائد وحدة الكوماندوز "سرية هيئة الأركان العامة"، التي اغتالت القيادي الفلسطيني خليل الوزير في منزله في تونس، وأن يعلون بنفسه أطلق الرصاصة الأخيرة عليه من أجل تثبيت القتل.

وطالب عضو الكنيست دافيد بيطان من الليكود بمنح الجندي القاتل العفو، مثلما تم منح العفو لأفراد جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) في قضية "الحافلة 300"، عندما أعدم عناصر الشاباك فلسطينيين اثنين من خاطفي الحافلة جرى اعتقالهما وهما على قيد الحياة.

وبحسب استطلاع نشرته القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، أول من أمس، فإن 57% قالوا إنه لم تكن هناك حاجة لاعتقال الجندي القاتل أو فتح تحقيق جنائي ضده، بينما أيد 32% فقط هذه الإجراءات.

ووصف 42% من المستطلعين إقدام الجندي على إعدام الشريف بأنه "عمل مسؤول"، ووصف 24% ذلك أنه "رد فعل طبيعي تحت الضغط"، وقال 19% إن الجندي القاتل خرق الأوامر العسكرية، ورأى 5% فقط أن الجندي ارتكب جريمة قتل متعمد.

واعتبر 68% أن انتقادات أيزنكوت ويعلون، والانتقاد المتردد الذي أطلقه نتنياهو، لم تكن مبررة، بينها اعتقد 21% فقط أنها مبررة.

ليست أول عملية إعدام

يشار إلى أن عملية إعدام الشريف ليست الأولى التي يقترفها أفراد الأمن الإسرائيليون، وقد جرى توثيق عملية إعدام فلسطيني جريح، بعد أن نفذ عملية طعن في يافا، الشهر الماضي، بتشجيع من مجموعة مواطنين إسرائيليين طالبوا شرطيا بقتله.

وتطرق كبير المعلقين في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ناحوم برنياع، أمس الاثنين، إلى عمليات الإعدام التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي، بدءا من النكبة وحتى اليوم، وشدد على أن "الجيش الإسرائيلي ربما يكون الأكثر أخلاقية في العالم قياسا بجيوش أخرى، لكن ثمة شكا فيما إذا كان أخلاقيا وفقا لمعاييره".

واستهجن برنياع تبرير سياسيين لإعدام الشريف، ورأى أنه "نشأ عندنا جيل جديد من الإسرائيليين الذين يسعون إلى الانتقام، وجيل جديد من السياسيين الذين يؤيدون مخالفي القانون. والقتل بدم بارد يعتبر بنظرهم عملا بطوليا، وتطبيق قوانين الجيش انهزامية".

وأضاف برنياع أنه "منذ بداية موجة العنف الحالية، تمرّ المعايير في المجتمع الإسرائيلي بعملية تغوّل. واللقاء بين الانفلات في الشبكات الاجتماعية والديماغوغية المنفلتة في المؤسسة السياسية هو مرض عضال يهدد أكثر الأجهزة حساسية في الجسد. ولا مفر من تسمية الوضع باسمه: هذه فاشية".

ورأى المحلل العسكري في الصحيفة نفسها، أليكس فيشمان، أن هدف حملة اليمين هو محققو الشرطة العسكرية والنيابة العسكرية، من أجل التأثير على قرارهم بخصوص الاتهامات التي سيوجهونها إلى الجندي القاتل.

وأضاف فيشمان أن اليمين الاستيطاني يسعى إلى دهورة الأوضاع في الضفة الغربية وإلى أن تعلن إسرائيل عن شن حرب ضد الفلسطينيين لأنه في وضع كهذا سيكون بالإمكان إطلاق النار بحرية أكبر.

واعتبر المحلل السياسي في صحيفة "يسرائيل هيوم"، دان مرغليت، أن التنديدات بالجندي القاتل من جانب يعلون وأيزنكوت، "كانت في محلها، رغم أن كثافتها يمكن أن تفسر على أنه صنع رأي عام ضد الجندي فيما التحقيق ما زال في بدايته".
وادعى مرغليت أن "المبادرة لإجراء التحقيق لم تأت بسبب نشر شريط بتسيلم، وإنما في أعقاب المعلومات التي نُقلت في القنوات القيادية للجيش الإسرائيلي".

ووفقا للمحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، فإنه "في الوقت الذي يدعم يعلون رئيس أركان الجيش أيزنكوت، يبدو أن زملاءه في الحكومة منشغلون بالنظر طوال الوقت إلى الخلف بعصبية، من أجل أن يتأكدوا من أن الجمهور الإسرائيلي لم يتطرف باتجاه اليمين أكثر منهم. وغالبيتهم يركبون على ظهر نمر، هو الرأي العام، الذي يعبر في الشبكات الاجتماعية على الأقل عن تأييد قوي وفج للجندي، ويخشى السياسيون من إغضاب الجمهور".

وأضاف هرئيل أن "اللافت هو أن أكثر ما أثار غضب المعلقين في الشبكات الاجتماعية، وعلى ما يبدو أثار غضب مقاتلين كثيرين، هو الجُرم المنسوب إلى الجندي، وذلك على الرغم من أن الحديث يدور عن مسألة مؤقتة وبند الاتهام قد يصبح لاحقا أخف بكل تأكيد".